|
التحول الديمقراطي في السودان ونهج المعارضة/ الاستاذ/ عزالدين الشريف
|
التحول الديموقراطي في السودان ونهج المعارضة
عزالدين الشريف
الأنظمة التي اعتادت على الأساليب غير المستقيمة في العمل السياسي وإدارة شئون البلاد في أي بلد كانت لا يمكن ان تنفطم عن هذه الأساليب من تلقاء نفسها أو من خلال اتفاقيات تكون فيه هذه الأنظمة مالكة للجزء الأكبر أو متحكمة في مفاصل هامة كما في الحالة السودانية. حال السلطة الحالية في السودان غير مسبوقة في تاريخ البلاد. فلم يسبق ان تعايش العسكر والأحزاب في نظام واحد وهذا قد يبدو جزء من طبيعة الشخصية السودانية التي لا ترضى بانصاف الحلول كعادتها في التعامل. فأما ان تسود ديموقراطية كاملة أو يسود العسكر وفي تاريخ البلاد السياسي المعاصر ما يوضح ذلك. حالة تعايش العسكر والأحزاب، في وضع سمي بالتحول الديموقراطي خلق حالة من الارتباك في عمل المعارضة السودانية وتشتتها بل وانقسام احزابها وخلق أكثر من منبر ومتحدث للحزب الواحد كما في حالة الحزب الاتحادي وهذا هو التراجوكوميدي "الماسملهوي" لحزب ظل يتضعضع لأكثر من 40 سنة وهو بلا مركز تنظيمي يقدم تنظيما واحدا متماسكا إلى الجماهير ووسائل الإعلام ... لقد تجاوز الحزب سن النبوءة وما زال يحبو!
والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة: هل يمكن ان تتغير الإنقاذ أو تغير طريقتها في الحكم؟ الجواب على هذا السؤال رهين بما يمكن ان تقدمه المعارضة السودانية سواء تمثلت في التجمع الوطني أو في التحالف الآخر الذي يتزعمه حزب الأمة والمؤتمر الشعبي. الجلوس على المنابر والاكثار من نقد السلطة عمل سهل وهين لان السلطة عارية الآن أكثر من أي وقت مضى وهي سلطة مثقلة بالأخطاء التي ترقى إلى درجة جرائم ولم تتنصل عنها ولم يقدم شريكها المنقسم عنها "المؤتمر الشعبي" ما يبرر هذه الأخطاء ولعله يعمل على مقولة دكتور الترابي التي يصف فيها الشعب بفاقد الذاكرة وذلك من "حسن تقدير" الأخير بالجماهير التي حكمها! وحتى النقد الذي يقدم ضد السلطة الحالية سواء سميت بحكومة الوحدة الوطنية، وهو اسم على غير مسمى، لا نعتقد بوجود مردود منه خصوصا وان قضايا، الفساد وما رشح منها، ويبدو قليلا إلى الآن، تبدو بلا محاسبة ويقض الطرف عنها و"يكافأ" المتورطين في مثل هذه القضايا باستوزارهم مرة أخرى بعد اشهر معدودات وفي "حكومة الوحدة الوطنية"! ومع ذلك، فانتقاد السلطة يجب ان لا يتوقف لأنه يعريها ولأنه حق ولان به تستقيم الأشياء ولكنه ليس مدعاة للركون إليه. على المعارضة ان تتوجه إلى الشارع وتعمل على الاقتراب منه وتتفهم مشاكله ومطالبه وتخلق إشكال جديدة وقبل ذلك ان توحد صفوفها ولا تتجه إلى التفاوض مع السلطة لانه يبدو غير مجديا في هذا الوقت وتعمل على الضغط لإلغاء أو تعديل القوانين التي لا تتماشى والدستور.
التحول الديموقراطي الذي يتحدث عنه الشارع السوداني لن يتم من خلال الركون إلى اتفاق نيفاشا لأنه اتفاق بين طرفين لم تكن المعارضة السودانية ممثلة فيه بفصائلها الرئيسية وهو ما تتباكى عليه بعض العواصم التي رعت الاتفاق. لإحداث التحول الديموقراطي لابد من المسك بأطراف اللعبة وخلق مراكز قوى تتحرك من داخلها المعارضة بغير ذلك سيظل النقد متقدما على الفعل وهو أمر لا يؤدي إلى نتائج. كذلك التعويل على الضغوط الغربية، الأمريكية والأوربية، لا يجدي وذلك لقناعتنا بأن ما يحرك هذه القوى العالمية هو مصالحها رغم كبر حركة المجتمع المدني داخل هذه القوى واثرها على السياسة. ويبدو ان استقرار النظام في السودان بما هو عليه، وهو بلد ضعيف قابل للتفتت حسب مراكز البحوث الأمريكية، مع تعاون امني كبير وصل بالإدارة الأمريكية إلى تسميته بـ "الحليف" في المعركة ضد الإرهاب خصوصا واشتعال مناطق داخل منطقة الشرق الأوسط، العراق، ومناطق أخرى قريبة منه، أفغانستان، أمر محبذ لدي الإدارة الأمريكية فضلا عن مشكلة النفط العالمية وامدادات النفط السودانية، رغم قلتها. كل ذلك يجعل التعويل على ضغط الخارج لإحداث هذا التحول أمر غير مقنع وحتى التاريخ السياسي السوداني المعاصر لا يقر ذلك.
ومن ناحية فإن السلطة الحالية في السودان لا يمكن ان تقتنع بتحول ديموقراطي تفقد فيه مراكزها والامتيازات الكبيرة التي حصلت عليها جراء دمج جهاز الدولة بالحزب. والمعركة في وزارة الطاقة مع الحركة الشعبية تمثل مثالا حيا على ذلك وقبله عدم التنازل عن أي نصيب لها ثبتته اتفاقيات نيفاشا. فهي تعمل على تفكيك جماعات المعارضة وضربها ببعضها البعض وتفتيت الأحزاب وخلق أحزاب وهمية توهم بها الخارج من خلال الالة الإعلامية بتعدد الأحزاب والتائمها تحت مظلة حكومة الوحدة الوطنية وهذا قصد بائس لا يتسم بالمصداقية يزيل الثقة من الحلفاء قبل الخصوم.
[email protected]
|
|
|
|
|
|