هل للشُجيراتِ من إيراقٍ أكثرَ فاعليةٍ وحميميةٍ ، يا جميل ؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 11:59 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-12-2005, 01:20 PM

منوت
<aمنوت
تاريخ التسجيل: 03-18-2002
مجموع المشاركات: 2641

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هل للشُجيراتِ من إيراقٍ أكثرَ فاعليةٍ وحميميةٍ ، يا جميل ؟

    (
    شجيراتُ السّلامِ النابتةُ على
    أرضٍ عانق ثقافيُها اجتماعيَها

    " كُلَّما اتسعتِ الرُّؤيا ، ضاقتِ العبارةُ "
    (الَّنفّري)

    - Nyan Tenu? , Nya Tuktuk , Yee kal Kanj ?
    - Ya Kal Luk
    - Tundur Ba ne ne Kedi Pinj , Ne Ne Ba tau, Ru waw we
    chada
    - Kub Maya bil Nya Mau me mada , chung ya dong Malakal Wa youda .

    - أ صغيرتي ؟ ، يا أيتها التي تتزيَّنُ بالسكسك ، من أين أتيتِ ؟
    - أتيتُ من الجانب الآخر للنهر
    - تعالي نَنَمْ ، نوماً كالموت ، و عند بزوغ الفجر نذهب
    - أخبرنَ أمي بأن تحتفظ لي بمريستي التي أحب ، و عند عودتي من ملكال
    أجدها .
    (إحدى الأغنيات المشهورة بديار قبيلة الشلك)

    للنهرِ مسارٌ تاريخيٌّ صاخب ، ضجيجٌ حياتيٌ مُزبد . التيّارُ الوابليُ الفكتوري الجنوبي يدفعه إلى الأمام تجاه الشمال ، معانقاً أعشاب النيل الريّانة بالخضرة و الماء المنقّى – طبيعياً- . و (الدّيس) الشامخ كثافةً ، يتشابك غابةً من الأوراق الرفيعة الخضرة على السطح و في الجوف ، يطاوع النهرَ تيّاراً و انتباهاً ، محتضناً في أغواره البعيدة ، و أعماقه الدافئة السحيقة ، جماعاتِ السمك المتنوعةَ الطّباع .. المتباينةَ الألوان .. المتفاوتةَ الأحجام و السلوك الزعنفي .
    هذا (البلطي) يأبى أن ينصاع لأوامر الأم ، فيضلُّ السبيلَ ضائعاً بين جذور العشب النيلي المنتفخ ماءً و ثباتا . و ها هنا سمكة تخترق كثافة ال (H2O) مسبِّحةً لربِّها الذي حباها فماً حادّاً أحمر اللون ، لتعزف لحنها المتفرِّدَ و تشدو بهرمونية الأحياء النيلية و سمفونية الأسماك ، إنها (خشم بنات) هذا الوسمُ الذي أطلقه عليها النيليون جنوبَ كوستي ، شمالَ تونجه على ضفاف النيل ، مروراً ب ملكال ، و فشوده ، و كدوك ، و ملوط ، و كاكا التجاريه ، والمطيمر، و جلهاك ، و كوع المنقو، و ملولو ، وليلو أماره ، و ود دكونه ، و البشاره ، والرنك ، و أبو خضره ، وبير كدوك ، و القيقر ، و الكويك ، و أم جلاله ، و هلكه ، و جوده ، و الجبلين حتى تخوم النعيم و جوري و الرديس و خور أجول و أم مهاني جنوب النيل الأبيض ، و ذلك للتشابه الواقع بين كليهما في حدة الاختراق. و على جذور (أم فوله) المسماة – بحق – وردةَ النيل ، تختبئ (البَرَده) تلكم المشحونة بدفق الحياة في فيزيائها الفاعلة، و كيمياء لسعاتها الكهربائية المخففة ، باثةً مفردات الشفاء و التعالج في الذهن الشعبي المستسلم لجازم الاعتقاد في النيل و ما يحوي من أنماط حيولات و تمائم خرافية . أما (أُكوك) هذا (القرموط) أو (القرقور) فتأبى خياشيمه التسليم لأناشيد (الصير) المهتزة دوماً - حال القلب - آن يرجُّهُ الفرحُ السخي . و حدّث عن فرس البحر و حارسه الأمين ( القرنتيه) هذا المخلوق الذي ينتسب إلى عوالم لا تعرف الانتماءَ إلى غير أعظم الأنهار في المعموره ، مطلقاً صوته – المحايد- " حُووو ، حُووو ، حُووو " ، واضعاً فكَّه على ظهر الذي يسبقه سبحاً و – عوماً- في إلفةٍ تستدعي تواريخَ المخاوف المحدقةِ بقبيلةٍ من العصر الحجري يتعاضد أفرادُها زوداً عن إرثٍ تاريخي يحاول الهرب . ثعبانُ البحر ( أم دبيبو) يعشق الطينَ و السوادَ اللّزج ، و كأنه فطن إلى أصل الخلق و قيمة الوطن الممهور بالسواد و خصوبة التمازج بين العناصر المشيمية للتراب . و على مناخيرِ سيِّد الأعماق الرحبة و الضفاف الواعدة بالتحدي التاريخي في النهر العتيق ، هذا الفتى الشائخ نيلياً( التمساح ) ينفض الطائرُ الصديقُ – من على شموخه - جناحيه من البلل انتشاءً بصحبة الملك ، و سيد النيل يضرب بذيله الأسطوري شاقاً طريقه إلى فريسة سمكية أو أخرى حيوانية بريّة . و هناك على الضفاف الخلاسية يرقد خادمُ البرِّ و البحر ( الورلُ ) هذا البرمائي الموسوم بالجبن في القاموس الشعبي ، و الممتلئ لحماً مدرّاً للسعد المفضي إلى عوالم الخصوبة في فضاءات النيليين المسكونة اعتقاداً في طاقته الجبّارة و مداه ذي الأفق اللامتناهي الإشباع .
    ( أنونق ) فتاةُ العشقِ النيلي المحض الهاربِ مخلِّفاً إرثَ التطلُّعِ إلى البوح الصُّراح ، و وارف الأحلام و الآمال (الورلية) في أرضٍ تستوعب (شتاته) و تشرُّده بين اليابسة و الماء .. تتماهى في لحنها الليموني العبق ، صادقةَ الابتسام مهديهً إياه للسابلة و ضالي الطريق، بطاقمِ اللُّجين الأسناني اللّبِن .. مُحبةٌ للحياة في ابتدائها المشيمي الآسر .. تؤمن بأن الجدة ( نادينق ) تتقمصها برويةٍ حتي أقصى بليدِ التَّصرُّفِ فيها آن يشاغب ذروةَ الإشراقِ فيها نغم ٌ من (ربابة) السفر المشع – ضياءً – على درب التواصل الحميم .. تقول و تفعل - بلا ريب أو تهارب - ما يعنُّ لها من بهرة حقيقةٍ تطرّز كاملَ الأحلام في أنثى حباها اللهُ عمقاً وطوقاً من جمال الروح قبل متاهات و دهاليز الجسد الفناء .. طينيةٌ الملامح و الصفات .. لا أرضَ تستوعب أحلامَها العذراء و لا سماء .. حتى (الكجور) صار يذكرها في جلساته الحميمة الاستشرافية الأودية و الأصقاع .. لها بُعدُ التفاؤلِ و انطفاءاتُ الرؤى البليدة ، و السلام .. تحمل (جرّتها) يومياً و تهاجر نحو الحياة و سخبها النيلي .. نعم تهاجر كعادة قريناتها – دوماً – ينزلقن في محبّةٍ إلى النهر و عوالمه السخية الواعدة بالانطلاق إلى مواطنِ مزامير الزمن اليحنِّ إلى حداء الأسئلة ، و الولود بالاستجابات الغارقة في اللا متناهي ، و المغيّب ، و المسكوت عنه ، و المخبأ بين صُديفاتٍ زرقٍ تمنح النيلَ معنى أن يرشق الضفافَ بالأمل الغياب .. نعم يتدحرجن إلي ضفاف إمبراطور الأنهار و هو سادرٌ في انحداره التاريخي تجاه الريح بكل ما يستطيع من دفقٍ شديد البوح ، كاملَ القناعة في التواصل (المُؤنَّسَنِ و المُحيوَنِ و المُنبَّتِ) ، كاشفاتٍ عن معانٍ تسكن الماضي ، و الحاضر ، و ما ستأتي به الصباحات جميعها .
    في إحدى تلكم الصباحات الندية من بدايات أبريل بعد منتصف السبعينات - و الصيف يرسل أولى زخّات السخونة - تَصادفَ أن كان على ضفة النيل الغربية "محجوب الدوش" ، هذا الفتى ( الشندي) المنداح سودانويةً تظلل البلاد و العباد ، عابرةً ديار (الريح) لتنشر أريجها في كل الأصقاع الزولية ، مركزةً عبقها على (الصعيد) . إنه معلم تلاميذ المدرسة الابتدائية ألفَ باء التعليم النظامي ، و يائيةَ الحياة ، و الذي يذكره جميع (الود دكوناب) بكل خير و احترام و محبة .. كانت – حينها – أنونق تتدحرج إلى النهر مع صويحباتها ، تملؤها النضارةُ و ألقُ الفتوةِ و بياضُ السريرةِ سحراً من رونق ظلالٍ ذات جاذبيةٍ حوائيةِ الأصل و المنبت . ساعتها التقط الدّوشُ أولى إشاراتِ التواصل الحياتي الحميم آن شاهدها و هي ترشقُ إحدى صويحباتها بالماءِ الينزِّ رشاقةً ، مذكرةً إياه بما سجَّله الشاعرُ السودانوي الضخم – مع اختلاف مفردات المكان و الزمان ، و اتساق المآلات و فضاء النصين - (الناصر قريب الله) في إحدى قصائده :
    " و فتاةٍ ثمَّ تجني ثمرَ السُّنطِ في انفرادِ الغزالِ ..
    تمنحُ الغصنَ أسفلي قدميها ، و يداها في صدرِ آخرَ عالِ ..
    و يظلُّ النّهدانِ في خفقانِ الموجِ ، و الكِشحُ مُفرِطاً في الهزالِ ..."
    وهكذا ، قادته قدماه في رحلةٍ شاعريةٍ ذات جذور مشيمية إلى النيل في هذا الصباح المفارق لتواريخ مكوثه و تماهيه في القرية الأم و أهاليها ( ود دكونه ) . حيث كلَّفه العمدةُ (أبو آسيا) بإلقاء كلمة أهل المنطقة في الاجتماع التأسيسي الأول للجمعية العمومية لأصحاب مشاريع الطيارة الزراعية المطرية ، و الذي تقرّر إقامتُه بود دكونه . ومنذ أن شرّفه أبو آسيا بهذه الكلمة نيابةً عنه و أهل المنطقة ، ظلت الكلماتُ تتقافز أمامه و تنفر في حيادٍ و تبلُّد جانحة ًإلى الصمت السكون ، كفراشات تأبى الدخول إلى (جراب) مخزونه الفصيح عربياً و زوليا .. ناداها : يا كلماتُ انبتي على دربي الأخضر الفسيح ، و انسجيني لساناً يمنطق الآني و يهدي البوارَ شعاعَ الأسئلة النبيلة.. و لكن لا مجيب سوى الصدى و.‍‍‍‍‍.. و في ذلك الصباح قرر النزولَ إلى النهر مجترّاً تواريخ ( القرايه أم دق ) حينما كان تلميذاً بمدرسة (جبل أم على الوسطى) _ جنوب شندي ، شمال الجيلي _ حيث للصباح إكسيره المدرُّ للتذكُّر و صفاء الذهن ... لذا حزم نفسه نازلاً إلى النهر قبيل بزوغ شمس يوم الاجتماع ، فكانت (أنونق) ملهمةَ المؤتمرين ظلال كلماتٍ ارتجلها الدّوش ، ( فوافقَ شنٌّ طبقا ) .
    تقاطرت جموعُ المحظوظين بامتلاك أرضٍ مساحتُها ألف و خمسمائة فدان زراعي في مشاريع الطياره المطريه .. كان تسعون في المائة منهم و أكثر من أبناء ( الريح) أي الشمال في القاموس السليمي ، و ما تبقى كان من نصيب أولاد (الصعيد) و من انتسب إليهم ، أي الملكية و السليم و الشلك و البرقو و الزغاوه و الفور والجعليين (علياب) وبني هلبه و سائر بطون الأنصار و مَن سار سيرهم المُتعب نحو أفقِ يتسودن .. حيث لم تُفلح نداءاتُ (أبو آسيا) لسكان القرية و ما جاورها باغتناء مشروع زراعي على أرض الطياره حتى و لو في شكل جمعيةٍ تعاونية ، مذكِّراً إياهم بما حدث لأهالي (الرنك) الأصليين من دينكا (أبلانق) و (صَبحه) و (نزّي) و (رفاعه) حينما قامت المشايعُ المطرية بأرضهم ، فلم يصيبوا منها غيرَ (الفتات) .. و حتى مَن كان منهم ذا رؤيا و بُعدِ نظر ، تهاوت محاولاتُه متهالكةً بعيداً عن الاستمرار في الزراعة ، و ذلك لتمكُّن العقل (الرعوي) من بصيلات تفكيرهم ، و غياب الحسِّ الزراعي من على أمسهم ، و تعتيم يومهم بالجهل و الركون إلى متاهات التعاضد ضد تيار الحياة الدافق بالجديد. و كما جرت العادةُ ، فإنّ أهلَ الرِّيح أصحابُ حقٍّ في الأرض – كسودانيين - ، و لكنِّ الأولوية – دائماً – تكون للقاطنين بتلكم الديار ، و لكن لا حياة لمن تنادي .. حيث يضرب الجهلُ و غيابُ الوعي التاريخيُّ بأطنابه نواحي فرقان و قرى و أشباه مدن تلكم المناطق . ونتيجةَ العوزِ (الثقافي - تنويري) لم يرعوِ اللاحقون بما حاق بالأولين منهم .. و كأننا يا (عمده) لا رحنا و لا جئنا .
    عموماً ، كان الملتقى الأول لاتحاد مزارعي الطيارة تحت ظلال ثلاثِ شُجرات من (العرديب) شمالَ مُشرعِ البنطون ، جنوبَ محطة وابورات النقل النهري بود دكونه ، حيث ذُبحت البهائمُ بتنوعها من عجول و ضأن و دجاجٍ قروي .. و تنادى شبابُ القرية بكل ألوان طيفهم من ملكية و سليم و شلك و جعليين (علياب) خادمين للضيوف .. و حانت لحظةُ التشريف و القول الفصيح ، فشنَّف آذانَهم كَلِمُ (الدّوش) مرحباً و داعياً إلى نهضة زراعية ، ثقافية ، اجتماعية ينتظرها ( الكتاكو) قبل المالكين للمشايع الزراعية و ثرواتها المتوقعة – حجراً بكف – .. و انتهى المؤتمر بتعيين أعيان الزراعة و من بينهم (أبو آسيا) قادةً للعمل الزراعي و اتحاد مزارعي الطياره ... أمّا الدوش فقد كانت له مسارب أخرى و كلمات مجنحة ارتوت بطين الأرض و انتشت بالذي يأتي . فقد رشحه (العمدة) لقيادة الاتحاد ، و لكنه رفض في شموخ (تربوي) و آثر العيش (مؤدباً) و مرشداً لعموم (الكتاكو) و مَن ينتجون مِن بذرٍ إنساني . و حتى فكرة حيازة مشروع مطري نواحي الطياره ، رفضها الدوش متفرغاً لمشاريعه المنتمية إلى تواريخ مهنة الأنبياء في إقتناعٍ راسخ ركوزَ النيل في رحلته السرمديه .
    انتهت مراسيمُ تدشين أوَّلِ اجتماع عمومي لمالكي المشاريع المطرية نواحي الطيارة ، و لم تنتهِ – بدورها- أحلامُ الفتى الدّوش .. فقد ترسّخت عنده فكرة الانتماء إلى (القريض الجنّه ) ، أي ود دكونه .. وقبل بداية موسم الزرع ، أوائل الرّشاش ، حزم أمرَه و اندلق نحو ديوان العمدة ، معلناً أمامه الانتسابَ إلى مشروع إنسانوي زولي يهدي البلاد و العباد قيمةَ التمازج و التعارف الحق .. حيث طلب المشورةَ و السماحَ في تزويجه ب (أنونق) ملهمةِ الجمعِ المُستضاف كُليمات ٍتنزُّ حضورا.. قارَعهُ العمدةُ حجةً بحجه ، و دعاه إلى التفكير برويه .. و لكنَّ الذي حدث هو الإصرارُ على ما استوطن مستقراً في كروموسومات أفق الدُّوش من انتسابٍ إلى تواريخ النهر و مَن ينتمي إليه .. و كانت آخرُ الأوراق الواعية لدى أبي آسيا هي السؤال الغارق في وحل الاجتماع السوداني و الذي يبحث عن إجابه : " هل شاورتَ أهلك يا دوش " ؟ ، و كانت إجابته ، نعم .. بعثت إليهم بالخبر ، و لم يصلني منهم أيَّ رد حتى الآن .. و مهما يكن فأنا عازمٌ على المضي قدماً في هذا المشروع الحياتي (المُدوّش) .. و ها أنا أرجوك بأن تقوم بدور الأب و المستشار .. حينها اسقط في يد العمدة ، فنادى على الأعيان ، و تمَّت مشورةُ أنونق ، فكان ما رغب فيه الدوشُ و باركته أنونق و أهلها ..
    القرية دبّ فيها الروحُ و الفرحُ السخي بعد زفِّ النهر الجنوبي إلى عديله ابن الشمال ، حيث مازالت أصداءُ (الدلاليك) تغازل بُرعمَ الموجِ الجديد ، و رقصة (الفنجفانج) السليمية تدوي مكسرةً و مقسمةً لأمواج سطح النيل و الدنيا رشاش ، و (عطرابة) أرجل الراقصين على إيقاع (نقارة) الشلك المدرّة للتواريخ الندية تنسج الأحلامَ في درب الصبايا ، و تهديهم الأمل اليجيء .
    و لكن ، و على نحوٍ مضطردٍ كما عودتنا (الزولية) في بعض بوارها التاريخي ، هبط – فجأةً – على القرية – و الناس نيام – أخو الدّوش ، حالاًّ ضيفاً على العمده ، سائلاً عن بيت أخيه في إحدى مساءات الدّرت ، بعد ثلاثة أشهرٍ و أربعةِ أيام من الاقتران ( الدو أنونقي) .. فاستمهله أبو آسيا حتى الصباح .. و بُعيدَ صلاة الفجر كان الضيف يلم أخاه حاقباً إيّاه في (بص) حاج محمد المتجه نواحي كوستي ثم الخرطوم و شماليها .. حيث كانت الحجة هي (مرض أم الدوش) و سؤالها الملح عنه .. طالت غيبة الدوش ، و أهل القرية في تضرُّع للخالق بأن يهبها السلامة و الشفاء .. أما أنونق ، فصارت صلواتها تتكاثف ناظمةً يومها و لياليها .. حتى أنها فكرت في استخارة الكجور .. و لكنها تراجعت مستغفرةً ربّها ، سالكةً درب زوجها العقائدي في إخلاصٍ خرافي .. حيث علّمها الفاتحة ، و آيةَ الكرسي ، و بعضَ آياتٍ من سورة الكهف كان يتلوها في العشيات جميعها، و صارت تعي الفرق بين (القاف) و (الغين) حيث كانت تردّد في محاكاةٍ بهيه ما ينطق به الدوش معلمها أس الهجاء و DNA الحياه .. و ظلّت تردد الكلمات واعيةً بمعانيها، تاليةً لها بلكنةٍ شلكيةٍ كان يحبها الدّوش و يطرب لها بعنف..
    شهرٌ يمرُّ و خلفه دهرٌ من الذكرى الحميمه ، و أنونق تنتظر فتاها المخطوف على أسنةِ رماح الاجتماع .. حتى إذا الوقت قارب عامهما الزواجي الأول .. عندها ناداها العمدة مفسراً لها غياب الدوش ، و رسالته النّازة بوحاً بالذي تخافه النيليات .. معلناً أمامها الطلاق .. لم تبكِ أنونق ، و لكنها (داخت) و عندما فاقت ، كان (جار مويه) هو الخطيب المُرتجِي بسمةً من ثغرها البسّام .. فوافقت .. و اندلقَ الحلمُ يجري في عروق القرية بنيناً وبنات مهدياً إياهم برعم الانتماء إلى هذا الإنسان .. أمّا (الدّوش) فقد تناقل الناس أخباراً عنه – معظمها – تصبُّ في نهر المظان و الاحتمال .. فمنهم من قال بأنه كان مكتوباً بسحر الكجور و مأسور بظلال الطفش ، و بعضهم جنح إلى أنّ أمه منحته حق الاختيار بين رضاها و الزواج من أنونق فاختار رضى الوالده، و آخرون بثّوا خبراً يقول بأنه ترك مهنة التدريس و صار إماماً لأحد مساجد ضواحي (السافل) .. و لكنّ زميله و رفيق دربه الأستاذ (ميرغني) كان دائم الصمت ، قليل الخوض في تفاصيل الدوش ، و لكنه كان دائماً ما يردد في خلوته ، أو حتى – أحياناً – أمام ضيوف العمدة في ديوانه العامر بالناس ليل نهار، بيتَ شعرٍ ينسبه إلى الدّوش في غيابه القهري المنتسب إلى ( تابوه) الاجتماع الزولي ، قائلاً :
    النّاسُ تعشقُ مَن خالٌ بوجنتِه ..
    فكيفِ بي و حبيبي كلُّهُ خالُ ..
    و للتوضيح فقط : فإنَّ (الخال) يعني البقعة السوداء على الخد ، كنايةً عن الجمال.

    و نواصل
    د. حسن محمد دوكه

    نقلاً عن صحيفة سودانايل السايبرية .


    (عدل بواسطة منوت on 08-13-2005, 00:10 AM)

                  

08-12-2005, 01:27 PM

منوت
<aمنوت
تاريخ التسجيل: 03-18-2002
مجموع المشاركات: 2641

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل للشُجيراتِ من إيراقٍ أكثرَ فاعليةٍ وحميميةٍ ، يا جميل ؟ (Re: منوت)

    (9)
    شُجيراتُ السلامِ النابتةُ على أرضٍ
    عانقَ ثقافيُها اِجتماعيَها ..

    " … ليسَ مِن حقِّ العصافيرِ الغناءُ على سريرِ النائمين … "
    الشاعر الفلسطيني : محمود درويش

    ***
    " … حانَ الوقتُ لإيجادِ عولمةٍ جديدة تُقلّل من خدمةِ مصالح الأغنياء ، و تعملُ باطِّرادٍ لخدمةِ الأكثرِ فقراً من البشر . حان الوقتُ – بالنسبةِ لنا – للتأكّدِ من أنّ التنميةَ الشاملةَ قد دخلتْ مفاهيمُها قلبَ أجندةِ العالمِ كهدفٍ مبدئي … "
    د. مهاتير محمد ، رئيس وزراء ماليزيا السابق .

    ***
    الحلمُ ما زال يتمدد مُطمْئِناً – في سكونٍ مهيب و رهيب – حُرّاسَ مخبئِه و مخبرهِ الضارب الإيغال في أغوار أعماقهم القصية ، راقداً على سريرٍ عولميٍّ معموريٍّ ذي أُفقٍ ينداحُ ( تجدُّعاً ) على لحافٍ ( وهيط ) ، يرفدُ – دالقاً - منتظريه بالوعد و الثمرِ اليجيء . بينما عصافيرُ الصباح تُدندنُ مغرّدةً بالنشيدِ الصحوِ على آذان مَن نامَ ، أو تناومَ ، أو نُوِّمَ على أنغام ( الرَّاب ، و الطّبقِ الفضائيِّ المثير ) ، أو تثاءب واهناً – جائعاً عطشاً – يتناول ( الماك ) ، شارباً يتمتعُ ( بالكوكا ) ، متماهياً مع أيقوناتِ أحصنةِ طروادةِ ( الدنيا الجديدة ) ذاتِ الحوافر و الأظافرِ القواتلِ ، و مغاراتِ الدواخلِ المخبأةِ مدسوسةً – علناً - ، و الحالُ يا حبيبَنا ( ص ) في خَدَرٍ مخمليٍّ مهلكٍ لذيذ !! .
    و ها هو القلمُ في حياده ( السودا - إيجابي ) مازال يقطرُ - نازّاً – بوحاً يفتتُ كي يُمنطقَ راهنَ ( الوهنِ ) آنيِّ الحضور المعفّرِ بالفاني المفارقِ للدروب الواسعاتِ ( السمحة ) في أصالة و ازدهارِ مسلكها العاتي البهي ، وهجاً يبدد بل يُشتتُ ما استقرَّ تحكُّراً و تمكُّناً – ظلامةً أضحتْ ، أو غمامةً علُقت – على أجنحةِ ( الوزِّين ، و الغرنوق ، و الحباري و السمبر و ود ابرك و طير الجنة و الكحّالي و جداد الوادي و القمري و البلوم و الهدهد حتى ريش النعام ) ، و كامل ذواتِ المناقير سليلةِ العصافير السابحةِ – محلِّقةً - في فضاءٍ يسع مليون ميلٍ من آمالِ و هواجسِ أسرابِ الطيور – صابرها و طافشها - و أكثر ، و هي تحلم بهذا الغصن المآلي الوارف الظليل ( الوطن ) الذي كان ماضيه و قادمُ أيامه أخضر !! ، مداداً من الدفقِ الحميم يمهرُ وريقاتِ الذاكرةِ ( الزولية ) الأولى في نقائها المشيمي الآسر ، ببعض نزيفه الحارِّ المضني العتي والمنعش – في الآن ذاته - للدواخلِ العامرةِ بالحقِ ، و قطراتِ مُزنِ الفضاءِ الإنساني الصراح ، ومقولات فصيح الكلام في تمفصلها القارّ ببصيلات الأنفس الفياضة بالرواء ، و غائب الفعل الموالي لتواريخ الأتقياء ، أملاً و توقاً للذي يأتي هميماً واضحَ القسماتِ مثلما يتسرب – في رويَّة - فرحٌ يوشيه السعدُ و تدثره القناعة ، و توازنه معادلةُ ما يجب أن يسود عالمنا ( المُجَابَدِ ) بين أن يقول ، أو لا يحكي ما لفظته أرحامُ سودانيتنا – وهي تقاوم في استحياءٍ تيارَ النيلِ ( زوليِ الملامح ) في سريانه الأبدي - .
    و ها الآن يخرج ( العباد و البلاد ) على أرضِ الفصح المقاوم للسكوت ، معلنين أن ما بين الناس أقوى من الذي بين القبائل و أشباهها ! و لكن ؛ هل آن للقبيلة القيامُ بدورها الأساس في بلورةِ الحسِّ التعايشي المسالم والمعولم سودنةً بهيةً كما كانت قُبيل تواترِ الفعل و القصدِ ( المُشاتِرِ ) و المفارق لأقوال حزمةِ الأنقياءِ و مقاصدِ مُجملِ الأنبياء ؟ .
    ترى من أين يبدأ الحكوُ بعد هذا الانقطاع ( الأبستيمو – عاطفي ) !! ؟ . و هل مازالت نافورةُ الأحزان تضخُ حِممَ الرصاصِ ناظمةً ( نيالا ) عروسَ الجنوبِ الدارفوري بخيوط ( واو ) فاتنةِ نهر الجورِ في تدفقه البهي ، واصلةً ( الفاشر ) أبا زكريا بعصب ( جوبا ) وهي تتحلى بزينتها الإستوائية ؟ أم أنّ ( كسلا ) و نهرها المتمرد شموخاً في إباءِ توتيل يتحرّك في أحشائها جنينُ ( مروي) بأهراماتها التي تحكي تواريخ الأزوال ؟ ، و ما ( بورتسودان ) و جارتها – ثغرياً – على سواحل الأحمر ( سواكن ) سوى وليدٍ شرعي لأحلام ( دنقلا ) العجوز ؟. و هل المدينةُ ( سنارُ ) مرجعيةُ اِلتفافنا حول كبرياتِ الموائل المشتهاة مازالت تتوسط ( كوستي ) مدينةَ تجسير الشروق بالغروب و مُشْرَع أحلام شريانِ الجنوب بالشمال ، و ( ود مدني ) فاتنةَ الذهب الأبيض ، حاضنةً في مراقدها و أطرافها الريفية ( ود حبوبه ) و سيدي الشيخ ( فرح ود تكتوك ) ، و جموع الصالحين ، و هي تنازعُ في صبرها ( الأيوبي ) المثير مناطحةً – شكلاً و عمقاً و بعض أحلامٍ – حاضرةَ البلاد ذات البطن الخرافي الحاوي لثلثِ سكان أرض المليون ميل ، هذي ( الخرطوم التي كانت مثلثة ) ! ؟
    إنها مدنٌ تحلمُ بانقطاع سيولِ نزيف التمزّقِ و الانشطارِ و التشرزم الذي بدأ دخانُ أعماقه يظلل ( زولية ) الإنسانِ في وطنٍ يتعولم متخصخصاً على المستوياتِ جميعها ، حتى القبيلة و البطن و الفخذ و العائلة و الأسرة و الفرد !!. وإذا كان ذلك كذلك حادثاً ينتظمُ المدن و قاطنيها ؛ فما مصيرُ القرى ، و البوادي ، و الفرقان و معدميها !!؟ . السؤال الحق هو بُؤرةُ التساؤل الذي لا يبحث فقط عن إجابات، بل يطمح في حلٍّ جذري يُبقي وجه الوطن متماوجاً – في تناغم – بين ألوان سحنته الزولية السودانوية الجامعة لأطيافِ مسبحته المليونية !!
    ***
    " جبل مرّه جاب لِي مَرا ، أسكُت ساي !!! "
    هكذا كانت ألمع أغنيات ( الفور ) و هم يشاركون في مناسبات القرية الاجتماعية بهذا الغناء الجماعي الكورالي المترع شوقاً ؛ مرجعيتُه العاطفيةُ هذا الجبلُ الشامخ وعداً بالحنين إلى المنشأ ، حاملاً بين قممه المسترجعة خيالاً يرثه القادم من أبناء و أحفاد . و كان الراقصون على أنغام بُنيّاتِ و فتياتِ الفور ، شباباً و كهولاً من قبائل السليم و الجعليين ( علياب ) و الشلك و الملكيه و الفور و النوبه و البرقو و بني هلبه و الزغاوه و الكواهله ، جمعت بينهم ( ود دكونه ) ، فصاروا يماسكون دنياهم ( حلوها و مرها ) بخيوط التمازج ، و التصاهر بل الاندغام في أُلفةٍ أسُّ منبتها التعايشُ على أرضٍ تَعِدُ الجميعَ بالخير الذي يفتح كنوز أنهاره الثمينة لكل شباك صائدي أرزاقه الوفيرة على قدر اِجتهادهم و قدرتهم و حدود معارفهم المعيشية !! .
    زكريا إسحاق ، الذي يعرفه أهل ود دكونه و ليلو أماره ب ( زكريا تيسه ) ، رجلٌ تجاوز الأربعين من عمره بسنوات . كان من أوائل الذين درسوا القرآن و تفسيره بأول ( خلوةٍ ) بالقرية و ما جاورها ، و التي قد أنشأها أحدُ أعمامه من الفور الكنجاره ، وهم يلبون نداءات ( ود تور شين ) آن قهقره ( أولاد جون ) جنوباً نواحي أم دبيكرات ، فكانت الهجرةُ – شرقاً – نواحي ( بحر أبيض ) ، لتصير ديار جنوب النيل الأبيض مستقراً لمَن بقي منهم ، و منبتاً للأولاد ، و موطناً للأحفاد . حفظ ( تيسه ) القرآن – عن ظهر قلب – كحالِ أقرانه و أترابه ، و لكنه تميّز عنهم بملازمته لتلاوة آي الذكر الحكيم ليل نهار ، أينما حلَّ ، و حيثما استقرَّ . كما اُشتُهر بإيثاره للمشي على رجليه الحافيتين ، حتى صار باطنا قدميه أمتن و أقوى من ( تموت تخلي ) هذا الحذاء المصنوع من إطارات السيارات البالية ، ليُعادَ استخدامه إنسانياً وهو ينتسب – تلازماً – إلى عوالم الفقراء و المعوزين و المحتاجين ، و هم يحاولون سدّ ثغرات و ثقوب مقومات حياتهم – كبشر – بالتحايل على ما يلفهم من فاقة ، و لكنهم أسعدُ من طفل وجد أمه بعد طول فراقٍ و حنين !! ، أو كما تنتعشُ – مفرهدةً – قناديلُ الذرةِ حينما تلامسُ حُبيباتِها قطراتُ أمطار ( التِّلْوي ) ضاخةً فيها إكسير الحياةِ إنضاجاً لها بعد طول غياب .
    زكريا تيسه ، يُعادُ إنتاجُه إسطورياً في مخيلة و واقع أهل ود دكونه و ما جاورها من قرى و فرقان ، على صورة الرجل الصالح ، صاحب الخطوة و الباع ذي الطول الناظم – ترطيباً – لدافئ الآمالِ القروية و هي تبحثُ عن نموذجٍ يُحيلُ واقعها إلى حلمٍ يتحقق . حيث ظلَّ ( هضلول بلل ) هذا الشابُ السِّليمي المفارق لدروب القبيلة في مساراتها الرعوية التقليدية ، منتمياً لعوالم الاستقرار جوار النيل ، تاركاً مهنةَ الأجداد ( المَسِير ) و ( الضَّعاين ) في هجرتهم الرعوية الجنوبية – حتى تُنْجَه – جنوب فشوده حاضرة أولاد المك ( رث الشلك ) ، جنوب غرب ملكال أوان الصيف ، لتنقلب راجعةً – بواكير الخريف – منهيةً رحلة المسير جنوب غرب كوستي ( بدايات الدرت ) نواحي الوساع و ما جاورها من بوادي و مراتع ، لتستريحَ البهائمُ ( أبقاراً و ضأناً و ماعزا ) و قبْلَها يُلقي مالِكُوها و ( ساعُوها ) بعصا ترحالهم – مؤقتاً - من رحلةِ ( الجنو- شمال ).
    هكذا ظلّ هضلول يذكر – دائماً - ذلكم الحدث أوان ( المغربية ) عندما شارف مقابر القريتين التي تفصل بين ود دكونه و ليلو أماره ( المامور ) ، و قد كان يدندن ببعض ( الجرداق ) هذا النمطِ الغنائي المترع بالتطريب و كامل نداءات الحنين لدى بطون قبيلة السليم بأفرعها جميعاً ؛ من ( أولاد تاير ، و أولاد سليم ، و أولاد براهيم و ناس عطيه و ناس بلل ، إلخ … ) ، حيث شقّ صوتُه المثخنُ بالجراحاتِ الحميمة فضاءاتِ مساماتِ وريقاتِ شُجيراتِ ( العُشرِ ) اللّدنةِ ، لِتنتصب أمامه في شكل ( بعاتي ) وهي تتمايل – يمنةً فيسره - . و العُشَرُ كما تقول أدبياتُ علم الغابات ( الفوريستُوري ) ينتمي إلى فصيلة ( الخيار و العجور)!! فأي الدوزناتِ تحتقنُ بِفونيمات و مُورفيماتِ ( جَرْدَاقِه ) السّخي ؟ .
    هضلول ، َتلبَّستْهُ حالةُ خوفٍ خرافي من هذا الهُلامِ الذي داهمه بغتةً فأطاح به أرضاً ، و كلما حاول التغلبَ عليه ، يجده كاتماً على أنفاسه .. توالى الصراع بينه و البعاتي حتى خارت قواه ، و تمكّن منه الشبح الهلامي ( والدنيا مغارب ) ، فاستسلم صائحاً : " يااااا أبو داووووود ، تلحقني و تفزعني " !!! ، و بدأ تشهُّده و استعداده لملاقاةِ ربه . و فجأةً ، خفّت قبضةُ الهلام من على رقبته ، و دوّى صفيرٌ صارخٌ كالريح .. ليجد ( تيسه ) ممسكاً بكتفه ، رافعاً إياه ، و هو يتلو آية الكرسي !!! أفاق هضلول ، و بين أشعةِ المغارب ذات الحمرة تراءى له شبحُ البعاتي و هو يجتازُ شُجيراتِ ( العُشَرِ ) مخلِّفاً بعضَ روائحه و اهتزازاتِ هروبه التاريخي من آي الذكر الحكيم التي كان يتلوها الشيخ إسحاق تيسه !!! ، و من حينها ظلّت الحكايةُ – حكاية هضلول و البعاتي و العشر و تيسه – حاضرةً في أذهان و مُخيِّلاتِ ( الود دكوناب ) جميعهم و مَن جاورهم ، تتنقلُ مُورّثةً للأبناء و مَن يخلفهم . و للمفارقات العجيبة ، يرتبطُ العُشرُ في المخيلة الاجتماعية السودانية و تجلياته البعاتية بالمقابر في معظم أنحاء السودان !! ، ليكون من حقنا التساؤلُ : تُرى ما سرُّ هذه العلاقة ( البعاتي –عشرية ) بالمقابر !! ؟
    نهاياتُ سبعينات القرن المنقرض ، و الدنيا تلهجُ ألسنتها – سياسياً – بالحرب الباردة بين آلِ ( يانك ) صنّاعِ الدنيا الجديدة ، و أسرةِ ( كوف ) حرّاسِ الكرملين ، و تنتعشُ أذواقها العاطفية الغنائية بدفقِ شيخِ ( الجامايكيين ) رائدِ و معولمِ موسيقى الريقي ، هذا البوب مارلي و هو يسقي أحلامَ و آمالَ الهوامش بالرواء المتجاوز للحروبِ المستعرةِ ( عولمياً ) – باردها و حاميها- ، ضاخاً دماً جديداً في أوردة العالم ، داعياً نائميها و ناعسيها بالنهوض لأخذِ و انتزاعِ حقوقهم المستلبة ( قيت أب ، إستاند أب ، إستاند أب فور يور رايت … ) ، حينها كانت ود دكونه و رصيفتها ليلو أماره غارقتين في مداراتِ طبولِ و أنغام ( الفرنقبيه ) ذات الأصول ( الدارفورية) ، حيث يتبادل الرجالُ و النساء ملابسهم / هن في مفارقاتٍ مازحة .. ، و الفرنقبيةُ إحتفالية دائمة الحضور في مناسبات ( الختان ) لمعظم أبناء قادة أطياف قبائل قاطني ود دكونه و ما جاورها ، و بالطبع أبناء الفور ، حيث يمتطي الصبي جواداً مزيناً ( بالجرتق ) ، و هو – أي الصبي المختون – يتحلى بكامل الزينة ، رافعاً ( الحريرة ) و ( السعفة ) بينما تتبختر الفوراويات في أزهى ملابسهن – رجاليةً كانت أم نسويه - ، حاملاتٍ ( للبرتال ) و هو الطبق ( السعفي ) الموشى بالألوان – التي تحكي سحنة الوطن - . و ( أب قزّه ) ضاربُ ( النُّقارة ) في تماهٍ نوراني يحلق في سماواتٍ تلامسُ غائب الأحلام ِ في سرحانها الآسر ذي النكهة الصوفية الغارقة في عوالمَ ، بل فضاءاتٍ من الإشباعِ للروح العتيق :
    " مِريسلي ، مِريسلي ، مِريسلي بشفي برتال سَمِح … "
    و تواصلُ الحناجرُ المسكونةُ طرباً إرسالها لما تختزنُ من أنغامٍ عبر الأزمنةِ متجاوزةً واقع الأمكنةِ بالغناء الحر ، مخاطبةً هذا الوادي ( سَيْلَي ) جوار الفاشر :
    " سَيْلَي ، ودّيني دار بَلْدِي قمح ..
    بَرْكَب القَطر أخلِّي الدار للصرمان !!!… "
    إنها مناسبةُ ختان الابن الوحيد لأحد أعيان ليلو أماره ، سليل أحد بطون قبيلة السليم ( أولاد سليم ) ، و الذي قد أصاب ثراءً خارج مظان دروب الثروات التقليدية للقبيلة من أبقارٍ و ضأن و أغنام . حيث إنه ظهر – فجأةً – و الدنيا يُدثّرها (الدَّرت ) و في معيته جرّاران ( تركتران ) من ماركة و فصيلة فورد الأمريكية ، و سيارة ( ميريكوري ) أمريكية الصنع ، وطّنها أهالي ود دكونه بإطلاق اسم ( ميركن ) عليها ، واصفين إياها بأنها ( ربع طياره ) دلالةً على سرعتها .
    تقاطرت القبائلُ زرافاتٍ و وحدانا من ود دكونه و البشاره و بر كدوك و الكويك و أم جلاله و الدبكرايه و الرشيدي شمالاً ، لتلتقي في ليلو أماره ( المامور ) بجموع القرى الجنوبيه ملولو و كوع المنقو و قردود ناما و فلوج حتى المطيمر جنوباً . تدافعت في سخاءٍ تضامني احتفاءً بختان نجل ابن السليم الذي ذاع صيته بامتلاكه بعض أسلحة ( الكاوبوي ) الزراعية ذات الذراع العولمي ( اللاقف ) لأحلام صغار المزارعين ذوي الأفق الإنساني الينزِّ عرقاً يسقي التراب ، و كرامةً تسترُ الحال و تكفي عن السؤال !!! .
    و ها هي ليلو أماره في هذا الصباح تأخذ زينتها السودانوية ، و ذلك من خلال المشاركة البهية لقبائل السليم بجرداقهم و نقارتهم و فنجفانهم ، و الفور بفرنقبيتهم و إبرتهم الضائعة ، و الشلك برقصاتهم و ( طوريهم ) و ملابسهم الزاهية و حلقات العاج المحيطة بالمعاصم ، مع الريش و اللاوو و دقات الربابة و الطبول . حيث كان الاحتفال مقاماً شرق السوق ، و على مقربةٍ من بيوت شيوخ أولاد سليم ، على ظلال أشجار اللالوب . نحرت البهائم بجميع أنواعها ، فشبعت الجموع – عصيدةً سليميةً – و ( ملاح شرموط أخدر ) ، و ارتوت من العصير ( أبو رقبه ) و اللبن الرائب ( النَّسيه ) ، و بدأ الرقص الجماعي على إيقاعات النقاره ( الشلكية و السليمية و الفوراويه ) على التوالي ، لتتعفّرَ سماءُ القرية نواحي شرق سوق ليلو أماره مضمخةٌ بالطَّيب و روائح ( فليل دمور المسّخ الأرياح ) ، ممتزجةً بعبير ( سوار باريس ) ، متداخلةً مع أدخنة الأخشاب المحروقة لصناعة الطعام .
    اِنتصف نهارُ ليلو أماره ، فاستراحت الجموعُ الوافدةُ و المقيمةُ اِستعداداً لفعالياتِ ( العصريه ) ، متجرعةً أكواب العصائر ، شاربةً للشاي و القهوه . حينذاك كانت فتياتُ السليم يجهزن أنفسهن اِستعداداً لغناء و رقصات ( الفنجفانج ) و التي تبدأ – عادةً – عصراً و تنتهي بُعيد المغرب ، لتتواصل الأفراحُ – ليلاً – باحتفالية ( إبره ودّرت ) ذات الأصول الفوراوية و التي يشارك فيها شبابُ ألوان الطيف القبلي نواحي ليلو أماره و ود دكونه و ما جاورهما في دراما إجتماعية مازحة و بريئة ، و مسك الختام الاحتفالي يكون مع استدارة القمر ، حيث يلتفح الشبابُ ملاءاتٍ متدجّجين ب ( الدرقات ) و ( العكاكيز ) للمشاركة في رقصات ( الطورو ) المنحدرة من تقاليد الشلك الاحتفالية الخاصة بالصبية و الليالي المقمرة طوال العام .
    عصرَ ذاك اليوم البهيج ، بدأت الجموع تتحلق في دائرةٍ تحت شُجيراتٍ ثلاثٍ من العرديب كانت تقع على مرمى حجر من بيوت أصحاب الاحتفالية .. و صدحت ( أم ديوان ) السليمية حكّامةُ القبيلة ذات الصوت الموغلِ في مداراتِ التطريب ، و نداوةِ اللحن المشاغبِ لكوامنِ العشق المُحكّرِ في التواريخِ البهية ، مهيجةً ( بِركَ ) الفروسيةِ و بحارَ الرجال ، وهي تقود وصلة ( الفنجفانج ) :
    " … مِن الله خَلقا ، الخوف ما بِعَرفا ..
    أبو الحُرّه عاصي ، أسدَ الخَلا … "
    عندها ، تفاقمت مشاعرُ أبناء السليم ، و سرت العدوى لافةً الحضور جميعهم . فتقدم ( وداعة الله ) هذا الشاب السليمي المسكون فتوةً و نضارة ، مدفوعاً بما أصابه من انفعال بغناء أم ديوان و ظلال دلالاته المثيرة ، خاصةً وقد تصادف أن والدته كان اسمها ( الحرّه ) ليندلقَ اللحنُ في عروقه و ( يتشخصن ) فيه . دخل الفتى المهتاج حاملاً بيده اليمنى بندقيةً ذات ( ماسورتين ) يطلق عليها الوددكوناب ( أم روحين ) ، فأطلق الرصاصةَ الأولى و هو يضع يده اليسرى على رأس أم ديوان ، هازاً اليد اليمنى في انفعال . حينها كانت الزغاريد تختلط بصوت و دخان البارود ، و عندما خفت الزغاريد ، قفل راجعاً و هو يضع البندقية على كتفه اليمنى ، و فجأةً انطلقت الرصاصةُ الثانية و التي كانت داخل الماسورة الأخرى ، و كان لصوتها المكتوم دلالاتٌ تشي بإصابتها لجسم ما … الصمت يعلو – فجأةً – و الأعين تتابع اتجاه فوهة البندقية ، ليصير ( مقبول أكيج ) جسداً يتضرج بدمائه الحامية المندفعة نافورةً تسقي وريقات إحدى شجيرات العرديب التي كان يقف تحتها شامخاً بقوامه الفاره ، مدثراً بجلبابه الأبيض الناصع حالَ عمامته و مركوبه الفاشري ، حيث كان يعمل في التجارة ( القطاعي ) مع التاجر سعيد المبارك سليل ديار الزيداب ، و الذي قد تبنى مقبول و هو ابن سبع سنين ، لينشأ و يتربى على يده و يكون من ألمع أبناء الشلك الذين برعوا في تجارة القطاعي ، و لكنّ القدر أعمى كما يقول الناس . في ومضِ البرق تحلقت الجموع حول جثته الهامدة ، و مع الحوقلات و التشهدات تفرق الجميع ، و حقبت النسوةُ أطفالهن مولولاتٍ في صياحٍ و فزع . اِنفضت الساحةُ إلا من ( أبو آسيا ) عمدة وددكونه و بجانبه ولداه و ابنا أخيه و الشيخ إسحاق تيسه ، فطلب من الصبية إحضار ماء ، و بدأ ( تكتيل ) المرحوم و ذلك بوضع الماء على عينيه الجاحظتين و هو يتلو آيٍ من الذكر الحكيم . و عندما أشرف على الانتهاء ، سُمع هديرٌ لأصواتٍ تترنم بأغنياتٍ كأزيزِ الرياح العاتية ، فأدرك أبو آسيا بحسه القيادي أنها رقصةُ الحرب و الموت التي يؤديها الشلك في جماعة ، و أن القبيلة انفعلت بسقوط أحد أبنائها مقتولاً برصاص فرد من السليم ، حينها انتفض العمدة و أرسل أوامره لإسحاق تيسه بأن يخف تجاه الجنوب ليوقف الزحف الشلكي المنفعل بالثأر ، فانطلق تيسه ليلفى الثائرين أمام القنطرة المنتصبة على الترعة الرئيسية لمشروع ليلو أماره . حال وصوله توقفت الجموع و تضامت صفوفها و هي تحرك ( الحراب ) و ( الكواكيب ) و ( الدرقات ) أماماً و خلفا ، يمنةً فيسرة ، و يشتد هدير الأصوات المشبعة بأغنيات الحرب . فما كان منه ( تيسه ) إلا و أن صاح فيهم بلغةٍ شلكية فصيحه ، داعياً إياهم للهدوء و التزام الصبر ، وكنتَ تسمعُ أحدَ الشباب المنفعلين يصيح بمقطع حماسي يتطاير منه الزبد الموشي بالحرب ، فيجيبه في هارمونيةٍ بعضُ الأصوات المتفرقة . خفت الانفعالات ، و الصدور التي كانت تغلي بدأت في الهبوط التدريجي نتيجةَ تأثير كلمات تيسه عليهم ، و بفعل شخصيته الكاريزمية و مقامه المحترم لديهم ، و من مقولاته لهم بلسانهم " … الله واحد ، و حات جوك أتانق ، مقبول و وداعة الله ولدنا كلنا ، شلك و سليم و فور و علياب ، و زي ما قال جاقو : البلد دا بلد شلك و سليم و الباعوضه و نحنا كمان … " . تفرقت جموع الشلك الثائرة ، بينما ظل أبو آسيا يرابط نواحي مداخل بيوت أهل الاحتفالية حمايةً لهم من انفعالات طائشة . و بوصول الشرطة من نقطة وددكونه ، تم احتواء الموقف و حبس المتهم وداعة الله ليرسل إلى مركز كدوك و يحاكم بعدها أمام محكمة رث الشلك بخمسِ سنوات ، قضى منها سنةً بالسجن العمومي للمركز ، و قد تم إطلاق سراحة بعد دفع ( الدّية ) و التي وصلت إلى خمسين بقرةً ، استطاعت ألوان الطيف القبلي بوددكونه و ليلو أماره و البشاره من سليم ، و جعليين علياب ، و فور ، و برقو ، و بني هلبه ، و زغاوه ، و تعايشه و كواهله التباري في دفعها ، حتى الشلك أبوا إلا أن يشاركوا بالدفع . و من المدرِّ لجيشانِ العاطفةِ موقفُ ( تيسه ) ، حيث إنه أقسم بالله و جلاله بأن تُؤخذَ بقرتُه الوحيدة مع عجلها مساهمةً منه في الديه ، فقبلت منه المساهمة بعدَ تعنُّت برغم حاجة أبنائه الصغار للبن ، و لكنّ العمدة حلف بالطلاق بأن يقبل منه تيسه بقرتين حلوب و ... هل صارَ من حقِّ العصافيرِ الغناءُ على سرير النائمين و الدنيا يكسوها التشتتُ و يعشعشُ في مفاصلها الخراب ؟ و هل آن لنا التأكد من أن ( الزَّوْلنة َ) الشاملةَ قد دخلت مفاهيمُها قلبَ أجندةِ ( الوطنِ ) كهدفٍ مبدئي !!! ؟

    و نواصل
    د. حسن محمد دوكه


    نقلاً عن صحيفة سودانايل السايبرية .




    (عدل بواسطة منوت on 08-13-2005, 00:13 AM)

                  

08-12-2005, 02:49 PM

منوت
<aمنوت
تاريخ التسجيل: 03-18-2002
مجموع المشاركات: 2641

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل للشُجيراتِ من إيراقٍ أكثرَ فاعليةٍ وحميميةٍ ، يا جميل ؟ (Re: منوت)

    و قبلَ هذا ، كانت حكاية جار مويه ..
    ليكتملَ قمرُ الليمونِ في مداراته الزولية السادرةِ في اجترارِ التوقعات !!!


    (7)
    شجيراتُ السلامِ النابتةُ على أرضٍ
    عانقَ ثقافيُها اجتماعِيَها

    "... لو كنتُ في (طنجة) لَما أحسستُ بهذا الفراغِ المُمِلِّ . هناك أستطيعُ أن أولّدَ من أكثرِ الأيّامِ كآبةً و عوزاً بعضَ المتع. العزلةُ هناك حرةٌ لها مذاقُ التوتِ البرِّي ، هنا (العرائشُ) مفروضةٌ لها مذاقُ الحنظل " .
    " زمنُ الأخطاءِ " .. سيرةٌ ذاتيةٌ روائية.. للروائي المغربي محمد شكري.

    "... هل أجازفُ فأقول بأنَّك عوّضتَ حبَّ المرأةِ بحبِّ طنجة أيها المتوحِّشُ الذي يخافُ عتمةَ الدفءِ و ينتشي بشسوعِ البحرِ و لا نهائيةِ المدى... ؟ "
    " أخطاؤك التي تُحبُّها " ، مقدمةُ محمد براده في " زمن الأخطاء "

    تُرى ، ما سرُّ العلائقِ بين (طنجة) شكري ، و ود دكونتي ؟، و (العرائشِ) و هذه المدينةِ الموسومةِ ب (كوالا لمبور)، أي ملتقى الطمي– باللغة المالايوية- ؟
    لمن يا ترى ، تغرّد عصافيرُ خريفه (الدَّرتي) على سرير أمسه المترع توقاً للذي يأتي عبيراً غازل النسماتِ فيه بعضُ إيراق و ذكرى ؟ .. من يا زمانُ .. و يا مكانُ .. و يا بعضَ كلّي .. و كلَّ ألوانِ الفراشات المحلِّقة انتصاباً يحوم مختالاً فوق هامات القرى و البوادي و النوّارِ الأفقي، و قد لفّ الندى – أرقاً - حدقاتِ أعينه السواهر ؟. و مَن يا أنا ، ينساق – مُنجرّاً- تجاه البرق آن يكون أوّلنا يغادر كيف ما شاء الخريف ؟.. إنه الإنسانُ حين تشاغب (دلوَه) المسكونَ امتلاءً بوريقاتٍ تنزُّ أشجاناً ، عواملُ الزمنِ المُعرّي للتواريخِ الصوادح، و المساءاتِ الفوارح ، و الصباحاتِ الأواتي.
    تطاولت أعناقُ قناديل الذرة ، و شمخت في إباءٍ سنابلُ السمسم مجاريةً زهرةَ الشمس في نضوجها البكري تنادي مناجلَ الحاصدين .. و الحاصدون هم أولئك العمالُ الموسميون الذين يتجمعون – عادةً- في الأنادي أو على أطراف أسواق القرى أو المدن القروية أو فلنقل : القرى المتمدِّنة ، ينتظرون أصحابَ المشاريع الزراعية المطرية المنتجة ذرةً و سمسماً و عبّادَ شمس .. و قد جرت العادة أن يمرَّ صاحبُ المشروع - في وقت الحصاد - على هذه المظانِّ العماليةِ المكانية ، متفقاً مع مجموعة منهم كعمالٍ للحصاد يٌطلقُ عليهم نعت (الكتاكو) . و هؤلاء الكتاكو ، ينحدرون من أصلاب جدّتنا الأولى التي أبت – في شموخ – أن تعير الأرض لوناً آخرَ غير السواد بدرجاته المتفاوتة بين الصحراء و غابات الاستواء و ما بينهما من آدميين . سلالاتٌ من البشر يجمع بينهم القلبُ النظيف إلا من بعض إرهاقٍ و فاقه ، و تغسل يومَهم همومُ العيش الحلال . يتكاثرون كالنمل في السُكَّر آن ينادي أذانُ الحصاد على بذرٍ هو الحياة في مسرح التوقع و انتظار وابل المطر الغياب. ليس بينهم مَن له شجرةُ نسبٍ عرقيٍّ سوى الأرض و ما تهدي من زاد ٍ تشكِّلُه النساءُ محاولاتٍ جعلهُ وجبةً يوميةً تتمظهر (عصيدةً) أو (بليلةً) أو( ماناكيلو) ، هذا الطعام الشلكي المصنوع من الذرة ، و الذي يشبه شكلاً ( السكسكانية) ذات الأصول القمحية ، أو مشروباً يغذي كاملَ الأحلامِ في عيشٍ سعيدٍ يلفح الحزنَ و العوزَ المقيم بثوبٍ من توقٍ متوهم ، أعني ( أتابوب) ذلك المشروب المقوّي للحوامل و شيوخِ القبيلة من ذوي السبعين خريفاً كما تقول أدبياتُ الشلك.
    أواسطُ سبعيناتِ القرن المنقرض، قامت مشاريعُ (الطيّارة) الزراعية المطريةُ غربي ود دكونه ، جنوب شرق مشاريع (المقينص) الزراعية التابعة لمديرية النيل الأبيض – آنذاك - ، شرقي مشاريع (هبيلة) المطرية المنتسبة إلى جنوب شرق كردفان . و الطيارة أرضٌ تعجُّ بالخصوبة ، و ببهرةِ التواصل الحميم بين سبلاتٍ وبتلاتٍ (زولية) سكتت عنها محافلُ الآني من ثقافتنا الممهورة بالصمت (المغبّش) و المحرّف للتواريخ الشموس. وقد سميت بذلك حينما سقطت طائرةٌ عليها - و الزمان قبل الاستقلال - ، و قد قام الإنجليز بإنشاء مدرسة أولية في مكان سقوط الطائرة ، نتمنى أن تكون قائمةً حتى الآن تحكي عن زمنٍ سالف و وفاء مستحق ، كما تشهد بذلك المشاريع المطرية الماثلة حتى اليوم ، سلةَ غذاء يسبق شقُها الروحيُ جانبَها المعاشي.. تهدي البهيمَ قبل الإنس لقمةَ الحياة و نضارةَ الزرعِ المثمِّن للعمل كقيمة ولود .. و تكفي الجياعَ شرَّ التشرد في البنادر و المنافي بعيدها – جغرافياً و نفسياً – و قريبها المتثاقف في تعاضد حميم. و ها هو الصديق القاص "يحي فضل الله" ، يحكي على لسان العم حسن محمد على ، و الذي كان شاهداً على حادث الطياره ، بل معيناً و مساعداً لأبناء ( جون ) في تحديد موقع سقوط الطائرة ، مما جعلهم يسجلون هذا الحدث التاريخي في شكل مؤسسة تعليمية نقاربها - إسلامياً – و نضعها في مقام الصدقة الجارية .. صديقنا " يحيى " يهدينا مداخلةً تنز إيثارا ، قائلاً : " لست أدري من أين أدخل في السرد ، و حيرةٌ تكمن في أنني أدّخر شخصيةَ العم حسن محمد علي لحكايات أظنها في مقام الرواية ...؟ " . حيث كان العم حسن مفتشاً زراعياً من أوائل الذين درسوا الحقل و سياسته على يد و فكر الإنجليز . فقد تخرّج العم حسن في كلية غوردون ، أو قل في ما يخص علاقة هذه الكلية بالزراعة . و قد تأسست على يده فكرة البنك الزراعي السوداني ، حيث قام بافتتاح العديد من أفرع البنك في نواحٍ زراعية تنتظم أرض المليون ميل مربع مطري ، كالرنك و كوستي ... إلخ .. و قد آثر الإقامة بمدينة كوستي التي أحبها ، ونظنه قد فاض به شوقُه و غالبه عشقُه السرمدي للحقل و الزرع ، فأقام نواحي المدينة التي أطلقت عليها ميرفت نصر الدين – مؤخراً - في اجتراحاتها الحميمة مع إشراقه مصطفي – على سودانايل – هذه الصحيفة السايبرية الرائدة ، واصفةً إياها - أعني كوستي – بالمدينة التي ( تتآكل و تتحول إلى مجرد بقعةٍ مباركةٍ منقرضه ) . و قد كانت – زمان العم حسن – بقعةً مباركة تسمق زهيرات عشقها للإنسان لتطول الأعماق العامرة بالود و التسامح و الزولية المترعة نقاءً و إلفة . و لعل الطريق المسفلت الخارج من تقاطع ميدان الحرية و المجلس البلدي ، مؤدياً إلى حي النصر ، أثار كوامن أفراح العم حسن و كبله بإيثار مساكنة من و ما أحب ، خاصةً و أن البنك الزراعي يشمخ قبالة الكنيسة و حوانيت الهنود و الأقباط التي (تتزوّل) في تماهٍ يشي بعطرٍ أريجه التسامح الحر ، و زمنٍ يتفجّر انتماءً للإنسان في أرقى درجات تحضره و انتسابه لفكرة التعايش على وجه البسيطة.
    أصحاب المشاريع المطرية بالطيارة و الرنك و المقينص ، يفضلون (أولاد المك) - إشارةً إلى أبناء قبيلة الشلك - عمالاً للحصاد ، و ذلك لما يتميزون به من صفات تجنح إلى الإخلاص في العمل ، و صدق الكلمة ، و قلة المطالبة بما ليس حقاً لهم ، إضافةً إلى الجدية في إنجاز ما يوكل إليهم من عمل . و من محاسن سياسات مؤسسة الزراعة الآلية ، إنصافُ عمّال الحصادِ و إبعادُ شبح نتائج (الطمع) المتوقع من أصحاب المشاريع المطرية و رغباتهم الملحة في إصابة أرباح (خيالية) في أسرع وقت، دون الالتفات إلى كروموسومات العمليات الزراعية ، ألا وهي (عمال الكتاكو) .. فقد تشددت إدارةُ العمليات الزراعية في المشاريع المطرية – وهي جهة حكومية – في إعطاء العمال حقهم كاملاً دون نقصان . و من أبرز هذه الحقوق : ترحيلُ العمال من مواقع تواجدهم إلى موقع المشروع وحق التفاوض ، و في حالة عدم الاتفاق ، وجب على صاحب المشروع إرجاعهم إلى حيث أخذوا .. أما في حالة الاتفاق على إنجاز العمل الحصادي ، فعلى مالك المشروع تزويدهم بأساسيات و مقومات الحياة ، من دقيق ذرة ، و زيت طعام ، و ملح طعام ، و كبريت ، و بصل ، و كجيك .. و الكجيك هو السمك النيلي المجفّف المملوح ، و الذي يستطيع مقاومة آفات الأحياء الدقيقة لمدة تربو إلى السنة إذا ما أُحسن تخزينه.. و قد اُشتهر و برع في صيده و تجفيفه أبناءُ ( الهوسا) القادمين من غرب إفريقيا و الذين يطلق عليهم – تعميماً – لقب الفلاته، و هناك فرق شاسع بين الفلاته (الفولاني) ساكني النيجر و تشاد و بعض أجزاء من الكاميرون و السودان .. و هؤلاء الهوسا المنحدرين من بلاد نيجيريا - جنة أفريقيا المعلقة بين سندان الذهب الأسود و خراب الخدمة المدنية - . فكتب التاريخ و الاجتماع تشير -في صرامة أكاديمية- إلى الفرق بين هذه الإثنيات و الجماعات الإنسانية .. فمن أهم بطون الفولاني ، فلاته (فوته) و (أم بررو ) ، أما من نعني هنا فهم الهوسا ، هؤلاء المسلمين من النفر الذي يمَّم أجدادُه صوب الكعبة في رحلته (الحجّية) منذ مئات السنوات، فطاب لهم المقام في ديار الزولية الرحبه . فكانت إقامتهم خيراً و بركةً على ديار و أهل السودان برغم ما يحمله العقلُ الشعبي من اتجاهات (خرافية) و إقصائية تجاههم . و يكفيهم أنهم صائدو و صانعو الكجيك – طعامِ الكتاكو – واهبِي (الأزوال) ما يقيم أصلابهم.. و بذلك – فقط - يكون الهوسا أهلَ بلدٍ بحكم المواطنة و صالحِ العمل.
    (جار مويه) ، شاب نشأ و تربى وسط أهالي مشروع البشاره الزراعي المروي المنتجِ للذهب الأبيض (القطن)، شمال ود دكونه على بعد خمسين كيلومترا .. أصولُه شلكيةٌ محضة تتحكّر راكزةً في قرية ( كوع المنقو ) جنوب ود دكونه ، شمال كاكا التجاريه و المطيمر.. منبتُه سودانوي .. استطاع تعلم حروف الهجاء في خلوة الأنصار على يد أحد فقهاء المهدية .. فصارت (جناح أم جكو) لباسه الغالب ، و لسانه العربية ذات اللكنة السليمية الشلكية المشوبة بعجمة البرقو و لهجة الزغاوة .. بدأ حياته عاملاً في حصاد الذرة و السمسم (كتاكو) و استطاع في موسمه العملي الأول جمعَ دستتين من الجنيهات السودانية مشترياً بها بقرةً و نعجتين .. و قبل حلول موسم الحصاد التالي ، ولدت البقرةُ (عجلتين) وصارت نعاجُه خمسةً .. فواصل عمل الحصاد مستبدلاً – هذه المره – جنيهاته بجوالات ذرة صار يبيعها (بالملوة) و (الكيله) أمام طاحونة القرية و التي يملكها حاج أبكر ولد إسحاق .
    في موسمه الثالث ( كتاكو) آثر جار مويه مزاولةَ حصاد السمسم ، و ذلك لقصر فترة حصاده و التي لا تتعدى الأيام المقمرة من الشهر ، حيث إنّ للقمر مفعوله في تفتيح سمبلات السمسم ، محتجاً باختصار الزمن و التفرغ لأعماله (البيعية و الشرائية) المزدهرة ، إضافةً لما يدرّه حصاد السمسم من أموال تختصر المسافة بين الواقع الحافي و الغد المأمول و المفرهد ثراءا .. فكان له ما يريد و يبتغي من ثروة جعلته رمزاً للشباب الآمل في حلمٍ يعشعش في عقول المحرومين باثاً فيهم ظلال ما يملكه الحاج محمد من أسطول حافلات (باصات) تتقاطع – يومياً – طاويةً أراضي جنوب النيل الأبيض و شمال أعالي النيل ، ناقلةً العباد و ما يملكون من ثروات بهيمية و زراعية.
    موسم الكتاكو الرابع جاء ، و تتابعت فيه نجاحاتُ جار مويه فاتحةً أمامه شهية َ الزرعِ و الضرع و الانتماء إلى الأرض و الأنثى .. استأجر نصف مشروعٍ مطري نواحي الطيّاره ، و صار يبحث عن (أولاد المك) رفقاء دربه (الكتاكوي) عمالاً لحصاد سمسمه اليانع .. فاستجاب الجميع بنصف الأجر ، فتحقق الحلم في امتلاك أول (بص) ينتمي إلى تواريخ الكتاكو .. و نبتت طاحونة أخرى في البشاره .. تلتها شباك و مراكب ( موتورية) صائدة لأسماك الكجيك .. و تحقق معظمُ ما كان يرجوه جار مويه و تطمح إليه نفوسُ أقرانه .. إلاّ أن الحلم المستعصي على التحقيق ظلَّ يطارده و أقرانه .. ألا و هو الانتماء إلى أنثى تطرّزُ يومه دفئاً و تهديه الولد .
    ثرواته تتضاعف موسماً بعد موسم ، بل شهراً بعد شهر .. و حاجة الانتماء الإنسانية تعلو فوق صهيل الجنيهات .. و هو الذي وجد نفسه منتمياً (ثقافياً) إلى السائد – حضارياً – من معتقد أهل القرية و ما جاورها .. فقد كان مسلماً بالفطرة و الممارسة .. و يشهد له أعتى شيوخ القرية بالصلاح .. فلم يقرب خمراً أو صدراً أو حقاً لا يستحقه شرعياً .. وهكذا كان يحدّث نفسه باضطراد .
    و ذات صباحٍ درتي - قُبيل الفجر - ، قرر جار مويه الانتماءَ إلى مستقبل الأنسنه ، حيث إنه عاش و تربّى يتيماً فاقد الأبوين في حادث (صاعقة) في خريف ممطر قبل ثلاثين عاما. وبُعيد أدائه صلاة الصبح ، داهمه هاجسُ الانتماء و السؤال المحوري .. من أنا ؟ و ماذا أريد ؟ .. و إلى أي المرافئ تتجه مراكبي و ترسو ...؟ و على كرسي وثير أمام دكانه العامر بالبضائع – و الشمس ترتفع قامةَ رجُلين - ، و على مقربةٍ من مخزنه المجاور الذي يئن من تزاحم جوالات الذرة و السمسم و الكركدي و الصمغ العربي ، سأله حاج أبكر أحدُ أعيان القرية - و هو يحتسي القهوة - ، لماذا يا جار مويه لم تكمل نصف دينك حتى الآن ؟ فأنت و الحمد لله مستطيعٌ للباءة و أكثر ؟ .. حالها، سقطت علبةُ (صلصة) من على رفِّ الدكان ، و تبعتها أخرياتٌ محدثاتٍ صوتاً كالرعد فجّر فيه تواريخ الفقد الجلل و الولد الانتماء ، فالتقطها صبيُ جار مويه و مساحات من الصمت تعلو لتعمَّ المكان برهةً كأنها الدهر .. فكان الرّد : و هل لديك امرأةً لي ؟ و كان ردّ حاج أبكر : لِمَ لا تتقدّم لنفيسه بنت مبارك البشير ؟ فهي بنت جميلة و أكملت الابتدائية و أمها من الشلك و أبوها من الشماليه ؟ .. و أنت رجل حسن الدين و الأخلاق و ناجح في عملك .
    تفاقمت أحلامُ جار مويه متصايحةً بالذي يأتي وريثاً لعرش السودنة ، و تداخلت أنفاسُه و تقطَّعت كاللبن الصراح آن يعانقه عصيرُ ليمونٍ حامض ذي أفقٍ فاعل .. نفيسه ..؟ إنها حقاً لإمرأةٌ حلم .. و لِمَ لا .. ؟ كان يحدّثُ نفسه قبل أن يردّ على حاج أبكر .. و لكن يا حاج ، أبوها و ابن عمّها الآن في المشاريع يعملان ( كتاكو) في حصاد الذرة ، و كما تعرف ، فإنّ حصاد الذرة يحتاج إلى أكثر من ثلاثة أشهر ، و أنا قرّرتُ أن أتزوج في أقرب وقت ممكن ، و لا أستطيعُ التأجيل أكثر من هذا .. و في أبوةٍ نادرةٍ كان قرار إرسال (لوري) جار مويه إلى مشاريع الطيارة لإحضار مبارك و ابن أخيه .. و لمّا وصلا إلى القرية ، فتح عليهما حاج أبكر - بصحبة أعيان القرية - موضوعَ زواج جار مويه من نفيسه .. فطلب الأبُ فرصةَ يومين – على الأقل - للرد .. فكانت إجابتُه بعد ثلاثة أيام : " البنت عاوزها ولد عمها "... و هكذا تدحرجت آمالُ (جار مويه) متجهةً –جنوباً- نحو (أنونق) فتاةِ العشقِ النيلي المحضِ ، و وارفِ الأحلام .. حيث الانتشاءُ بشسوعِ النهرِ و لا نهائيةِ المدى الزولي و انفتاح المدى الأرحب .

    و نواصل


    د. حسن محمد دوكه


    نقلاً عن صحيفة سودانايل السايبرية .

    (عدل بواسطة منوت on 08-12-2005, 02:57 PM)
    (عدل بواسطة منوت on 08-13-2005, 00:16 AM)

                  

12-11-2005, 01:47 PM

منوت
<aمنوت
تاريخ التسجيل: 03-18-2002
مجموع المشاركات: 2641

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل للشُجيراتِ من إيراقٍ أكثرَ فاعليةٍ وحميميةٍ ، يا جميل ؟ (Re: منوت)

    و تظلُ " الشجيراتُ " علاماتٍ مفارقةً على جبينِ الوطن - الآني - ،
    و مآلاتٍ متماهيةً مع الوطنِ اليكون !!!

    (عدل بواسطة منوت on 12-11-2005, 01:49 PM)

                  

12-11-2005, 02:30 PM

مطر قادم
<aمطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل للشُجيراتِ من إيراقٍ أكثرَ فاعليةٍ وحميميةٍ ، يا جميل ؟ (Re: منوت)

    Quote: إنها مناسبةُ ختان الابن الوحيد لأحد أعيان ليلو أماره ، سليل أحد بطون السليم ( أولاد سليم ) ، و الذي قد أصاب ثراءً خارج مظان دروب الثروات التقليدية للقبيلة من أبقارٍ و ضأن و أغنام ، حيث إنه ظهر – فجأةً – و الدنيا يُدثّرها (الدَّرت ) و في معيته جرّاران ( تركتران ) من ماركة و فصيلة فورد الأمريكية ، و سيارة ( ميريكوري ) أمريكية الصنع ، وطّنها أهالي ود دكونه بإطلاق اسم ( ميركن ) عليها ، واصفين إياها بأنها ( ربع طياره ) دلالةً على سرعتها .



    افتقدنا منوت ومررت عليه ذات يوم فى يارا نايل يغشاه السلام
                  

12-11-2005, 03:03 PM

منوت
<aمنوت
تاريخ التسجيل: 03-18-2002
مجموع المشاركات: 2641

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل للشُجيراتِ من إيراقٍ أكثرَ فاعليةٍ وحميميةٍ ، يا جميل ؟ (Re: منوت)

    و افتقدناكَ ،
    نعم اِفتقدناك ،
    يا أيها المطرُ القادمُ من سراديبِ ( طفش ) الزمان !!!


    * أنتظرُ القراءات المتفامةَ بليمونِ الشجيرات ،
    أو شجيرات الليمون !!

    _________

    و يسلم الليمونُ
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de