دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: أفكار حول السمات الأساسية للدستور الديمقراطي (1)...بقلم صدقي كبلو......... دعوة للنقاش (Re: محمد حيدر المشرف)
|
محمد المشرف
كيفك يا صديقي
شنو يا محمد عايز تاستذني على فكرة اساسا حايمة من زمن في نقاشات الزملاء?
شفت يا المشرف, انا مش قلت ليك قبل كدة, اننا قريبين جدا ودي حاجة انا لمستها في كتير من كتاباتك. يا المشرف, ايوة, دكتور عبدالله على ابراهيم نال من الخاتم برجوعه للماركسية, لان الخاتم واضح انه عنده مشكلة اساسية في فهم الماركسية, او انه هالته التغيرات التي حدثت فاستسلم فكريا. وسلم امره لدعاة الراسمالية الذين حاولوا تجيير هزيمة المشاريع المتجهة للاشتراكية كنصر نهائي للراسمالية, وانطلت دعاويهم على بعض الناس, لكن الان اصبح الامر واضح ان ازمة الراسمالية لانهائية. ومن الخطل ان يستمر نظام اصبحت وتائر الازمة فيه اسرع من وتيرة تنفس الانسان, حيث يدخل المجتمع في ازمة وهو يفارق الازمة الفائتة.
كنت يا المشرف تدخل البوست داك, وتقول حاجة في كلام الخاتم ان ماركس ما قدم تعريف للاشتراكية! يعني الخاتم عايز ماركس يقول ليه في الاشتراكية: كل الناس يجب ان تصحى من النوم الساعة ستة واربعتاشر دقيقة, وتاكل فطورها الساعة تسعة ونص, وتمشي تنوم الساعة تسعة على دقة عقارب الساعة, ولا شنو? ماركس وانجلز قالو اشتراكية علمية! والاشتراكية هي اضفاء لمحات انسانية على كل جوانب المجتمع الانساني بشكل متواصل لغاية ما يكون المجتمع متناغم بحيث لا يكون هناك تناقض بين درجة تطور القوي المنتجة وعلاقات الانتاج, وبحيث يكون تطور اي جزء من المجتمع, هو تطور مضاف لكل الاجزاء الاخرى, وليس على حسابها. اها دي الخاتم كان عايز ماركس يديها وصف ادق كيف? مرات ممكن يكون التعميم نفسه دقيقا بحيث لا يحتمل التفصيل!
ايوة, يا المشرف, مفروض ما ننسى هدفنا النهائي ونحن بنصارع في اللحظي والراهن. ومفروض برضو نحل مشاكل الراهن بحيث تفتح اوسع باب للمستقبل المرجو, عشان كدة موضوع الدستور مهم. الدستور كوثيقة وعقد بين القوى المختلفة في المجتمع تعلن اتفاق تلك القوى ونيتها, للدخول في مجتمع, وبالضرورة يفترض ان تسعى القوى لتلبية مطالبها, لكن ايضا عليها ان تعترف وتعمل على تلبية مطالب الاخرين. والدستور مفروض يكون خاضع للتعديل بحيث يعكس مدى توازن مصالح القوى وصولا للسلم الاجتماعي. في ظل دستور ديمقراطي ممكن ان تصل مجهوداتنا لمبتغاها والتحول للاشتراكية وخاصة اننا تعلمنا من "راس الذئب الطائر" (الاتحاد السوفيتي وغيره), ان الاشتراكية بلا ديمقراطية هي هدر لمقدرات الانسان كما الراسمالية.
ياخ تعال بهناك وخلينا ننتهي من موضوع "ان اوان التغير" مرة وللابد!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أفكار حول السمات الأساسية للدستور الديمقراطي (1)...بقلم صدقي كبلو......... دعوة للنقاش (Re: Sidgi Kaballo)
|
الأستاذ محمد حيدر المشرف تحياتي وشكري على وصف ما كتبت بالدقة توقفت لدى قولك:
Quote: يا عزيزي .. دسترة الشعوب وفى واقع المتغيرات الشكليه التى نعيشها ويعيشها العالم اثر الانقلاب الرأسمالى .. هى محاوله جديره بالاحتفاء .. سيما وقد جادت بها قريحة استاذنا صدقى كبلو .. له الاحترام الواجب والجدير بمن هم مثله ..
واعنى بالدستره إحكام دثار الدستور لدرء سوؤة الديمقراطيه فى غياب الوعى .. واعلان الدستور وصيا عن الشعب القاصر الى حين تمام وعيه بالاشياء وفهم تناقضاتها ..
وما بين زمنا بنتمناهو وزمنا كالح زادنا أسيه .. نعاقر عشقنا لذلك الوطن الرحيم رغم قسوته البائنة فينا بينونة كبري .. |
أقرأ بين السطور فيثير في رأسي تساؤلات: هل النضال من أجل الديمقراطية مهما في حد ذاته أم لا؟ هل يمكن النضال من أجل الإشتراكية بدون ديمقراطية؟ بل هل من الممكن بناء إشتراكية بدون ديمقراطية؟ موقفي الشخصي بدون ديمقراطية يصبح النضال من أجل الديمقراطية شاقا وبدون ديمقراطية لا يمكن بناء إشتراكية، مما يجعل النضال من أجل الديمقراطية مهما في حد ـاته. فما رأيك؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أفكار حول السمات الأساسية للدستور الديمقراطي (1)...بقلم صدقي كبلو......... دعوة للنقاش (Re: Sidgi Kaballo)
|
د. صدقى كبلو .. تحيه طيبه ووافر الاحترام ..
فى الحقيقه ردى اعلاه نتاج لقراءات متعدده هنا وهناك .. ربما لم تكن المداخله لتجد طريقها الى هنا لولا انتباهى لنقطه أثرتها أنت وهى ..
Quote: فالنص لا بدّ أن يعلن بوضوح أنّ الشعب هو مصدر السلطات والتشريع؛ وفي الحقيقة لا يكفي هذا النص لمنع قيام دولة سلطوية إذ لا بدّ من النص على كيفية ممارسة الشعب لسيادته بشكل ديمقراطي وعلى أسس دستورية واضحة،
|
مع تأمينى عليها واشارتى لدقتها كان الاستطراد فى ذات اتجاهها[ كيفيات ممارسة الشعب لسيادته] ونحو تداعيات أخرى فى ظل غياب الوعى .. تتمحور حول حقيقة تجذر التغول الرأسمالى فى شكل الدوله الحديثه بحيث اصبحت مقننه له عبر مؤسساتها السلطويه .. وهذا فى اعتقادى الشخصى موضوع فى غاية الاهميه بحيث يجب الانتباه اليه والتعامل معه لا على مستوى الدستور والبناء الفوقى للدوله ولكن على مستوى جماهيري وطلابى ونقابى ومؤسسات مجتمع مدنى وغيرها .. وهى ساحات مناسبه جدا وواعيه جدا لتوترات الصراع الاجتماعى اجمالا ويجب التركيز عليها والعمل فيها حتى لا نفقدها لصالح القوى المضاده .. وهو الدور الحقيقي الذى يجب ان تلعبه الاحزاب التقدميه فى بلد كالسودان .. ولا اري وجها لربط ممارسة هذا الدور باتمام مهمة القضاء على الشموليه الحاكمه اولا .. اذن لم يكن فيما عنيته من حديثى رفضا للديمقراطيه ولا للعمل نحو تحقيقها ولكن تعيين ادوارا اضافيه مهمه جدا نحو جعلها اكثر تعبيرا عن الاراده الواعيه ..
مودتى وتقديري ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أفكار حول السمات الأساسية للدستور الديمقراطي (1)...بقلم صدقي كبلو......... دعوة للنقاش (Re: Sidgi Kaballo)
|
Quote: ماركس وانجلز قالو اشتراكية علمية! والاشتراكية هي اضفاء لمحات انسانية على كل جوانب المجتمع الانساني بشكل متواصل لغاية ما يكون المجتمع متناغم بحيث لا يكون هناك تناقض بين درجة تطور القوي المنتجة وعلاقات الانتاج, وبحيث يكون تطور اي جزء من المجتمع, هو تطور مضاف لكل الاجزاء الاخرى, وليس على حسابها. اها دي الخاتم كان عايز ماركس يديها وصف ادق كيف? مرات ممكن يكون التعميم نفسه دقيقا بحيث لا يحتمل التفصيل!
ايوة, يا المشرف, مفروض ما ننسى هدفنا النهائي ونحن بنصارع في اللحظي والراهن. ومفروض برضو نحل مشاكل الراهن بحيث تفتح اوسع باب للمستقبل المرجو, عشان كدة موضوع الدستور مهم. الدستور كوثيقة وعقد بين القوى المختلفة في المجتمع تعلن اتفاق تلك القوى ونيتها, للدخول في مجتمع, وبالضرورة يفترض ان تسعى القوى لتلبية مطالبها, لكن ايضا عليها ان تعترف وتعمل على تلبية مطالب الاخرين. والدستور مفروض يكون خاضع للتعديل بحيث يعكس مدى توازن مصالح القوى وصولا للسلم الاجتماعي. في ظل دستور ديمقراطي ممكن ان تصل مجهوداتنا لمبتغاها والتحول للاشتراكية وخاصة اننا تعلمنا من "راس الذئب الطائر" (الاتحاد السوفيتي وغيره), ان الاشتراكية بلا ديمقراطية هي هدر لمقدرات الانسان كما الراسمالية. ياخ تعال بهناك وخلينا ننتهي من موضوع "ان اوان التغير" مرة وللابد! |
بدر الدين أحمد موسى
سلام
يا عزيزي بحيث لا يكون هنالك تناقض دي بالغت فيها
التناقض دا ما بينتهي في علاقات الإنتاج بين المنتجين وأصحاب العمل إلا إذا كنت قاصد الوصول إلى مرحلة الشيوعية
في الحالة دي عندي ليك سؤال بيحتمل إجابتين وهو:
هل تدعو للوصول إلى مرحلة الشيوعية وسيطرة الطبقة العاملة على وسائل الإنتاج؟
1- الإجابة الأولى (لاء) في الحالة دي ما بتقدر تنفي التناقض اللي قلت إنو حينتفي وحيحصل إنسجام وتناغم 2- الإجابة الثانية (نعم) في الحالة دي معناها إنك بتحلم بالوصول لمرحلة الشيوعية وهنا بقول ليك حتكون ضربت بالديمقراطية عرض الحائط ولا برلمان ولا يحزنون
أثبت ليك على واحدة
ولا إعتنق ليك فكر جديد يكون بيعترف بالديمقراطية ومن خلالها تتحقق رفاهية بالإلتزام بالمسؤولية الإجتماعية وخلافها من الضمانات التي تقيد عدم جنوح الرأسمال إلى تكدس الأموال في يد فئة صغيرة ومما إلى ذلك من الإبداعات الجديدة
مع إعتذاري عن عدم مناقشة موضوع الدستور والدخول في جزئية بدر الدين أحمد موسى
مع تحياتي
عاصم فقيري
تعديل بسبب خطأ إملائي (إلا والصحيح إلى)
(عدل بواسطة Asim Fageary on 03-02-2011, 01:20 PM)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أفكار حول السمات الأساسية للدستور الديمقراطي (1)...بقلم صدقي كبلو......... دعوة للنقاش (Re: Asim Fageary)
|
د صدقي كبلو أفكار حول السمات الأساسية للدستور الديمقراطي (2) تناول الكاتب في الجزء الاول من المقال مفهوم السيادة وطريقة ممارستها وأكد علي أن ينصالدستور الديمقراطي على مبدأ السيادة للشعب، فمثلاً يكون النص الدستوري في هذه الحالة السودان جمهورية ديمقراطية السيادة فيها »وهذا نص لا يعبر فقط عن مبدأ ديمقراطية « للشعب الدولة وإنما يشكل أساساً لمبدأ علمانيتها أيضاً، فمبدأ السيادة للشعب يشكل من ناحية دستورية المقابل الديمقراطي والعلماني لكل أشكال Divine Right السيادة القائمة على الحق الإلهي أو الحق الوراثي المطلق أو المقيد دستورياً في الأنظمة الملكية أو الديكتاتورية، فالنص لا بدّ أن يعلن بوضوح أنّ الشعب هو مصدر السلطات والتشريع؛ وفي الحقيقة لا يكفي هذا النص لمنع قيام دولة سلطوية إذ لا بدّ من النص على كيفية ممارسة الشعب لسيادته بشكل ديمقراطي وعلى أسس دستورية اضحة، حتى لا يدعي مدعي، كما فعل قادة انقلاب مايو، ممارسة السيادة نيابة عن الشعب بدون تفويض من الشعب ذاته أو كما نصت المادة الثانية من الدستور الانتقالي . فما هي الأسس الدستورية التي تقوم عليها تلك المؤسسات والتي على أساسها يمارس الشعب سيادته؟ كما اشارالكاتب الي ان الجمهورية البرلمانية هي الأكثر ديمقراطية و صيانة وتجسيد للتراث الديمقراطي البسيط والمتواضع لبلادنا منذ الاستقلال، حيث ترتبط الديمقراطية في ذلك التراث بالجمهورية البرلمانية وترتبط الديكتاتورية بالجمهورية الرئاسية وتناول بعض الامثلة لذلك. النمط الفرنسي للجمهورية الرئاسية ويقترح علينا بعض الناس أن نتبنى نظاماً أشبه بالجمهورية الفرنسية الخامسة التي نشأت عام 1958، عقب أزمة شبيهة بأزمة عدم الاستقرار التي تواجه السودان، ولكن ذلك مجرد تشابه وليس تطابق، فجوهر الأزمتين مختلق تماما، فبينما أزمة السودان هي نتيجة لعدم اكتمال التحول من نظام اقتصاد كولنيالي قائم على مفصلة جامدة للأنماط قبل الرأسمالية والنمط الرأسمالي المتطور والنامي، فالأزمة في فرنسا كانت تحدي للنمط الرأسمالي من قبل قوى تدعو للتحول الاشتراكي في فرنسا بعد الحرب العالمية، وتحدي آخر من قبل قوى التحرر الوطني التي تسعى لتصفية النظام الكولنيالي الفرنسي خاصة في شكله الاستيطاني، وكانت الجمهورية الفرنسية الخامسة، التي بنيت على أساس عودة الجنرال ديجول للحكم فيما وصفها ميتران حينذاك بأنها انقلاب على نمط انقلاب لويس نابليون بون بارت في عام 1851 الذي أطاح بالجمهورية الثانية، كانت تلك الجمهورية الخامسة هي الإعلان الرسمي بهزيمة برنامج التحول الاشتراكي وتصفية المستعمرات الفرنسية في نفس الوقت. ورغم أن دستور الجمهورية الخامسة قد فصل على مقياس الجنرال ديجول ليؤدي المهام التي أوكلتها له الطبقة الرأسمالية السائدة إلا أنه حمل في نصوصه سمات كثيرة من الموروث الدستوري الفرنسي، الملكي، البرلماني والرئاسي. ومن الضروري لمن يريد أن يقلد الدستور الفرنسي للجمهورية الخامسة أن يقلد هذه السمة الهامة: الارتكاز على الموروث الدستوري للسودان. ولعل أحد أهم سمات الجمهورية الخامسة أن نهوضها أو إنشائها لم يكن مثل مثيلاتها السابقات (ومثل إقامة الأنظمة الديمقراطية في السودان) أي نتيجة لإسقاط نظام متسلط، فالجمهورية الأولى كانت نتيجة لإسقاط النظام الملكي التقليدي المطلق (1792)، بينما الجمهورية الثانية كانت نتيجة لثورة 1848 وإسقاط النظام الملكي المعروف بنظام يوليو أو ملكية يوليو (أنظر سرفان 1998 ص 13)، وقد كانت الجمهورية الثالثة نتيجة مباشرة للهزائم العسكرية لنابليون الثالث والهزيمة الدموية لكميونة باريس، وكانت الجمهورية الرابعة لاستبدال نظام فيشي المتعاون والمستسلم للفاشية وهي الجمهورية التي نشأت بعد تحرير فرنسا بقيادة ديجول نفسه. بينما الجمهورية الخامسة نشأت في أحضان الجمهورية الرابعة ومثلت انتقال سلمي وتغيير للدستور عبر استفتاء شعبي في جو ديمقراطي تسود فيه الحريات العامة وحكم القانون وتوجد فيه الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني المختلفة. وهذا وضع مختلف تماما عما نحن بصدده الآن: استعادة الديمقراطية. فلنستعيد الديمقراطية البرلمانية أولا ثم تتناقش حول أشكالها في جو ديمقراطي. أن الجمهورية الخامسة الفرنسية بنظامها الرئاسي قد واجهت زمناً قاسياً عند استقالة الجنرال ديجول وأزمة 1968 الشهيرة بل أن النظام الرئاسي الفرنسي لم يخل من الأزمات منذ نشأة الجمهورية الخامسة، فميتران حكم عدة مرات بينما الحكومة المنتخبة من البرلمان معادية له، مما جعل من رئاسته رئاسة عاجزة عن تحقيق برنامجها ويمكن فعلاً أن تواجه الجمهورية الفرنسية مشاكل عدم استقرار كما حدث قبل حل البرلمان وإجراء الانتخابات في عام 1998 عندما بدأت النقابات حركات احتجاج نسبة لاعتراضها على سياسة الحكومة اليمينية، رغم وجود ديستان رئيساً للجمهورية وكانت النتيجة انتخابات جديدة أتت بحكومة من حزب غير حزب رئيس الجمهورية بل حكومة اشتراكية وليتخيل الشخص السيد الصادق المهدي رئيس لجمهورية وحكومتها يرأسها الشريف زين العابدين أو السيد سيد احمد الحسين مثلاً فهل سيكون هناك استقرار سياسي؟ النظام البرلماني في أوربا وفي المقابل نجد استقرار أكبر في النظامين البرلمانيين في بريطانيا وألمانيا، بل ومعظم الدول الصناعية الرأسمالية المتقدمة عدا إيطاليا ما بعد الحرب والتي لعبت المافيا وتدخل المخابرات الأمريكية في سياساتها الداخلية وعدم قدرة الرأسمالية كطبقة على بسط (هجمنتها) دوراً في عدم الاستقرار السياسي. والنظام الديمقراطي البريطاني رغم وجود الملكية وعدم وجود دستور مكتوب، فهو نظام قائم على سيادة البرلمان Parliament is sovereign)) والتي تعني ببساطة أن قرارات البرلمان هي ممارسة السيادة وهي قانونا ملزمة حتى ولو تعارضت مع قرارات سابقة للبرلمان أو القانون العام. وبالطبع هذا مختلف عن تراثنا الدستوري، رغم ترديد العامة والساسة في بلادنا لديمقراطيتنا كديمقراطية ويست منستر، فالبرلمان عندنا محكوم بالدستور ولا يستطيع أن يشرع أي قوانين مخالفة للدستور إلا بعد تعديله، بل أن التعديل نفسه يجب ان يتم وفقا لما ينص عليه الدستور. ومثل حالنا معظم الدول التي لها دساتير مكتوبة وبها اما محاكم دستورية (مثل مجلس الدستور في فرنسا الذي يشكل من تسعة أعضاء بموجب المادة 56 من الدستور الفرنسي، ويتجدد ثلث الأعضاء كل ثلاث سنوات) أو المحكمة العليا كما هو الحال في الولايات المتحدة. أنظمة الحكم قي العالم الثالث وإذا نظرنا لبلدان العالم الثالث فإننا نجد أن معظمها يواجه مشاكل الجمهورية الرئاسية وتتقلص فيها الديمقراطية والحقوق الأساسية، ولعل خير مثال ما يحدث في كينيا منذ الاستقلال والذي انتهى بها إلى حكم ديكتاتوري مدني. وعلى العكس من ذلك نجد أكبر ديمقراطية في العالم، توجد في العالم الثالث وهي جمهورية الهند، حيث الديمقراطية البرلمانية تعيش لأكثر من نصف قرن وتمثل الإطار المؤسسي الذي تحاول الهند عن طريقها حل مشاكلها السياسية والاقتصادية والدينية والقومية. الديمقراطية والشكل الدستوري والمسالة ليست مسألة شكلية دستورية وإنما تتعلق بقضية ممارسة الشعب للسيادة من ناحية ومسالة وضع سلمية الصراع الطبقي والاجتماعي والسياسي في البلاد من ناحية ثانية، ومسألة إرساء القيم والمثل الديمقراطية التي تساعد في تحقيق إنسانية الإنسان من ناحية ثالثة. لذا يصبح نضال السودانيين من أجل جمهورية برلمانية أحد أهم عناصر نضالهم من أجل الديمقراطية. أن الحديث عن عدم الاستقرار السياسي في فترات الديمقراطية الثلاثة يتجاهل السبب الرئيس وهو عدم قدرة النادي الحاكم في السودان على بسط هجمنته، (والهجمنة تعبير نستعمله للتعبير عن الهيمنة المرتبطة بالمشروعية المقرونة بالقبول من قبل الجماهير والبرنامج الذي يحقق المصالح المشتركة إلى جانب المصلحة الفئوية للقيادة) على مجمل الشعب. وعملية بسط الهجمنة كما اوضحها غرامشي ولاكلاو وهابرماس ( والاخير اسماها المشروعية) عملية معقدة تشمل خطاب السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والبرامج العملية التي يعبر عنها ذلك الخطاب وقدرة المجموعات الحاكمة على التعبير عن نفسها كممثل لكل الشعب والمسالة لا تتعلق "بتغبيش" الوعي أو الوعي الزائف بقدر ما تتعلق بالقدرة على التركيب والاستلاف والتنازلات والمساومات الاجتماعية. وعلى وضع قوانين للعبة يقبل بها الجميع بينما هي تعيد إنتاج التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية لصالح الفئة أو مجموعة الفئات أو الطبقة أو الطبقات الحاكمة. ولو ترجمنا هذا لما حدث في السودان منذ الاستقلال فإننا نجد المجموعات الحاكمة قد فشلت في وضع وتطبيق برنامج سياسي واجتماعي واقتصادي يتناول ويقدم الحلول لمشاكل ما بعد الاستقلال في التنمية المتوازنة وفي تقسيم السلطة والثروة بشكل يراعي التعدد الإثني والقومي والتفاوت الإقليمي وبشكل يحفز الجميع للإسهام في الإنتاج المادي والثقافي وبتقديم الخطاب الذي يوحد الجماهير ويلهمها ويعطيها أملاً في المستقبل وفي قدرتها على ممارسة حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأهمها حقها في اختيار وتغيير حكامها بما يعرف بالتداول السلمي للسلطة. ببساطة فشلت المجموعات الحاكمة في طرح وتنفيذ برنامج للنهوض الوطني الديموقراطي للسودان كوطن ديموقراطي موحد بإرادة أهله وقرارهم . وفي تقديري هذا هو جوهر الأزمة ولا يحلها شكل للحكم رئاسياً كان أو برلمانياً بدون برنامج واضح. وهذه لا يكون رمزها شخص واحد وإنما حركة نهوض قومي شامل. ج- الحقوق الأساسية وحق المواطنة ولكن هذه الجمهورية البرلمانية لا تصبح ديمقراطية ولا يمكن للشعب فيها أن يصبح ممارسا للسيادة فيها ومصدرا للسلطات وللقانون دون أن يكون ذلك الشعب يتمتع بحقوقه الأساسية خاصة الحقوق المدنية والسياسية. وفي هذا الصدد يصبح إعلان نيروبي الذي وقعته الأحزاب السودانية والحركة الشعبية وتم التأكيد عليه في مقررات أسمرا عام 1995، وما تم التوصل له في إتفاقية نيفاشا 2005 وإتفاقية القاهرة 2005 ودستور السودان المؤقت ل 2005 مرتكزا أساسيا لأي فصل حول الحقوق الأساسية في الدستور. والمهم في هذه الوثائق انها جعلت من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية جزء لا يتجزأ من الدستور السوداني. وبالطبع هذا مهم لأنه بديل واضح للنصوص في الدساتير السودانية السابقة التي تقيد هذه الحقوق بإلحاق جملة ‘‘في حدود القانون’’ أو أي نص آخر يعطي المشرع الحق في تقييد الحقوق الأساسية والمدنية. وترتكز هذه الحقوق جميعها على حق المواطنة والذي يتطلب النص بوضوح أن السودانيين متساوون أمام القانون ويتمتعون بحقوق دستورية متساوية ولا ينبغي التفرقة بينهم على أساس اللون، أو العرق والأصل الاثني أو الدين أو الجنس (النوع Gender) أو الانتماء الثقافي أو السياسي. والنص على وجه الخصوص على الحق المتساوي في التنافس على وشغل المناصب الدستورية العامة والوظائف في الخدمة المدنية والعسكرية والقضاء والسلك الدبلوماسي. وعلى حق المجموعات العرقية والقومية المتعددة في البلاد في تطوير ثقافاتها القومية ولغاتها، وحق أصحاب الديانات والمعتقدات في ممارسة شعائر دياناتهم ومعتقداتهم على وجه لا يشكل اعتداء أو انتهاكا لحقوق الآخرين. وترتكز هذه الحقوق جميعها على مبدأ الحرية الشخصية فلا يصح اعتقال شخص أو تحديد إقامته لفترة لا تزيد على 72 ساعة بدون أمر قضائي، كما لا يجوز مصادرة أو حرمان أي شخص من حقوقه أو ممتلكاته إلا وفقا لقرار محكمة ذات اختصاص وبموجب قانون ساري المفعول. ويتمتع الشخص في السودان بحرية الاعتقاد والضمير والتعبير، وبالحق في التنظيم والتجمع والتظاهر والتصويت والترشيح والعمل والمساواة أمام القانون والتنافس على المناصب العامة. والحق في التقاضي واللجوء للمحاكم لحماية حقوقه ولدرء الظلم عنه، والحق في الدفاع والاستعانة بمحامي وفي المحاكمة العادلة في حالة اتهامه بارتكاب جريمة أو نشوب نزاع مدني بينه وجهة أخرى. وخلافا للأحزاب الأخرى فنحن ندعو لتمتع المواطنين بحقوق اجتماعية واقتصادية كالحق في التعليم والرعاية الصحية والحق في العمل وفي التقاعد وفي الأجر العادل والأجر المتساوي للعمل المتساوي. مما ينبغي أن يجعلنا نهتم أكثر مما هو عليه الآن بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، و بالنضال من أجل أن تحترمه وتتقيد بنصوصه الدولة السودانية ومن أجل تضمين مواده في دستور السودان الديمقراطي. د- سيادة حكم القانون واستقلال القضاء والمبادئ العامة للعدالة ولكي يتمتع السودانيون بحقوقهم المتساوية فلا بد من سيادة حكم القانون في البلاد، بمعنى أن الدولة والجماعات والأفراد والأشخاص الحقيقيون والمعنيون يخضعون دائما وجميعهم لحكم القانون، الذي ينظم الحقوق والواجبات والعلاقات بينهم جميعا ويقوم القضاء المستقل بالإشراف على سيادة حكم القانون. إن مفهوم استقلال القضاء يفقد معناه إذا لم يكن يشمل الاستقلال الإداري والمالي، وما لم تكن قرارات المحاكم ملزمة التنفيذ حتى يتم إلغائها أو تعديلها من قبل محاكم أعلى في نفس النظام القضائي. وهذا يعني بالضبط أن يودع السودان بلا عودة عهود المحاكم الاستثنائية وتقاليد رجعية القوانين، ويجب أن يسود مفهوم ألا يعتبر الفعل جريمة إذا لم يكن هناك قانون يجعل منه جريمة لحظة حدوثه ولا عقاب بلا قانون. وبما أن المحاكم تطبق القانون فإن وضع القوانين الجنائية والمدنية والقوانين الإدارية وكافة القوانين التي تنظم حياة الناس، هو الخطوة الأولى في وضع أسس العدالة ولا بد أن تنسجم القوانين مع الأسس الدستورية التي تصون الحقوق الأساسية للناس، ولا بد هنا على النص الواضح بحق أي شخص حقيقي أو معنوي في اللجوء للقضاء لحماية حقوقه الدستورية من تغول السلطة التنفيذية السياسية أو الإدارية والسلطة التشريعية أو أي فرد أو جماعة تعتدي على الحقوق الأساسية التي ينص عليها الدستور. ولا بد أن نستفيد من تجربة حل الحزب الشيوعي والنزاع القضائي حولها بالنص بوضوح أن قرارات المحاكم ليست تقريرية وإنما ملزمة التنفيذ وأن جهاز الدولة ملزم بتنفيذ قرارات المحاكم. وإذا كانت حماية الحقوق على المستوى القانوني والدستوري هو اختصاص أصيل للمحاكم، إلا انه مرتبط أيضا بأمن الناس وبإجراءات حماية أرواح وممتلكات ونشاطات وحركة المواطنين في الدولة السودانية، وبإجراءات منع الجريمة ومعاقبة مرتكبي الجرائم، ولهذا لابد من تنظيم العلاقة بين القضاء والنيابة العامة والمحامين والشرطة والسجون باعتبار انها أجهزة متكاملة في تطبيق القانون. وبالطبع هنا تكمن الإشكالية التاريخية الناتجة من فصل السلطات حيث أجهزة السجون والشرطة، والنيابة العامة خاضعة للسلطة التنفيذية، بينما القضاء والمحامون مستقلون عن السلطة التنفيذية. ولكن التراث القضائي والإداري في السودان ما قبل نميري وسلطة الجبهة الإسلامية يمدنا بخبرات وتجارب واسعة، حيث خضوع الشرطة والسجون في تطبيق القانون للأوامر والإذن القضائي، وخضوع السجون نفسها في حفظها للمنتظرين والسجناء للتفتيش القضائي، رغم وجود لائحة منفصلة تحكم عمل السجون. ولعلنا من خلال تجاربنا الواسعة والغنية في سجون ومعتقلات السودان والتقائنا بالمسجونين والمنتظرين نستطيع الآن أن نقدم مقترحات حول كيفية معاملة السجناء والمنتظرين في سجون السودان في سبيل إصلاح السجون وإزالة الظلم والمعاملة القاسية، صحيح أن جزء كبيرا من ذلك قد يأتي في شكل مقترحات حول قانون السجون وقانون الإجراءات الجنائية، جزءا منها يأتي في صلب لائحة السجون إلا أن هناك مسالتين لهما علاقة مباشرة بالحقوق الدستورية للمواطنين وهما فترة الانتظار للمحاكمة في السجون وكيفية معاملة المنتظرين من جهة وعمل المساجين والمنتظرين في السجون من جهة أخرى.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أفكار حول السمات الأساسية للدستور الديمقراطي (1)...بقلم صدقي كبلو......... دعوة للنقاش (Re: Sidgi Kaballo)
|
د. كبلو تحياتى واحترامى ..
عفوا ولكنها شهية الحوار المفتوحه نحوك .. ونحو بدرالدين وعاصم حتى ولو كانت من باب .. " شالو الكلام زادو حبه حبه وجابوهو ليك "
Quote: ما ذهبت إليه صحيح بدون المشاركة النشطة للجماهير في العملية السياسية، تصبح ممارسة الحقوق الديمقراطية عملية شكلية. الديمقراطية لن تحل مشاكل الصراع الإجتماعي لكنها تشكل الإطار الأفضل لكي يدور هذا الصراع في جو سلمي وتنعكس نتائجه في مكتسبات سياسية وإقتصادية. |
بالتحديد لم أكن أعنى المشاركه النشطه للجماهير فى العمليه السياسيه بصوره مطلقه .. كنت أعنى شكلا محددا من النضال المؤسس عبر الاحزاب و النقابات وغيرها .. وهو النضال الطبقى لا المطلبى .. ومعلوم للجميع ان الديمقراطيه بنسختها الحاليه قد تضمن فى أحسن أحوالهاالنضال المطلبى على نحو ما يحدث فى الغرب الآن.. ولهادى العلوى اراء جديره بالاحترام حول هذا الموضوع
تحياتى ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أفكار حول السمات الأساسية للدستور الديمقراطي (1)...بقلم صدقي كبلو......... دعوة للنقاش (Re: زهير عثمان حمد)
|
محمد المشرف
كيفك يا صديق?
كيف لم تثري النقاش ياخ? انت عارف امبارح كنت بتكلم مع زميل بالتلفون, عن موضوع البوست داك, الزميل سالني كيف انك-محمد المشرف- ما دخلت البوست بعد? وزاد ياخ محمد المشرف كلامه مرتب, ومنطقي, وما بتاع مشاكل! وقع ليك? انت مطلب الجمهور! لانك ما بتاع مشاكل, طبعا انا السوط كله وصلني! وقال لي ياخ ما ترسل للمشرف رسالة مسنجر عشان يشارك! قلت ليه انا دعوته علانية في بوست لكن ما عارفه مالو ما عايز يدخل من كلام الزميل واضح يا المشرف انه في ناس عايزة مشاركتك.
عن البوست دا بعد شكر صدقي على طرق الموضوع, لكن انا شايف مقارنته للنظام الرئاسي الامريكي, والبرلماني البريطاني تحتاج لنقاش. انا من معايشتي للنظام الامريكي اعتقد انه قابل للنقاش وبفتح مجال اوسع للمساومة-طبعا دي كلمة كعبة عند بعض ناسنا, لكنها الانسب للديمقراطية- ولو ما مثال جورج بوش الابن الذي ابتز الديمقراطيين وورطهم في حربه على ما اسماه الارهاب, كنت حا اقول ان النظام الرئاسي في وجود برلمان متعدد وقوي يؤدي في النهاية لتكون القرارات وسطية وغير متطرفة. وذلك عكس النظام البرلماني البريطاني الذي يعطي الاغلبية حق التصرف بشكل اقرب للديكتاتورية منه للديمقراطية. ولو نظرنا لسياسات تشرشل, ومارجريت تاتشر, نرى ان رئيس الوزراء قد يقود البلاد في اتجاه رؤيته الشخصية فشرشل دفع بريطانيا للحرب العالمية, وازعم انه لو كان هناك رئيس وزراء غيره, لما نشات الحرب العالمية الثانية, على الرغم من تجاوزات هتلر. ولو لا وجود تاتشر لما اندفع العالم- بعد ان وحدت جهودها- مع ريغان في اتجاه الراسمالية المحافظة التي انتهت بالازمة الحالية.
النقاط دي وغيرها تصلح للنقاش في ضوء اطروحة دكتور صدقي كبلو.
بعدين يا المشرف مناقشة الدستور ما مفروض تكون متخصصة. شوف الناس الكتبو الماقنا كارتا في بريطانيا والناس الكتبو الدستور الامريكي ما كانوا محامين, ولا اكاديميين, بل خليط من السياسيين. وفي رايي الدستور مفروض يكون وثيقة سياسية, قبل ان تكون قانونية. فالامريكيين تساوموا لشهور وسنوات كسياسيين و مواطنين للوصول للدستور وما زالوا بعد ميتين سنة لسع يتناقشوا في تطويره ليناسب الراهن!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أفكار حول السمات الأساسية للدستور الديمقراطي (1)...بقلم صدقي كبلو......... دعوة للنقاش (Re: SAIF MUstafa)
|
الأخوة المشرف وبدر وسيف لكم التحية والتقدير يبدو أن الأخوين بدر وسيف قد قرآ فقرة الدستور الأمريكي خارج نصه، تقول الفقرة النمط الأمريكي للجمهورية الرئاسية
Quote: إنّ دعاة الجمهورية الرئاسية يتحدثون دائماً عن النمط الأمريكي وينسون أنّ النظام الرئاسي الأمريكي يلعب فيه المجلسان (مجلس النواب ومجلس الشيوخ والأخير على وجه التحديد) دوراً كبيراً ولولا استقرار هيمنة الرأسمالية الأمريكية وهجمنتها لتفجرت الأزمات السياسية في النظام الأمريكي بشكل أعمق من أي نظام برلماني في العالم ذلك أن النظام الأمريكي قد يصل إلى طريق مقفول اذا ما احتدم الخلاف بين الرئيس ومجلس الشيوخ، كما حدث في نهاية عام 1995 وبداية عام 1996 النظام الأمريكي الدستوري لا يقدم حلاً للاختلاف بين الرئيس والمجلسين . مجلس الشيوخ مثلاً لابد أن يوافق على كل التعيينات للمناصب الدستورية العليا (عدا منصب الرئيس ونائبه) التي يقوم بها الرئيس فمن ناحية نظرية يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تقضي وقتاً طويلاً بدون وزير دفاع أو رئيس قضاء اذا ما رفض المجلسان تعيين مرشحي الرئيس للمنصبين، بل أن الرئيس محتاج كل مرة يقدم فيها قانوناً جديداً لبذل مجهود ضخم لإقناع المجلسين، إذ أنه بدون ذلك المجهود قد لا يوافق المجلسان على مشروع القانون المقترح من الرئيس وقد أوضحت أزمة الميزانية في نهاية عام 1966 وبداية عام 1997 أن دولة كبيرة كالولايات المتحدة يمكن أن تغلق مكاتب الحكومة الفيدرالية لأنّ مجلس الشيوخ رفض التصديق على القانون المالي المقدم من الرئيس .
إنّ ما حدث في الولايات المتحدة لا يمكن أن يحدث في نظام برلماني آخر، أولاً لأن النظام البرلماني يضمن أن حزب الأغلبية هو الذي يشّكل الحكومة، بينما النظام الأمريكي قد يأتي برئيس لا يتمتع حزبه بالأغلبية في أحد المجلسين أو في كليهما. وبما أنه في النظام البرلماني اذا قرر النواب أن لا يمرروا قانوناً مقدماً من قبل الحكومة فإن ذلك يعني حجب الثقة وضرورة استقالة الحكومة أو حل البرلمان والرجوع للناخبين لانتخاب برلمان جديد.
لقد كانت الحرب الباردة تحفظ تناقضات الرأسمالية الأمريكية في حدود دنيا ولكن بغياب الخطر الخارجي فإن هذه التناقضات قد تتأزم مثلما حدث في أزمة الميزانية المشار إليها سابقاً.ا |
وقد يلاحظ الأستاذان أنني في الفقرة السابقة لهذه قد قلت عن إختلاف الأنظمة الرئاسية التي مرت بنا وفي أفريقيا والمنطقة العربية عن النظامين الأمريكي والفرنسي فقلت
Quote: وهذه أنظمة تختلف عن كل الأنظمة الرئاسية الديمقراطية كالنظام الأمريكي والفرنسي، واللذين نتحفظ على صلاحيتهما للسودان كما نوضح فيما يلي. |
وكما يلاحظ الأستاذان الكريمان، فالمسألة هنا هي مناقشة مع دعاة الدستور الرئاسي في السودان، وأول تنبيه لهم أن الدستور الأمريكي يعطي الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب سلطات واسعة للتدخل في قرارات الرئيس ومقترحاته التشريعية من تعيين قادة الجهاز التنفيذي، والهيئة القضائية والسفراء، ألخ. ثم أوضحت أهمية الجهد المطلوب بذله من الرئيس لكي يجيز أي مقترح بتعيين أو تمرير تشريع بما في ذلك الميزانية. إن حجتي هنا أن ذلك النظام عمل ويعمل في أمريكا لإستقرار وهجمنة الرأسمالية، وأن الحرب الباردة منعت ظهور بعض تناقضاته. وأن هدا النظام لا يصلح للسودان، فلو حدث إختلاف بين مجلسي البرلمان والرئيس إذا تبنينا النظام الأمريكي فسنعجل بسرعة دوران عجلة الإنقلابات، النظام الرأسمالي في السودان غير مستقر ومؤسساته غير مستقرة وقواه غير منظمة بشكل مصلحي واضح يجعل المساومة المصلحية ممكنة، النظام الرئاسي الأمريكي قد ينفع مع الأمريكان حيث إمكانية المساومةمهما تنافرت المصالح لأن الجميع في الآخر يحافظون على النظام الرأسمالي. إذ حديثي هنا وفي الحلقة التي تلت عن الدستور الفرنسي ليس لذم النظام الأمريكي والفرنسي، ولكن لتبيان عدم مناسبتهما لنا لأنهما سيغذيان عدم الإستقرار الذي نحاول تفاديه، بنظام برلماني، قد يقود لديكتاتورية البرلمان وهي أفضل من ديكتاتورية الفرد في الجمهورية الرئاسية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أفكار حول السمات الأساسية للدستور الديمقراطي (1)...بقلم صدقي كبلو......... دعوة للنقاش (Re: صلاح عباس فقير)
|
أفكار حول السمات الأساسية للدستور الديمقراطي (3) د. صدقي كبلو
ولعلنا من خلال تجاربنا الواسعة والغنية في سجون ومعتقلات السودان والتقائنا بالمسجونين والمنتظرين نستطيع الآن أن نقدم مقترحات حول كيفية معاملة السجناء والمنتظرين في سجون السودان في سبيل إصلاح السجون وإزالة الظلم والمعاملة القاسية، صحيح أن جزء كبيرا من ذلك قد يأتي في شكل مقترحات حول قانون السجون وقانون الإجراءات الجنائية، جزءا منها يأتي في صلب لائحة السجون إلا أن هناك مسالتين لهما علاقة مباشرة بالحقوق الدستورية للمواطنين وهما فترة الانتظار للمحاكمة في السجون وكيفية معاملة المنتظرين من جهة وعمل المساجين والمنتظرين في السجون من جهة أخرى. والمسألة الأولى المتعلقة بالمنتظرين، تشمل الاعتقال على ذمة التحقيق والحبس في انتظار المحاكمة، والمنتظر وفقا للأسس الدستورية وأسس العدالة الطبيعية هو متهم وهو بذلك التعريف برئ حتى تثبت إدانته أمام محكمة ذات اختصاص وفقا لقانون قائم لحظة ارتكاب الجريمة. وفي التقليد الدستوري في السودان فالشرطة يمكن أن تعتقل أي شخص على ذمة التحقيق لمدة 48 ساعة، ثم تعرضه وفقا لقانون الإجراءات الجنائية لقاضي (أو وكيل نيابة) لتجديد حبسه على ذمة التحقيق إذا ما توفر شك معقول بارتكابه لجريمة ما أو وجهت له تهمة بذلك ويمكن إطلاق سراحه بضمان في معظم الحالات، ومثل هؤلاء المتهمين إما يحفظوا في مراكز ونقاط الشرطة أو ينقلوا إلى السجون، وفي كل من الحالتين فإن معاملتهم تخضع لمزاج ضابط الشرطة أو النفوذ الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية للمتهم. وأنا وغيري من المعتقلين السياسيين الذين جابوا سجون السودان شرقا وغربا قد لاحظنا الظروف غير الإنسانية التي يعيشها هؤلاء المنتظرين في سجون السودان، خاصة في سجن كوبر. ويتعلق بهذه المسألة الفترة التي يقضيها هؤلاء في الانتظار، فبعضهم قضى سنوات في انتظار المحكمة، بل أن بعضهم قضى أكثر من عام في انتظار اكتمال التحقيق. إن كل هذا مخالف لأسس العدالة الطبيعية فهؤلاء الناس أبرياء في نظر القانون حتى تثبت إدانتهم. لذا من الضروري النص بوضوح على كيفية معاملة المتهمين وأقصى فترة للتحقيق وأقصى فترة يمكن أن يقضيها الشخص في انتظار المحاكمة وهو رهن الحبس، وذلك إما بالنص على وجوب إطلاق سراح الشخص بضمان بعد فترة معينة أو سقوط التهمة عنه. صحيح أن مطلبنا بالمعاملة الإنسانية للمنتظرين سيكلف الدولة ولكن هذه تكلفة ضرورية للعدل بين الناس. ولكي لا تخضع هذه المسالة لمساومة الإداريين والسياسيين ورجال السجون لا بد من جعل سلطة إصدار لائحة السجون فيما يتعلق بكيفية معاملة المنتظرين في يد رئيس القضاء أو إخضاع إصدارها لموافقته ومراقبة الجهاز القضائي. أما المسالة الثانية المتعلقة بكيفية معاملة المساجين وعملهم في السجون وتوقيع عقوبات على المساجين بواسطة إدارة السجن فلابد أيضا من إعادة النظر فيها وتنظيمها ووضع أسسها وإجراءاتها بواسطة لجنة قضائية أو لجنة يرأسها قاضي محكمة عليا وتمثل فيها إدارة السجون ومنظمات حقوق الإنسان ونقابة المحامين. إن المبدأ الأساسي هنا أن السجين يقضي فترة عقوبة قررتها المحكمة وفقا للقانون ولا ينبغي أن يعاني أو يعاقب أكثر مما نص عليه القانون. وهنا تأتي مسالة عمل المساجين وضرورة إعادة النظر في تنظيمه بحيث تصبح جزء من إعادة تأهيل المسجون وتدريبه، وبحيث توفر فيها كل إجراءات الأمن الصناعي والوقائي (مثلا أحذية قفازات خاصة للعمل في الملاحات ونظرات وقائية للعمل في ورش الحدادة والنجارة الخ). ولكن قضية العدل والعدالة ترتبط أيضا بسرعة وسهولة إجراءات المحاكم وهذه مسائل تتعلق بتوفير الإمكانيات البشرية والمادية بما في ذلك المباني والكادر الكتابي المساعد وتحديث مكتبات القضاة وإدخال الكمبيوتر والتصنيف الإلكتروني للقضايا والسوابق القضائية، وتدريب القضاء وتحسين وضعهم المعيشي والوظيفي. المحاكمة العادلة والعدالة ترتبط أيضا بمفهوم المحاكمة العادلة، والمحاكمة العادلة هي التي تتم وفقا لقانون قائم أمام القاضي الطبيعي والمحكمة المختصة ووفقا للإجراءات القضائية والجنائية المتعارف عليها (لا محاكم استثنائية ولا إجراءات استثنائية ولا سريان لقانون بأثر رجعي) ويعتبر فيها المتهم بريئا حتى تثبت إدانته دون أي شك معقول وفقا لأسس الإثبات المتعارف عليها ويتمتع فيها المتهم بحقه في الدفاع عن نفسه وفي اختياره محاميا للدفاع عنه وواجب الدولة في توفير محامي له إذا لم يكن قادرا على تحمل نفقات المحامي وأن يكفل للمتهم حق مقابلة محاميه دون تنصت وأن تكفل له حق حضور محاميه عند التحقيق معه وان تكفل المحكمة للمتهم حق الاستئناف لمحكمة أعلى درجة. ومفهوم المحاكمة العادلة يجب أن يضمن عدم الاعتراف بالأدلة التي يتم الحصول عليها بالإكراه أو التعذيب أو بطرق غير قانونية وأن عبء الإثبات يقع بكامله على المدعي وألا يجبر أي شخص على تقديم دليل على نفسه. وكثير من هذه الأسس يجب أن ينص عليها في الدستور وألا تترك للقانون العام. فمثلا يجب النص في الدستور على مدة الاعتقال رهن التحقيق والاشتباه وسلطة الشرطة في ذلك وسلطة النيابة والسلطة القضائية بحيث لا يمكن أن يحتجز شخص بدون أمر النيابة لمدة تزيد عن الثماني وأربعين ساعة، وأن تتحدد الفترة القصوى التي يتم فيها الحبس رهن التحقيق بأمر قضائي والفترة القصوى التي يقضيها الشخص في انتظار المحاكمة والنص على الحق في إطلاق السراح بضمان حتى تاريخ المحاكمة في القضايا المدنية وبعض القضايا الجنائية التي يترك للقانون تفصيلها؛ بحيث يكون المبدأ العام هو تقليل فرص مصادرة الحرية الشخصية لأي مواطن قبل إدانته بواسطة محكمة ذات اختصاص. تحريم التعذيب ويقود هذا إلى ضرورة تحريم التعذيب على مستوى الدستور وقد نص الدستور الإنتقالي لعام 2005 على ذلك في المادة 33 بقوله " ـ لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب أو معاملته على نحوٍ قاسٍ أو لا إنساني أو مُهين." غير أني أرى ضرورة النص بوضوح بعدم سقوط تهم التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان وعدم إمكانية العفو عنها بقانون أو قرار من أي سلطة وعدم قبول تبرير صدور فعل التعذيب لصدور أوامر عليا في دفاع أي متهم بقضية التعذيب. واعتبار أي قانون أو قرار يمنح الحصانة لأي موظف عام عند ممارسته التعذيب أو أي فعل يؤدي لانتهاك حق إنساني ينص عليه الدستور بأنه قانون أو قرار غير دستوري. وهذا يعني إعطاء حصانة لأي موظف عمومي أو ضابط أو فرد في جهاز عسكري يرفض تنفيذ أوامر بالتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان أو يرفض ارتكاب جرائم يحرمها القانون الدولي باعتبارها جرائم ضد البشرية.
حكم مركزي ام حكم فدرالي أم حكم إقليمي؟ لقد ظل الشيوعيون السودانيون يدعون لقيام نظام حكم مركزي يتمتع فيه الجنوب بالحكم الذاتي الإقليمي وتمتع فيه باقي أجزاء الوطن بحكم محلي ديمقراطي واسع السلطات، ولم يتغير موقف الشيوعيين هذا منذ المؤتمر الثالث للحزب في فبراير 1956، ومنذ ذلك الوقت كما يقولون جرت مياه كثيرة تحت الجسور، وتغيرت ظروف اجتماعية وسياسية في السودان، والشيوعيون السودانيون المطالبون بإعادة النظر في موقفهم هذا، لم يقفلوا الطريق أمام تكور موقفهم فقد ىقالوا في بيان للجبهة المعادية للإستعمار في 21 سبتمبر 1954 " كذلك نقر أنه ليست لدينا وجهة نظر محددة عن الموقف بين القوميات السودانية الأخرى في الشمال والشرق إلا أنه مما يظهر لا توجد مشكلة حالية بالنسبة لها ولكننا من ناحية المبدأ لا ننكر أنه أنه إذا جاء وقت ولو كان بعد الاستقلال بفترة طويلة واقتضت ظروف هذه القوميات نوعا معينا من الحكم الداخلي فيجب أن ينفذ." الصراحة في العدد 422 الموافق 28 سبتمبر 1954 نقله الأستاذ محمد سليمان في كتابه "اليسار السوداني في عشرة أعوام" الذي صدر عن مكتبة الفجر بودمدني صفحات 60-61. . والمسألة معقدة وينبغي أن تتم دراستها بموضوعية وتفصيل، فهي ليست قضية للمساومات المؤقتة بين القوى السياسية، في نفس الوقت الذي لا يمكن فيه تجاهل موقف القوى السياسية المختلفة وخاصة القوى الإقليمية، ذلك أن شكل الحكم في السودان هو من قضايا الديمقراطية والتي في النهاية يكون المرجع فيها للاختيار الحر للجماهير، ومهمتنا أن نجعل ذلك الاختيار الحر واعيا بطرح الموقف والبرنامج الذين يعالجان قضيتين هامتين: ديمقراطية الحكم والتنمية في بلد تتعدد فيه القوميات ويتفاوت فيه التطور الاقتصادي والاجتماعي. وفي الحقيقة فان هذين السمتين : التعددية القومية والتنمية غير المتوازنة يشكلان قطبين متناقضين فيما يتعلق بالعلاقة بين المركزية واللامركزية، فبينما تدعو التعددية القومية والإثنية لأقصى درجات اللامركزية، فإن التنمية المتوازنة تتطلب لمعالجتها درجة أعلى من المركزية تستهدف إعادة توزيع الموارد والاستثمارات والخدمات. ولنتناول القضية الأولى الخاصة بالتعددية القومية والثقافية، فالسودان من ناحية موضوعية تسكنه مجوعات قومية وإثنية وثقافية متعددة تنتمي إلى ثلاث مجموعات أساسية زنجية وحامية وسامية تتحدث أكثر من مائة لغة وتسكن مناطق مختلفة في التطور الاقتصادي والاجتماعي. ولكن السودان، المتعدد القوميات والثقافات هذا، ولظروف أسباب تاريخية متعلقة بالبنية الاقتصادية الاجتماعية الموروثة من الاستعمار، ظل تحت سيطرة تحالف اجتماعي سياسي من أواسط السودان الشمالي ومن أصل عربي إسلامي أو مستعرب مسلم، بينما وجدت المجموعات الاثنية والثقافية والدينية الأخرى بعيدة عن مركز السلطة ومحرومة من نتائج توزيع الثروة والخدمات، بل أنها في بعض المناطق اضطرت لحمل السلاح للدفاع عن حقوقها. وبالطبع من السهل هنا اللجوء لعلم الديمغرافيا وتقسيم سكان السودان لمجموعات قومية ذات خصائص وثقافات متعددة، ولكن هذا، رغم أهميته القصوى لفهم الواقع السوداني، يفقد معناه تماما إذا لم يرتبط بتطور الوعي القومي والإقليمي ونشوء الحركات السياسية الإقليمية. لقد بدأ الوعي الإقليمي بجنوب السودان لأسباب تاريخية محددة لا نحتاج لتكرارها، ولقد أدرك الشيوعيون السودانيون منذ مطلع الخمسينات طبيعة الوضع الخاص لجنوب السودان واقترحوا لتلك الظروف الخاصة أن يتمتع جنوب السودان بحكم إقليمي ذاتي وقد تبنى نظام مايو تلك المقترحات وعلى أساسها توصل لاتفاقية أديس أبابا التي منحت الإقليم الجنوبي حكما ذاتيا ولكن التجربة فشلت خلال عشرة سنوات وذلك: لأن الحكم الإقليمي الذاتي في جوهره حكم ديمقراطي لم يكن لينجح في ظروف الديكتاتورية التي كانت تحكم البلاد. ولعل أهم سمات التناقض كانت أن الحكم الذاتي الإقليمي كان يتخذ النظام البرلماني وتعمل داخله تيارات تعبر عن تعددية حزبية بينما النظام المايوي يعتمد الجمهورية الرئاسية والحزب الواحد. لأن الحكم الإقليمي الذاتي كان من المفترض أن يمثل المدخل للتنمية المتوازنة ولإعادة تقسيم الثروة ولكن ذلك لم يحدث، و أصبح عبأ جديدا على ميزانية الدولة وعلى جماهير الجنوب، ولم يؤد لتنمية الجنوب أو تطويره أو توسع الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم به. بل حتى عندما أكتشف البترول بالإقليمي الجنوبي بدأت مخططات مايو لاستغلاله بدون تطوير الجنوب أو إقامة منشآت به. ظل نصيب الجنوبيين في سلطة الدولة المركزية ضعيف بطبيعتها الديكتاتورية وبطبيعتها الطبقية وتركيبتها الإثنية والإقليمية. وجاء تقسيم الإقليم الجنوبي لثلاث أقاليم وإعلان الشريعة الإسلامية ليعبروا عن إستمرار سيطرة المجوعات الشمالية من أصل عربي إسلامي على السلطة المركزية ومحاولتها لفرض أيديولوجيتها الدينية على بقية أهل السودان، وكانت تلك القشة التي قصمت ظهر البعير فبدأت الحرب الأهلية من جديد.
وقد بدأت الحركات الإقليمية في جبال النوبة والبحر الأحمر منذ عام 1958 ولكنها ظهرت بشكل معروف ومؤثر بعد ثورة أكتوبر ونال كل من اتحاد أبناء جبال النوبة ومؤتمر البجة عشرة دوائر في انتخابات 1965. وقد بدأت أول حركة إقليمية بدارفور كحركة سرية باسم سوني (اسم بحيرة بجبل مرة) ولكنها تحولت لمنظمة علنية بعد ثورة أكتوبر باسم جبهة نهضة دارفور واختارت عدم خوض الانتخابات، رغم تدخلها كقوة ضاغطة مجبرة الأحزاب السياسية على أن تختار مرشحيها من أبناء دارفور. وتكونت أيضا بعد أكتوبر روابط إقليمية وقبلية كثيرة، ترفع مطالب أهلها حول تصفية الإدارة الأهلية وتحسين الخدمات مثل مياه الشرب والخدمات الصحية والتعليمية وأستمرت كقوة ضغط فعالة حتى حلها نظام نميري. ولكن منذ ثورة أكتوبر جرت متغيرات كثيرة، أهمها زيادة عدد المتعلمين من أبناء الأقاليم الأقل نموا والمهمشة، في وقت زاد فيه التفاوت في مستوى تطور هذه الأقاليم لاستمرار سياسة تركيز الاستثمارات في المناطق الأكثر تطورا في أواسط السودان. وقد أدى كل ذلك لنهوض حركات جديدة، بعضها يحمل السلاح تطالب بعدالة توزيع الثروة والسلطة. وفي مثل هذه الظروف التاريخية، وبعد تجربة الحكم الإقليمي على أيام نميري والديمقراطية الثالثة وتجربة الحكم الفدرالي الشائهة على أيام سلطة الجبهة، يصبح من الصعب بمكان الحديث عن شكل للحكم اللامركزي أقل مما تحقق لهذه الأقاليم. ولكن وكما أثبتت فترتا حكم نميري والجبهة، أنه لا الحكم الإقليمي ولا الحكم الفدرالي (وهما في جوهرهما شكل واحد للحكم تتباين فيه سلطات المركز والإقليم) قد حل مشكلة عدالة توزيع الثروة والسلطة وأن مجرد تبني هذا الشكل أو ذاك لا يحل الأزمة، وبالتالي لا بد عند تبني أيهما أن يصاحب الشكل مجموعة من الإجراءات المركزية، التي تضمن إغلاق هوة التباين في التطور الافتصادي وتوزيع الخدمات، من جهة ويضمن مشاركة حقيقية للمناطق المهمشة في السلطة المركزية وتحويل أي سلطة إقليمية لسلطة ديمقراطية حقيقية. الحكم المحلي كقاعدة للحكم الديمقراطي لهذا يصبح من المهم النص في الدستور على أن الحكم الديمقراطي في السودان يقوم على قاعدة للحكم المحلي. صحيح أن تنظيم الحكم المحلي وتقسيم دوائره هو مسألة تفصيلية تترك عادة للقانون. ولكن لا بد هنا من الاستفادة من تجربة السودان الطويلة في الحكم المحلي التي تعود لعام 1937. وأرى أن نعود، حتى ولو بصفة مؤقتة، لتقسيم المديريات والمجالس المحلية والريفية القديمة أو لشكل قريب منه بهدف تجميع الموارد واختصار التكلفة، مع زيادة عدد أعضاء المجالس البلدية والريفية لتمثيل قطاعات أوسع من السكان، على أن تكون المديرية السابقة لعام 1970 هي وحدة الحكم الفدرالي أو الإقليمي، باستثناء منطقة جبال النوبة ومنطقة جنوب النيل الأزرق وجبال الإنقسنا حيث يشكلان منطقتين دات حكم داتي وبالتالي تصبح الأقايم هي الخرطوم،الأوسط، الشمالي، الشرقي، دارفور وكردفان. نحو حكم فدرالي ديمقراطي وانسجاما مع التحول الديمقراطي لابد من معالجة الأخطاء التي أدخلها نظام نميري حيث فصل المحافظين والحكام على شاكلة رئيس الجمهورية وهو ما أستمر عليه نظام الجبهة عندما أنشأ الولايات بتفصيلها على أساس الجمهورية الرئاسية، فلا بد من قيام أقاليم أو ولايات يسودها الحكم البرلماني المعروف، تتكون سلطتها من برلمان إقليمي منتخب انتخابا حرا مباشرا، ينتخب رئيس للوزراء، ويقدم رئيس الوزراء سياسة حكومته الإقليمية ووزارته للبرلمان لنيل ثقته. وتتقسم الولايات لمحافظات التي تنقسم لمجالس مدن ومجالس قرى، على أن تدار المحافظات ومجالس المدن والقرى بمجالس منتخبة يعمل أعضاؤها على أساس التطوع مع
تقسيم السلطات لا شك أن تقسيم السلطات بين السلطة الاتحادية والأقاليم الفدرالية، يعتبر أحد أهم قضايا النزاع في السوداني. وليس العبرة بإعطاء الأقاليم الفدرالية سلطات واسعة أو جعلها مسؤولة عن تقديم الخدمات لمواطنيها، فذلك تكتيك قديم اتبعه نميري من قبل عندما أنشأ الحكم الاقليمي بهدف شغل الجماهير في المناطق المهمشة والتي بدأت تطالب بنصيب عادل في الخدمات ومشاريع التنمية، توجه مطالبها لحكام أقاليمها وحكوماتهم بدلا من الحكومة المركزية. ولكن لا سلطة بدون موارد. لذا يجب الربط بين تقسيم السلطات وتقسيم الموارد والثروة. ولكن في غير هذا يصبح تقسيم السلطات مسألة عادية تهتدي بتجارب البلدان الأخرى وبالمفاوضات بين أطراف النزاع السوداني ويمكن اقتراح التالي: السلطات الاتحادية: 1. الحدود والمياه والأجواء الدولية. 2. رسم حدود الأقاليم 3. الدفاع والقوات المسلحة والشرطة والأمن 4. الجنسية والجوازات والهجرة وشؤون الأجانب. 5. العلاقات الخارجية 6. نظم الانتخابات العامة للمؤسسات الدستورية الاتحادية والإقليمية والمحلية 7. القضاء والمحاماة والنظم العدلية. 8. العملة والسياسات المالية والنقدية والائتمانية والمصرفية. 9. المواصفات والمقاييس والموازين والمكاييل والمواقيت. 10. التجارة الخارجية والجمارك. 11. القوانين المنظمة للمهن والحرف والتخصصات. 12. التعليم العالي والجامعي بشقيه الفني والأكاديمي. 13. الأراضي والموارد الطبيعية الاتحادية والثروات المعدنية والبترولية والثروات الطبيعية على سطح الأرض وفي باطنها، والثروات في المياه الإقليمية السودانية وفي أعماق البحار. 14. المياه العابرة والبحريات والأنهار. 15. المشروعات القومية للكهرباء والطاقة والشبكات الناقلة لهما. 16. المشروعات والهيئات والشركات القومية. 17. النقل الاتحادي الجوي والطرق البرية والبحرية والنهرية العابرة والموانئ الجوية والبرية والمواصلات والاتصالات العبرة الاتحادية. 18. الآثار والمناطق الأثرية والوثائق القومية والمصنفات القومية الفنية والثقافية والتراثية وفقا لما يحدده القانون. 19. مكافحة الأوبئة والكوارث الطبيعية. 20. خطط التنمية الاقتصادية القومية. 21. الموازنة العامة للاتحاد والموارد المالية للاتحاد وتخصيص أوجه صرفها. السلطات الإقليمية
1. إدارة الإقليم وحفظ الأمن والنظام. 2. التجارة والتموين. 3. ميزانية وموارده المالية وتحديد أوجه صرفها. 4. الأراضي والموارد الطبيعية الإقليمية والثروة الحيوانية والغابات. 5. المياه والطاقة الكهربائية الإقليمية غير العابرة. 6. التعليم العام. 7. الصحة الوقائية والخدمات الصحية الأولية. 8. طرق ووسائل النقل والمواصلات والاتصالات الإقليمية. 9. وسائل الإعلام والثقافة الإقليمية بما في ذلك المتاحف ودور العرض السينمائي والمسارح. 10. الحدائق العامة وأماكن الترفيه. 11. الرياضة. 12. تسجيل المواليد والوفيات ووثائق الزواج.
ولكن لأسباب الأزمة الاقتصادية وضعف موارد الدولة في الوقت الحاضر، لا بد أن تتحمل الدولة المركزية عبء تقديم بعض الخدمات، على أن تعود هذه الخدمات للأقاليم عند تطور مواردها، وأنا أقترح أن توقع السلطات الاتحادية والإقليمية بروتوكولا تقوم بموجبه الحكومة الاتحادية بتمويل وإدارة خدمات التعليم والصحة من المركز لفترة عشرة سنوات حتى يتم وضع أسس حقيقية لموارد الأقاليم المالية وأن يكون هذا هو شكل الدعم المقدم من الحكومة المركزية في هذا الجانب، يقدم الدعم في شكل خدمات مباشرة يقوم المركز بتحمل نفقاتها وهذا بديل للشكل الحالي الذي يذهب في شكل موارد مالية لا تصرف حقيقة في خدمة المواطنين. ويكون الهدف الأساسي هو ردم الفجوة في تطور الخدمات بين مختلف الأقاليم السودانية بحيث تسلم هذه الخدمات للأقاليم والمؤشرات الإقليمية تساوي المؤشر القومي أو تقاربه. ونعني بذلك مؤشرات مثل عدد الأماكن بالمدارس بالنسبة لعدد الأطفال في سن التعليم، عدد المدرسين بالنسبة للتلاميذ، عدد الأطباء بالنسبة للسكان، عدد السرائر بالنسبة للسكان والأطباء إلى غيرها من المؤشرات.
تقسيم الموارد والثروة المهم في تفسيم الموارد والثروة ليس هو تقسيمها لتستفيد منها الطبقات والفئات المسيطرةعلى االثروة في الأقاليم والمركز، أي لا تصبح القضية هي اقتسام مغانم بين السادة، وانما تقسيم للموارد على أساسيين: بين الاستهلاك الضروري والاستثمار الموسع في الانتاج والخدمات، وتقسيم الفائض الاقتصادي بين الأقاليم الأقل نموا والأكثر نموا حتى نعالج مسألة النمو الاقتصادي غير المتوازن في البلاد. وفي الحقيقة من الصعوبة معالجة المسألتين بنصوص دستورية، فالمسألتان لن تحلا حلا جذريا بمجرد تقسيم الموارد بين المركز والاقاليم للآن كل من المركز والإقليم المعين قد يستخدما الموارد المتاحة لهما لغير متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهذا يجعل القضية هي قضية سلطة: من يحكم الإقليم أو المركز. ولثقتنا في النظام الديمقراطي فإننا نترك ذلك للصراع السياسي والاجتماعي في نطاق التعددية والديمقراطية. ورغم كل هذا نقترح صيغة لاقتسام الموارد فيما يلي: أولا: الموارد الضريبية: يكون للسلطات الاتحادية نسبة 60% من كل العائدات الضريبية بالسودان ويكون لكل إقليم نسبة 40% من العائدات الضريبية المتولدة داخل الإقليم. ثانيا:أرباح المؤسسات العامة والمشاريع والشركات الحكومية: يكون لكل من السلطات الاتحادية السطات الإقليمية 40% من عائد ارباح المؤسسات الاتحادية والمشاريع والشركات الحكومية ويخصص باقي ال20% من الأرباح للمؤسسات والمشاريع والشركات بهدف تطويرها وتنميتها وزيادة رأسمالها. ثالثا:العائدات من استغلال الموارد الطبيعية كالبترول والغاز والمعادن والمناجم والمحاجر: يكون لكل من السلطات الاتحادية والإقليمية 40% من العائدات ويخصص باقي ال 20% لتطوير الاستثمارات وزيادة رأس المال.
خاتمة هذه بعض الأفكار حول الدستور الديمقراطي علها تساهم في المناقشة حول الموضوع.
| |
|
|
|
|
|
|
|