>كُتّاب إيلاف محمد ويهود قريظة: دقة القراءة (1/2) GMT 8:15:00 2005 الإثنين 31 أكتوبر . غالب حسن الشابندر -------------------------------------------------------------------------------- لابد من بداية! لا توجد بداية صريحة، ولا توجد بداية خالصة، خاصة على صعيد " /> محمد ويهود قريظة ..غالب الشابندر محمد ويهود قريظة ..غالب الشابندر

محمد ويهود قريظة ..غالب الشابندر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 08:26 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-27-2005, 09:08 AM

Abuobaida Elmahi
<aAbuobaida Elmahi
تاريخ التسجيل: 08-15-2003
مجموع المشاركات: 693

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محمد ويهود قريظة ..غالب الشابندر




























    إيلاف>>كُتّاب إيلاف

    محمد ويهود قريظة: دقة القراءة (1/2)
    GMT 8:15:00 2005 الإثنين 31 أكتوبر
    . غالب حسن الشابندر



    --------------------------------------------------------------------------------


    لابد من بداية!
    لا توجد بداية صريحة، ولا توجد بداية خالصة، خاصة على صعيد الحدث التاريخي، وقد أبدع أيما إبداع المفكر الفلسطني أدوارد سعيد في تجلية هذه الفكرة. ولكن كل ذلك لا يمنع من بدايةٍ ما، بداية هادية في حدود ما، ليست خالصة، ليست حدية بشكل فاصل، ولكن بداية قد تتيح لنا أن نتسلسل في عرض الحدث بطريقة هادية، تحمل بعض صفات الموضوعية و المنطق.فمن أين نبدأ ونحن نريد أن نعالج قضية العلاقة بين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبين يهود قريضة ألتي أنتهت بـ (غزوهم) وما ترتب على ذلك من نتائج؟

    أين هي البداية؟
    أعتقد أن بداية المشكلة تبدأ من لحظة وصول النبي محمد صلى الله عليه وألة وسلم إلى المدينة، حيث هناك كتب وثيقة العهد، وهي وثيقة توافقية بين القوى الفاعلة في المدينة، ومنهم اليهود بفرقهم الثلاث (بنو قينقاع، بنو النضير، بنو قريضة...)، وتنص هذه الوثيقة على موادعة اليهود على أن لا (يحاربوه، ولا يظاهروا عليه أحد، ولا يوالوا عليه أعداءه، وهم على كفرهم آمنون على دمائهم، وأموالهم...) 1 / زاد المعاد ج 3 ص 126، وسيكون من المستحسن أن ندرج بعض فقرات هذه الوثيقة فيما نحن في صدده، حيث جاء فيها (... وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم... وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين... لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم،موالهيم وأنفسهم إلاّ من ظلم وأثم... وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة،وأن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم... وإن يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البرّ المحض من أهل هذه الصحيفة...) 2 / السيرة ج2 ص 148 ـ 151. فهي وثيقة توافق، عهد على السلام، والتواصل من أجل بر المدينة، وحمايتها من الغزو الخارجي، وعهد يحفظ المدينة بالتعاون والتفاهم...
    وقد كان اليهود فريقين، منهم بنو قينقاع، حلفاء الخزرج، ومنهم النضير وقريضة وهم حلفاء الأوس،وقد شهدت المدينة معارك بين اليهود تبعا للمعارك بين القبيلتين المذكورتين، سالت فيها دماء عزيرة 3 / المصدر ص 188. ولكن رغم هذه الوثيقة الصريحة لم تكن العلاقة بين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبين يهود المدينة سالكة. ومن مراجعة موقف اليهود من الدين الجديد نستطيع أن نلتقط المشاهد التالية : ــ
    الأول : هو التشكيك العقدي بالدين الجديد، سواء فيما بينهم، أو لدى المشركين أو لدى المسلمين، وقد سجل القران الكريم بعض هذه المشاهد التي سوف نقول فيها رأينا بعد قليل.
    الثاني : تحفيز قريش للقيام بعمل حربي حاسم ضد الرسول، وكانت معركة الخندق مثالاً صارخا في هذه المجال.
    الثالث : إثارة الفتن داخل الصف المسلم، الجسم المسلم، ومن أمثلته إثارة الفتن بين الأ وس و الخزرج التي وصلت مرة إلى حد الحرب المستطيرة الشرر لولا تدخل الرسول الكريم. وكان موقف محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو موقف الحوار الفكري عبر أيات القرآن الكريم، حيث أدان بني إسرائيل عقيدة وتاريخا وسلوكا، ولكن هنا أسجل نقطة مهمة، بل في غاية الأهمية... ذلك أن الإدانات القرآنية لبني إسرائيل بعد قراءة دقيقة تكشف عن أنها ليست لكل اليهود، بل بحق طبقة معينة، هي طبقة علمائهم، وبالذات من وصل إلى الحقيقة ولكن اخفاها، وسوف أخصص في موقع إيلاف يوما لأجلاء هذه الحققية المهمة.
    فلم تكن العلاقة بين اليهود والنبي علاقة ود، أو علاقة صفاء رغم عهد الصحيفة، بل وصل الامر إلى غاية في الخطورة لما نكث اليهود بنود الصلح، فكانت القطيعة، ويلخص لنا اين القيم الجوزية المسالة بعرض جميل مشوق، فيقول (فصالح يهودَ المدينة، وكتب بينه وبينهم كتاب أمن، وكانوا ثلاث طوائف حول المدينة : بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريضة، فحاربته بنو فينقاع بعد ذلك بعد بدر، وشرقوا بوقعة بدر... ثم نقض العهد بنو النضير... وكان ذلك بعد بدر بستة أشهر... وأما بنو قريضة، فكانت أشد اليهود عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، و أغلظهم كفرا...) 4 المصدر ص 127 ــ 129، حيث كانوا قد جمعوا الاحزاب وقريش لقتال النبي، وكانت معركة الخندق...، وكل ذلك أدى الى صدام النبي باليهود، بطوائفهم الثلاث، وكان نتيجة بني قينقاع بعد الصدام، ان أمرهم النبي بالخروج من المدينة، فخرجوا إلى إذرعات من أرض الشام، حيث كانت دارهم في طرف المدينة. وبالنسبة لبنو النضير فقد أجلاهم النبي أيضا، ولهم أن يحملوا كل شي ما عدا السلاح، وكانت قصتهم في ربيع الاول سنة أربع من الهجرة.أما قريضة فقد غزاهم النبي في سنة خمس للهجرة ــ وفي هذه الصيغة من البيان نظر كما سنبينه في وقته ـ حيث وقع فيهم قتل ودماء.
    هذه هي بداية المشكلة بين محمد صلى الله عليه وأله وسلم وبين بني قريضة، وهي جزء من قضية أكبر، تلك هي موقف اليهود بشكل عام من النبي الجديد، ومن الدين الجديد، وتنتصب مسألة نقض العهد في صلب القضية كما سنرى أكثر في السطور التالية.

    مصادر القراءة
    المصدر الرئيسي لقصة الرسول الكريم مع يهود قريضة هي سيرة ابن هشام المتوفى سنة 218، التي هي بالاساس سيرة محمد بن أسحق المدني المتولد في المدينة سنة 85، و المتوفى نحو 152، جده من سبي عين تمر، وسيرته هي التي كتب لها الذيوع والانتشار، وقد ألفها بن اسحق في أوائل العصر العباسي، بطلب من المنصور رغبة منه في تعليم ابنه المهدي تاريخ البشر، منذ أن خلق الله آدم، وقد طلب منه أن يختصرها بعد أن شق عليه طولها وضخامتها، وقد استقرت هذه السيرة لدى بن هشام، فاختصرها، وهذبها، وأضاف إليها... وربما يعتبر بعضهم هذا العمل إيجابي من قبل ابن هشام، فيما هو في تصوري خطا كبير، كان من الأجدر به أن يحتفظ بالنص كما هو، ثم يعمل عملا آخر، بموازاة السيرة الأصلية، فهو بهذه الطريقة فوت علينا علماً كثيرا، تماما، كما هو خطأ عثمان بن عفان لما استغننى عن كل المصاحف واكتفى برسم واحد. وبصرف النظر عن قيمة ابن اسحق الرجالية، لا ن هناك خلافا فيه، فإن روايته لا تخرج بطبيعة الحال عن كونها رواية شفهية، ثم دونت، أي دون ما سمعه، ولم يرجع إلى نص مكتوب، والرواية الشفاهية تعرضت اليوم لنقد حاد، كشف الكثير عن مشاكلها الدقيقة. فإذا كانت الذاكرة الكتابية يمكنها الرجوع إلى (المكتوب) كي تتأكد من سلامة حفظها، أي هناك إحالة مادية مبصرّة فإن الذاكرة الشفاهية لا تملك مثل هذه الإحالة المرئية المثبَّتة. ولقد ثبت أن الذاكرة تعمل إنتقائيا، وعند استرجاعها لخزينها من التاريخ والمعلومات تتاثر في بالواقع الذي يكتنفها في الحال، فهناك ثمة تفاعل بين التذكر الشفاهي والواقع الحي. ومن الطبيعي أن يخضع الحفظ الشفهي حرفيا كان أم غير حرفي للتغيير نتيجة للضغوط الاجتماعية المباشرة. وذلك بصرف ا لنظر عن السند، وعن المتن... من هنا ينيغي ان نحذر بالاعتماد الكلي على الذاكرة الشفاهية في تقرير التاريخ وكتابة التاريخ.
    رواية ابن هشام هي العمدة في حرب بني قريضة ـــ بل في كل سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ــ نقلها عنه الطبري، وابن كثير، وغيرهما من المؤرخين الكبار. على أن هناك مصدرا أخر، ذلك هو (مغازي الواقدي)، لصاحبه مولى بن سهم، محمد بن عمر بن واقد المولود في المدينة سنة 130،والمتوفى سنة 207، والرجل متهم بمدى واسع من النقد والتجريح، ويستغرب الكثيرون عدم رواية الواقدي عن ابن اسحق، حيث يعلل بعضهم أن ذلك قد يرجع إلى كون أهل المدينة كانوا يشككون بنزاهة بن اسحق، وعلى رأسهم الامام مالك، فيما يتهم علماء مستشرقون الواقدي بانه سرق من السيرة الهشامية، نتيجة لتطابق النصوص بين السيرتين الى حد كبير. وفي الحقيقة أن قراءة متـأنية لمغازي الواقدي تكشف عن حس تأريخي أنيق، فهو يتدرج بالحدث زمنيا، بل يحرص على التتابع المنطقي للحدث، ويشفعه بمعلومات جغرافية، وبيئية، وقبلية... ومن الملاحظ حقا، أن الطبري ينقل عنه المغازي مباشرة، فيما كان يحرص على نقل أخبار الجاهلية عنه أيضا، ولكن بواسطة تلميذه ابن سعد، وسر هذا التباين يكمن في ثقة الطبري بالواقدي في هذه المادة خصيصا، أي المغازي. وقد نسبه بعضهم إلى التشيع ولكن لم يصح ذلك لدى الكثير من العلماء.
    أن حسن الكتاب، وتسلسله، ودقته في العرض... كل ذلك لا يكفي اعتماده مطلقا، بل لابد من نقد السند ونقد المتن، وقراءة الظروف التي تحيط بالحدث، ومجرياته، ولابد من مقارنة ما جاء في رواية الواقدي بغيره الروايات، خاصة السيرة الهشامية، وطبقات بن سعد، فإن بن سعد هو تلميذ الواقدي الوفي.
    ويأتي كتاب الطبقات لان سعد (168 ــ 230) مصدراً مهماً في السيرة النبوية، خاصة الجزئين الأوليين، فقد خصصهما الرجل لهذا الغرض بالذات، وابن سعد من تلاميذ الواقدي صرفا، فقد أفاد من (المغازي) حتى يمكن ألقول أنه ابن سعد قد ضمّن كتابه (الطبقات) كتاب استاذه ! ورغم ما حصل عليه ابن سعد من توثيق ومدح معتد به من قبل علماء الرجال، إلا أن يحي بن معين ضعّفه، وآخرون. على أن عيباً كبيراً يسجله الناقدون على ابن سعد، واستاذه الواقدي، ذلك أ نهما يجمعان أسانيد كثيرة لمتن واحد، وإدخال روايات الرجال بعضها ببعض، وهذا يخل بموضوعية الرواية شئنا أم أبينا.
    إن مطالعة المغازي لا تغني عن مطالعة كتب التاريخ المعتمدة، كتاريخ الطبري والمسعودي واليعقوبي وغيرها، كذلك ما ورد من خبر في كتب الحديث والسنة. ولا يكفي نقد السند والمتن، بل ينبغي القيام بجهد جبار، يشكل نقد السند والمتن أحدها، كما سنرى في هذا البحث.

    دقة القراءة
    اللغة تشكل عقل الرواية، روحها، باطنها، هناك تختفي اشياء وأشياء، تختفي ثقافات وذكريات، تختفي مطامع ومطامح، وعليه، يجب تفيت اللغة بدقة، وسوف نرى أن خلافا يبدو بسيطا بين كلمة وأخرى من رو اية لأخرى، فيما بعد قراءته بدقة يكشف لنا عن اسرار مهمة، وغايات ليست بريئة. كما أن الاختيار العشوائي أو الاختيار السائد مجتمعيا، الطاغي عرفيا لهذه الكلمة أو تلك قد توقع في لبس تاريخي خطير...
    أن مفردة (غزو...) قد تفيد قصد الحرب ابتداء، هذا ما يرد على الخاطر عندما نقرأ مثلا (غزوات النبي / غزوة بني قريظة) حيث يسند الفعل ضمنا، أو سياقا، أو عنوانا إلى الرسول الكريم، فيما ليس الأمر كذلك بالضرورة، فقد تكون الغزوة ردا على غزوة، قد لا تكون ابتدائية، وفي هذا يقع لغط كثير.
    لقد سميت الحرب ين محمد وبين ويهود بني قريظة بـ (غزوة بني قريظة) ! حيث صُنِّفت تحت (غزوات النبي)، ويستفيد كثير من الناس لعدم وعيهم اللغوي، وبسبب تطورات المعنى بمرور الزمن، وربما لغاية في نفس يعقوب... يستفيد من الصياغة الاخيرة، أي صيغة (غزوات النبي)، ان محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كان هو البادئ بهذه الغزوات، لأنها مضافة إليه، فيما لم يكن محمد يبتدأ الحرب، بل كان يرد عليها ! والتحليل البسيط لغزوة بني قريضة يفيد أن محمدا لم يبدأ حربهم، بل هم الذين بدأوا، وهم الذين شرّعوا لأصل الغزوة ! فمن المعروف أن النبي قرر غزوهم بعد أن ثبت له أنهم وراء حرب الخندق، أو الاحزاب، وقد جاء ذلك بعد عهد المدينة، الذي تصالحا بموجبه، وقررا الدفاع سوية عن المدينة تجاه أي اعتداء، فهم من هذه الناحية يكونون قد ارتكبوا مخالفتين أبتدا ! مرة التخطيط للحرب، ومرة خيانة العهد !. وكانت حرب الخندق من أشد الحروب التي هددت محمدا وأصحابه، فقد أجتمعت فيها (قريش) و (تهامة) و (كنانة) و (غطفان) و (نجد) في عشرة ألاف مقاتل، كانوا قد أعدوا كامل العدة للقضاء على محمد بضربة قاضية... نعم، كان قتلى الطرفين على عدد الأصابع، ولكن لو تم لقريش الظفر أنذاك، لكان الإسلام في خبر كان، ولكنْ شاء القدر أن يسلم الإسلام ونبيه من هذه الحرب التي حشدت لها قريش بفضل وتخطيط بني قريضة فرسان العرب، وأبطالهم. ولي كلام طويل حول قصة الخندق، سوف أتناوله يوما من الأيام إن شاء الله تعالى. فغزوة بني قريضة هي نقض عهد بمن نقضه، وليس حربا من الرسول على نحو الابتداء. فأن رسول الله لم يؤقت عهده مع يهود المدينة، بل أطلقه ما دام الأخر ملتزم به، غير محارب، ولا ناكث.
    نقرا في السيرة مثلا أن سعد بن معاذ حكم في أسرى قريضة [ أن تُقتلَ (الرجال) وتقسّم الأموال... ] 5 / السيرة 3 ص 251، ولكن نقرا نصا أخر ورد في البخاري ينص [ تٌُقتل (المقاتلة) وأ ن تسبى النساء والذرية ] 6 البخاري غزوة الاحزاب ح 4122. وقد يتصور البعض أن لا خلاف بين النصين ! فيما هناك خلاف كبير، فأن النص الأول يفيد حكم سعد بقتل كل رجال بني قريضة الذين وقعوا في الأسر، فيما يفيد خبر البخاري أن القتل جزاء (المقاتلة) فقط، أي الذين قاتلوا فعلا. من هنا نذكر على أهمية دقة القراءة، وما أكثر الذين يكتبون الذين يغفلون هذه النقطة المهمة الحساسة.
    ولم تقتصر دقة القراءة على النظر داخل النصوص والمقارنة بينها، فنحن نعلم أن الشافعي مثلا إنما خص نقض العهد بمن نقضه فعلا، ولا يسري ذلك إلى من لم ينقضه، وإن كان ضمن جماعة ناكثة، وهذا الموقف من الشافعي إذا كان له سند من رواية أو سيرة أو آية يجعلنا نشك برواية ابن اسحق التي يقول بها (أن تُقتل الرجال) ويجعلنا نرجح ا لرواية التي يرويها البخاري والتي فيها يقول (أن تقتل المقاتلة).
    أن دقة القراءة تتعدى لآفاق مهمة، فإن النظر إلى موقف النبي الكريم من يهود قريضة هنا يجب أن ندرسه ليس في ضوء نقضهم العهد وحسب، وليس في ضوء تجييشهم قريش وغيرها على النبي والإسلام، بل على ضوء مقتربات أخرى لا تقل أهمية عما سبق، من ذلك خطورة الحرب، وما يمكن أن تؤول إليه من نتائج لصالح العدو، فقد كان باتفاق الأراء ان حرب الخندق كانت حرباً مخيفة في شكلها، في الإعداد لها، في ما ألقته في روع المسلمين، وقد كانت أشبه بالمصيرية بالنسبة للطرفين كما تفيد الأخبار، وبالتالي، يجب أن نقيس موقف المسلمين من صناّع هذه الحرب في ضوء هذا المقترب المهم، ذلك نحن نتعامل مع حقائق بشرية،وليس مع حقائق ملكوتية.
    وتتطلب القراءة الدقيقة النظر الواعي في الاختلافات ذات المسافة البعيدة، فنحن نقرأ في سيرة بن هشام مثلا أن النبي حاصر قريضة (خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار...) 7 / المصدر ص 246، فيما نقرأ مثلا في طبقات أبن سعد أن مدة الحصار كانت خمس عشر ليلة في رواية، وفي أخرى أربع عشر ليلة، وفي مغازي الواقدي خمس عشر يوما (ص 496 من الجزء الأول)، وفي رواية بضع عشرة !
    هل نمضي دون سبر حقيقة هذا الاختلاف؟ هل نمضي دون سبر سند كل رواية من هذه الروا يات؟ لا بطيعة الحال، فقد نكشف بعض الخفايا المهمة تكبير العدد أو في تنقيصه، وهو الامر الي يصادفنا أيضا في خصوص عدد من ضُرِبت أعناقهم من بني قريضة، فالمكثر يقول بين الثمان مئة والتسع مئة، والمقل يقول بين ستة مئة أو سبع مئة 8 / المصدر ص 252.

    سرديَّة ابن هشام
    يبدأ ابن هشام القصة بقوله (فلما كان الظهر أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني الزهري، معتجرا بعمامة من استبرق، على بغلة عليها رحالة، وعليها قطيفة من ديباج، فقال : أوقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال : نعم، فقال جبرائيل : فم وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن من طلب القوم، أ ن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريضة، فإني عامد اليهم، فمزلزل بهم...)... ويستمر بالسردية على شكل حكاية متسلسلة، يقطعها بين الحين و الأخر بخبر عن شخص أو حدث له علاقة بالغزوة بشكل وأخر...
    الزهري كما نعلم تابعي مكي، فالسردية هنا من بدايتها مرسلة... وتستمر السردية الشفاهية فتحدثنا عن (دحية بن خليفة الكلبي) الذي تمثله جيرائيل عليه السلام تنفيذا للوعد الذي قعطه جبرائيل في البداية للنبي بأنه مزلزل الأرض بقريضة تشجيعا له على قتالهم.
    تمضي السردية الهشامية لتقص علينا بأن يهود قريضة بعثوا على رسول الله بأن يرسل لهم أبا لبابة ــ وهو : أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري المدني، واختلف في اسمه، فقيل رفاعة، وقيل مبشر، وقيل بشير، وهو أحد النقباء،عاش إلى خلافة علي ــ ليستشيروه في أمرهم، فارسله لهم، فاستشاروه أن ينزلوا على حكم محمد، فكان جوابه أن : (قال : نعم، وأشار بيده إلى حلقه، إنه الذبح...) فكأن أبا لبابة أشار إليهم أن لا ينزلوا على حكم الرسول الكريم. ثم نلتقي بكسرٍ حادٍ في السردية، حيث تحكي لنا ندم أبي لبابة واعتزاله ومن ثم توبته، ويستمر الكسر في داخل السرد ليتصل بأوله من جديد، حيث تقول السردية (... قال : فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتواثبت الأوس، فقالوا يا رسول الله، أنهم موالينا ــ لقد كانت قريضة حليفة الاوس، وبنو قينقاع والنضير حلفاء الخزرج ــ دون الخزرج، وقد فعلت في موالي أخواننا بالامس، ما قد عملت ـ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بني قريضة قد حاصر بني قينقاع،وكانوا حلفاء الخزرج، فنزلوا على حكمه، فساله أ ياهم عبد الله بن أبي سلول فوهبهم له ــ فلما كلمته الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟...) وتسمتر السردية لتقول لنا تم الاتفاق بين الرسول الكريم والأوس، على أن يحكم فيهم سعد بن معاذ الذي جرح في معركة الخندق. وتقول السردية أن يهود بني قريضة أقدموا مع سعد إلى رسول الله وهم يقولون (يا أبا عمرو، أحسن في مواليك، فأن رسول لله صلى الله عليه وسلم إنما ولاّك ذلك لتحسن إليهم، فلما أكثروا عليه قال : لقد آنَ لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل، فنعى لهم رجال بني قريضة، قبل أن يصل إليهم سعد...)، وتستمر السردية لتخبرنا أن الجميع إنتهى الى رسول الله، فقام الأنصار والمهاجرون إلى سعد يقولون له (أن رسول الله قد ولاّك أمر مواليك لتحكم فيهم، فقال سعد بن معاذ : عليكم بذلك عهد وميثاقه، أن الحكم فيهم لما حكمت؟ قالوا : نعم... قال : فإني أحكم فيهم أن تُقتل الرجال، وتقسَّم الأموال، وتسبى الذراري والنساء...) 10 ص 250، ثم يكسر السارد الحكاية ليروي (حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقاص الليثي، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد : لقد حكمت فيهم بحكم الله فوق سبعة أرقعة) أي السماوات ! وقد ضعفه العلماء.
    يعود السارد ليحكي لنا (ثم أستنزلوا،فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في دار بنت الحارث، امرأة بني النجار، ثم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة، التي هي سوقها اليوم، فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم، فضرب أ عناقهم في تلك الخنادق، يُخرج بهم أرسالا، وفيهم عدو الله حيي بن أخطب....) 11ص 253، وتستمر السردية بعد إنكسارات حادة لتقول (قال أبن اسحق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل كل من أنبت منهم...) 12 ص255. ثم يكسر السرد بالرواية التالية (قال ابن ا سحق : وحدثني شعبة بن الحجاج،عن عبد الملك بن عمير، عن عطية القرضي : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل من أنبت منهم، وكنت غلاما،فوجدوني لم أنبت، فخلوا سبيلي...) ص 255. ثم يستمر السارد ليحكي عما جرى لنساء بني قريضة فيقول (... إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسَّم أ موال بني قريضة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين...) 12 ص 256.
    كل هذا برواية محمد بن اسحق،عن أبيه، وهو اسحق بن يسار، عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري... والرواية مرسلة، لأن معبد بن كعب تابعي.
    رواية ابن اسحق سردية تفصيلية، ليس لنا شغل بمستهلها الذي يتحدث عن هاتف جبرائيل الذي يدعو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يدعوه إلى قتال بني قريضة، فذلك كان صدقا أم هو حكاية لا مجال له في التاريخ، لانه ليس زمنيا، كما أن قصة تمثل جبرائيل بـ (دحية الكلبي) هي الأخرى لا تهمنا...

    موقف الطبري من سردية ابن هشام
    أورد الطبري سردية ابن اسحق برمتها، تحت عنوان غزوة بني قريظة، بسند محمد بن إسحق،عن أبيه، عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري، ثم كسر السرد بروايته عن وكيع قال : (حدَّثنا محمد بن بشر، قال : حدثنا محمد بن عمرو، قال : حدَّثني أبي، عن علقمة، عن عائشة، قالت (لما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد قبة في المسجد، ووضع السلاح ــ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ يعني عند منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق ــ ووضع المسلمون السلاح، فجاءه جبرائيل عليه السلام، فقال : أوضعتم السلاح، فوالله ما وضعت الملائكة بعد السلاح، إخرج إليهم فقاتلهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلأمته فلبسها، ثم خرج وخرج منه المسلمون، فمر في ببني غنم، فقال : من مرّ بكم؟ قالوا : مر علينا دحية الكلبي،وكان يشبه سنَته ولحيته ووجهه بجبريل عليه السلام ـ حتى نزل عليهم وسعد في قبته التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فحاصرهم شهرا ــ أو خمسا وعشرين ليلة ــ فلما إشتد عليهم الحصار قيل لهم :أ نزلوا على حكم رسول ا لله صلى الله عليه وسلم، فأشار أبو لبابة بن عبد المنذر إنه الذبح، فقالوا : ننزل على حكم سعد بن معاذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنزلوا على حكمه،فنزلوا، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمار بإكاف من ليف، فحمل عليه. قالت عا ئشة : لقد كان برأ من كلمه حتى يرى منه مثل الخرص) 13 الطبري ج 3ص 181. ثم يعود الطبري للإستمرار بسردية ابن اسحق ليورد ما تبقى منها كاملة !
    ولم يعلق الطبري على سردية إبن اسحق بشي، بل أوردها بسندها المرسل، وهو يعلم بأنه مرسل، و كسرَ السرد بروايته المتصلة عن ابن وكيع و التي ينتهي بها إلى عائشة رضي الله عنها.
    لم يرد الطبري قول سعد في سردية ابن اسحق (فأن أحكم فيهم أن تُقتل الرجال...)، واستبدلها بروايته (قال ابو جعفر : فإني أحكم فيهم أن تُقتل مقاتلتهم...) 14 ص 185، فالماذا أعدل عن رواية ابن اسحق بهذه القعطة المهمة من الرواية؟ فأن (المقاتلة) مصطلح يعني الذين يشاركون في القتال فعلا، والذي يبدأون به، فيما مفردة (الرجال) كلمة عامة !
    ابن اسحق ثقة عند الطبري، ولكن ليس بالضرورة إرساله ثقة أيضا لدى هذا المؤرخ الكبير، ومن ثم، أن الطبري قد لا يتعامل مع سيرة ابن هشام بلا نظر، لكونها تعرَّضت لاختيار واختصار ابن هشام.

    في مغازي الواقدي
    قال الواقدي (... قال إبراهيم بن جعفر، عن أبيه... قال سعد : فإني أحكم فيهم أن يُقتل من جرت عليه المُوسَى، وتسبى النساء والذرية، و تقسم الأموال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد حكمتَ بحكم الله عز وجل من فوق سبعة ارقعة... ثم غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السوق، فأمر بخدود فخُدَّت في السوق... وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عِلْيَة أصحابه، ودعا برجال بني قريضة، فكانوا يخرجون رسلا رسلا،تضرب أ عناقهم... فلم يزالوا يُقتلون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الذي قتلهم علي والزبير...) 15ص 511.
    هذه الرواية مرسلة !

    في طبقات أبن سعد
    (أخبرنا عمرو بن عاصم، أخبرنا سليمان بن المغيرة،عن حميد بن هلال قال... فنزلوا على حكم سعد بن معاذ من بين الخلق... فحكم فيهم أن تُقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم...) 16 2 ص 77. في السند حميد بن هلال، قال القطان كان ابن سيرين لا يرضاه، وفي أحاديث القهقهة من السنن للدار قطني من طريق وهيب عن إبن عون عن إبن سيرين قال : كان أربعة يصّدقون من حدَّثهم لا يبالون ممن يسمعون، الحسن وأبو العالية، وحميد بن هلال 17 تهذيب التهذيب ج 3 رقم 87، والرواية مرسلة.
    ابن سعد يقع في تناقض كبير في روا يته، ففي هذه الرواية يقول (فحكم أن تقتل مقاتلتهم...) فيما في روايته المرسلة التي بدأ فيها كلامه عن القضية يقول (... فحكم فيهم ـ حكم سعد على بني قريضة ــ أن يُقتل كل من جرت عليهم المواسي، وتسبى النساء...) 18ص 75.

    في البخاري
    في البخاري، باب المغازي نقرأ (حدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة،عن سعيد قال : سمعت أبا إمامة قال سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول : نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد، فأتى على حمار، فلما دنا من المسجد قال للانصار : قوموا إلى سيدكم ـ أو إلى خيركم ــ فقال :هؤلاء نزلوا على حكمك فقال : تُقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم. قال : قضيت بحكم الله، وربما قال : بحكم الملك) 19 البخاري ح 4121.
    في البخاري أيضا (... عن أبي سهل بن حنيف، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه... فأني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم. قال : لقد حكمت فيهم بحكم الملوك) 20 المصدر ح 3043. وللحديث أطراف كلها برواية أبي سعيد الخدري.
    وفي صحيح مسلم (... تُقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قضيت بحكم الله، وربما قال : قضيت بحكم الملك...) 21 ح 1786.

    دقة القراءة مرّة أخرى
    والآن، وبعد هذه الجولة من الروايات في كتب السيرة و الأحاديث، نسال وببساطة،من الذي كان مورد الحكم بالقتل في قرار سعد بن معاذ من أسرى بني قريضة؟
    المقاتلة؟
    أم الرجال؟
    أم من جرت عليه المواسي؟
    في كتب السيرة يتراوح القول بين هذه الصور الثلاث، فيما كتاب البخاري ومسلم تشخص الصورة الأ ولى، أي المقاتلة منهم، وهم الذين يقاتلون فعلا، بدلالة الصرف، من مفاعلة، وليس من شك ان الرجوع إلى كتب الحديث هنا أرجح من الرجوع الى كتب التاريخ والسيرة، وذلك لأن كتب الحديث مهما قيل عنها ذات سند متصل، بينما كتب السيرة فيما نحن فيه، وكما رأينا حسا، ثمة مسانيد مرسلة ! ثم كتب الحديث ذات نزعة فهقية، حكمية، أما كتب السيرة في موضوع البحث فعلا، ذات نزعة سردية، وربما حكائية، تحتوي على كثير من عناصر التسلية، والموعظة، وصور الخيال و المبالغة. وأما من جرت عليه المواسي، فهو مشكل جدا، لان ذات المصطلح عليه خلاف كبير، يتعلق بنوع الشعر وكثافته وغزارته !
    وبنو قريظة لم يحنثوا العهد كلاميا،بل حنثوا العهد عمليا، ذلك أنهم جيشوا قريش والأحزاب على المسلمين، وكانت حقا معركة تنذر بخطر جسيم على الإسلام والمسلمين، وأثناء محاصرتهم تراشقوا مع المسلمين بالنبال، وقتلوا من المسلمين، وكان من القتلى (خلاد بن سويد) 22 الواقدي ص 529، فهم دخلوا في قتال فعلي، لم يستسلموا، وبذلك يسجل القوم سلسلة من المواقف التي تدينهم، وأنا أسجل هذه الملاحظات بصرف النظر عن أي اعتبار ديني او عقيدي، بل من منطلق الواقع، الواقع الفعلي، لا علاقة لذلك بدين أو حق أ و باطل.
    ويحدثنا الواقدي أن يهود خيبر كانوا يتحسبون خبر يهود بني قريظة، فلما بلغهم خبر حصارهم قالوا (الشر ! قُتِلت مُقاتلة قريظة...) 23 المصدر ص 530.

                  

11-27-2005, 09:15 AM

Abuobaida Elmahi
<aAbuobaida Elmahi
تاريخ التسجيل: 08-15-2003
مجموع المشاركات: 693

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ويهود قريظة ..غالب الشابندر (Re: Abuobaida Elmahi)










    أيها الأقباط: لستم وحدكم!


    العدد 1650 الأحد 27 نوفمبر 2005 آخر تحديث GMT 2:45:00 PM

    بحث متقدم

















    إيلاف>>كُتّاب إيلاف

    محمد ويهود بني قريظة / السر المخفي
    GMT 20:00:00 2005 الأحد 13 نوفمبر
    . غالب حسن الشابندر



    --------------------------------------------------------------------------------


    (2 من 4)

    الحلقة الأولى



    ملاحظة مهمة
    من الضروري أن أشير هنا إلى ملاحظة مهمة، بل في غاية الأهمية أن ترجيح كون حكم سعد بن معاذ الأوسي، كان (قتل المقاتلة)، وليس الرجال منهم، لا يعني بالضرورة وقوع أصل القتل، فقد تكون عملية القتل سوء على نطاقها المرجَّح أو على نطاق من جرت عليه المواسي، قد يكون أصل القضية مختلّق، فلم يحصل قصاص في أي من هؤلاء أو هؤلاء، فإن تفسير نص تاريخي حتى إذا كان مصيبا على درجة كبيرة، لا يعني أن لهذا النص واقعا على سبيل الحتمية.
    وليس سرا أن اختلاق أحداث وحوادث كبيرة ضخمة ليس أمرا غريبا في التاريخ، فقد ثبت كذب حرق مكتبة الإسكندرية، وتغيرت كثيرا من الأحكام والتصورات التي تحكي عن الحروب الصليبية، وأتذكر أن المؤرخ العربي المشهور الدكتور إحسان عباس كان يقول ما معناه أن جرجي زيدان يختلق تاريخاً خياليا، أو شي قريب من هذا. ولذلك قد لا أفاجئ القاريء بالقول أن قصة القصاص قد تكون مختلقة برمتها،أو قد تكون مبالغ فيها لحد كبير.

    تراجيديا مذهلة
    رواية يهود بني قريظة في نصوص السيرة تنطوي على ظاهرة ملفتة للنظر جدا، بل غريبة جدا من نواحي كثيرة، ولكن ترى ما هي الظاهرة بالضبط؟
    أنها تراجيديا!
    فقد سردت علينا هذه الرواية تراجيديا يهودية متعددة الجوانب، كلها تدعو إلى الإعجاب والانبهار بيهود بني قريظة، أكثر من خبر، وبأكثر من صورة، تراجيديا دينية، وطقسية، وبطولية... هل يعقل أن راوية مسلم يروي مثل هذا؟

    تراجيديا نموذج (1)
    جاء في رواية الواقدي أن أحد رجال اليهود (كعب بن أسد) كان قد دعا يهود قريظة وقد شد عليهم الحصار، وأيقنوا أن الخطر يداهمهم، دعاهم إلى الإيمان بالنبي، خاصة وأن كتبهم أشارت إليه ودلت عليه، فيـأمنون على دمائهم وأبنائهم ونسائهم وأموالهم، ولكن يهود بني قريظة أجابوا بكلمة واحدة (... لا نكون تبعا لغيرنا، نحن أهل الكتاب والنبوة، ونكون تبعا لغيرنا؟... لا نفارق التوراة، ولا ندع ما كنا عليه من أمر موسى...) 24 ص 501، والرواية ضعيفة بـ (الضحاك بن عثمان)، وأصل الرواية في السيرة 3 / ص ولكن هنا زيادة من الضحاك بن عثمان!
    الرواية بلا شك تكشف عن تمسك يهودي صلب بالتوراة، في وقت صعب، بل تكشف عن عقائدية صلبة، تتحدى الموت، وكان ذلك بصوت واحد كما يبدو، أي رأي الجميع.

    تراجيديا نموذج (2)
    جاء في رواية الواقدي السابقة أيضا أن (كعب بن أسد) اقترح أن يستغلوا السبت ويهجموا على النبي محمد والمسلمين بغتة ويقتلونهم، ذلك أن النبي ومعه صحبه يكونون في السبت في مأمن من هذا الهجوم يوم السبت باعتباره يوما مقدسا لديهم، ولكن كان الجواب (نفسد سبتنا، وقد عرفت ما أصابنا فيه؟) 25 نفس المصدر ص 503، وأصل الرواية في السيرة، وهنا شي بعض من الزيادة!
    الرواية تكشف عن تمسك طقوسي مذهل، حتى على حساب الدم والعمر والحياة! يعني خيانة سبت واحد مستحيل في كما تبرز لنا الرواية، حتى و إن كان في ذلك حياتهم، وقد عللوا ذلك بتجربة دينية سابقة! ترى هل كان هناك إخلاص يهودي خالص ليوم السبت، منذ أن شرع لحد هذه اللحظة؟

    تراجيديا نموذج (3)
    وهذا (حيي بن أخطب) زعيمهم الذي ورطهم بخرق العهد الذي بينهم وبين النبي يقول لمن يقترح عليهم طرائق الخلاص (... هي ملحمة، وبلاء كتب علينا...) 26 نفس المصدر والصفحة.
    الرواية تكشف عن ارتباط مصيري بين القتل واليهودي، ارتباط قدري، مربوط بالسماء، أنها قضية غيبية لا فكاك منها، تذكرني هذه الرواية بما يروى في حق الحسين عليه السلام،وكيف أن قتله كان قضاء مبرما، ومثل ذلك جاء في رواية أخرى ص

    تراجيديا نموذج (4)
    وتقول رواية الواقدي أن يهود بني قريظة لما جيء بهم للقتل (جعلوا ليلتهم يدرسون التوراة، وأمر بعضهم بعضا بالثبات على دينه، ولزوم التوراة...) 27 نفس المصدر ص 513. الرواية ضعيفة، وهي تكشف عن تراجيديا دينية مذهلة، تمسك، وصلابة، وروح مطمئنة من النجاة في يوم آخر! وهي تذكرنا أيضا بالراويات التي تتحدث عن أصحاب الحسين عليه السلام كيف أنهم كان لهم دوي كدوي النحل في ليلة العاشر من المحرم، وذلك بقراءتهم للقرآن الكريم في تلك الليلة.

    تراجيديا نموذج (5)
    ويذكر لنا الواقدي في روايته أنه لما أوتي بـ (حيي بن أخطب) إلى رسول لله صلى الله عليه وسلم كان يقول (... يا أيها الناس، لا بأس بأمر الله، قدر وكتاب، ملحمة كُتبت على بني أسرائيل...) 28 نفس المصدر ص 514. والرواية ضعيفة السند، وحيي هذا هو الذي ورط اليهود بنقض العهد، وهو الذي عمل مع قومه على تجميع قريش والأحزاب لغزو المدينة! والرواية تظهر حيي بطلا تراجيديا لا يخاف الموت، وهي تذكرنا ببعض الروايات التي تروى بحق شهيد كربلاء المعلى الأمام الحسين عليه السلام، خاصة تلك الروايات التي تفسر ملحمة كربلاء بأنها ربانية، قدرية، كتبت علي ابن بنت النبي الكريم، ولا مناص منها.

    تراجيديا نموذج (6)
    وهذا (الزبير بن باطا القرظي) أحد شيوخ بني قريظة، يفوز بحياته بتوسط أحد المسلمين، ولكن لما يرى أن بعض القريبين منه قد قتلوا يقول لمن فداه واسمه ثابت (... أني أسألك يا ثابت بيدي عندك ألا ألحقتني بالقوم، فوا الله ما في العيش بعد هؤلاء من خير، فما أنا بصابر والله فتله دلْو ناضح، حتى ألقى الأحبة، فقدمه ثابت، فضرب عنقه) 29 السيرة الهشامية ص 254. والرواية كما هو معروف ضعيفة، وهي تكشف عن إخلاص الذات اليهودية، وعمق ارتباطها بقومها.
    هذه نماذج من حضور يهود بني قريظة في النصوص التي تعالج ما نحن فيه، ومن الملاحظ بشكل صارخ، وقوي، أن النماذج تحكي بقوة وإشراق عن إخلاص يهود بني قريظة للتوراة، وأن تمسكهم بالتوراة يعادله الاستشهاد، وإن هناك تعاهداً يهدياً / يهودياً، ينم عن تآزر يُضرب به المثل، ولم يهابوا الموت، و أنهم قوم قد ابتلاهم الله، وما عليهم سوى أن يقبلوا هذه البلاء عن طيب خاطر، كما أن هناك إشارة إلى البطولة اليهودية، بطولة في مواجهة السيف، وفي مواجهة القتل، والصبر على القتل في سبيل العقيدة!!
    جاءت هذه النماذج تارة في روايات مستقلة، و أخرى في روايات عامة، ولكن نلاحظ أن التراجيديا تشغل مكاناً مهما من السردية أو الرواية العامة، يأتي نظمها في منتصف الطريق، وتتجلى في اللحظة التي يصل فيها الحدث إلى الذروة.

    هل هي رواية مسلم؟
    أنا أشك في ذلك، فإن المسلم كغيره من الناس، لا يكون حيادياً خالصاً في الروي، ليس ذلك طعنا في دينه وصدقه وتقواه، بل هذه طبيعة البشر، من الصعب أن يروي مسلم كل هذه المشاهد، التي تنطوي على مدح راق ليهود بني قريظة بشكل وأخر، هناك مستوى عقائدي راق هنا، قد لا يصله نفس المسلم في بعض الأحيان، ولذا من الصعب أن يكون الراوي المسلم نافذة دعاية ومديح وثناء عقدي لِمن هم يروجون ضد دينه، ويعملون على قتله، وقد خانوا العهد معه، وهيج العرب لطرده من المدينة.
    ثم هنا نقطة ثانية، أن بعض النماذج السابقة تظهر لنا يهود بني قريظة وكأنهم مخلوقات عُجنَتْ بالإيمان عجنا، ليس هناك أجساد بشرية، بل هناك أرواح خالصة، مجبولة على الإيمان بالتوراة من الأزل! هناك مبالغة واضحة على صعيد الصمود والصبر والمواساة العقدية والدينية!
    من كل هذا أعتقد أن هذه النماذج ربما دُسَّت دسَّا بالنصوص الأصلية، وتناولها الناس عبر التواصل الشفهي، زادت ونقصت حسب الأهواء والمطامع والغايات، وجاء ابن اسحق وقد جمع بينها وبين روايات الرواة الأصليين للسيرة، خاصة وأن هناك قول بأنه كان يدخل المتون بعضها ببعض! ولا ننسى أن من رواة ابن اسحق في السردية كان بالفعل أحد القرظين، أقصد محمد بن كعب القرظي!
    أنها تراجيديا مصنوعة بدقة، تراجيديا دينية وبطولية وإنسانية، ترغمك على أن تسمها بالسمو، وترغمك أن تمجد تخلد أهلنا في ذهنك وذاكرتك.
    ولكن هل هناك ما يكمل هذا التصور؟
    الجواب نعم...
    إذن لنمضي في التحري عن الإسرار، أسرار النصوص، فأن ما بين السطور هو النص الحقيقي وليس هذه القشرة الخارجية ا لعادية.

    الحضور (القُرظي) في السند

    رأينا في السطور السابقة أن هناك حضوراً متميزاً ليهود بني قريظة في المتن، في النص من حيث هو مضمون، حضور معنوي راق، يتجاوز الفضيلة الشخصية العادية، ليصب في ضمير جماعة، في بنية عقدية، حتى شكل الحضور تراجيديا تاريخية عقدية، يمكن أن تكون أحدى مواد الاستشهاد الروحي الغيبي التاريخي... ولكن هذا الحضور لم يقتصر على المضمون، بل هناك حضور آخر إلى جانبه، لقد كان هناك حضور في السند! فإن من روا ة الحدث في أوج ذروته المأساوية من بني قريظة!
    نقرأ في مغازي الواقدي (حدثني إبراهيم بن ثمامة، عن المسور بن رفاعة، عن محمد بن كعب القُرظي، قال : قُتِلوا إلى أن غاب الشَّفق، ثم رد عليهم التراب في الخندق، وكان من شُك فيه منهم أن يكون قد بلغ، نُظر إلى مؤتزره، إن كان أنبت قُتل، وأن كان لم ينبت طُرِح في السبي) 30 المصدر ص 517.
    الرواية مرسلة، ولكن سندها (قرَظِي) بنسبة قوية، فإن (المسور بن رفاعة) قَُرَظِي، فهو: (المسور بن رفاعة بن أبي مالك القرظي... روى عن عمه ثعلبة بن أبي مالك...) 31 تهذيب التهذيب ج 10 رقم 286، وأما محمد بن كعب فهو قرظي من ذكر السند كما هو واضح، وأبوه (كعب) من سبي بني قريظة.
    لا يهمني هنا عدالة المسور ولا عدالة محمد بن كعب، ولكن الذي أقوله، أن لحن الرواية وهي مرسلة، يكشف عن عرض مأساوي، عن عرض تراجيدي، عرض مشاهدي... مسرحي... تمثيلي... خاصة وهو يقتصر على مشهد الدم والمواراة بالتراب، هناك تصعيد بالحدث، ثم تأتي إشارة لمَّاحة إلى عملية الاستئصال كما هو واضح!
    الرواية مرسلة، وفي متنها (راويتان قرظيان) وهي تتصل بمقتلة بني قريظة، فهل ننفي دور الانتماء النسبي في تصعيد وتلوين الأخبار والأحداث خاصة إذا كانت تدور حول قضية الدماء؟ لا يمكن عزل هذا الانتماء عن طبيعة المروي، ومضمونه، فأن الانتساب العشائري والأسري والديني والمذهبي من أهم المؤثرات في المروي من الأخبار والأحداث، بين تفصيل واختزال، بين نفي وإثبات، بين تعزيز وتمريض، بين تضخيم وتهوين.
    حضور في المتن،وحضور في السند، وفي سياق تراجيدي تصعيدي مذهل، هل العملية خالصة تماما؟
    مسألة فيها نظر.
    ولم يقتصر الحضور القرظي في السند على المسور بن رفاعة، ولا محمد بن كعب القرظي، فأننا نقرأ في سيرة ابن هشام (قال بن أسحق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل كل من أنبت منهم. فحدثني شعبة بن الحجاج،عن عبد الملك بن عمير، عن عطية القرظي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر يقتل من بني قريظة كل من أنبت منهم، وكنت غلاما فوجدوني لم أنبت فخلوا سبيلي) ص
    ها هي الرواية قرظية، فإن مصدرها الأصلي هو (عطية القرظي... قال أبو القاسم البغوي، والطبراني وابن حبان سكن الكوفة، وقال أبن عبد البر : لا أقف عليه...) تهذيب التهذيب 7 رقم 421.
    فالخبر هنا يفيد قتل كل رجال بني قريظة، فيلتقي هذا التصعيد مع سابقة الذي يوحي أن عملية القتل مسيرة من زمن دموي استمر حتى الشفق من الليل!

                  

11-27-2005, 09:19 AM

Abuobaida Elmahi
<aAbuobaida Elmahi
تاريخ التسجيل: 08-15-2003
مجموع المشاركات: 693

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ويهود قريظة ..غالب الشابندر (Re: Abuobaida Elmahi)

    بحث متقدم

















    إيلاف>>كُتّاب إيلاف

    محمد ويهود بني قريظة (3): مشهد بائس وشاهد أكثر بؤسا
    GMT 12:30:00 2005 الخميس 17 نوفمبر
    . غالب حسن الشابندر



    --------------------------------------------------------------------------------


    الحلقة الأولى / الثانية



    ملاحظة سريعة
    لقد تلقيت ببالغ الفرح والسرور بعض الانتقادات على البحث، وأعد الأخوة النقاد بأني سوف استعرض نقدهم بكل أمانة وأناقشه، لا أقول أفنده، بل أقول أناقشه، وأعذر الأخوة الذين أنهالوا علي بالسب و الشتم، لهم ذلك، ولكن سوف أستعرض ارائهم من خلال البحث أن شاء الله، علما أني وكما سوف أبين لاحقا، لا أناقش القضية من منطلق ديني، بل من منطلق تاريخي علمي، ونلتقي على بساط البحث الحر بإذن الله، ولكل الناقدين حبي وشوقي حتى الذين شتموني، هذا وكنت قد قدرت للبحث حلقتين، ولكن اتسع أكثر، وربما يصير أكثر من خمس حلقات، فمعذرة لإيلاف وللقراء الأعزاء.

    من هو المُنَفِّذ؟
    هناك خلاف حول مُنَّفذ الحكم بعد إصداره من قبل سعد بن معاذ، فقد أصدر سيد الأوس سعد أمره بقتل (مقاتلة) بني قريظة، فمن سوف يقوم بتنفيذ الحكم؟ لم تتفق الروايات على ذلك، ففي السيرة الهشامية نقرأ (... حتى فرغ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) 32 المصدر ص252، والرواية تفيد أن النبي الكريم نفذ الأمر بنفسه، يعني أن سعد حكم والرسول نفذ، فيما تشير بعض المصادر أن النبي تولى أمر بعضهم، وهم رؤساء القوم وحسب! وفي رواية أن النبي يأمر بفلان أو فلان فيقتل، ومنهم حيي بن أخطب، وغزال بن سموأل، ونباش بن قيس 32 الواقدي ص 514. وفي رواية أخرى نقرا (حدثني عتبة بن جبيرة... لما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيي بن أخطب، ونباش بن قيس، وغزال بن سموأل، وكعب بن أسد، قام وقال لسعد بن معاذ : عليك بمن بقي، فكان سعد يخرجهم رسْلا رسْلا يقتلهم) 33 نفس المصدر ص 516. ولكن هناك رواية أخرى تقول (... فلم يزالوا يُقتلون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الذين يلون قتلهم علي والزُّبير...) 34نفس المصدر ص 514.
    والحقيقة قد يقال لا قيمة لهذا الاختلاف، ولكن في تصوري له قيمة مهمة، فهو يبين لنا قيمة الرواية الشفهية، حيث انعدام المصدر الكتابي الذي يمكن الرجوع إليه لاختبار الذاكرة، يخلق لنا مشاكل كثيرة ومعقدة. وإن الرواة الذين اختلفوا حول تشخيص المُنَّفذ هم أنفسهم الذين رووا لنا تفاصيل الحكم على (مُقاتلة) بني قريظة، وهم أنفسهم الذين رووا لنا كيفية القتل!! وللعلم أن منْ يتولى القتل وبهذه الكمية االمريبة يشخص في الذاكرة ربما أكثر من شي أخر يحدث في تلك اللحظات ، لأن الذاكرة هنا تختلط بالدم والرؤوس والسيف والصراخ والتوسل وغيرها من تداعيات ومفارقات القتل، وهي لا تحصى في مثل هذه الحالة التي يعرضها لنا الرواة، فكيف تغيب الذاكرة هنا؟ بل كيف لا تحفظ هذا السيَّاف المهول؟ ربما يحاول البعض الجمع بين الأخبار، وهو دأب صاحب السيرة الحلبية، وفي تصوري أنها محاولات يائسة باردة، لا تصمد أمام النقد، لأن الخلاف الوارد في هذه المسألة من الصراحة والوضوح والعينية بدرجة يصعب معها كل محاولة مهما كانت ذكية.
    إن اختلاف هؤلاء الرواة في تعيين مُنفِّذ الحكم هنا، وذلك بين نفي وإثبات أو تعزيز وتمريض يمكن الاستفادة منه بتقييم ما ينقلون لنا من أخبار في مجالات أخرى، كأن يكون عدد القتلى، أو ذات القتل بحد ذاته كقصاص صادر عن سعد أو الرسول الكريم، لأنهم نفس الرواة! فكيف الحال إذا عرفنا أن جل الروايات في مذبحة بني قريظة مراسيل مثلا؟ وهناك في رواتها من نسل بني قريظة، كان آباؤهم من سبايا قريظة؟
    إن مفارقات وتناقضات وعلا مات استفهام كثيرة تعتري هذه الحادثة، تثير الشك في الكثير من مفاصلها الجوهرية. ولنا عودة أيضا.

    والخلاف في عدد القتلى
    جاء في السيرة الهشامية (... ثم بعث إليهم ــ أي الرسول على بني قريظة ــ فضرب أعناقهم... وهم ستة مئة أو سبع مئة، والمكثر لهم يقول : كانوا بين الثمان مئة والتسع مئة...) 35 المصدر ص 252. والفارق كبير بين هذه الأرقام بطبيعة الحال، وهو شاهد آخر على صعوبات الذاكرة الشفهية، ولكن نجد هناك رقما آخر، في رواية أخرى، فنحن نقرأ في البداية والنهاية (وقال الأمام أحمد... فحكم * سعد بن معاذ * أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم... وكانوا أربعمائة...) 36 المصدر ج 4 ص124، والرواية مسندة، نجدها في مسند أحمد وسنن الدارمي. وفي التنبيه والإشراف للمسعودي نقرا (... فقتل من قريظة سبعمائة وخمسين رجلا...) ص 217.

    والآن أين هو العدد الحقيقي؟
    لا شك أن الفارق كبير بين ست مئة وأربعمائة، فكيف هو بين هذا العدد الأخير والتسع مئة؟ وبالتالي، هل يمكن الاطمئنان إلى مثل هذه الروايات؟ وهل من مخرج يقينا الوقوع بالاستنتاج الخاطئ كي لا نظلم التاريخ؟
    أن عملية التصعيد من ست مئة إلى سبع مئة، تبيح المجال للتصعيد بين السبع مئة إلى الثمان مئة، وتبيح التصعيد من الأربع مئة إلى التسع مئة! هناك خيال جماعي، هناك عقلية روائية مغرمة بعدد القتلى، هناك عقلية روائية مغرمة بفن التسلية والحكايات الغريبة، هناك عقلية روائية مصابة بالتهويل والتضخيم، خاصة فيما يتعلق بقضايا الحروب والمعارك والدم والقتل، عقلية تراجيدية، تتشبّع تسليةً ورضا بالتضخيم والتهويل. فهل هناك مانع من القول في مثل هذه الحالة أن نقول أن مثل هذه التصعيدات المذهلة تبيح لنا الاستنتاج أن العدد ربما لا يتجاوز رؤوس القوم؟

    والخلاف في عدد أيام الحصار
    وهناك خلاف كبير في عدد أيام الحصار التي ضربها المسلمون على حصن بني قريظة، ففي السيرة الهشامية أن عدد أيام الحصار كانت (خمس وعشرين ليلة)، وفي الواقدي (خمس عشر يوما) وعليه ابن سعد في الطبقات يبدو نقلا عن أُستاذه الواقدي، وفي خبر له عن سعيد بن المسيب (... حاصر نبي الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة أربع عشر ليلة) المصدر 2 / ص 76، وفي الحلبية (... وقيل شهرا) المصدر 2 / ص 334.
    ولا شك أيضا أن الفارق كبير بن شهر وخمس وعشرين ليلة، والنقطة التي نريد الإشارة إليها هنا، هي خلو الأصل الذي يمكن العودة إليه في ضبط المعلومة التاريخية، ولا نسحب أن الخلاف في الأيام أو في عدد الأيام، أي أيام الحصار أمر سهل، لا أثر له في استنتاجات الأفكار، فإن طول الحصار قد يؤشر على قوة بني قريظة واستعدادهم، وبالفعل، فهناك ما يشير إلى أن هذه الجماعة كانت بؤرة مسلحة خفية، وسوف نتطرق إلى هذه المسألة عندما نجلي حقيقة أو هوية الصراع بين النبي الكريم واليهود بشكل عام.

    مشهد بائس وشاهد أكثر بؤسا
    من خلال استعراض الحقائق أو بالأحرى المقتربات السابقة استطيع أن أوجز قضية بني قريظة في معادلة طرفيها مشهد بائس وشاهد أ كثر بؤسا...
    كيف؟
    تقول الروايات أو بالأحرى الرواية الواحدة أن بني قريظة نزلوا على حكم النبي، فسيقوا إلى بيت خاص، وهناك احتجزوا في بيت امرأة مسلمة، موثقين، وفي هذه الأثناء، وبعد نقاش مع النبي الكريم تم الاتفاق على تحكيم سعد بن معاذ فيهم، وقد جيء بسعد ومعه الأوس والخزرج، فلما حكم فيهم بحكم الملك، ذهب النبي وحفر خنادق أو خندق في سوق المدينة، ومن ثم سيقوا رسلا... رسلا... من أربع مائة إلى تسع مائة بين يدي الرسول الكريم، وكان علي والزبير أو السياف ا لمجهول يقتل بهم واحدا بعد الأخر، ثم تُورى الجثث في الخنادق، ومن حول المشهد يقف الأوس والخزرج، يرون بأم أعينهم ما يحصل!
    شي مهول!
    مشهد لا يمكن أن ينسى، حاضروه بالمئات، بل ربما بالألوف، ومنهم الأوس الذين كانوا حلفاء بني قريظة، بل شفعوا لهم عند سعد...
    هذا هو المشهد...
    ولكن أين الشاهد؟
    رواية مرسلة، في متنها خلاف في عدد أيام الحصار، في عدد القتلى، في السياف الذي تولى ذبح هؤلاء...
    رواية في سندها قرظي هنا أو هناك...
    رواية مرسلة مليئة بالغيب، ومليئة بما أسميه (لعبة المفاجأة السارة) التي سوف أبين معناها في سطور لاحقة أن شاء الله تعالى.
    لا يوجد هناك أي تكافؤ بين المشهد والشاهد ...
    إن مثل هذا المشهد يملا ذاكرة الآلاف، فأين منه عشرات الرواة؟ ليس لأنه مشهد مهول، ضخم، صارخ وحسب بل لأن هناك مئات الشاهدين، وعن حب، فإن جو الرواية يشير إلى أن الأوسيين كانوا في غاية الحزن والتأثر، بل وقد بذلوا ما بوسعهم لإنقاذ حلفائهم!!!
    وأيضا تغيب جغرافية الجثث في الذاكرة العربية، فلم نقرا عنها في قصصهم، ولا في شعرهم، ولا في نثرهم، ولا في سمرهم، ولا في سجالهم، فيما هي في وسط المدنية، في عينها، في السوق، الحاضر يوميا في حياتهم.

                  

11-27-2005, 09:23 AM

Abuobaida Elmahi
<aAbuobaida Elmahi
تاريخ التسجيل: 08-15-2003
مجموع المشاركات: 693

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ويهود قريظة ..غالب الشابندر (Re: Abuobaida Elmahi)

    متقدم
















    إيلاف>>كُتّاب إيلاف

    محمد ويهود بني قريظة: تفكيك خبر البخاري (4/5)
    GMT 23:00:00 2005 الثلائاء 22 نوفمبر
    . غالب حسن الشابندر



    --------------------------------------------------------------------------------


    الحلقة الأولى / الثانية / الثالثة



    أولا: الروايات
    1: [ حدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر،حدثنا شعبة، عن سعد، قال: سمعت أبا أُمامة قال سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: عن أبي سعيد الخدري... فقال (سعد بن معاذ): تقتل مُقاتلهم، وتسبى ذراريهم. قال (النبي صلى الله عليه وآله وسلم) قضيت بحكم الله. وربما قال: بحكم الملك ]. ح 4121.
    2:[ حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف، عن أبي سعيد الخدري ... قال (سعد) إني أحكم أن تقتل المُقاتلة وأن تسبى الذرية.قال (النبي الكريم) لقد حكمت فيهم بحكم الملك ] ح 3043.
    3: [حدثني محمد بن عرعرة، حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه...قال (سعد بن معاذ) فإني أحكم فيهم أن أقتل مُقاتلتهم... قال (النبي الكريم)

    حكمت بحكم الله أو بحكم الملك) ح 3804.
    4: [ حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبي سعيد عن سعيد الخدري ... قال (سعد) فأني أحكم أن تقتل مُقاتلهم، وتسبى ذراريهم... فقال (النبي الكريم) لقد حكمت بما حكم الملك) ح 6262.

    ثانيا: السند
    هي رواية آحاد، فلا يغشنا هذا التعدد الظاهري، فكلها عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف عن أبي سعيد الخدري، والآن نتناول بعض ر جال هذه الرواية في قراءة سريعة، حيث لا نكتفي بما ورد في حقهم في كتب الرجال.

    • في السند:شعبة بن الحجاج.
    تثني كتب الرجال على شعبة، وتعتبره من الرواة المعتمدين في الرواية، ولا أريد أن أناقش هنا معايير علماء الرجال في تقييماتهم، ولكن هناك أكثر من نقطة مهمة في خصوص شعبة نفسه، يذكرها علماء الرجال أنفسهم، فهو رغم كونه ثقة ممدوحاً كما يقول هؤلاء العلماء، ولكن يستدرك بعضهم ليقول (... وكان يخطئ في أسماء الرجال قليلا...)، وفي نص آخر (... كان شعبة يخطئ في أسماء الرجال لتشاغله بحفظ المتون) / تهذيب 4 / رقم 580 /. والسؤال الذي يمكن أن ينبثق من هذه الملاحظة هو هل ضعف الذاكرة في حفظ الأسماء والخلط بينها لا يوازيه ولو بنسبة قليلة ضعفاً في ذاكرة المتن؟ إن هذا الضعف ينعكس بطبيعة الحال على قيمة المتن، خاصة إذا تداخل السند. ورغم أن الرجال يقولون أن شعبة هذا (جانب الضعفاء و المتروكين) ص 345، إلا أنه يروي عن (جابر الجعفي) الذي هو مرفوض تماما عند السنة، وعند أغلب الشيعة ! / راجع ص 339 /، ثم يروي كثيرا. لا أريد أن أحكم بسقوط هذا السند من هاتين الملاحظتين، ولكن دعنا نضمها لملاحظات أخرى سوف نأتي عليها.

    • وفي السند: سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
    وثقه رجال السنة ولكن هنا نقطتان مهمتان في خصوص هذا الراوي، الأولى أن (مالك) وهو قاضي المدينة لم يرو عنه ! وقد قالوا أن مالك لم يرو عنه لأنه تحدَّث في نسب مالك، وفي ذلك دلالة أخلاقية لا تشرفه، والنقطة الثانية أنه لم يحدِّث في المدينة، ولذلك لم يكتب عنه أهلُها، فيما يُنْسَب إليها أصلا، فهو (سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف... مديني، روى عن أبن عمر...) 37 الجرح والتعديل 4 / 79، وإنما سمع منه شعبة وسفيان بواسط، وابن عيينة مكة. وعدم تحديثه بالمدينة يثير الشك في كونه ثقة لدى أهل المدينة، وإلا لماذا؟ خاصة وهو مديني، وجده عبد الرحمن بن عوف، وكان قاضيا في المدينة !! هل لأن أهل المدينة كانوا قد رأوا منه ما لا يسر، ولا ننسى أنه كان قاضيا في الخلافة الأموية.

    • وفي السند: أبو سعيد الخدري.
    أبو سعيد الخدري عُرِض على رسول لله يوم أحد وكان عمره ثلاث عشر، فأمر بعدم إشراكه بالحرب، وحرب أُحد كانت في شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة، وهذا يعني كان عمره في حرب قريظة أقل من خمس عشر سنة ! ومن ثم لم يرد ذكره في حرب قريظة،رغم أنه شهد الخندق، حيث لا يدل ذلك ضرورة على أنه شهد قريظة ، وأنا أعطي أهمية لمثل هذه الأمور في تصويب وتدقيق الأخبار والروايات، أي السن والحضور في محل الحدث. رأوا منه في المدينة ما يشين؟
    وفي تصوري أن هذه النقاط على نحو الجمع تقلل من احتمال صدق هذه الرواية، لأنها رواية أحاد، فأن شك أهل المدينة بسعد بن إبراهيم، ونسيان شعبة للأسماء، وحداثة سن أبي سعيد، تتعاضد فيما بينها لتشكل حصيلة ناقدة في النتيجة النهائية.

    ثالثا: متن الرواية.
    إن أول ما يلاقينا في المتن هذا الترديد بنوع المسموع عن النبي الكريم (لقد حكمت بحكم الله أو الملك /ح 3804)؟ وهذا التردُّدْ يُحْسَم في روايتين ، حيث قال النبي الكريم لسعد بن معاذ (لقد حكمت بحكم الملك) /ح 3043، 6262 / وفي روايةٍ لا يبعد احتماله (وربما قال بحكم الملك / ح 4121)، وبالتالي، تكون النتيجة لصالح (حكمت أو قضيت بحكم الملك)، ومما يؤيد ذلك ما جاء في صحيح مسلم حيث نقرأ (... عن سعد بن إبراهيم... سمعت أبا سعيد الخدري... فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قضيت بحكم الله، وربما قال: قضيت بحكم الملك...) ح 1768، كذلك ما جاء في مسند أحمد بن حنبل، حيث نقرأ في الحديث رقم (11147) ورقم (11686).
    لقد حكم (سعد بن معاذ) في بني قريظة بحكم الملك فأمضاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... ولست أدري لماذا لم ينتظر الرسول حكم الله فيهم؟
    أليس هذا هو منطق النبوة في المنظور الديني والقرآني والإسلامي؟


    هنا السر الخفي
    لقد أمضى النبي الكريم حكم (سعد بن معاذ) وهو حكم الملك، فلماذا لا يكون ذلك حجة لتأسيس حكم سلطاني، ملوكي، يسري فيه حكم الملك؟ اجتهاد الملك؟ رؤية الملك؟ خاصة أن مثل الوليد بن عبد الملك يحتاج لمثل هذا التبرير !

    لقد سيقت الرواية لتبرير الذبح الزبيري، الأموي بالناس، ولو رجعنا إلى أصل الرواية لوجدناها في كتب السيرة، وفي المقدمة سيرة ابن اسحق، ففي هذه السيرة أن سعد بن معاذ لما حكم بقتل مُقاتلة قريظة قال النبي الكريم (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات) السيرة ص 251، وقد ضعفوه .
    يبدو لي أن هذه الراوية كانت شائعة في الحكايات الشعبية، فاستفاد منها بنو الزبير، وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، بنو الزبير لتبرير ما سفك عبد الله ومصعب الزبيريين، والثاني لتبرير جرائم الخلفاء وتسلطهم على رقاب الناس، حيث يظفران برضا رسول لله كما ظفر سعد بن معاذ !!
    نقرأ في صحيح مسلم أيضا (حدثنا أبو كريب، حدثنا أبن نمير ، حدثنا هشام، قال: قال أبي، فأُخْبرْتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل). والرواية مقطوعة، كما هو واضح عند هشام بن عروة بن الزبير، وعليه تبقى عبارة (لقد حكمت بحكم الملك) هي الغالبة على الحضور، ولكن حتى مع القول أن حديث النبي كان (لقد حكمت بحكم الله)، فإنما النبي هنا أنزل حكم سعد بمنزلة حكم الله تبارك وتعالى.
    هل نحتاج إلى مزيد من المقتربات كي نكتشف إن الرواية مساقة كي تبرر أحكام الملوك والخلفاء والسلاطين في قتل الناس، قتل عامة الناس.. مساقة لبناء أو لتشييد قضاء ملوكي سلطاني، خلفائي، خاصة وأن سعد بن إبراهيم كان قاضياً لزمنٍ في ظل الخلافة الأموية.

    محاولة لإنقاذ الموقف
    هذه الثغرة أنتبه لها بعض الأساطين، فحاول علاجها، فإننا نقرأ في طبقات ابن سعد بدل قولهم: (حكمت بحكم الله أو الملك / حكمت بحكم الملك...) صيغة أخرى تتفادى السؤال عن مصدر التشريع ،وكيف يتولى ذلك سعد بدل الرسول، حيث أورد ا على لسان عائشة رضي الله عنها حكاية طويلة وفيها يصف النبي حكم سعد (... لقد حكمت فيهم بحكم الله ورسوله) المصدر 3 / ص 423. وهو تحريف عن الأصل كما هو واضح، وفي سند الرواية المزعومة (محمد بن عمرو بن علقمة) وهو رغم توثيقه من بعض الرجال، ولكن (... سئل ابن معين عن محمد بن عمرو فقال: ما زال الناس يتقون حديثه... وقال الجوزاني ليس بقوي.. وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطي ء... وقال ابن سعد كان كثير الحديث يُستضعف...) / تهذيب التهذيب 9 / رقم 617 / وفي سندها أيضا أبو الموما إليه وهو (عمرو بن علقمة) لم يوثقه احد غير ابن حبان وهو لا يعتمد على توثيقاته لأنه كان يتساهل / تهذيب التهذيب 8/ رقم 119.
    الراوية الأساس بما تحمل من هنات على هذا الصعيد يجب معالجتها، ذلك أن كون سعد حكم بحكم الملك إنما تسجل لنا فضيحة شرعية لا تغتفر، هنا جاء العلاج ! فنقرأ (... فأرسل ـ أي النبي ــ إلى سعد، فجي به محمولا على حمار... فقال ـ النبي لسعد بن معاذ ــ: أشر عليَّ في هؤلاء ـ أي بني قريظة قال ـ سعد ــ: إني أعلم أن الله قد أمرك فيهم بأمر أنت فاعله.قال ــ النبي ــ أجل، ولكن أشر. قال ــ سعد ــ لو وليت أمرهم، لقتلت مقاتلتهم، وسبيت ذراريهم. فقال ـ النبي ــ: فو الذي نفسي بيده لقد أشرت عليَّ فيهم بالذي أمرني الله به).
    استدراك لاعبٍ لاحق على ما فات لاعباً سابقا، يشترك وإياه بالاتجاه والقصد، فهي علاج لسؤال خطير، حيث نحن نعلم أن الرسول هو المشرع، فلماذا هذا الإيكال إلى سعد؟ فجاء الجواب، ليقول أن هناك تطابقا أزليا كان بين حكم الله بالأصالة وحكم النبي بالنقل عن الله و مع حكم سعد بالعرَض !!
    إذن هي لعبة، بدأت، فتعثرت في حدود ما، ولكن سرعان ما جاء العلاج

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de