دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
حكومة الإنقاذ .. والإستهداف / الحاج وراق
|
مسارب الضي عن الاستهداف !
الحاج وراق
النظرية المعتمدة حاليا لدى الإنقاذ لتأويل ازمة دارفور انها «استهداف» خارجي ، وقد تبنتها الانقاذ في مواجهة الاهتمام الاعلامي العالمي وقرارات مجلس الأمن الدولي حول الازمة ... وهي «نظرية» آيديولوجية، ويتضح طابعها الآيديولوجي التبريري في تناقض مضمونها نفسه ، ففي البداية، كان المضمون بأن الإسلام هو المستهدف ، هكذا دون حيثيات ، ومع أن الصراع بين اطراف مسلمة ، بل أن الطرفين الاساسيين للأزمة ليسا من المسلمين وحسب، وانما كلاهما من الإسلاميين ! ثم إن الحديث المجرد عن استهداف الاسلام لا يتضمن محتوي ملموسا يحدد الإسلام المستهدف وكيفية استهدافه عبر ازمة دارفور ! ... ولأن السياسة الدولية الحالية ، وبطبيعة الدول والمؤسسات الفاعلة فيها ، والتي تسعى الى تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية في المقام الاول ، وتستخدم لأجلها شتى الوسائل بما في ذلك تجيير الأديان لاغراضها ، فإن العامل الديني رغم تأثيره كأحد المدخلات ، الا انه العامل الأقل تأثيرا ، ولهذا السبب، وجدت الانقاذ الأقرب اليها ، حين التصويت في مجلس الأمن ، الصين الشيوعية ، ولذلك علاقة ، كما هو واضح ، بالعجين وليس الدين ! وان لم يكن الامر كذلك، فمتي كانت الشيوعية الأقرب للإسلاميين ؟! * وهكذا احست الانقاذ أن مقولة استهداف الإسلام غير كافية ، وربما غير ملائمة في تعبئة الأصدقاء الدوليين (الصين ، روسيا) فسعت الى تحقيق ما يشبه التقسيم الوظيفي للاستهداف ـ بالنسبة للخارج ازاحة استهداف الاسلام واستبداله باستهداف ثروات دارفور «البترول والذهب» ، واما بالنسبة للاستهلاك المحلي، فالاستمرار في الأطروحة الأولى وتعضيدها بأية استهدافات اخري ومن بينها البترول والذهب ! . ومن أكثر الاستهدافات المضافة إثارة للسخرية مقولة استهداف السلام ، أى أن الهدف من تفجير وتصعيد أزمة دارفور اجهاض عملية السلام مع الجنوب ، وهي مثيرة للسخرية لأن القوى الدولية المتهمة بالاجهاض هي نفسها القوى التي رعت عملية المفاوضات وضغطت لأجل الاتفاقات ! و في هذا تناقض لا يمكن قبوله الا في العقل الآيديولوجي والذي يتعايش مع المفارقات المنطقية لأنه لا يسعي للحقيقة وانما يسعي للتغطية والتبرير ! * وعلى كل، فإن مقولة استهداف ثروات دارفور ، رغم خطئها ، هي المقولة الاكثر عقلانية ، لأن المصالح الدنيوية وليست الدينية ، هي التي تحرك السياسة عموما والسياسة الدولية خصوصا .. ولكنها ورغم عقلانيتها لا تصمد امام الفحص النقدي . وفي سبيل هذا الفحص ، فلنفترض أن دارفور اغنى مناطق الدنيا بالنفط، وان اشداق الولايات المتحدة تتحلب طمعا في هذا النفط ، فهل من الطبيعي ان تفجر الولايات المتحدة دارفور بالحرب أم تسعى لاستقرارها ؟! وهل ستسعى الولايات المتحدة الى شراء نفط دارفور أم الى انتزاعه بالقوة المسلحة ؟ فإذا كانت تنتزع النفط بالقوة فلماذا لا نجد هذا السلوك «الاستثنائى» في علاقتها بأى بلد آخر ؟! وهل الاستعمار العسكري خيار عقلاني ام الخيار العقلاني المبادلات الاقتصادية القائمة علي المصالح المتبادلة ؟ فإذا كان الاستعمار خيارا عقلانيا، فلماذا تخلت عنه الدول الغربية كافة ، ولماذا حين (حررت) الولايات المتحدة الكويت من قبضة صدام اسست علاقاتها معها على التبادل الاقتصادي بدلا من السيطرة الاستعمارية ؟! * ولنذهب بالحجة الى منتهاها ، ولنفترض أن الهدف ليس السيطرة العسكرية المباشرة، وإنما تشكيل الاوضاع على أساس ما يسمى بالاستعمار الجديد ـ اى عبر العلاقات الاقتصادية ـ فهل الانقاذ مع فك الارتباط مع الاقتصاد العالمي الرأسمالي ؟! وفي اطار عالم اليوم، هل من فكاك اصلا من السوق العالمي بخيره وشره ؟ ... أو ليست للإنقاذ حاليا علاقات مع شركات فرنسية في مجال تعدين الذهب ؟! وهل تختلف هذه العلاقات في جوهرها عن العلاقات بالشركات غير الغربية كالشركات الصينية والماليزية ؟! ألا تقوم كلها علي اسس المنفعة المشتركة والربح ؟! بل وفي المقارنة ، فإن الاستثمار الغربي أعلى تأهيلا تقنيا من غيره ، وبالتالي فهو أكثر ملاءمة في المنافسة الدولية واكثر ربحية للبلاد ، اضافة الي ان الاستثمار الغربي ينطلق من بلدان ذات انظمة سياسية مفتوحة ، مما يقلل من المخاطر الناجمة عن التعاطي معه ، ففي حال الإضرار البيئى او الاجتماعي او السياسي ، تتيح الانظمة المفتوحة مواجهة هذه الاضرار من داخل البلدان المعنية نفسها ! إذن فما وجه الإستهداف فيما يتعلق بثروات دارفور ؟! * وترتبط اطروحة الاستهداف، وكما سبق وذكرنا ، بتبسيط الغرب واختزاله. فمن ناحية تصور هذه الاطروحة ان ازمة دارفور انما هي (صناعة) الاعلام المعادي (!) وبالتالي فإن الازمة ليست في وجود مليون ومائتي الف مشرد في معسكرات النازحين واللاجئىن ، وانما الازمة في (تضخيم) الاعلام الغربي ! كأنما الإعلام آلة واحدة متناسقة تحركها الحكومات الغربية المتآمرة ، وهذا محض تبسيط واختزال .. فالاعلام الغربي ، ورغم تأثره بالدوائر النافذة سياسيا او اقتصاديا ، إلا أنه وبسبب مناخ الحرية، وبسبب المنافسة بين الدوائر النافذة نفسها ، والمنافسة بين المؤسسات الاعلامية المختلفة ، فإنه يكتسب استقلالية تجعله يمثل سلطة رابعة ، وهكذا فإنه ليس مجرد بوق دعائي لحكوماته ، وإلا فكيف نفسر فضح هذا الاعلام لفضائح الحكومات ، كفضح فظائع ابوغريب مثلا ؟! فهل نصدق هذا الإعلام حين يفضح الادارة الامريكية في العراق ولا نصدقه حين يتناول اوضاع دارفور ؟! ومن الناحية الاخرى، تصور هذه الاطروحة دوافع الغرب في صورة مبسطة ومختزلة ، فالحكومات في تقديرها بلا شغل سوى التفكير اليومي في كيفية التآمر على الإسلام والمسلمين ! وبالطبع فإن في الغرب متامرين وطامعين ، وفيه من تحركهم المصالح الاقتصادية المتبادلة ، كما فيه ايضا الذين تحركهم الدوافع الانسانية .. والأهم ان الحكومات الغربية تخضع لرقابة الرأى العام في بلدانها ، وبالتالي فإن المطامع والمؤامرات لابد ان تتغطي خلف ذرائع اخلاقية وانسانية، وبدون هذه التغطية الاخلاقية فإن الرأى العام هناك لم يعد يقبل القرصنة الدولية العارية، والدوائر التي تغامر بمثل هذه القرصنة، تغامر بفقدان شعبيتها، وبالتالي سلطتها في اول انتخابات مقبلة .. فإذا كان الامر كذلك، فهل تري سدت ادارة الإنقاذ للأزمة في دارفورالذرائع امام التدخل الاجنبي أم انها فتحت ابواب التدخل حتي للقراصنة والطامعين ؟! * وهكذا، فإن اطروحة الاستهداف الخارجي اطروحة آيديولوجية ، لأنها تسعى للتغطية علي جوهر الازمة في دارفور ، التغطية علي دور الداخل باستخدام الخارج كشمّاعة ، والهدف ازاحة الداخل عن المسؤولية وتحميلها للخارج، والداخل المقصود هنا الإنقاذ ، فبحسب هذه الاطروحة، فإن الإنقاذ ليست مسؤولة عن التخلف التنموي والخدمي في دارفور ، وليست مسؤولة عن قمع التعددية الفكرية والسياسية الذي قاد الى صعود الولاءات الجهوية والقبلية ، وليست مسؤولة في هجرة النخبة الفكرية والثقافية والسياسية التي أدت الى ما يشبه «التصحير» الثقافي ، والذي قاد مع إنسداد منافذ التعبير السلمي الي استشراء ثقافة العنف .. وليست مسؤولة عن «الفيدرالية» الزائفة التي تحرم الولايات من المشاركة الحقيقية، وفي ذات الوقت تتوسع في الصرف السياسي والأمني علي حساب التنمية والخدمات .. وليست مسؤولة عن ادارة الازمة بعد انفجارها بصورة قادت الي بروز الكارثة الانسانية القائمة، واهتمام المجتمع الدولي بها ! الإنقاذ ليست مسؤولة في أى من ذلك والمسؤول اولا واخيراً الاستهداف الخارجي ! إن خلاصة كهذه، لا يمكن ان تثبت شيئا عن ازمة دارفور، ولكنها تثبت إستهداف العقل والحقيقة ! وهو استهداف داخلي وليس خارجيا !
|
|
|
|
|
|
|
|
|