|
|
 مقال "فنان" لكاتب "فنان"
|
الفنان ....
(نقلا عن سودانايل مع الاعتذار للزميل والصديق طارق الجزولي)
طلال عفيفي
[email protected]
* إلى بنت المعلم : مزن أبوعبيده النيل
كان إسمه يوم الأحد , وكانت أبرز معالمه أن فيه إفتتاح معرض لوحات صديقي عصام عبد الحفيظ ..
إسم المعرض كان " CRY AZOOM" ..
و " أزووم " وادي في دارفور ..
يرمز للحياة والعطاء .. هكذا يصفه عصام .
أقيم المعرض في شارع " المك نمر" , وهو شارع يتجول في ليل الخرطوم
من زمن بعيد .
وهو شارع تقبل بروح صابره كل التغييرات التي مرت عليه , وتحمل أسفلته مرور عربات الأرستقراطيه منذ أن كانت "موريس ماينو " و "وكاديلاك" إلى أن صارت " مرسيدس وفولفو " حيث كان الشارع مسكناً لأثرياء الزمن الماضي , أو درباً يؤدي إليها . إلى أن فاجأت الدنيا أخيراً شارعنا العزيز بالعربات اليابانية الصنع ... وأكتظ نسيمه النيلي بدخان آلاف السيارات صباحاً , حتى وأنك تكاد تسمه نضح أسفلته بعد المغارب حين يحل الليل ..
وليل المك نمر كليل كل المدينه , ليل مكتوم وشاحب , تتناثر فيه الأضواء الصفراء
المحاطه بالناموس ..
هو ليل ليس فيه عاشقين ولا سينمات ولا متاجر فاتحه .. يتثاءب فيه الرزق عند حلول الثامنه بتوقيت السودان المحلي .
ينسحب الناس الى بيوتهم والمتشردون إلى جحورهم وينامون , ليتركوا المدينه في الليل وحيده ..
مدينه يتيمه , لا أب لها ولا عم ولا خال ..
........................................
أحياناً يقوم بعض الطيبين من أبناء البلاد بجبر خاطر المدينه ودعوة ليلها إلى حدث مختلف .
آخر الدعوات كانت " صرخه لأزووم " , أطلقها الفنان عصام عبد الحفيظ .. داعياً كل محبي الفنون والرسم والتشكيل والشعراء ومن لف لفهم لحضور إفتتاح معرضه المقام بالمركز الثقافي الألماني على ضفاف شارع المك نمر ...
كانت هناك 17 لوحه مضمومه في إطارات خشبيه رسمها عصام من وحي الحزن الغربي للبلاد .
فابتهج الشارع , وحفته ألوان مزركشه وفنون , وأطرقت آذانه لصوت كمال الجزولي يقول شعراً ..
وكان أن أدلى اللون برأيه في المسأله الإجتماعيه والسياسيه التي تعصف بالبلاد .
...........................................
عصام عبد الحفيظ من المثقفين السودانيين المساهمين بشكل متواصل في ترميم فجوات الوعي من خلال التشكيل والفوتوغرافيا . وهو من البشريه التي آثرت مغادرة البلاد تحت طواريء القهر التي ألمت بها فدفعت الناس دفعاً للنزوح ..
ظل في مكانه ولم يبارحه , فحفظ للبلاد بعضاً من ماء وجهها المحسور ..
ومن دأبه , أن ظل عصام يقيم وبشكل سنوي منذ العام 1983 معرضاً بعنوان ( 10 يناير مرةً أخرى ) .
و 10 يناير تأريخ لواحدة من الإنتفاضات الشعبيه ضد حكم المشير نميري .
...........................................
ولعصام ألوان شعبيه لم تفسدها الثقافة ولا " الإحتكاك بالآخر " .. ألوان ظلت فوق بياض الكنفاس كما هي : خضراء , حمراء وصفراء .
ترى على سطوح لوحاته العمائم القادمه , ووجوه الأبنوس المثلثه , وبيوت النوبه , والنهر هارباً , والحنين , وهرولة الأجاويد .
..............................................
عصام ... قد تجده منتشراً في صباح المدينه تغطي رأسه طاقيةٌ من صوف وحول يده سوار نحاس , يهرول بين الهنا والهناك .. يصمم الرسوم الإيضاحيه والشعارات لشركات كبرى وصغرى , يساهم في تنفيذ مجلات وإنقاذها من الهلاك ... يدخن قليلاً وسف الصعوط ..
لكنه يعود , ليلاً حين تغفو المدينة وينام الحراس , إلى مرسمه .. يستمع لموسيقى من غرب إفريقيا أو نقر على الدف من أصابع النوبي صالح ولوليه ..
يرسم .. وهو عادةً حين يرسم ويستبد به المزاج يشتغل على عدة لوحات في وقت ٍ واحد ( لوحه على الحامل ولوحتين أو ثلاث على منتصبتين على المائده ... ) .
كان هناك , أيام زمان , نادٍ إسمه : نادي بوهين ...
أقام به عصام أول معرض للوحاته ..
كان ذلك في العام 1979 ...
اليوم لا أعرف أين ذهب هذا النادي , ومن هو " بوهين " !
( ألم أقل أن شارع المك نمر شارع صبور ... ؟ )
...................................
منذ ذلك التاريخ ( 1979 ) , أقام الفنان عصام عبد الحفيظ ما يناهز الأربعون معرضاً ..
وهو أمر فيه نظر :
فيه أن بالرجل دأب غير عادي على التشكيل ... وهذا مقام .
وفي مقام آخر , فلعصام قدره غير عاديه على الطرح والتواصل ..
ففي بلاد لا يسد فيها الرسم فاهاً ولا يسكت جوعاً , تكون الأربعون معرضاً شهاده " عصاميه " على الحب والرسم واللون .
...................................
...................................
إشاره :
تعرفت على عصام عبد الحفيظ من خلال الفنان والمخرج السينمائي " حسين شريف " الذي كان قد حملني برسالة إليه ...
و كنت من خلال " حسين " , كذا , قد تعرفت إلى " حسان على أحمد " ...
(ولحسين شريف أفضال ثقافيه وإنسانيه تبهج حياتي .. فهو أول من أدخلني في دائرة الصناعة السينمائيه ,بالإضافة لمساهمته المهمة في تكوين وعيي بالتشكيل وصراحات اللون ..) ..
وكان من أمر معرفتي ب عصام وحسان إدراكي لكبر قامة الأستاذ حسين شريف : معلم كبير يشير إلى أبنائه بتواضع الغافلين .
سوى أن الفرق بين " حسان وعصام " موجود :
فعصام ليس تجريبياً ...
في حين أن " حسان علي أحمد " لا تعبره ليله إلا وسلك في التشكيل درباً جديداً .
أما عصام فيحفر في ألوانه حتى تجيب الدم .
وكان دمي مسفوحاً على شارع المك نمر ...
..........................................
رحم الله الخرطوم .
ولعصام حسن الثواب ...
|
|
 
|
|
|
|
عصام عبد الحفيظ
طلال عفيفي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست