|
|
 داخل معسكرات النازحين بشمال دارفورالعيش.. على هامش الحياة
|
داخل معسكرات النازحين بشمال دارفور
العيش.. على هامش الحياة!
كتبت:سمية المطبعجي
(OKخواجة) بهذه العبارات استقبل اطفال معسكرات (ابو شوك) (السلام) (زمزم) بشمال دارفور عربات الامم المتحدة المقلة لوفد الصحفيات الزائر لمعسكرات النازحين بدعوة من ممثل الامين العام للامم المتحدة جان برونك الذي رافق وفد الصحفيات الى دارفور ليقفن على حقيقة اوضاع النساء بالمنطقة.. كانت الزيارة لحوالي الواحد وثلاثين من الساعات ولكنها حملت قصة وتجارب حياة بأكملها.
(OKخواجة) واحيانا (OK ابا خواجة) عبارات اصبحت تعكس ما تبلور من معاني وافكار واحاسيس لاطفال تراوحت اعمارهم ما بين الثالثة والعاشرة نحو الوافدين والمتفقدين لاحوالهم.. في البداية ظننت ان التحية لمرافقينا وهم ثلاثة من ( الخواجات) من ضمن نحو خمسة عشرة من مجموعتنا الزائرة للمعسكرات .. ولكني دهشت كثيراً عندما وجدت ان التحية تشملنا نحن ايضاً (بني وطنهم) رغم سحناتنا وبشرتنا السمراء و(طرحنا) و(ثوب) آمال عباس كبيرة الوفد.
حزنت كثيراً عندما احاط بي عدد من الاطفال وهم يمدون اكفهم بالتحية (OKخواجة) مصرين على (خواجيتي) فيما لاحقوا الرجال من بيننا (OK ابا خواجة) ..
عندها لاحت امامي العديد من التساؤلات المخيفة! ولربما لا يبدو التساؤل مخيفاً الا اذا كان يحمل في باطنه الاجابة... فهل هكذا اصبح الاطفال النازحين وكبارهم يرون في كل من يزورهم لابد من ان يكون خواجة.
والى هذا المدى تداعت المعاني بداخلهم وغطت على ابصارهم حتى رأوا ابناء وطنهم خواجات؟ وهل هكذا اصبحت مشاعرهم وستستمر نحو بني وطنهم(غرباء) في الوقت الذي يتنامى فيه احساسهم بالابوة والرعاية من قبل القائمين بامر منظمات الاغاثة الدولية، فيما اخذ احساسهم بوطنهم ورعايته لهم في التلاشي.. والى اي مدى يمكن ان تتبلور محصلة هذه الافكار والمعاني والاحاسيس لهذا الجيل من الاطفال نحو وطنهم وبنيه في المناطق الاخرى؟
ما بدا لي من وراء هذه التساؤلات كان محزناً ومقلقاً بل ومخيفاً.. احسست بالفعل بأننا غرباء عندما تذكرت سؤال السيد جان برونك لي عقب نزولنا مباشرة من الطائرة في الفاشر ( هل هذه المرة الاولى التي تزورين فيها دارفور؟) فكانت الاجابة نعم لي ولغالبية زميلاتي الصحفيات..
ويبدو ما وراء التساؤل مخيفاً عندما ترى الاجابة في سعادة الاطفال والرجاء في وجوه الكبار بقدوم (لاندكروزرات) الامم المتحدة و(لاندروفرات) المنظمات الدولية.. والبيارق التي ترفرف عند كل زاوية في المعسكرات، حاملة شعارات المنظمات الدولية المختلفة .. تلك الشعارات التي تحيط بهم من كل زاوية فكانت اسباب حياتهم وحفظهم من الفناء... علامات المعونة الامريكية في جوالات الدقيق والعدس .. الفاو في (باغات) الزيت...اليونسيف في خيامهم... عيادات اطباء بلا حدود الفرنسية والبلجيكية و غيرها والصليب الاحمر الاسباني والالماني وغيرهم.. دوريات الاتحاد الافريقي للحماية .. الكثير الكثير الذي بات يشكل حياتهم.
الكبار يقولون ( نشكر المنظمات لانها ما قصرت معانا ووفرت لينا كل شئ).. فأي اناس سينشأ هؤلاء الاطفال في ظل ظروف كهذه؟
داخل موقع منظمة (اطفال العالم الفرنسية) في معسكر (ابو شوك) كان هناك حوالي 20 طفلاً ما بين الثالثة والثامنة يلعبون بصحبة مرشدات محليات.. الاخصائي النفسي د. معاذ عبد الحميد قال : للمنظمة 16 مركزاً لعلاج الاطفال في الاوضاع الصعبة يستقبل كل واحد منها (100) طفل في الشهر يعانون من الضغوط النفسية المتمثلة في القلق والتبول اللاارادي موضحاً ان الضغوط النفسية الناجمة عن الضغوط المسئولة تأتي نتاج لتعامل الاباء وجهلهم اكثر منها نتاجاً من الحرب.
معاناة الاطفال الذين فقدوا ذويهم اثناء الهجمات والفرار في القرى بالطبع فهي اكبر واكثر مأساوية.
امام موقع الصليب الاحمر والهلال الاحمر بمعسكر ابو شوك احاط العشرات من النساء والرجال والاطفال بصور واسماء حوالي (150) طفلاً تم عرضهم من قبل ( منظمة الصليب الاحمر الدولية) املا في العثور على اطفالهم المفقودين.
ابو القاسم محمد صالح الذي يعمل ضمن فريق الصليب الاحمر قال لـ (الايام) هذه اللائحة تضم حوالي 150 من الاطفال تم العثور عليهم بواسطة الصليب الاحمر الدولي بتشاد بعد ان فروا جراء الهجوم على مناطقهم وضلوا من ذويهم.. وحتى الان هناك نحو عشرة من الاسر تعرفوا على اطفالهم..
حواء ذات الثلاثين عاماً بتقديرنا اشاحت وجهها من لائحة الاطفال المفقودين في القائمة وخرجت تجر ارجلها بخطى بطيئة بعد ان تأكد لها عدم وجود ابنها ذو الخمس سنوات ضمن القائمة .. وقالت بكلمات يائسة: ( ناس غاروا علينا وحرقو بلدنا.. وجرينا شايلين عيالنا بس .. ولما عاينت يمين شمال ما لقيت ولدي محمد ومن اليوم داك ما شفتو)..
وعل الرغم من الاهتمام بإنشاء المدارس وانشاء (1 مدرسة اساس تضم (10.500) تلميذ في معسكر ابو شوك، الا ان التعليق من نازحي المعسكر – عزيزة سليمان معلمة في معسكر (السلام ) قالت : هناك مدارس ولكن تنقصها المعينات ومقومات الدراسة. وقد يدعم قولها هذا ما رأيناه من عدد الاطفال الذين ملأوا الساحات والممرات داخل المعسكر في العاشرة صباحاً في ساعات يفترض وجودهم داخل الفصول.
وقضية اخرى جسدت احدى صور معاناة المعسكرات.. فكانت ( الكروت) التي هي تأشيرة صرف الغذاء لكل نازح وتمثل هاجساً لاعداد كبيرة من النازحين، خاصة وان حصر ومنح الكروت يتم كل ستة اشهر.. الى جانب نوعية الغذاء المقدمة من منظمات الاغاثة.
دهباي التي تجاوزت السبعين من عمرها واتت فارة واسرتها من جبل سي حكت معاناتها واثنين من ابنائها المصابين بالعمى فقالت لـ (الايام) : آكل واولادي ( ولد وبنت) وجبة واحدة في اليوم لأننا لم نمنح غير كرت واحد،وعلينا الانتظار حتى اكتمال ستة اشهر موعد الحصر القادم.. لذلك اعمل في كمائن الطوب لسد حوجتنا من الغذاء واجرتي خمسة الاف في اليوم واضطر احيانا للمبيت في (الكمائن) لبعد المسافة من المعسكر).
وفي معسكر (زمزم) الذي تمت مهاجمته في اليوم السابق لزيارتنا تجمع العشرات من نازحي المعسكر حول مركز توزيع الاغاثة الذي اوقف صرف المساعدات بعد الهجوم على المعسكر والاستيلاء على شاحنة وسائقها من امام مركز توزيع الاغاثة.. الحادث الذي لم يكن الاول من نوعه وسبقه آخر في يونيو الماضي بعد ان تم تهديد مدير المعسكر واخذ عربته من داخل المعسكر وذهب منذ ذلك التاريخ ليبقى المعسكر دون مدير من جانب الحكومة..
|
|
 
|
|
|
|
محمد الامين محمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست