|
|
 الطيب مصطفى.. "الثور في مستودع الخزف" (1)
|
"أعلن لكم أيها الأخوة بأننى متشائم مُتشائم متشائم بل إنى أكاد أُجزم أن تاريخ السودان الحديث لم يشهد أخطر من هذا الوقت العصيب الذى تتقلب فيه بلادنا فى برميل بارود لا يحول بينه وبين الانفجار إلا أن ينفجر" تصح هذه الجملة أن تكون مفتتحا لمقال يمكن أن يكتبه أي مثقف سوداني باستثناء مشايعي الإنقاذ ومناصريها الكبار على شاكلة السيد الطيب مصطفى الذي يمت بصلة قربى لرئيس الجمهورية ويبدو أنها المفتاح الوحيد الذي كفل له البقاء مديرا لواحد من أخطر الأجهزة الإعلامية والثقافية في البلاد على الرغم من قلة حيلته –فيما يبدو- في هذا المجال!!
بعبارات شبيهة ومتشائمة وقادحة أيضا بحق الدكتور جون قرنق سطر السيد مدير التلفزيون السابق واحدة من أسوأ المقالات وأكثرها ركاكة "فكرية" لم تظهره وحده بهذا المظهر الفكري "المتقشف" و"المفلس" وإنما كشفت الغطاء تماما عن الإنقاذيين وأوضحت أنهم بحاجة إلى سنوات كثيرة وجهد "خلاق" لكي يرقوا إلى مصاف الإلمام بشؤون السودان ومعرفة حراكه الثقافي.
والحقيقة لا يجد المرء بدا من أن ضم صوته تماما لصوت الزميل زهير السراج الذي شن حملة من الوزن الثقيل على السيد مصطفى بلغت حد التلميح لضحالة الرجل الذي كان يتولى ادراة التلفزيون وهو جاهل بمفاتح الثقافة في بلاده. وأنى له أن يدرك أن جدل الهوية السودانية مستعر منذ ستينات القرن الماضي وحزبه كان حسم سابقا هوية السودان بتذويبها في هوية هلامية تتلبس الدين بشكل سطحي ولا تكاد تلامس الثقافة، جمعتنا –قسرا- بأسامة بن لادن وكارلوس والظواهري أم ترى نسي الطيب مصطفى في غمرة الرغبة الجارفة في شن هجوم على الحركة الشعبية لم يعمل له حسابا ولم يتنبه إلى الجذور الثقافية العميقة للصراع في السودان.
المشكلة أن السيد مصطفى لا يدرك أبدا أن مثل هذا الاستعلاء الكريه الذي يمارسه ضد الثقافات الأخرى في السودان ، ومحاولاته الدؤوبة طيلة فترة "مشيخته" على التلفزيون السوداني في ابتسار الهوية السودانية فيما يراه هو وحزبه، بل ورؤيته –كما يشير السراج- أن تاريخ السودان بدأ في صبيحة 30 يونيو 1989، هو مصدر أساس من مصادر الاشعال والتحريض. ولعل ما لا يدركه السيد مصطفى أن الدعوة لسودان جديد تحظى بقبول واسع في أوساط المثقفين، كما أن محاججات "السودانوية" وحواراتها العميقة لا تتأسس على فراغ عريض بقدر تأسسها على عناصر ثقافية يجدها دعاتها منطقية ومتساوقة مع تاريخنا الورائي والعناصر التي تشكّل ثقافاتنا المختلفة.
ومعذور جدا هو الطيب مصطفى إذ يعتقد أن قرنق هو هولاكو السودان الجديد، لأنه غير عليم –طبعا- أن هولاكو نزح إلى الخرطوم منذ الصباح المشؤوم الذي حملت نسائمه أخبار الانقلاب فدخل السودان مذاك نفقا مظلما بفضل الطيب مصطفى وزمرته. لا يعلم بالطبع أنه وجماعته يمثلون هولاكو في أفظع صوره منذ أن حلوا ضيوفا غير مرغوب في وجودهم –بالقوة- في مؤسسات الحكم، لأنه لم ينزل إلى الشارع السوداني ولم يتحسس أوجاع المواطنين. لم يذهب الطيب لمعاينة معاناة الناس في دارفور، ولم يفكر حتى في تأمل آلام السودانيين في جنوب السودان لأنه كان يكتفي هو ونظامه بإرسال "شحنات" المتفجرات وقصف القرى وقتل سكانها من الشيوخ والنساء والأطفال بحجة وجود جيوب "للتمرد" فيها.
يستنكر السيد الطيب مصطفى على السيد ادوارد لينو مسؤول الأمن فى حركة قرنق حديثه عن احتمالات اندلاع حرب أهلية شاملة فى الخرطوم بقوله "إنه لا يستبعد انفجار الملايين من الفقراء الغاضبين الذين يحاصرون الخرطوم بسياج كبير". ويصفه أنه " سم زعاف من الحقد الأعمى". لا يضير الطيب مصطفى موت آلاف السودانيين، ولا يهمه جوع الأطفال وموتهم بالمرض طالما هو وحزبه ينعمون بالسلطة والثروة. لكن الذي يضيره احتجاج هؤلاء واحتمالات تفجر غضبهم المكبوت.
إن الطيب مصطفى شأنه شأن "الثور في مستودع الخزف" فبعد أن حطم خزف التلفزيون السوداني وخلّفه جهازا اعلاميا متخلفا بكل المقاييس في حلبة التنافس الاعلامي الفضائي، مشيعا بالسخرية ومدعاة للرثاء، هاهو يدلف إلى حقل يبدو أنه لا "يفقه" فيه شيئا، وهو حقل الثقافة عامدا إلى التهييج والتأليب ومحاولا قلب طاولة "التسوية السياسية" رأسا على عقب.
ولي عودة في مقال ثان عن الموضوع ذاته
|
|
 
|
|
|
|
jini
شمهروش
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست