بدأت ثورة المرأة للمطالبة بحقوقها وضد التمييز القاسي الذي يمارس ضدها في الولايات المتحدة الأمريكية من نساء عاديات بسيطات ، اذ كانت مصانع القماش في الولايات المتحدة الموقد الذي انطلقت منه شرارة تلك الثورة . وفي مصنع صغير للخياطة في نيو انغلند بولاية ماتشوسويتس سجلت العاملات في 1820م هنالك أول إضراب نسوي طلباً لساعات عمل أقل ، ورغم السخرية والاستهزاء الذي واجه به المجتمع ذلك الإضراب ، إلا انه كان قد شكّل بدء انطلاقة حركة احتجاج نسوية لم يوقفها شيء منذ ذلك الوقت . وأعطى الإضراب التاريخي الذي قامت به عاملات مصنع (لويل) للقطن في 1834م دفعة قوية لهذه المسيرة ، وهو الإضراب الذي تطور لتنبثق منه في 1844م أول جمعية تمثل النساء في الولايات المتحدة . ولم يمر وقت طويل حتى أصبح إضراب النساء عن العمل ظاهرة منتشرة في مختلف أنحاء ذلك البلد الشاسع ، حتى تشكل في العام 1900م أول اتحاد نسائي للعاملات في خياطة الثياب في أمريكا . أما قصة الثامن من مارس الذي صار تاريخاً سنوياً للاحتفاء بالمرأة ، فتعود إلى 8 مارس 1848م ، وهو التاريخ الذي وعد فيه الملك البروسي بإعطاء النساء حق الانتخاب . وقد شهد نفس التاريخ من عام 1875م أول تظاهرة نسائية في الولايات المتحدة . كما شهد في 1908م انطلاق التظاهرة النسائية الأكبر في نيويورك والتي سارت فيها آلاف الاشتراكيات من عاملات الحياكة للمطالبة بحقوقهن واستمرت رغم القمع الشديد الذي واجهته من قوات الشرطة لمدة 13 أسبوعا متواصلة انتهت باتفاق يعطي المتظاهرات بعض ما يطالبن به . وحينها أعتبر القاضي الذي نظر القضية " ان النساء تجرأن على قوانين الوجود ، لأن النصوص تعتبر ان على الرجل فقط ان يكسب خبزه بعرق جبينه دون ان تذكر المرأة" . وفي حقيقة الأمر فأن الجناح النسائي في الحزب الاشتراكي الأمريكي كان قد وافق في 1909م علي اعتبار آخر يوم أحد من شهر فبراير من كل عام يوماً وطنياً للمرأة . وفي السنة التالية نظم الحزب مؤتمراً نسائياً واسعاً في كوبنهاجن شاركت فيه مندوبات من 17 دولة ، وقد اقر هذا المؤتمر مقترحاً من المندوبة الأمريكية بتدويل اليوم الأمريكي للمرأة ، واقر إعتماد تاريخ الثامن من مارس كيوم عالمي للمرأة . ورغم ان يوم 8 مارس اصبح منذ ذلك التاريخ ، ولعشرات السنين بعده ، يوماً لتظاهرت النساء في الكثير من دول العالم للمطالبة بحقوقهن المهضومة ، إلا انه ظل مرتبطاًً بالحركة الاشتراكية في أمريكا وبقية أنحاء العالم حتى أواخر الستينات من العقد العشرين , ولم تعترف الأمم المتحدة بهذا اليوم كيوم للمرأة إلا في عام 1977م عندما أصدرت قراراً يدعوا كل دولة إلى اعتماد أي يوم من السنة "يوما وطنياً لحقوق المرأة والسلام العالمي" ، فاعتمدت غالبية الدول يوم 8 مارس من كل عام . و في 1993م أصدرت الأمم المتحدة قراراً ا يقضي باعتبار حقوق المرأة من ضمن حقوق الإنسان ، (وهذه تفرقة في رأيي تضع النساء خارج إطار الإنسانية. يبدو ان الأمم المتحدة اضطرت لها اضطراراً بحكم واقع الاضطهاد والتفرقة الذي ظل يتعرض له النساء) ان هذا التوثيق المختصر لا يعني ابدأً ان نضال المرأة من أجل حقوقها وضد الطغيان بدأ في التواريخ المذكورة ، فهو وكما نعرف نضال قديم ، يعود إلى عصور ما قبل التاريخ المدون . وأبرز الأسئلة التي تبرز الآن هي : ماذا حققت المرأة عبر هذا النضال الطويل ، وما مقدار الحقوق التي نالتها مما ظلت تطالب به ، وكيف تسير حركتها في المطالبة بتحقيق ما لم يتحقق من تتلك الحقوق ؟ ان الإجابة على مثل هذه الأسئلة تختلف باختلاف النماذج الموجودة في عالم اليوم وبين العوالم المختلفة التي يتضمنها ، وحتى ما بين دولة وأخرى من دوله ، ومع ذلك نستطيع الاتفاق بسهوله على أن ان ما تحقق للمرأة ، بفعل نضالها ومطالبتها المستمرة كثيرُ , ولكن الأكثر منه هو ما لم يتحقق بعد . لقد كشف إحصاء رسمي أجري في العام 1991م ان 11% فقط من مقاعد 96 مجلساً نيابياً في العالم يحظى بها نساء . أما الحقوق الأخرى من مساواة وحرية وحق في الانتخاب والعمل والعدالة بين الجنسين ومنع العنف ضد النساء ، وان كان قد تحقق جزءً مقدراً منها في دول العالم المتمدن ، فان الوضع بشأنها يبدو مزرياً وبائساً ومخجلاً للغاية في عالمنا الثالث . ونرى ان مجمل المكاسب التي حققتها المرأة ، حتى في دول العالم المتمدن ، مازالت هشة وصغيرة جداً ، وان الوعي الذكوري ما زال يتحكم بالعلاقات بين البشر ، نساء ورجالاً ، لدرجة انه يطغى على أدبيات بعض المناضلات النسويات وسلوكهن ومواقفهن . الجندر وما بعد النسوية : بقي ان نقول انه وبعد اكثر من مائة عام على انطلاق الحركة النسوية في التاريخ البشري الحديث ، أخذت مفردة (الجندر) في ثمانينات القرن العشرين المنصرم تشق طريقها كأحد ابرز المصطلحات المستخدمة في قاموس الحركات النسوية . وقد ظهر هذا المصطلح في الولايات المتحدة الأمريكية ثم حط في أوروبا الغربية في 1988م . ولم يكن هذا التعبير هو التجديد الوحيد في الخطاب النسوي ، إذ برز أخيراً ما يسمى "ما بعد الحركة النسوية" كإطار لأطروحات ومطالب جديدة ، أو قراءات مختلفة ، لمطالب المرأة ، وبحثاً عن تحديد جديد لمفهومي الأنوثة والذكورة بعد ان حصلت المرأة في الكثير من دول العالم على الحق في الانتخاب والعمل والتمتع بحقوقها كمواطنة . وبهذا الفهم نستطيع القول ان مفهومي (الجندر) و (الحركة ما بعد النسوية) في المجتمع الذي انتجا فيه ، يحاولان نيل حقوق أكثر للمرأة لتحقيق التكافؤ الكامل بينها وبين الرجل . وعلى الرغم من أن المساواة بين الجنسين كانت دائماً مطلب الحركة النسوية ، الا ان المناضلات في هذا المجال الآن يبدين أكثر راديكالية في المطالبة بتلك المساواة ، ووسطهن يثير تعبير المساواة جدلاً وخلافاً ، إذ يفهمه بعضهن مساواة في الحقوق كافة ، فيما يحاول البعض الأخر جعله وسيلة لتأكيد اختلافهن بعيداً عن كل أشكال التمييز .
هامش : هذا المقال قمت بإعداده من أربع مقالات نُشرت في صفحة (مجتمع) ( ص 15) في جريدة (الحياة اللندنية) العدد رقم (14935) الصادر في يوم السبت 6 مارس 2004م . والمقالات الأربع هي : 1.الأبيض للنقاوة والبنفسجي للكرامة والأخضر للأمل ـ بيروت الحياة 2.المسيرة مستمرة . 3.بحثاً عن تحديدات جديدة لمفاهيم الأنوثة والذكورة . بيروت بيسان طي . 4.ضد الذكورة . بيار أبي صعب .
Quote: وحينها أعتبر القاضي الذي نظر القضية " ان النساء تجرأن على قوانين الوجود ، لأن النصوص تعتبر ان على الرجل فقط ان يكسب خبزه بعرق جبينه دون ان تذكر المرأة" .
تراث لك التحية ، وأهنئك ونفسي بهذا اليوم المخصص لنصفنا الآخر ،، ولنشدد من أزر نسائنا ليتقدمن الصفوف وينتزعن حقوقهن ، لنتمكن من إيجاد مجتمع إنساني عادل نتمتع به جميعا ..
لك التحية بمناسبة اليوم العالمى للمرأة و لكل المتضامنين و معاً من اجل غد أفضل للانسان/ة فى بلادى
ندي
نحن نتعلم من دروس التاريخ ومن تجارب النساء كل النساء بائعات الشاى و الكسرة ربات البيوت العاملات المدرسات، المثقفات، و المزارعات.... لكل منا ماتقدمه ورؤانا المتعددة تطرح البديل للرؤية الاحادية التى سادت على مر التاريخ نحن منكن و اليكن
شكراً عزيزاتي واعزائي الذين اولوا هذا البوست اهتمامهم/ن كل سنة ونساء العالم ينلن المزيد من حقوقهن ، كل سنة ونساء العالم ورجاله بخير ، والحياة اكثر عدلا وانصافاً ومساواة بين بني البشر .
03-08-2004, 11:05 PM
Raja
Raja
تاريخ التسجيل: 05-19-2002
مجموع المشاركات: 16054
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة