حكايات من التاريخ المعاصر :لماذا فشل المشروع الإسلامي في السودان ؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 00:29 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-03-2004, 04:44 AM

abuarafa
<aabuarafa
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 962

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حكايات من التاريخ المعاصر :لماذا فشل المشروع الإسلامي في السودان ؟

    حكايات من التاريخ المعاصر
    لماذا فشل المشروع الإسلامي في السودان ؟
    الحلقة الاولى
    تجربة الاسلاميين في السودان بما لها من صيت في ساحة الصراع الفكري الايديولوجي العالمي لم تحظ بالتناول الذي يكشف عن تكوينها الداخلي وعلاقة القاعدة بالقيادة ودقائق الحوادث التي مثلت مفاصل مهمة في تاريخها الطويل.
    لم يكن طريق "الإنقاذ" الذي جاء الى السلطة في السودان لتحقيق احلام واشواق الاسلاميين في قيام دولة اسلامية مفروشا بالازاهير... وشأن كل الأنظمة التي مرت على حكم السودان واجه الكثير من المخاطر السياسية والاقتصادية والعسكرية وان لم تبد للإنسان العادي ولكن المراقب للحوادث من موقع قريب يدرك أن سنوات حكم نظام "الانقاذ" التي مرت لم تمر مر السحاب. كانت الحركة الاسلامية التي جاءت بالانقلاب العسكري تحمل في داخلها بذور الخلافات الداخلية وكان أكثرها خطورة الخلاف الكبير الذي حدث بين مؤسس الفكرة "الانقاذية" ورئيس الجمهورية والتي سميت بحوادث "الرابع من رمضان" التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر الحركة الإسلامية السودانية مؤدية في نهاية المطاف بفراق العسكر من المدنيين بقيادة حسن الترابي السياسي الأكثر إثارة للجدل في الخمسة عقود الماضية من القرن الماضي.
    واللافت للنظر ان الحوادث التي أبعدت الزعيم الإسلامي عن الحكم مثلت بالنسبة إلى السودانيين الإسلاميين نقطة تاريخية من الصعب على تاريخ المنطقة والامة الإسلامية تجاوزها لحجم الحركة الإسلامية السودانية وقوة استقطابها وقوة ترويج أفكارها للإسلاميين في العالم قاطبة سيما وان الكثير من الحركات الاسلامية العربية كانت ترى في الحركة السودانية الانموذج الامثل، ولذلك وجد النظام السوداني في بدايات ظهوره الدعم "الاسلاموي" العربي والخليجي الامر الذي دعى زعيم منظمة القاعدة اسامة بن لادن الى الاقامة في السودان، وبكل تأكيد كانت هي الفترة الاكثر حيوية بالنسبة إلى الرجل في ان يعمل بصمت وقد كانت نتيجة لذلك كل الحوادث التي قامت بها "القاعدة" في العالم .
    وقد أختلف في تحديد بداية الاختلافات التي أدت إلى "خلافات البشير- الترابي" فهناك من يقول إنها بدأت قبيل التحول من حال الشرعية الثورية الى الشرعية الدستورية "الانتقال من حال الثورة الى دولة المؤسسات" ومن المراقبين من يقول إنها بدأت بعد محاولة اغتيال الترابي في مطار أوتاو في كندا صيف ،1992 وهناك من يحسب أن الخلافات الحقيقية بدأت بعد اتهام السودان بتدبير محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا وآخرون غير متابعين لحركة الإنقاذ الوطني قالوا إن الاختلافات الحقيقية بدأت عندما برزت قضية التعديلات الدستورية في الانتخاب المباشر للولاة من القاعدة الشعبية ذلك الاختلاف الذي انحصر فيما بين رئاسة المجلس الوطني "البرلمان" ورئاسة الجمهورية التي كانت ترى "على الأقل" إرجاء أمر التعديلات إلى وقت آخر ، بينما كانت رئاسة المجلس التي يرأسها الترابي كانت ترى غير ذلك.
    بعد ازدياد الاختلافات داخل الحركة الإسلامية وتفكير الترابي في ايجاد الحلول ومناداته الدائمة لبعض اصحابه بمصالحة حزب الأمة، وبالفعل بعد أكثر من ثلاثة أعوام من شدة الصراع بين الإسلاميين التقى الترابي رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي "في جنيف"، لكن أجهزة الإعلام لم تتمكن من كشف الأجندة الخاصة والسرية لاتفاق الصادق المهدي مع الترابي في لقاء جنيف والذي يكمن في الموافقة على استحداث منصب رئيس وزراء في ظل النظام الرئاسي وتعيين الصادق المهدي فيه، وبعد عودة زعيم الحركة الاسلامية من هذا اللقاء بدأت حركة الصراع تأخذ أبعادا جديدة داخل كيان الإسلاميين، وبشكل اكثر شراسة وقد علم الجانب الآخر من الحركة الاسلامية ما خرج به اجتماع جنيف الذي رعاه الامين العام للملكية الفكرية كامل ادريس!
    كانت هناك اختلافات في وجهات النظر منذ تأسيس الحركة, احيانا تأخذ طابع التأزم من طرف اشخاص كثر منهم الدكتور الترابي نفسه والدكتور جعفر شيخ ادريس , وبابكر عوض الله, وهذا شيء طبيعي للغاية وأكبرها وأعظمها اختلافات كانت عند دخول فصيل الترابي في مصالحة وطنية مع "نظام مايو" بقيادة جعفر نميري في 1977 وعلى إثر ذلك انشقت مجموعة "الاخوان المسلمين" بقيادة صادق عبدالله عبدالماجد, والبرفسيور الحبر يوسف نور الدائم، ولم يكن ذلك من الخطورة بمكان بحيث يؤثر في مسيرة الاسلاميين الى اندلاع انتفاضة أبريل/ نيسان 1985م التي جاءت بالنظام الديمقراطي وظهرت الحركة الاسلامية أكثر قوة على مواصلة برنامجها فدخلت الانتخابات وفاجأت المراقبين باحتلالها المركز الثالث واكتساحها جميع دوائر خريجي الجامعات. وعندها تحالف حزبا الأمة والاتحادي الديمقراطي فشكلوا حكومة ائتلاف وأصبحت الجبهة الاسلامية القومية في موقع المعارضة.

    علي عثمان زعيما للمعارضة
    ولما كان أمين عام الجبهة الإسلامية القوميةالدكتور حسن الترابي يرى أن مجموعة الشباب داخل المكتب القيادي لهم طموحات كبيرة ورؤى ووجهات نظر يكن لها الاحترام والتقدير. جاءت اللحظة التي يتعين فيها اختيار زعيم المعارضة في البرلمان والكثير من الشيوخ داخل القيادة ينظر إلى نفسه على أنه الأحق بهذا المنصب وراح كل منهم يلمع نفسه من خلال صحف المعارضة، مثل صحيفة "الراية" لسان حال الجبهة الاسلامية، وصحيفة "ألوان". ولكن الترابي أشار الى مجموعة كبيرة منهم باختيار علي عثمان محمد طه، ولم تكن إشارات الترابي لدى المكتب القيادي إلا أوامر وتعليمات في نظر الكثير منهم، وجاءت لحظة الاختيار من داخل الاجتماع التاريخي والكل يعلم أن زعيم المعارضة هو الشخص الذي أشار اليه الترابي. وتم الاختيار رسميا وأعلن في صحافة المعارضة، وقد وجد تعيين علي عثمان محمد طه زعيما للمعارضة في البرلمان ترحيبا واسعا من قاعدة الحركة الإسلامية، لكن أشخاص بعينهم كانوا رافضين لهذا التعيين على رغم أن هذا التعيين تم بالشورى، ولكن من يجرؤ على المجاهرة والافصاح بوجهة نظر داخل مكتب الشوري تتضارب مع وجهة نظر الأمين العام التي هي في نظر البعض مقدسة ولا يمكن بأي حال من الأحوال الإتيان برأي مخالف لها... المهم تم اختيار المحامي الشاب زعيما للمعارضة على رغم الرفض المحدود من قلة قليلة وسط مجموعة من الشيوخ كل منهم يرى نفسه الأحق بزعامة المعارضة للتاريخ الطويل في الحركة الإسلامية والمجاهدات المتواصلة منذ أيام جبهة الميثاق الإسلامي وحركة الاخوان والجبهة الإسلامية القومية وارتياد السجون والمعتقلات في الكثير من الأنظمة التي حكمت السودان والعمل في الجهاد المسلح في صحراء ليبيا وأدغال إثيوبيا.
    ولكن لم تشفع لهم كل هذه المجاهدات أمام ثورة الشباب العارمة. من هنا بدأت الأزمة الحقيقية داخل الحركة الإسلامية بين وجهتي نظر الأولى ترى أن الترابي يملك زمام الحركة بشكل فردي ويتحكم في القرارات كافة. الثانية ترى أن الترابي هو الماكينة الفكرية والقيادة التاريخية وهو الذي أسس الحركة الإسلامية بشكلها الحديث من خلال آرائه الفكرية في أسلمة السياسة فلا ينبغي اختيار قيادة أخرى مادام حيا يرزق.
    وكان الخلاف الثاني الذى جاء فوجد الجبهة الاسلامية القومية قد تصدعت شيئا ما وأصبح هناك تكتلان داخل مكتب القيادة، لكن تنظيم الاسلاميين لم يكترث بحسبان أن الخلافات في وجهات النظر ظاهرة صحية وطبيعية وأمكن للجبهة مع سخونة الجو السياسي في فترة الديمقراطية الثالثة تجاوز مهدداتها الأمنية كافة ولم تكن خلافاتها الداخلية تؤثر في وحدتها لأن القاعدة الشعبية بعيدة كل البعد عن هذه الخلافات وكانت عندما تسمع أن هناك خلافات تستهزئ بهذه الأقاويل باعتبارها محاولة لشق الصف، بل كانت القاعدة تحسب أن وجود خلافات وسط قياداتها وشيوخها من المستحيلات... ولكنها كانت موجودة.

    مشروع التمكين... تسلم السلطة
    جاء العام 1989 ودخلت الجبهة الإسلامية مع الأحزاب الطائفية في حكومة سميت حكومة "الوفاق الوطني" ولم تكن على وفاق أبدا، فكان جهازها الأمني مستيقظا يرصد ما يجرى في الساحة من اتصالات سرية خارجية مع جهات حزبية وعسكرية في الداخل: فعقدت الجبهة الإسلامية القومية على مستوى المكتب القيادي ومكتب الشورى القيادي اجتماعا كان الأخطر من نوعه ونوع الأجندة المطروحة ومنها كان واحدا باسم التمكين.
    ومشروع التمكين كان مشروع تسلم السلطة، ولم يكن طرح مشروع تسلم السلطة للمرة الأولى فقد سبق طرحه ونوقش ولم يوافق عليه لأن المستقبل بحسبان قيادة تنظيم الاسلاميين مازال يحتاج الى أن تلعب فيه الحركة الإسلامية سياسيا دورا كبيرا، ولم تكن هناك أية ضغوط على الحركة شديدة وقوية ولم يكن في الساحة من يفكر في انقلاب عسكري والكل مبتهج بالحرية والديمقراطية. ولكن لماذا طرحت الجبهة الإسلامية مشروع تسلم السلطة للمرة الثانية؟وفي ذلك الوقت بالذات؟!
    الجهاز الأمني الخاص بالجبهة وبحسب معلوماتي المتواضعة كان قد رصد حركة اتصالات خارجية واسعة مع عسكريين سودانيين عقائديين في الداخل، علاوة على أن الحكومة المصرية كانت جاهدت لتغيير سياسي في السودان يحافظ على مصالحها فيه، في وقت انتشرت فيه أدبيات الاسلام السياسي على نطاق واسع وصادف ذلك فعلا اكتساح الطلاب السودانيين التابعين للحركة الاسلامية السودانية الانتخابات الطلابية في مصر وكل المقاعد وأصبح البرنامج الاسلامي يتم تداوله داخل المجتمع الطلابي المصري، وفي الحقبة ذاتها التي كانت عناصر الاخوان المسلمين المصرية تفوز فيها بالكثير من الاتحادات النقابية وأصبح "الخط الاسلامي" يحاصر مصر من الداحل ومن السودان.. ولم يكن غريبا أن تظهر في الأجواء محاولات مصرية جادة لدعم أي تفكير في انقلاب عسكري في السودان. وكان الوسط الصحافي يدرك بحاسته الصحافية تلك المحاولات - ليست المصرية فحسب بل العراقية بواسطة حزب البعث العربي الاشتراكي ، اضافة الى المراقبين في السودان والمحللين - ويدرك أن اكتظاظ طرقات العاصمة الخرطوم بالأجانب وهم يصولون ويجولون بسياراتهم آنذاك ما هي الا علامة لتغيير مفاجئ سيحدث في السودان خصوصا اذا وضعنا في الحسبان الاختراق الأمني للحدود السودانية مع دول الجوار, بداية بالحرب الأهلية في غرب السودان مع الحدود التشادية، والجبهة الجنوبية المستعرة باستمرار، اضافة الى الجبهة الشرقية التى كانت بين الفينة والأخرى تشتعل بواسطة العصابات المشهورة التي كانت تحرك بين السودان واثيوبيا ومصر في الشمال وكانت تتناصب النظام السوداني العداء كرد فعل لطرح المشروع الاسلامي.
    الجبهة الاسلامية وضعت كل هذه النقاط في حساباتها وكانت أجهزتها الأمنية تخترق مجموعة من الضباط الذين كانت ستتم عبرهم محاولات انقلابية، بل كانت "ساعة الصفر" تحت يدها - هذا ليس تضخيما لامكانات الحركة الاسلامية ولكنها حقائق مجردة - وعندما انعقد اجتماع مكتب القيادة والشورى كانت كل المعطيات أمام الاجتماع للخروج بنتيجة واضحة بخصوص تسلم السلطة أو عدمه وهذه المرة كانت الموافقة كلية وبنسبة 100 في المئة وحتى الذين كانوا قد رفضوا الفكرة في المرة الأولى كانوا أكثر المتحمسين للمشروع الذي سمي "التمكين"! ولم يناقش ذلك الاجتماع الكيفية أو التفاصيل بل أوكلت دراسة وتنفيذ المشروع برمته للأمين العام حسن الترابي دون أن يحدد التاريخ أو الوسيلة.
                  

10-03-2004, 04:46 AM

abuarafa
<aabuarafa
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 962

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حكايات من التاريخ المعاصر :لماذا فشل المشروع الإسلامي في السودان ؟ (Re: abuarafa)

    الحلقة الثانية
    تجربة الاسلاميين في السودان بما لها من صيت في ساحة الصراع الفكري الايديولوجي العالمي لم تحظ بالتناول الذي يكشف عن تكوينها الداخلي وعلاقة القاعدة بالقيادة ودقائق الحوادث التي مثلت مفاصل مهمة في تاريخها الطويل.
    لم يكن طريق "الإنقاذ" الذي جاء الى السلطة في السودان لتحقيق احلام واشواق الاسلاميين في قيام دولة اسلامية مفروشا بالازاهير... وشأن كل الأنظمة التي مرت على حكم السودان واجه الكثير من المخاطر السياسية والاقتصادية والعسكرية وان لم تبد للإنسان العادي ولكن المراقب للحوادث من موقع قريب يدرك أن سنوات حكم نظام "الانقاذ" التي مرت لم تمر مر السحاب

    الانقلاب الداخلي
    الاسلاميون داخل كيان الحركة الاسلامية الحديثة يعرفون تماما أن عملية محاولة اغتيال الترابي في كندا "مايو/ ايار 1992م" وما تلاها من حوادث كانت انقلابا حقيقيا داخل الحركة أذكر بثقة شديدة وبذاكرة متقدة أنه قبل سفر الترابي الى كندا برز الى السطح حديث عن ضرورة تكثيف الحماية الأمنية على الترابي. وقبل ثلاثة أيام فقط من مغادرته مطار الخرطوم التقت مجموعة من قادة الحركة تقدمهم على عبدالله يعقوب اجتمعوا بالترابي وأبلغوه شفاهة وأنه مغادر الى كندا والولايات المتحدة الأميركية لابد من وضع احتياطات الأمن والسلامة كافة، ولم يهتم الترابي بهذا الحديث واعتبره مجرد اشفاق عليه وأنه بقوة الله يغادر.
    وضرب تكتم شديد على برنامج الزيارة وانحصرت معرفة البرنامج في شخص أو شخصين، حتى أقرب الإعلاميين من الترابي ما كان يعلم بالبرنامج فغادر الترابي الى حيث ذهب بصفة شخصية وليس بصفة رسمية وحدث ما حدث هناك في كندا وكان وقع الخبر على الاسلاميين في السودان كالصاعقة في ذلك الشهر من أشهر صيف السودان الساخن من العام 1992م. علما بأنه حتى تاريخ مايو 1992 ومحاولة الاغتيال لم يكن "التنظيم الاسلامي" قد حل بعد، وكانت كل القطاعات التنظيمية تسير وفق ما خطط لها.
    جاء حسن الترابي من كندا ووضع تحت المراقبة الصحية وأبعدت عنه في تلك الفترة كل ملابسات الحوادث التي حدثت في غيابه، ولكنه كان يعلم أن شيئا ما قد دبر أثناء غيابه وكان يسأل عن أمور بعينها ولا يجد إجابات شافية لأن المسئولية قد انتقلت الى آخرين دون علمه. لم يمر هذا الحدث مرور الكرام داخل الحركة الإسلامية وبدأت العداوة والبغضاء ترتسم على علاقات الإسلاميين الموالين للشيخ والموالين للقيادي الشاب علي عثمان محمد طه. وحتى لا يصبح الترابي من دون عمل فاعل، ولأنه اشتهر بالحيوية والحركة الشديدة والمتواصلة تم إقناعه على مضض بترك العمل الداخلي والتفرغ النهائي للعمل الخارجي تحت دعاوى أن المسلمين في أنحاء الكرة الأرضية يحتاجون إلى ماكينة فكرية في حجمه وأن المستضعفين من المسلمين في الأرض "الحركات الإسلامية" تحتاج لمن يلم شملها ويأخذ بيدها ويحرك فيها الروح تجاه المخططات الغربية، وكانت المظلة لهذا العمل هي "المؤتمر الشعبي الإسلامي العربي" ومن داخله كانت تخرج الأفكار والدراسات والموجهات، ما هي الا ايام قليلة وكان الاسلاميون المعارضون لانظمتهم يملأون طرقات العاصمة الخرطوم من تونس وليبيا والجزائر والسعودية، وكانوا من خلال هذا التنظيم العالمي الذي تبنته الخرطوم لحل مشكلة الترابي في الحكم يتحركون في السودان بكل حرية وقد استخرجت للكثير منهم الجوازات السودانية وتم تسجيل الكثير منهم في الجامعات، واعطي الغالبية منهم مشروعات استثمارية في قلب العاصمة في شكل كافتيريات سياحية باعفاءات من الضرائب والاتاوات التي تأخذها الحكومة غالبا من المحلات التجارية.
    وهؤلاء العرب المعارضون كانت احوالهم المادية جيدة للغاية اذ كانت تصلهم التحويلات المالية من دول اوروبية وغربية، وفي الوقت ذاته انشغلت الاطر التنظيمية باعداد هؤلاء المعارضين في تنظيمات فئوية فالطلاب منهم كانوا في اتحاد الطلاب العرب الوافدين وعلى هذه الشاكلة اصبحوا جميعهم في قوالب تنظيمية، ليسهل على الأجهزة السودانية التعامل معهم.
    وكانت نفقات هذه الأعمال تخرج من الموازنة العامة للدولة الأمر الذي أدخل الحكومة السودانية في مشكلات كثيرة مع المجتمع الدولي واستطاعت من خلاله مصر والولايات المتحدة تأليب العالم بأسره على السودان تحت دعوى احتضان السودان للإرهاب، ولكن هل ابتعد الترابي عن ممارسة مسئولياته من منطلق رئاسته وقيادته الحركة الإسلامية في تصريف بعض الأمور ذات الصبغة التنفيذية فيما يتعلق بالشأن الداخلي السياسي وغيره؟ هنا كان مصدر الصراع بينه وبين تلميذه علي عثمان محمد طه ، وبالطبع كان رئيس البلاد عمر البشير يرقب عن كثب ما يدور داخل دوائر الحركة وتأثيرات الناتج عنه في دولاب العمل الرسمي. بل لم يكن عمر البشير بعيدا، فقد كانت التقارير تصل اليه من عدة مصادر، منها ما يسمعه من علي عثمان نفسه ومن آخرين تضرروا من قيادة الترابي.
    وفي هذا الصدد كانت دوائر سياسية خارج الحركة الإسلامية تتهم الرئيس عمر البشير بأنه دمية في يد قادة الحركة وذلك من الصورة التي بدأت في الظهور من خلال وجود الافغان العرب المتزايد، وازدياد نبرات التحدي ضد الولايات المتحدة والدول العربية ووصفها من خلال الاعلام السوداني بشكل كثيف بأنها ذنب اميركا ، ولم تكن مسألة اتهام رئيس الجمهورية دمية في ايادي قادة الحركة الاسلامية، صحيحة ألبتة - اذ لم يجد الرئيس فرصة الا وانتهزها وبين فيها للإسلاميين المتصارعين علمه بدقائق صراعاتهم وتأثيرها على مستقبل الحكم في السودان. وكانت مجموعة قليلة ذهبت للقاء الرئيس لشرح وجهة نظرهم فيما يدور داخل الدوائر الخاصة بالحركة الإسلامية، ولكن الرئيس رفض سماع ما يريدون قوله بحجة أن ذلك شأن داخلي وهو ليس معنيا به. ولم تكن تأثيرات ما بعد حادثة كندا تقف عند هذا الحد، بل راحت مجموعة كبيرة من المعارضين لقائد الحركة يشيعون أن عقلية حسن الترابي تأثرت أيما تأثير نتيجة الضربة الشديدة والقوية التي تعرض لها في رأسه على يد لاعب الكاراتيه هاشم بدرالدين, بل استخدم مجموعة من الاسلاميين المعروفين في هذه الحملة ومن بينهم مهدي ابراهيم , وفيما بعد اعتذر عما قاله به من تأثير على الترابي, وأخذت هذه الشائعات تأخذ أبعادا كثيرة وخطيرة لابعاد الترابي نهائيا عن ساحة العمل الدعوي والتنفيذي الذي اعتاد الترابي قيادته قرابة الخمسة عقود حتى ان تحليلات كثيرة في الساحة حينها ألمحت الى أن حادث كندا دبرته عقول " سودانية " ومن داخل المتصارعين على النفوذ في الحركة الإسلامية بل اتهمت شخصيات بعينها اعتادت أسلوب الإقصاء بشكل غير معهود في أدبيات الحركة الإسلامية..!!
    لكن على رغم ذلك ظل الترابي يمسك بالمفاتيح المهمة للغاية في لعبة الحكم في السودان الأمر الذي أوجد الكثير من الهواجس في نفسية رئيس الجمهورية عمر البشير حتى انه أعلن ذات مرة في لقاء مع مجموعة من قياديي الحركة ومن بينهم الترابي نفسه أن كثيرا من القرارات تصدر من غير معرفته بل من غير أن يتم التشاور معه فيها، فكانت بالتأكيد لم تكن الأسباب المذكورة آنفا هي وحدها التي أدت الى قرارات الرابع من رمضان التي احالت الترابي ومجموعته من الساحة السياسية فرصة مواتية لآخرين لكي يوغروا صدر الرئيس وعرفوا فيما بعد بمجموعة "مذكرة العشرة" الذين كانوا يرون حسب ما ورد في بيانات الصراع أنذاك أن رئيس الجمهورية بلا صلاحيات حقيقية وان الصلاحيات في يد الشيخ الترابي الذي كان يرأس المجلس الوطني "البرلمان" ويرأس الحزب الحاكم وان هذه الصلاحيات تجعل من رئيس الجمهورية ديكورا فقط ليس الا وتجعل من الترابي الحاكم الفعلي والحقيقي للسودان وبيده مقاليد الأمور... ويقول المراقبون السياسيون ان مذكرة العشرة هي أول صرخة داخل الكيان تندد بأسلوب الترابي في تمسكه بالصلاحيات كافة، ويضيفون أن المذكرة أحد العوامل الاستراتيجية التي أدت الى قرارات الرابع من رمضان ومن ثم أدت الى ابعاد مؤسس الحركة الاسلامية الحديثة من الحكم.

    قاعدة الحركة واعتلال المنهجية
    في الفترة التي استلمت فيها الحركة الاسلامية مقاليد الحكم في السودان ظل عدد من اساتذة الجامعات من الأكاديميين والمثقفين من غير السياسيين يتحدث عن المشكلة الفكرية الفقهية التي تعيشها الحركة الاسلامية والاضرار التي قدتنجم عن هذه المشكلة في كيان يحكم بلد كالسودان مترامي الاطراف والافكار والثقافات قال ابراهيم الرفاعي أبوالحسن في مقال له بعنوان "عندما يتحدث الصامتون" - نشرته صحيفة "الصحافي الدولي" السودانية في العام 2000م " ان السنوات الماضية أثبتت اتساع الفجوة بين شيخ الحركة الإسلامية ومعشر حملة الشهادات الذين يعانون من أسقام مجتمعات العالم الثالث مثل القصور الذاتي والكسل العقلي وسكون العزيمة وخصوصا أن الشخصية السودانية تتميز بضعف بنيتها لحداثة تكوينها، وقد أدى ذلك بدوره إلى إصابة الحركة الإسلامية بمرض الطفولة الذي أسماه الأستاذ الطيب بو عزة " عقدة الشيخ والمريد " وأعراض هذا المرض هي تحلق مجموعة من المريدين حول الشيخ الذي يمارس نوعا من الجاذبية والنفوذ على مريديه تصل الى درجة الاستحواذ والافتتان" فيمنح الشيخ ثقة عمياء غير محدودة، ونجد في هذا الصدد نماذج غاية في الغرابة تحتاج الى دراسة مفصلة.
    ثم يقول ابوالحسن: "ابتليت الحركة الإسلامية السودانية بنشوء طبقة من السياسيين المحترفين حجبت القاعدة عن القيادة فأفرزت الكثير من التشوهات والانحرافات دفعت البعض من شريحة الوعي إلى العزلة الاختيارية أو الجلوس في المقاعد الخلفية، وانقسمت الغالبية الباقية الى فرقتين فرقة المريدين تبرر ما يحدث من الأخطاء غاية في الأهمية هي السبل كافة الى ما حدث أخيرا" والتجاوزات بتبريرات لا تقنع أحدا، أما الرافضة فيروجون أنهم مغلوبون على أمرهم لأن الشيخ ممسك ولا يتنازل عن شيء..واذا حاول أحدهم أن يمسك ويصر على رأيه يصنف من قبل المريدين بأنه " حاقد على الشيخ " فيخطط لابعاده نهائيا أو الصاق التهم به... فلا يلبث أن يوافق على كل ما يقوله الترابي!
    وبدى واضحا ان القاعدة الشعبية التي كانت لدى الاسلاميين انهارت تماما بعد بروز الخلافات التي اكدت فيما بعد مستوى الخصومة بين المتصارعين والمستوى الذي وصل اليه "الاسلاميون" في مفارقة قيم الاسلام وادبيات الحركة الاسلامية التي عمقتها في اعضائها طيلة 50 عاما المنصرمة من عمرها.
    إن الفكر الإسلامي هو نتاج العقل المسلم منطلقا من الدين الإسلامي، فالفكر والمنهجية الإسلامية الفاعلة هي أساس أي بناء حضاري، وما عايشه الشعب السوداني في تجربة الحركة الإسلامية السودانية من العام 1989م الى فترة الصراع المكشوف بين القيادتين فيما عرف بصراع "البشير- الترابي" هو اعتلال في الفكر "الاسلاموي" الذي جاءت به الإنقاذ في كل المجالات وخصوصا السياسة. وعلى رغم وجود نظرية اسلامية، فإن الحركة الإسلامية لم توفق في تقديم حلول للمشكلات التي يطرحها وطرحها الواقع في ضوء تلك النظرية وقيم الدين أي تأصيل حلول لقضايا المجتمع السوداني من خلال رؤية سليمة للمذهبية الإسلامية، مثل: قضايا تداول السلطة والتقسيم العادل للثروة والقضاء على الفقر والمرض وتردي الخدمة المدنية. والمتابع والمعايش للتطورات في الجماعة الحاكمة في السودان في الفترة من 1995 إلى 2000 يجد الحركة الاسلامية فشلت حتى في الحفاظ على كوادرها الخاصة في المقام الأول من الوقوع في الممنوعات والمحظورات وقد بدأ فناء الحركة الاسلامية التي كانت ملء السمع والفؤاد في هذه الفترة الامر الذي بين بشكل واضح الاستقالات الجماعية للشباب الاسلاميين من الاجهزة الامنية والنظامية لانهم وجدوا ان الاهداف العظيمة التي من اجلها دخلوا الحركة الاسلامية ضاعت سدى بعد تسلم الحركة مقاليد الحكم وبروز خلافات من النوع الذي لا يمكن معه تعايش الفكرة الاسلامية التي كانت لدي الحركة.
                  

10-03-2004, 04:48 AM

abuarafa
<aabuarafa
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 962

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حكايات من التاريخ المعاصر :لماذا فشل المشروع الإسلامي في السودان ؟ (Re: abuarafa)

    الحلقة الثالثة
    تجربة الاسلاميين في السودان بما لها من صيت في ساحة الصراع الفكري الايديولوجي العالمي لم تحظ بالتناول الذي يكشف عن تكوينها الداخلي وعلاقة القاعدة بالقيادة ودقائق الحوادث التي مثلت مفاصل مهمة في تاريخها الطويل.
    لم يكن طريق "الإنقاذ" الذي جاء الى السلطة في السودان لتحقيق احلام واشواق الاسلاميين في قيام دولة اسلامية مفروشا بالازاهير... وشأن كل الأنظمة التي مرت على حكم السودان واجه الكثير من المخاطر السياسية والاقتصادية والعسكرية وان لم تبد للإنسان العادي ولكن المراقب للحوادث من موقع قريب يدرك أن سنوات حكم نظام "الانقاذ" التي مرت لم تمر مر السحاب.
    أبان فترة الديمقراطيه الثالثه في الفتره من ابريل 1985 – يونيو1989 نشطت الالة الاعلاميه للحركه الاسلاميه السودانيه عبرها اجهزة اعلامها القويه وهي الحزب السياسي الوحيد في الساحه الذي كان يمتلك 4 صحف يوميه ومجلتان واحدة اسبوعية والثانية شهرية, كل هذه الماكينه الاعلاميه كانت تعمل جاهده لكي تصور للناس صورة الحركة الاسلامية وكأنها حزب المستقبل وحزب الحضاره, الحزب الذي سيحكم السودان عاجلا او آجلا, وكما كانت هذه الصحف والمجلات تصبغ على الحركة العقلانيه ذو نظرات استراتيجيه لكل صغيرة وكبيره ، وتصبغ علي الاخرين من احزاب وكيانات سياسية وفكرية تصورهم بمظهر الطائفية و الجاهلية الجديدة في معادة الدين والحضاره ومعاداة المستقبل المشرق – الظلاميين – اشباه الرجال ، توصف الاخرين بكل الصفات القبيحه والتي لايرضاها دين و لا فكر , اصبحت هذه الماكينه تنادي في الناس ان (هلموا للانضمام للحركه الاسلاميه) حزب الامكانيات المادية والبشرية, الذي يمكن ان تحقق فيه كل متطلبات الدنيا تحت راية الدين ، تكون حلالا داخل الحركه الاسلاميه وحراما في اي مكان آخر علي الارض وكانت النتيجه كبيره للغايه وقوة من خلال الايام التي تلت انقلاب يونيو 1989 والذي عرفه العاملون بامكانيات الحركه الاسلاميه من ساعاته الاولي فدخل الناس في حكومة الحركه الاسلاميه افواجا ، فكان النفاق والتعالي والتكبر وظلم الناس هو السمه البارزة وكل من يقول بغير ذلك من الاسلامين فأنه طابورخامس او (مندس) او(غبي) لايفهم الي اين تسير الامور .
    ومنذ بداية العام 1992 بدء الحديث عن الفساد المالي والاداري ياخذ طريقه الي المنتديات العفويه وغير العفويه وكاتب هذا المقال مر بتجارب عديده بمِؤسسات كان الفساد فيها سيد الموقف والزمان وقد عمل إعلاميَا في 5 ولايات هي الخرطوم وبورتسودان – البحرالاحمر والشماليه ودارفور وأعالي النيل بجنوب السودان من هذه التجارب الداله علي فساد الحكم وعشوائية النظام الحاكم في السودان وبعده عن المسئولية.
    وبإختصار شديد ان كاتب هذا السرد كان شاهد عيان على نهب أكبر الشركات في السودان عالمية السمعه التي كانت يعمل فيها الالاف من السودانيين ويعيلون عشرات الالاف من الاسر من خير هذه الشركه التي اصبحت الان (شقة) صغيره في احدي بنايات منظمة الشهيد بوسط الخرطوم بعد أن كانت تتربع في وسط الخرطوم على بعد خطوات من القصر الرئاسي...!!

    أرقام سودانية..!!
    كثيرة هي المجالات التي تنهب بها أموال الشعب, وكذلك عديدة هي الااساليب التي علمت الشعب السوداني افضل الطرق لنهب وضياع ثروة الشعب, ومن ضمن اساليب والطرق التي يتم بها هذا النهب زيارات الرئيس عمر البشير الي المناطق حيث تشكل لجنة عليا تسمي في الغالب (لجنة زيارة السيد الرئيس) وهذه اللجنة تكون منها لجان للمال والمواصلات والاستقبال والحشد والمرطبات الخ...
    ولكل لجنة ميزانية مخصصة لها حتي تؤدي الواجب الذي كلفت به, واتذكر في احدي زيارات الرئيس في عام 1998م لاحدي المدن في العاصمة المثلثة حيث شكلت اللجنة العليا والتي انبثقت منها اللجان, وبعد الاجتماع الاول للجنة العليا تم تحديد الميزانية وقد بلغت اكثر من 100 مليون جنية ما يعادل تقريبا 40 ألف دولار اميركي, هذا على أقل تقدير وهناك عشرات الزيارات الجماهيرية التي (ترتب) للرئيس, والتي يرى فيها رئيس السودان وهو يرقص امام كاميرات التلفزة على انغام الالحان (الجهادية) ويعرف العالمون ببواطن الامور ان هذه الرقصة تكلف الميزانية العامة الكثير من اموال الشعب, وبالتجربة والمعايشة هذه التكاليف المالية الخاصة بزيارات رأس الدولة تدخل في جيوب المنتفعين, ومبلغ 40 ألف دولار في السودان يمكن ان يشيد مدرسة او يجلس تلاميذ على كراسي في مدارس داخل ولاية الخرطوم تعاني من عدم وجود طاولات ومقاعد للطلبة, ومثل هذا المبلغ يمكن ان يساهم في تأهيل مستشفى او مركز صحي في اطراف البلاد, ولا بد هنا ان نضع في الحسبان صيحات المعلمين في المدارس التي يطلقونها بين الحين والاخر لانهم لم يستلموا مرتباتهم لاكثر من ثلاث او اربع شهور.
    وايضا من المواسم التي تنهب فيها اموال الشعب هي مناسبة الاحتفال بذكرى (ثورة الانقاذ الوطني) اذ تصل التكلفة للاحتفالات التي تعم كل انحاء السودان ارقام فلكية قد تصل الي ما يعادل 1 مليون دولار, وفي احدي الاعوام وبمناسبة ذكرى (اندلاع الثورة) ارسلت الطائرات الي ولايات السودان المختلفة للاتيان بالمسئولين الحكوميين حتي يتثنى لهم المشاركة في المناسبة, في ذات الوقت الذي تصرف الحكومة اكثر من 10 مليون دولار في اليوم في استمرار حرب جنوب السودان, وهي عبارة عن كلفة العتاد والذخائر والاحتياجات الغذائية والوقود وغيرها.
    , وعندما تكتب صحيفة عن التكلفة الكبيرة لاحتفالات البلاد بعيد (الانقاذ) ترد الجهات الرسمية بالكذب "ان التكلفة تبرعت بها مؤسسات خاصة" في حين يعلم الجميع بالحقيقة..

    نهب أموال اليتامى
    كانت النتيجة الطبيعية لسياسات الحركة الاسلامية في ادارة الاقتصاد بروز مفاهيم جديدة في حياة الشعب السوداني في وسط المجتمع في المدينة والقرية وحتي المناطق المنزوية في أقصي الريف السوداني قبل وبعد نزوحهم الي المدن, ساهمت بقدر كبير في الوصول بالمجتمع الي درك اسفل من الانحطاط الاخلاقي في الممارسة الحياتية اليومية اذ اغلقت كل الطرق التي تجعل الانسان يعيش دون ان تمتد يده الي المال العام او الي استعمال اساليب الغش والخداع, بل راحت ابعد من ذلك ان المنتمين الي النظام اصبحوا يعلمون الناس اقصر الطرق في الربح والغنى من خلال الممارسات الشائنة من تهرب في دفع الضرائب لادراكهم ان الضريبة تتدخل في جيوب أهل النظام, والفساد المالي وسرقة المال العام التي شملت حتي من يدعي العفة الاسلامية كما جاء في التقرير الاستراتيجي السنوي للحكومة لعام 1999, وليس هذا فحسب ان (الاسلاموييون) نهبوا اموال اليتامى والمساكين التي كانت تصل الي منظمة الدعوة الاسلامية من الخيرين في مناطق عديدة من العالم.
    شمل تقرير 1999م المقبوض عليهم من النساء حيث كان عددهن 69227 بينما الأحداث 41 967 ولكن التقرير لم يشر الي نوعية الجرائم التي ارتكبتها هؤلاء النسوة وأؤلئك الأحداث ولكنه يشير الي أن جرائم الأخلاق والتي يعني بها (الاسلامويون) دائما النساء، قد بلغت 6441 جريمة في 1998 وانخفضت الي 6199 في 1999. أما قيمة الأموال المسروقة في عام 1998 وعام 1999 فان التقرير الحكومي يقول بأتها وصلت الي 374201942 دينار في 1998 و الي 756643816 أي بزيادة 102%. وتواصل الارتفاع في جرائم وسرقة المال العام لتصل الي 813 مليون دينار في عام 2002 بزيادة قدرها 20.8% تقريبا ولم يسترد منها الا 8.32 مليون دينار أي 9% تقريبا. الجدير بالذكر أن 47% منها أدرج تحت صرف دون وجه حق و34% خيانة الأمانة و 15% التبديد. أما الاعتداء علي مال الزكاة فقد كانت نسبته 11% من اجمالي المبالغ المسروقة علي الرغم من أن ديوان النائب العام الذي أصدر التقرير أشار الي أن بعض شركات الزكاة ما تزال تحت المراجعة.
    لا تقف الارقام عن هذا الحد حيث الكثير من السودانيين يعرفون ان هناك شركات خاصة تتبع لجهات شبه حكومية ولا تتعرض للمحاسبة ولا المراجعة الرسمية من الدولة لانها تابعه للتنظيم ويديرها (اسلامويون), مثل مؤسسة الفداء للانتاج الاعلامي التي تعد برنامج (في ساحات الفداء) ومجموعة شركات الخدمة الوطنية , ومجموعة شركات يرول لتوزيع المواد الاستهلاكية, عشرات بل مئات الشركات الخاصة ليس لها رقيب, ولا حسيب وكل من يحاول الايماءة فقط بالفساد يعرف مصيره, ولذا ان هناك عشرات الشركات والمؤسسات التي نهبت ولا أحد يستطيع ان يتحدث عنها فالخوف من المصير يجعل هذه الملفات في مأمن , ولكن الي متى...؟
                  

10-03-2004, 05:06 AM

abuarafa
<aabuarafa
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 962

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حكايات من التاريخ المعاصر :لماذا فشل المشروع الإسلامي في السودان ؟ (Re: abuarafa)

    الحلقة الرابعة
    تجربة الاسلاميين في السودان بما لها من صيت في ساحة الصراع الفكري الايديولوجي العالمي لم تحظ بالتناول الذي يكشف عن تكوينها الداخلي وعلاقة القاعدة بالقيادة ودقائق الحوادث التي مثلت مفاصل مهمة في تاريخها الطويل.
    لم يكن طريق "الإنقاذ" الذي جاء الى السلطة في السودان لتحقيق احلام واشواق الاسلاميين في قيام دولة اسلامية مفروشا بالازاهير... وشأن كل الأنظمة التي مرت على حكم السودان واجه الكثير من المخاطر السياسية والاقتصادية والعسكرية وان لم تبد للإنسان العادي ولكن المراقب للحوادث من موقع قريب يدرك أن سنوات حكم نظام "الانقاذ" التي مرت لم تمر مر السحاب.

    تخلف الله في الارض..!!
    كانت زعامات الحركه الاسلاميه في السودان تتحدث كثيرا عن خلافة الله في الارض وتورد الايات الداله علي ذلك ، كما كانت تركز بشكل اساسي علي كل الآيات التي تدل بها علي حقيقة وواقعية مشروعها الاسلامي ، ففي سنوات تلألاها 85 - 1989 كانت تعتبرانها المعنيه بآية الخلافه في الارض الوارده في سورة البقرة الاية 30 بمعني انها كحركه هي التي يمكنها ويحق لها دون الاخرين ان تخلف (الله في الارض) حيث تعني مفردة (الخلافة) النيابه عن صاحب الحق الاصيل في اداء المهمات المخوله لها ، فأن خلافة الله في الارض تعني عمارتها وهو مايوف لدي الفلاسفه واهل الاجتماع الحضاره وصنعها ن ولذا كانت الحركه الاسلاميه تؤمن بانها وجدت علي وجه الارض للخلافة لاسيما عندما تنظر الي مؤسساتها الاقتصاديه والمالية والتنظيميه ذات البنيات الشاهقه تري انها قطعت شوطَا كبيرَا في عمارة الارض بالبنيات والشركات الماليه للتامين والمقاولات والتجاره والترحيل وللشركات لبيع السلع الاستهلاكيه فقط الذي تبقي من عمارة الارض هو الامساك بالحكم تحقيقَا لخلافة الله في الارض ولكنها اي (الحركه الاسلاميه) لاتضع في حساباتها مفهوم الاسلام للطبيعة البشريه فالانسان وفق الفهم القراني ، مزيج من أسمي المعاني بصفته حاملا للنفحه الالهيه فيه ، وادني العناصرالطين الذي خلق منه ادم ،
    ولذا يجتمع العنوان ( السمِؤ والدنو) فأن سلوك الانسان يتارجح بين هاتين القمتين, تاره في غاية السمؤ حتي يكاد الانسان أن يغادر البشريه وطبيعتها وهو تاره أخرى في غاية الدنو حتي يكاد يصبح ادني من الحيوان الاعجم ذاته ، ورغم ان الحركه الاسلاميه تكتظ برجال الدين والعلماء الا انها لاتعترف بمفهوم الاسلام للطبيعة البشرية وقد كانت في تلك الفتره تبعد عن كيانها اي شبهه للخلافات الداخليه ، واي شبهه في دنو اي من افرادها وقادتها علي وجه الخصوصيه وكأنهم انبياء مرسلين لايعصون الله ما أمرهم ويتضح ذلك عندما نري ان عدد كبيرمن قادة الحركه الاسلاميه بعد استلامهم السلطه في السودان قد بطروا واغتروا وظنوا انهم شعب الله المختار , لم يستفيدوا من القرآن الكريم الذي كانو يستعرضونه في خطبهم الحماسيه في فترة الديمقراطيه الثالثه ، وكما بينا في مكان سابق أحد اكبر واشهرقادة الحركه الاسلاميه في العام 1992 وقف امام حشد كبيرمن طلبت احدي الجامعات وخطب فيهم خطبا عصماْء وبعد غلو كثيرمن الحديث قال لهم في لحظة الحماس " اننا لا نريد ان نحكم السودان فحسب بل نريد ان نحكم كل الدنيا ،وقد جئينا ايضا باساس افورقي في ارتريا وبمساعداتنا اللوجيستيه ، وجئنا ايضا بملس زناوي في اثيوبيا ونحن الذين جئنا باديس دبي في تشاد وقد رعيناه منذ ان كان طفلا يحفظ القرآن في دارفور واذا اردنا ان نغيراي نظام لفعلنا ولانخاف احدا من الناس" .
    الي هذه الدرجه من الغروركان ينظر قادة الحركه الاسلاميه لانفسهم ولنظامهم ، وهكذا كان يتحدثون عن استراتيجيتهم غير المعلنه ، ومن علامات الاستفهام الكبيره التي برزت مابعد محاولة اغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك في اديس ابابا ان شابين سودانيين قد اغتيلا امام منزلهما في العاصمه الاثيوبيه بعد ايام من من محاولة اغتيال الرئيس المصري وقد اشتبهت فيهم المخابرات الاثيوبيه ومن تحركاتهم وعندما خرجا ذات مرة من البيت وادارا سيارتهم دخلت عناصر المخابرات الاثيوبيه الي البيت وبعد ان فتشته بشكل دقيق وجدت ظرف كبير الحجم وكانت المفاجاة ان الظرف كان عباره عن دراسه كبيره بعنوان ( استراتيجية الحركه الاسلاميه في السودان للقرن الافريقي) في العشره سنوات القادمه ، وعلي الفورعندما عاد الشباب الي البيت اغتالتهم المخابرات الاثيوبيه امام المنزل وعلمت الحكومه السودانيه بذلك ولم تقول اي شيئا غير اذاعت ان الشابين كانا يتبعان لمنظمه طوعيه ، وفي ذات الوقت قامت المخابرات الاثيوبيه بتسليم نسخه من ( الدراسه) الي المخابرات الامريكيه واتذكرفي ذات الايام كانت العديد من شاكلة تلك الدراسات تتناقل بين ايدي اعضاء الحركه الاسلاميه واذكر ان رد الفعل علي اغتيال الشابين لم تتعدي التخذيرمن تداول هذه الدراسات بين الذين يعملون في المكاتب المتخصصه والاحتفاظ بها في اماكن آمنه وحينها كانت الحركه الاسلاميه تضع هذه الدراسات التي تكشف عن الاهداف الخاصه باستراتيجية حكم المنطقه ومناطق اخري عديده ، وكل ذلك في اطارعمارة الله في الارض بازالة الديكتاتوريه التي تحكم هذه الدول واستبدالها بانظمه ( إسلاميه) حسب فكر الحركه, ومسألة حكم العالم والاستراتيجيات التي بين ايدي اعضاء الحركة كانت احدي الاسباب التي تجذب الشباب الطموح في الانضمام للحركه الاسلاميه وسيما وان هناك الكثيرمن المنظمات والهيئات التي كانت تعمل بشكل مستقل في جمع المعلومات واعداد الدراسات الميدانيه علي دول وعن شعوب ومناطق بعينها اومن هذه الهيئات والمنظمات الاتحاد الاسلامي العالمي للمنظمات الطلابيه ، ايضا هذه المسارات كانت تحسب في وضعية (خلافة الله في الارض ) وكان السودان يستقبل في تلك الايام الوفود تلو الوفود من الطلاب ومنظماتهم من كافة دول العالم .

    حقوق الانسان
    ومما يحزن له ان استخدام الايات القرآنيه والمفاهيم الاسلاميه الحقه عند اسلاميو السودان امرا من البساطه بمكان التعامل معها دون ادني وازع ديني أومسئولية أخلاقية تجاه المتلقين للدعوه او السودانيين الذين يعيشون داخل هذه التجربه ودونا مراعات لعقولهم ولحرماتهم ، مثلا في اكثر من موقف مضر بالسلوك الانساني واهدارا لحق الانسان في الحياة ممارسة زيد من الناس ظلم شخص ما الا وخرجت بيانات الحكومه واقيمت الندوات ودبجت المقالات عن حقوق الانسان في الاسلام وحضرت لها ( الهتيفه) المكبرين والمهللين ومن قصص الواقع في هذا الصدد انه في الوقت الذي انشئت فيه الحكومه السودانيه مؤسسات (اسلاميه) لحقوق الانسان وزادت الندوات والمقالات وورش العمل في هذا الموضوع كانت انتهاكات لحقوق الانسان تحدث في اكثر من مكان ، ولكن بمعايشه يوميه للحدث ان الجيش السوداني في جنوب السودان قام باختطاف مجموعة من طالبات مدرسه ثانويه في اوغندا في عام 1996 – 1997 ، وأنكرت الحكومه السودانية هذا الحدث جملة وتفصيلا ، بل اتهمت اوغندا بزعزعة المنطقة وانتهي الموضوع بالنفي والاتهام بين الطرفين فاذا بي احدي الطالبات المختطفات تظهر في احد مناطق الجنوب وتذهب الي بلادها وتشكف عن الحقائق.
    تحدث عمليات القتل داخل معسكرات الخدمه الالزاميه العسكريه وقد وثقت العديد من الحالات ، وصودرت الصحف التي نشرت هذه الاخبار وحذرت من تكرار النشر، وشهد العام 2000م اكثر من حالة وفاة لطلاب في معسكرات الخدمة الالزامية, حيث استشهد الطالب غسان احمد الامين هارون في معسكر جبل اولياء للتدريب الموحد, حيث ضرب ضربا مبرحا من قبل ما يسمي(التعلمجية) والبينات كانت واضحة من خلال تقرير الطبيب الشرعي بمشرحة مستشفي الخرطوم الدكتور عبدالله عقيل وقد كشف التقرير الطبي عن مقدار الأذي الذي تعرض له الطالب النابغة غسان احمد الامين هارون حتي توفى الي رحمة الله من ضرب ب (البوت) في الرأس والوجه أكثر من 20 ضربة في أماكن متعددة من الجسم, أدت الي الوفاة وعندما رفع والد الطالب الدكتور أحمد الامين هارون أستاذ الهندسة بجامعة السودان, دعوة ضد الجهات المسئولة رفضت وزارة العدل قبول الدعوة بحجة ان الطرف الحكومي جهه سياديه لايمكن المساس بها أو شكواها مهما كان الفعل وحدث هذا في عهد الوزير الحالي محمد عثمان يسن, وبعد ساعات من اصدار التقرير الطبي أعطي الصحفي اسحاق احمد فضل الله نسخة منه بأعتباره احد ابرز كتاب النظام, ليكون شاهدَا على واحدة من إنتهاكات حقوق الانسان في السودان بالقتل, دون أن يجد الشخص المتضرر حقه بالتقاضي في دولة (الاسلام) الجديدة في السودان..!!!

    سيرة ذاتية للكاتب

    - الاسم: خالد عبد الله حسين محمد أحمد
    - اللقب الصحفي: خالد أبوا حمد
    - المهنة إعلامي شامل
    - الميلاد: 23/12/1963م.
    - مكان الميلاد: ولاية نهر النيل مدينة عطبرة.
    - الخبرة العملية: 20 عام، متخصص في العمل الإخباري ومثلت السودان في أكثر 15 مؤتمر إقليمي وعربي وأفريقي.
    - تدربت بكل من مصر – إيران – الأردن - البحرين
    - تنقلت من محرر صحفي إلى رئيس قسم الأخبار، ثم رئيس القسم الدولي في أكثر من صحيفة.
    - عملت بالصحف السودانية الآتية:-
    الراية - الأنباء – ألوان – السودان الحديث – المخبر – دار فور الجديدة.
    في مملكة البحرين عملت في صحف:- الوسط – العهد، ومراسل لعدد من الصحف السودانية.
    عملت في السودان بكل من:- منظمة الإيثار الخيرية الخرطوم - مؤسسة الفداء للإنتاج
    الإعلامي _ معد لبرنامج في ساحات الفداء – هيئة دعم القوات المسلحة ولاية الخرطوم- مدير
    الإعلام الزراعي بالولاية الشمالية (دنقلا ) مدير إعلام وزارة المالية ولاية أعالي
    النيل، ومن المؤسسين لمركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا.
    - أكتب في العديد من المواقع الكترونية.
    - مؤسس مركز دراسات التطرف الديني (تحت التأسيس).
    - متزوج و أب لأربعة أطفال.
    - بريد الكتروني : [email protected]
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de