كمال الجزولي ينه الواهمين: بات مآل الوطن مرتبطا بمآل النظام

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 03:24 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-17-2004, 10:12 PM

محمد عبدالقادر سبيل
<aمحمد عبدالقادر سبيل
تاريخ التسجيل: 09-30-2003
مجموع المشاركات: 4595

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كمال الجزولي ينه الواهمين: بات مآل الوطن مرتبطا بمآل النظام

    دَارْفُوْرْ: جَدَلُ الوَاقِعِ والوَهْم!

    بقلم/ كمال الجزولى

    رغم غرابة الفكرة للوهلة الأولى ، حين يجرى التعبير عنها من موقع المُعارض الذى يُفترض أن (تبهجه!) الفوضى تضرب بأطنابها فى جبهة الخصم ، إلا أننا ، وباعتبار أن خيار الحلِّ السياسى أصبح هو الراجح الوحيد بالنظر إلى حالة (توازن الضعف) السائدة فى مستوى الصراع الاجتماعى ، والاحتمالات المرعبة لانعكاساتها فى مستوى القضيَّة الوطنيَّة تحت الضغوط والمُهدِّدات الراهنة من جهة الظرف الدولى والاقليمى ما بعد اجتياح العراق ، ظللنا نحذر بإخلاص ، وفى أكثر من مناسبة ، من أن أخطر ما يمكن أن يعيق أيَّة تسوية سياسيَّة للمشكلة الناشبة فى السودان منذ اندلاع انقلاب الثلاثين من يونيو 1989م هو صفُّ السلطة المتشاكس ، غير المنتظم ، والذى يعانى من انقسام الارادة والقرار واللسان!
    والآن فإن أكثر ما يبعث على القلق أيضاً فى أزمة دارفور الراهنة ، مع استمرار خيار التسوية السياسيَّة قائماً ، هو هذا الارتباك فى صفِّ الحكومة واضطراب قرارها ، الأمر الذى من شأنه الاطاحة بأيَّة فرصة لمثل هذه التسوية .. من خانة الواقع الممكن إلى خانة الوهم المستحيل!
    لقد أفاض المراقبون فى التعبير عن دهشتهم ، بالأمس القريب ، من إنكار الحكومة الصريح لوجود مليشيا الجنجويد ، ثم تراجعها السريع إلى الاقرار بذلك ، بفارق زمنى لا يتعدَّى الأيام المعدودات! كما أبدى محللون ومعلقون سياسيون وكتاب كثيرون ، داخل البلاد وخارجها ، حيرتهم من الأداء المتناقض لأطراف حكوميَّة نافذة بإزاء قرار مجلس الأمن رقم 1556 المستند إلى الفصل السابع من الميثاق ، والصادر فى الثلاثين من يوليو المنصرم ، بإمهال الحكومة مدة ثلاثين يوماً لتنفيذ ستة عشر مطلباً دوليَّاً تتضمَّن أحد عشر إجراءً ، على رأسها تنفيذ الاتفاق الأخير المبرم مع الأمين العام للأمم المتحدة ، وتعزيز نشر المراقبين الدوليين ، ونزع سلاح هذه المليشيا ، وحماية المواطنين من بطشها ، وتقديم قادتها للمحاكمة ، وبسط الأمن فى الاقليم وما إلى ذلك ، كى تتفادى العقوبات المقرَّرة تحت المادة (141). فما أن صدر هذا القرار حتى انبرى الناطق الرسمى يعلن ، من جهته ، رفض الحكومة له ، بينما راح وزير الخارجيَّة وأركانه فى الأمم المتحدة وسفارة السودان بأيس أبابا يعلنون ، من الجهة الأخرى ، عن قبول الحكومة به ، وذلك فى مشهد هرجلة لا يليق!
    فلئن سلمنا جدلاً بأن الحكومة (لم تكن!) جاهزة ، فى البداية ، للتعاطى مع تداعيات الأزمة وصدماتها وموجباتها ، رغم أن هذا التفسير مِمَّا يصعب هضمه ، فإنه من غير المعقول أو المقبول أن يظل مسلسل الارتباك والاضطراب هذا متواصلاً على حاله ، دَعْ أن يتفاقم بمثل هذه المتوالية المزرية!
    خذ عندك مثلاً حملة الاستنفار لقوات (الدفاع الشعبى) التى دشنتها الحكومة بدارفور. لقد نفى وزير الداخليَّة الاتحادى أن يكون هدفها تجنيد مليشيا (الجنجويد) ، وذلك ضمن تصريحاته التى دافع من خلالها عن تجنيد قوات (الدفاع الشعبى) ، بما يعنى أنها قوات (شرعيَّة) ، وأن استنفارها عمل مشروع سوف تتمسك الحكومة به وتمضى فيه إلى نهاية الشوط ، قائلاً: "نحن جندنا المواطنين ونعلن فى وسائل الاعلام عن رغبتنا هذه ، وأىُّ مواطن يأتينا نقوم بتجنيده" (الأيام 7/8/04). لكن ، وعلى الرغم من هذا الاصرار الحازم الذى يشِى بسياسة مُفكَّر فيها جيداً ، نقلت الأنباء فى اليوم التالى مباشرة خبر إيقاف الحكومة الولائيَّة بدارفور ، فجأة ، لتلك الحملة ، وتوجيهها بجمع سلاح هذه القوات ووضعه فى المخازن ونزع الزى العسكرى من أفرادها "للتمكين من ضبط المنفلتين وتقديمهم للعدالة واستتباب الأمن!" كما جاء فى التفسير الرسمى لذلك التراجع (الأضواء ، 8/8/04). ولعل مِمَّا يلفت النظر ، ويدعو للاستغراب ، بوجه خاص ، ما ورد بذيل الخبر من تصريح منسوب لنائب الوالى هناك بأن "بعض الأفراد رفضوا الانصياع للقرار وأن القوات المسلحة والادارة الأهليَّة (بصدد!) التحرُّك لإلزامهم بالأمر!" (المصدر نفسه).
    وخذ عندك أيضاً الطرح الايجابى غير المسبوق الذى تقدم به النائب الأول لرئيس الجمهوريَّة أمام منتدى مجلس التعايش الدينى نهار الأربعاء 3/8/04 حول الحوار الوطنى باعتباره الوسيلة الوحيدة لعلاج أزمات البلاد ، واصفاً بروتوكولات السلام المبرمة بين الحكومة والحركة الشعبيَّة بضاحية نيفاشا الكينيَّة بأنها جهد بشرى قابل للتصويب والاستدراك والتجويد. هذا الطرح ، مقروءاً فى ضوء الخطوات الجارية باتجاه اللقاء الموسَّع المزمع عقده ، لأول مرة ، فى القاهرة بين الحكومة وبين المعارضة داخل التجمُّع وخارجه ، أنعش الآمال الوطنيَّة فى إمكانيَّة التوصُّل إلى حلٍّ سياسىٍّ شامل تستعاد بموجبه الديموقراطيَّة والعدل والمساواة وسيادة حكم القانون واستقلال القضاء واحترام حقوق الانسان ، خاصة وقد وصفته المعارضة على لسان السيد فاروق أبو عيسى ، مساعد رئيس التجمُّع وأمين لجنته للاتصالات السياسيَّة ، بأنه "هو بالضبط ما يحتاجه السودان فى الوقت الحاضر والظروف الصعبة والمعقدة التى يعيشها وتستدعى إجماعاً يحقق وحدة تحمى الوطن" (الأيام ، 7/8/04).
    لقد توقع الناس ، ومعهم ألف حق ، أن تعقب هذا الطرح الجديد وترحيب المعارضة به جملة إجراءات لتهيئة مناخات المشاركة بتوسيع الحريَّات العامَّة وكفالة الحقوق الأساسيَّة ، باعتبار ذلك على رأس الشروط اللازمة للبدء فى ترميم شروخات الجبهة الداخليَّة ، وما أكثرها. لكن ما كاد يتصرَّم من الأيام ما يُحسب على أصابع اليد الواحدة حتى تَلاحَقَ من الأحداث ما يناقض منطق تلك التوقعات ، طرداً على عكس ، ويشكل صدمة لكل تلك الآمال والتفاؤلات. فعلى سبيل المثال:
    (1) أقدمت أجهزة الأمن ، فجأة مطلع هذا الأسبوع ، على اعتقال أعضاء لجنة تسيير (الهيئة الشعبيَّة لنداء الوطن ـ نداء دارفور: هذا أو الطوفان) ، وحظر اللقاء الجامع الذى كانوا قد أعدوا لانعقاده نهاية الأسبوع الماضى بمركز عبد المجيد إمام بالخرطوم بحرى ، بعد أن تحصلوا على التصديق الخاص بذلك من مكتب وزير الداخليَّة ، علماً بأن الهيئة عبارة عن تحالف عريض بين أحزاب معارضة ومنظمات مجتمع مدنى وشخصيات مستقلة ، ويهدف لتجميع وتكثيف الجهود من أجل الخروج بحلول وطنيَّة للأزمة ، وتعبئة وتنسيق العمل الانسانى المحلى للنازحين ، والضغط على القوى كافة باتجاه الاسراع بالقضاء على الأسباب الجذريَّة للمشكلة سداً لذرائع التدخلات والهيمنة الأجنبيَّة (الأيام ، 8/8/04). ومِمَّا زاد الناس حيرة تزامن هذا الاجراء مع قرار آخر اتخذه من جانبه وزير العدل النائب العام مستخدماً سلطته بموجب المادة (5 من قانون الاجراءات الجنائيَّة لسنة 1991م بإيقاف محاكمة د. مضوى ابراهيم الذى تتهمه أجهزة الأمن بارتكاب جرائم سياسيَّة قد تصل عقوبتها ، حال ثبوتها ، إلى الاعدام! وقد فسَّر المدعى العام هذا القرار بأنه جاء "تمشياً مع سياسة الدولة الرامية للسلام ولمِّ الشمل واحتواء الخلافات" (الأضواء ، 8/8/04). فلئن كان هذا حقاً هو مبرِّر قرار النائب العام فى شأن د. مضوى ، وهو مبرِّر يجعل منه قراراً حكيماً بالفعل ، فما هو مبرِّر قرار أجهزة الأمن فى شأن (الهيئة الشعبيَّة لنداء دارفور)؟!
    (2) أعلن الأمين العام لحزب المؤتمر الوطنى الحاكم ، جرياً على نهج ثابت وبائر فى المسارعة لإدخال العصا فى عجلة أىِّ تقارب يلوح فى الأفق بين النظام والمعارضة ، عن شروط جديدة للوفاق الوطنى لم تكن مشمولة ابتداءً بطرح النائب الأول لرئيس الجمهوريَّة. من هذه الشروط إعتراف المعارضة بالحكومة وبقدرتها على قيادة عمليَّة الوفاق ، أو كما قال (الصحافة ، 9/8/04). بؤس المنطق فى هذا الكلام لا يحتاج إلى دليل. فمن جهة تصرَّم زمن طويل مذ أعلن التجمُّع المعارض وحزب الأمة عن اعتمادهما طريق الحلِّ السياسى الشامل الذى يعنى ، فى ما يعنى ، التفاوض مع الحكومة ، والذى يعنى بدوره ، أوَّل ما يعنى ، درجة معقولة من الاعتراف بها ، ولو من باب (الأمر الواقع) على الأقل. فما الذى يريده الحزب الحاكم بالضبط؟! أن يستثمر حدب المعارضين على القضيَّة الوطنيَّة لابتزازهم ، تحقيقاً لحلم قديم ما انفكَّ يراوده بكسب حزبىٍّ ضيِّق يتمثل فى رؤيتهم جاثين على رُكبهم عند قدميه يستجدونه ويستدرُّون عطفه؟! وهل ، بربِّكم ، ينطوى على ذرَّة من الرشد مثل هذا النمط من التفكير ، وفى مثل هذا الوقت بالذات ، وفى مجتمع تسوده الذهنيَّة الرعويَّة المرشحة فى ساعة غضب للايغال فى العناد وركوب الرأس ، حتى لو انقلبت الدنيا رأساً على عقب؟! ثم ما هو المقصود من (قيادة الحكومة لعمليَّة الوفاق) إذا كان (الوفاق) يعنى ، لغة ومصطلحاً ، (إلتقاء الارادات) بينما (القيادة) تعنى (الهيمنة) و(التوجيه)؟! وهل كانت الحكومة قد (قادت) ، قبلاً ، (وفاقها) مع الحركة الشعبيَّة كى تصر على (قيادة) هذا (الوفاق) مع أحزاب المعارضة داخل وخارج التجمُّع؟! أم لا بد لها ، هنا أيضاً ، من (عصا وجزرة) أجنبيَّتين تدفعانها دفعاً إلى طاولة المفاوضات؟!
    (3) أقدمت وزارة التجارة الخارجيَّة الآن ، وفى هذا الظرف الدقيق ، على فصل 79 من موظفيها بإلغاء وظائفهم ، علاوة على مزيد من كشوفات الفصل لعمال الوزارة مِمَّا يُنتظر الاعلان عنه لاحقاً (الأيام ، 8/8/04). لقد أعاد هذا الاجراء إلى الأذهان طيوف الفصل والتشريد التعسفىِّ الذى لم يتوقف أصلاً خلال السنوات الماضية ، والذى طال الآلاف من العاملين فى جهاز الدولة بدعوى (الصالح العام) ، بينما يعلم القاصى والدانى أن الهدف من ورائه هو تقريب أهل الولاء السياسى على حساب أهل الكفاءة المهنيَّة!
    (4) ولم تعدَم البلاد ، فى هذا الظرف الدقيق أيضاً ، مَن يُحوِّر القرار الذى أصدره رئيس الجمهوريَّة العام الماضى برفع مرتبات أطباء الامتياز مِن 250 ألف جنيه إلى 500 ألف (أقل من مئتى دولار) ، ليخفضه مُجدَّداً إلى ما قبل الزيادة (!) إضافة لتعطيل المعالجات التى تمت مؤخراً بين الوزارتين والأطباء بشأن استحقاقاتهم الماليَّة ، مِمَّا دفع لجنة الأطباء لإنذار وزارتى الصحة والماليَّة بالدخول فى إضراب مفتوح فى ما لم تستجيبا لمطالبهم خلال أسبوع واحد (الصحافة ، 9/8/04). واستطراداً ، فإنه بنهاية مهلة الأطباء يكون قد تبقى من مهلة مجلس الأمن أسبوعان فقط! أفلا يحق لنا ، إذن ، أن نبدى حيرتنا بإزاء صدور مثل هذه القرارات من نظام تحتوشه الأزمة من كلِّ حدب وصوب؟!
    نقول ، ولا نملُّ التكرار: إذا اشتغلت مصيدة التدخلات الأجنبيَّة المنصوبة لبلادنا فإنها لن تتوقف عند حدود المعلن عنه من أهدافها! ولا أمل لشعبنا فى تفادى أضراسها إلا بإنجاز مطلوبات القضيَّتين الاجتماعيَّة والوطنيَّة معاً ، فلن يُكتب لواحدتهما أن تتحقق بدون الأخرى ، بل وإنه لضرب من الوهم لا يليق أن يبنى النظام حساباته على إمكانيَّة ذلك! ولعل هذا هو درس العراق الأساسى ، بل هو ، فى الحقيقة ، درس (كررى) قبل أكثر من مائة عام ، حيث كان (الغزو) قد تسرَّب ، رويداً رويداً ، من شقوق (الجبهة الداخليَّة) المفككة لدولة الخليفة ، قبل أن يستكمل (نصره) الزنيم صباح الثانى من سبتمبر عام 1898م! لقد ملأ سيدى (ود تور شين) يومذاك صماخ أذنيه بأصابعه العشرة عن سماع مطلوبات (القضيَّة الاجتماعيَّة) ، وأوصد بذلك كلَّ سبيل أمام تماسك (الجبهة الداخليَّة) ، فلم يتبق له سوى أن يفرش فروته يستقبل رصاصة أجنبيَّة فى جبينه ، حين وقفت قبائل وقوى اجتماعيَّة بأكملها تستبشر بالغزو ، وأطلق شاعر الشعب (الحردلو) استغاثته المأساويَّة: "يا يابا النـُّقـُس .. يا الانجليز ألفونا"!

    وها نحن قد أتى علينا الآن حين من الدهر أوصلنا فيه (توازن الضعف) بين كفتى الحكم والمعارضة إلى حالة يقترن فيها ، عند بوَّابة دارفور ، مآل (الوطن) بمآل (النظام) ، أردنا أم لم نرد! فأما (الوطن) فإن قواه الوطنيَّة الديموقراطيَّة مطالبة بالتعاطى مع جدل (وطنيَّتها) و(ديموقراطيَّتها) دون أدنى قدر من الحَوَل السياسى! وأما (النظام) ، إذا ما قدر له أن تتشكل داخله كتلة ذات أثر تنبذ الأوهام وتعقل الحقائق لتعينه على الافلات من مأزقه الراهن ولو بغريزة (حب البقاء) ، فإن عليه التخلى عن مناهجه القديمة فى التفكير والعمل ، والتى لطالما زيَّنت له تجاوز مقتضيات الواقع وحساباته الباردة ، وأوحت له ، بمعكوس دلالة المثل الانجليزى الشهير ، أن (فى مستطاعه أكل الكعكة والاحتفاظ بها فى وقت واحد) ، مِمَّا ظلَّ يوقعه يوماً بعد يوم فى خطل التصوُّر ، واضطراب الصفِّ ، وارتباك القرار!
    وفى هذا الاتجاه فإن ألزم ما يلزم النظام هو أن يكفَّ ، وفوراً ، وبأكبر قدر من الاستجابة لأشراط الواقعيَّة السياسيَّة ، عن تصوُّر إمكانيَّة توحيد (الجبهة الداخليَّة) بمحض مواكب وهتافات (التعبئة العامَّة) ضد (التدخل الأجنبى)! فلو أمكن لخطة كهذى أن تنجح لكانت قد نجحت يوم لم يَعْدَم النظام فى بغداد من يهتف "بالروح بالدم نفديك يا صدام" حتى قبيل ساعات قلائل من توغل الدبابات الأمريكيَّة فى ساحة (التحرير) وإسقاط تمثال القائد المهيب! (فالتعبئة العامَّة) ليست (فرض كفاية) إذا قام به (بعض) منسوبى الحزب الحاكم سقط عن (الباقين)! وليست (إجراءً حكوميَّاً) يوكل لمقاولى الأنفار ومتعهِّدى البصَّات وشرطة المرور وخطاطى الشعارات البرَّاقة على ألواح الموسانايت وقطع الدَّمُّوريَّة والدَّبلان! (التعبئة العامَّة) حالة ذاتيَّة تشيع تلقائياً بمقتضى سياسة راشدة تتعاطى مع مفهوم (الوطن) ، لا باعتباره مجرَّد تركيبة من السهول والوديان والجبال والمسطحات المائيَّة ، ولا حتى كمخزون من النفط والذهب والنحاس والتربة الخصيبة السوداء ، بل كشبكة شديدة التعقيد والخصوصيَّة من علاقات الاجتماع والاقتصاد والسياسة والتساكن الإثنى والدينى والثقافى ، إن صحَّت صحَّ الوطن فى وجدان أهله ، وإن اعتلت اعتلَّ ، علماً بأن (السنابك الأجنبيَّة) لن (تطأ) الوطن قبل أن (تسحق) الحكم، عاجلاً أم آجلاً .. وقد أسمعت لو ناديت حيَّا!
    عن صحيفة الصحافة السودانية عدد 12/8/2004
    http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147491419




    رد على هذه المقالة
    منشور بالصحافة ايضا
    ___________________

    جدلية الواقع الساسي والوهـم الكــذوب
    د.الطيب زين العابدين


    * كتب الاستاذ كمال الجزولي تحت عنوان: دارفور جدل الواقع والوهم بجريدة «الصحافة» 12/8/2004م أتى علينا الآن حين من الدهر اوصلنا فيه (توزان الضعف)، بين كفتي الحكم والمعارضة الى حالة يقترن فيها، عند بوابة دارفور، مآل (الوطن) بمآل (النظام) اردنا أم لم نرد! فأما (الوطن) فإن قواه الوطنية الديمقراطية مطالبة بالتعاطي مع جدل (وطنيتها) و(ديمقراطيتها) دون ادنى قدر من الحول السياسي! وأما (النظام) اذا ما قدر له ان تتشكل داخله كتلة ذات أثر تنبذ الاوهام وتعقل الحقائق لتعينه على الافلات من مأزقه الراهن ولو بغريزة (حب البقاء)، فإن عليه التخلي عن مناهجه القديمة في التفكير والعمل. والتي لطالما زينت له تجاوز مقتضيات الواقع وحساباته الباردة.. مما ظل يوقعه يوماً بعد يوم في خطل التصور واضطراب الصف وارتباك القرار! أجد نفسي متفقاً تماماً مع ما ذهب اليه الجزولي في ذلك المقال رغم الطعن الخفي في قوله إن للمعارضة مثلا وطنية وديمقراطية ينبغي أن تستنجد بها في قبول الحقيقة المرة بأن مآل الوطن ارتبط بمآل النظام في بوابة دارفور، فلا ينبغي عليها أن تفرح بمأزق النظام وتهديد التدخلات الاجنبية ضده، لأنها لن تتوقف عند اهدافها المعلنة، أما عند الحديث عن النظام، فقد نصحه بنبذ الأوهام وتعقل الحقائق التي تعينه على الافلات من مأزقه الراهن ولو بغريزة حب البقاء! وكأن النظام لا يملك مثلاً وطنية أو سياسية او اخلاقية تدعوه الى التدبر في مآلات المشكلات التي تحيط بالوطن من كل جانب، تهدد كيانه ووحدته وهويته وتستدعي لملمة شعث الجبهة الداخلية حتى تواجه المخاطر المحدقة بالوطن. ولكن لا ترثيب عليه، فقد برهن النظام عبر سنوات عديدة ماضية بأنه لا يتقدم خطوة واحدة في سبيل الوفاق الوطني او الانفتاح السياسي، إلا تحت الضغوط والاكراه بحجة (رفض تفكيك الانقاذ اي نقص هيمنتها على السلطة). وكأن الانقاذ هى الدين وهى الوطن. وينبغي أن تبقى وتسود الى أن يرث الله الارض ومن عليها! وكأنها لم تفعل بقيم الدين ما قد فعلت ولم تعرض الوطن لكل المخاطر التي يتعرض لها منذ سنوات.
    وأحسب ان المعارضة، التي ينتمي الجزولي الى احد فصائلها النشطة، أقرب لأن تقبل دعوته من النظام، فقد تحركت المعارضة (التجمع الوطني الديمقراطي وحزب الامة) من محطة اقتلاع النظام من جذوره ومحاسبته على جرائمه، الى محطة (سلم تسلم)، ثم الى محطة الشراكة والتفاهم في اتفاقية جيبوتي مع المهدي واتفاقية جدة مع الميرغني، ثم الى محطة الموافقة التامة على اتفاقيات السلام مع الحركة الشعبية التي تعني قيادة أهل الانقاذ للمرحلة الانتقالية على المستويين التشريعي والتنفيذي في الحكومة الاتحادية وفي ولايات الشمال دون انتخابات! وبالمقابل ماذا فعل النظام ليبرهن على جديته في رتق الصف الوطني وتوحيد الجبهة الداخلية؟ ليس شيئاً يذكر، بل يمكن ان يقال انه بذل جهداً مقدراً في خلخلة الصف الوطني بشق الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الامة القومي والحركة الإسلامية. وعدد لا بأس به من الفصائل الجنوبية!
    والاقتراح الذي يقدمه الاستاذ الجزولي للنظام هو من أكثر المقترحات عملية في بناء الجبهة الداخلية ومواجهة التحديات والمخاطر. وهو أن تتشكل كتلة اسلامية مؤثرة واعية من قلب النظام تنبذ الأوهام وتعقل الحقائق الكبرى المحدقة بالوطن. وتدرك ان الجبهة الداخلية لا تبنى بلا استحقاقات غالية ينبغي ان تدفع. ويعني ذلك اشراك كل القوى السياسية والاجتماعية في تحمل مسؤولية مجابهة التحديات والمخاطر. وفوق ذلك أن تكون تلك الكتلة مستعدة أن تسير الشوط الى نهايته، فهى لا تستجدي أحداً حتى يستجيب لمطالبها. ولا ترجو مكافأة من أحد. ولا تخشى في سبيل الدين والوطن أن ينزل بها عقاب من سلطة متنفذة، فهى تمارس حقاً مشروعاً لأن (التمكين) وقع باسمها وتحاسب بأفعاله أمام الناس. ولأنها صاحبة مشروع أخلاقي نهضوي انتهكت حرماته من خلال الممارسة السلطوية المتعدية. ولأنها جزء أصيل من هذا الوطن يهمها أمنه وسيادته ووحدته كما يهم جميع أبنائه.
    وآن لهذه الكتلة الواعية أن تتحرك ولا تكتفي بالتنوير السلبي من داخل المؤسسات الفارغة. ولا بالتفاؤل الساذج ان لم نقل الكاذب (ان كل شئ على ما يرام) وأن كل طارئ محسوب له حساب. وأن الجاهزية كاملة لمقابلة العدو براً وبحراً وجواً. ولا بدغدغة المشاعر أن تفكيك الانقاذ يعني نهاية الدين في السودان، بل قد يصح القول أن استمرار الانقاذ بحالتها الراهنة فيه اضعاف للدين في السودان! وهل يماري أحد في أن الحركة الاسلامية كانت أكثر قوة وتأثيراً في المجتمع قبل الانقاذ. وأنها اليوم في أضعف حالاتها فكراً وتنظيماً والتزاماً اخلاقياً بقيمها السلوكية! لقد سقطت مقولة أن الدولة هى أهم وسائل التغيير الاجتماعي. وان لم تسقط أنها أهم وسائل كسب المعاش! ان الثقة المفرطة في القيادة واضعاف مؤسسية الأجهزة التنظيمية وانعدام شورية القرار وغياب المحاسبة على الاداء والخوف من ممارسة النقد الذاتي، ادى كل ذلك الى فجيعة الحركة الاسلامية في بؤس نموذجها السلطاني. وقد كانت دعواها عظيمة في ما يمكن أن يحققه ذلك النموذج على أرض الواقع.
    إن فات على الحركة الإسلامية أن تحقق نموذجها المثالي في أرض الواقع، فلا يفوتها أن تنبه بقوة ووضوح الى المخاطر الكبيرة والتحديات الجسام التي تحدق بالوطن من كل جانب وتهدد كيانه ووجوده. وأن تجتهد في الدعوة الى كل وسيلة تدرأ الخطر وتجابه التحديات. ولا أشك في أن ذلك سيحسب لها في ميزان حسناتها أمام جماهير الشعب السوداني. ويمنحها فرصة اخرى في أن تعيش في مناخ تعددية سياسية حقيقية دون سند من سلطة قاهرة. ومع ذلك تؤثر في قطاعات المجتمع المختلفة. وتكسب قواعد لها في تلك القطاعات كما كانت تفعل في زمن مضى، فهلا نفرت طائفة منهم تقوم بذلك الواجب الذي لابد منه حتى لا تنخسف بنا جميعاً أرض السودان!!


    ملحوظة
    ------
    عنوان المنصوبة/ البوست كمال الجزولي ينبه الواهمين: بات مآل الوطن مرتبطا بمآل النظام

    (عدل بواسطة محمد عبدالقادر سبيل on 08-17-2004, 10:16 PM)

                  

08-17-2004, 10:35 PM

الجيلي التجاني جمعه

تاريخ التسجيل: 08-10-2004
مجموع المشاركات: 150

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي ينه الواهمين: بات مآل الوطن مرتبطا بمآل النظام (Re: محمد عبدالقادر سبيل)

    الاخ / سبيل ..

    شكرا على نقل هذا المقال المنضبط والمرتب للاستاذ / الجزولي .. وقد اصاب كبد الحقيقة في كثير مما ذكر ولعل امثال د. الطيب زين العابدين يعلمون ويلات تصرفات نظام الانقاذ .. نرجو ان يسمعوا !!!
                  

08-18-2004, 01:20 AM

أحمد الشايقي
<aأحمد الشايقي
تاريخ التسجيل: 08-08-2004
مجموع المشاركات: 14611

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي ينه الواهمين: بات مآل الوطن مرتبطا بمآل النظام (Re: محمد عبدالقادر سبيل)

    الاستاذ/ محمد تحياتي
    والله لقد كنت أتوقع مثل هذا الرد من أمثال دكتور الطيب زين العابدين فهو من العقلاء والراجحين وما بقي إلا أن يمهر هذا المقال بتوقيعه ويدفع به إلى الجمع ممن يشاركونه الرأي ودونه صلاة الجمعة القادمـة حيث يجتمع السامـر فالمعجزات الآن أصبحت مطلوبة لتجنب التدخلات الأجنبية والتي قد ينفرط معها عقد النظام وغير النظام ولات ساعـة مندم.
                  

08-18-2004, 10:10 PM

محمد عبدالقادر سبيل
<aمحمد عبدالقادر سبيل
تاريخ التسجيل: 09-30-2003
مجموع المشاركات: 4595

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي ينه الواهمين: بات مآل الوطن مرتبطا بمآل النظام (Re: أحمد الشايقي)

    أخي الجيلي
    اخي احمد الشايقي
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    شكرا على التعليقات .. وفي الحقيقة:
    هذا زمان العقلاء من ابناء شعبنا ، الذين ينكرون الذات ويخلصون النية ويقرأون بوعي أكبر، وعلى الراديكاليين الرومانسيين من الطرفين افساح المجال لصوت العقل والضمير والوطن، والا فسيخسر الجميع. والخوف في هكذا حالة من عقلية شمشون التي يتبناها البعض في الخفاء متذرعين بالذرائع التي لا تبرر كارثة استدعاء المستعمر الانجلوسكسوني مجددا .
    واظن ان اخطر وأسوأ ما يمكن عمله الآن هو استفزاز المتنفذين في النظام حاليا واشعارهم بالخطر القادم .
    المطلوب هو اشعارهم فقط بالخطر الراهن وطمأنتهم على المستقبل ، بمعنى اشعارهم بأن غدا توافقيا وسلميا وقوميا خير ألف مرة من راهن مضطرب ومشحون بالمنغصات والتوتر.
    والأهم من ذلك كله ان الوطن كله سيدفع ثمن اية حماقة يقدم عليها اي من الغريمين المتطرفين
    وفي النهاية فأن مستقبلا تؤسس شروطه مع غيرك أفضل من مستقبل شروطه مفروضة عليك بالكامل.
    اللهم سلم سلم.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de