يعرف العنف عموما بأنه سلوك تجاه الآخرين، خارج نطاق الأعراف المقبولة اجتماعياً، ينطوي على إمكانية تسبيب الأذى المعنوي أو البدنى(1) والأشكال الرئيسية للعنف تشمل عنف الدولة، جرائم الحروب، العنف الأسرى (موضوع دراستنا) وإساءة معاملة الأطفال وكبار السن. في كل مراحل التاريخ وفى معظم المجتمعات تحتل المرأة، اجتماعياً، مكانة اقل بكثير من الرجل. (2 إن القيمة الدنيا لمكانة المرأة التي تواضعت عليها كثير من المجتمعات تترجم على الأرض في شكل مؤشرات اجتماعية بائسة مثل إرتفاع نسبة الوفيات نتيجة للأمومة غير الآمنة, إرتفاع نسبة الأمية، القيود على الحرية الشخصية وإنعدام المساواة مع الرجل في الحصول على الخدمات الحكومية مثل فرص العمل وغيرها. ونتيجة لتلك العوامل صارت المرأة، عبر القرون ضحية دائمة و سهلة للعنف من قبل الأسرة والمجتمع والحكومات. إن اشهر أشكال العنف ضد المرأة تشمل الضرب من قبل الزوج, الاغتصاب، التحرش الجنسي من قبل المخدمين، الدعارة بالإكراه, الختان الفرعوني وقتل الأجنة. إن مصطلح (العنف الأسرى) يستعمل عادة للإشارة للعنف الموجه ضد المرأة بواسطة احد أفراد الأسرة وفى الغالب يكون هذا الفرد هو الزوج (1) ويمكن رؤيته ، اى العنف الأسرى كحالة قهر نفسي أو اقتصادي (نتيجة للحاجة) أو جنسي يقود إلى تهديد جدي أو استعمال فعلى للعنف البدنى. (3) وتتدرج أشكال العنف الأسرى من الدفع باليد أو الصفع وحتى استعمال الأسلحة النارية. لكن الادهى إن العنف الأسرى قد ينظر له كوسيلة ضبط أو تأديب للمرأة مقبولة اجتماعياً وتدخل في صميم أعراف كثير من ثقافات الشعوب مما يدفع الضحايا إلى الاستسلام المستدام لجلاديهم(4). إن العنف الأسرى ينتشر بنسبة كبيرة وسط جميع الأسر في كافة المجتمعات سواء العالم الأول أو الثالث وفى جميع الطبقات غنيها وفقيرها، ووسط المتعلمين والاميين. إن الدراسات الأمريكية والبريطانية تثبت حدوث العنف الأسرى بنسبة 40% في تلك المجتمعات (5)(6)(7). كما إن حوالي ثلث النساء اللائي حضرن لتلقى العلاج في المؤسسات الصحية كن ضحايا، بصورة أو بأخرى، لممارسات العنف الأسرى. كما تلقى ممارسات العنف الأسرى بتأثيرها على الاقتصاد حيث تكلف المعالجة الطبية للأذى البدنى الناتج عنها قرابة المليار دولار سنوياً ( بل وانه في عام 1992م في الولايات المتحدة، كانت حوالي 12% من جرائم القتل نتيجة لخلافات أسرية (9). إن العنف ضد المرأة هو محصلة نهائية لتفاعل عوامل عديدة على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع (Society)والجماعة(Community). على مستوى الفرد فان تلك العوامل تشمل التعرض للعنف في الطفولة أو مشاهدة ممارسته على نطاق الأسرة، كما تشمل أيضا غياب أو إهمال الإباء لدورهم في التنشئة أو إدمانهم للمخدرات أو الكحول. على مستوى الأسرة تمثل الخلافات الزوجية والهيمنة التامة للزوج على شئون الأسرة المالية وغيرها محددات قوية لظهور العنف (10) وعلى مستوى المجتمع والجماعة فان عوامل ظهور العنف تشمل الفقر، والعطالة والعزل الاجتماعي على الأسرة أو المرأة، وربط مفهوم الذكورة أو الرجولة بقوامة الزوج أو سيطرته على المرأة، وقبول العنف (أو التأديب بمفهوم المجتمع) كوسيلة لعلاج الخلافات وبالذات العنف ضد الزوجات (10) إن العنف ضد المرأة قد ينشأ من الأعراف الاجتماعية لكل من دور الرجل ودور المرأة في المجتمع(gender norms) فالرجل هو سيد الأسرة (وبالتالي المرأة) لأنه ينفق عليها مادياً. أما المرأة فمسئولة عن إعداد المنزل ورعاية الأطفال وإظهار الطاعة التامة للزوج في صورة أشبه بالرق أو السخرة. وبالتالي فان اى تقصير من قبل المرأة أو اى تمرد لتحدى(حقوق) الزوج فانه يقابل تلقائياً بالعنف (المقبول اجتماعياً وربما وجد له بعض ضيقي الأفق من رجال الدين تخريجاً فقهياً بالفهم المتعسف لبعض النصوص الدينية) مثل ( النساء ناقصات عقل و دين). يؤدى العنف ضد المرأة إلى نتائج وخيمة عليها على كل المستويات، صحياً واجتماعياً بالإضافة إلى الأذى الجسدي المباشر الناتج عن العنف، فقد ينتج عنه عاهات دائمة والاكتئاب النفسي والحمل غير المرغوب فيه والانتحار والأمراض الجنسية ( 11), ويؤدى العنف إلى النزاعات الزوجية وتعويق الدور الاقتصادي والاجتماعي للمرأة في تطوير مجتمعها (12). ويزداد الأمر سوءا برؤية الرجل لاى تطوير لقدرات المرأة المهنية أو الشخصية (Empowerment) كتهديد محتمل لدورهم (أو قوامتهم)(12). على مستوى العالم، يتزايد الانتباه والاهتمام بمشكلة العنف الأسرى منذ صدور أول تقرير منشور عنها في منتصف السبعينات (13). منذ ذلك الحين بدأت تظهر، في الدول المتقدمة منظومات من قطاعات مختلفة (منظمات طوعية، أطباء، جهات.....الخ) لمساعدة ضحايا العنف الأسرى. بينما في الدول النامية فانه باستثناء جهود فردية محدودة لا يوجد اى اهتمام سواء من جانب المنظمات الطوعية أو الحكومية أو حتى من قبل الأكاديميين لدراسة هذه المشكلة. وبالتالي تنعدم لحد كبير اى وسائل لمساعدة الضحايا. في السودان يبلغ عدد النساء حوالي نصف السكان وكنتيجة للأعراف الاجتماعية وللقيود القانونية المفروضة عليها يعانين من جملة من المشاكل والصعاب على الأصعدة الشخصية والمهنية، وبالتالي يصرن ضحايا محتملات لممارسات العنف البشرى. تهدف هذه الدراسة لتقصى وجود ودراسة أنماط العنف الأسرى وسط شريحة من النساء اللائي كن يراجعن احد المراكز الطبية في مدينة امدرمان.
طريقة البحث أجريت هذه الدراسة على مجموعة من النساء اللائي كن يراجعن احد المراكز الطبية في مدينة امدرمان في السودان في خلال عام 2002م. يعنى المركز برعاية الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري ويستقبل مراجعيه من داخل مدينة امدرمان وضواحيها. تستهدف الدراسة فقط شريحة النساء اللائي يجدن القراءة والكتابة (ذلك حتى يتمتعن بالحرية في ملأ الاستبيان الخاص بالدراسة). تمت الاستعانة بثلاثة من مساعدات الأبحاث وذلك للمساعدة في اختيار المبحوثات ومساعدتهن في إكمال ملء الاستبيان. تم تذويد كل امراة بفكرة عن طبيعة وأهداف البحث وما قد يتضمنه من أسئلة قد تتناول جوانب حساسة في علاقتهن الزوجية. اعطيت كل امرأة وافقت على الاشتراك في البحث واستبيان خال من الإشارة إلى اسم يملأ بواسطة المبحوثة بنفسها في غرفة معزولة مع توفير كل طلبات السرية والخصوصية. إلى إغراض الدراسة تم تعريف العنف الأسرى بأنه (حالة ايزاء بدنى أو أكراه أو تهديد من قبل الزوجة) (14). تم تقسيم حالات العنف إلى ثلاثة أشكال تهديدات لفظية، سلوكيات تأديبية (Controlling Behaviours)، وحالات إيذاء بدنى. ثم تصنيف شدة حالات الإيذاء إلى ثلاثة أقسام أذى خفيف مثل القذف بالأدوات المنزلية أو الدفع بالايادى، وأذى متوسط يشمل الضرب بالأذى وتسبيب جروح وكسور متوسطة وأذى جسيم متسبباً في حدوث نزيف داخلي أو كسور في الرأس. يتضمن الاستبيان الحصول على معلومات عن: أ- معلومات عن الحالة الاجتماعية – الاقتصادية كالعمر والعمل ومستوى التعليم والدخل السنوي للزوج والزوجة، وإذا ما كان الزوج مدمناً للخمور أو المخدرات. ب- تم توجيه سؤال مباشرللمبحوثات إذ ما مورس عليها اى نوع من أنواع العنف من قبل الزوج (حسب التعريف والتصنيف أعلاه)خلال عام كامل. وتم الاستفسار عن وسائل الضبط أو التأديب التي يمارسها الأزواج مثل الصياح والزجر وتقييد تحركاتها أو مراقبتها. وتم سحب الأسئلة عن العنف المرتبط بالأمور الجنسية نظراً لما سببه من حرج عند أوائل المبحوثات. ج. تم السؤال في البحث عن السبب المباشر الذى أفضى لحدوث حالات العنف، وعن عدد مرات حدوثه وعن كيفية تفاعل المرأة ورد فعلها مع العنف، وإذا ما سعين للحصول على معالجة طبية أو الاستعانة بأحد الأقرباء أو الأصدقاء. كل النساء اللائي لم يتعرضن لاى عنف تم اعتبارهن مجموعة ضابطة للبحث (Control group) وتمت الاستعانة بالوسائل الإحصائية عند التحليل النهائي لنتائج البحث في كلا المجموعتين (اللائي تعرضن للعنف والمجموعة الضابطة). النتائج تم اختيار 492 امرأة مؤهلة للدخول في الدراسة وأعطت 394 منهن موافقتها على الاشتراك بنسبة استجابة بلغت 86.8%. من بين هؤلاء أقرت 164 امرأة بنسبة (41.6%) بتعرضها لمرة أو أكثر لممارسات عنيفة من قبل أزواجهن خلال عام من مدة الدراسة (وسوف تسمى مجموعة العنف). أما باقي النساء (230امرأة بنسبة 58.4%) فتم اعتمادهن كمجموعة ضابطة للدراسة خصوصاً من ناحية المحددات الاجتماعية و الاقتصادية ودورها في تحديد حدوث العنف. يبلغ متوسط عمر مجموعة العنف 29 عاماً (بزيادة أو نقص 11 عاماً) بينما يبلغ عمر المجموعة الضابطة 36 عاماً (بزيادة أو نقص 10 أعوام). بالنسبة للمستوى التعليمي لمجموعة العنف فقد أكملت 74 منهن مرحلة الأساس (45.1%) وأكملت 79(48.2%). التعليم الثانوي وأكملت الجامعة 11 فقط (6.7%) أما بالنسبة للمجموعة الضابطة فقد أكملت 39 منهن التعليم الاساسى (17%) و 160 (69.6%) التعليم الثانوي 31(13.4%) التعليم الجامعي. يبلغ متوسط مدة الزواج 6 سنوات في مجموعة العنف و9 سنوات في المجموعة الضابطة. بالنسبة لمتوسط دخل الأسرة السنوي فان 133 امرأة من مجموعة العنف (81.1%) يقل الدخل عن 2500 دولار في العام (حد الكفاف) بينما في المجموعة الضابطة فان 122(53.1%) يقل دخلهن عن 2500 دولار. بالنسبة للعمل فان 122 امرأة من مجموعة العنف (74.4%) لا يعملن على الإطلاق بينما تعمل منهن أعمال دائمة (18.3%) والباقي يعملن بعض الوقت في إعمال هامشية أما بالنسبة للمجموعة الضابطة فان 134 منهن (58.3%) يعملن في وظائف دائمة بينما 61 منهن (26.5%) لا يعملن. تم في الاستبيان السؤال عن خصائص الأزواج في كلا المجموعتين. يبلغ متوسط أعمار أزواج مجموعة العنف 34 عاماً (بزيادة أو نقص 6 أعوام) مقارنة ب 38 عاماً (بزيادة اونقص 9 أعوام) بالنسبة لأزواج المجموعة الضابطة. بالنسبة للمستوى التعليمي فقد أكمل 39 من أزواج مجموعة العنف (23.8%) تعليمهم الاساسى و 98 (59.7%) الثانوي و 27 (16.5%) الجامعي بينما في أزواج المجموعة الضابطة أكمل 17(7.4%) التعليم الاساسى و 171(74.3%) الثانوي و 42 (18.3%) الجامعي. أما بالنسبة للعمل فان 63 (38.4%) من أزواج مجموعة العنف لا يعملون بينما في المجموعة الضابطة يبلغ العدد 21 (9.1%) بتناول 78(47.5%) من أزواج مجموعة العنف أو المخدرات بانتظام0 بالنسبة لأنماط العنف الذى مورث ضد مجموعة العنف (164امرأة) فيمكن تفصيله كالاتى: أ- سلوكيات ضابطة أو تأديبية من قبل الزوج وقد تعرض لها 122 امرأة (68.3%) تشمل هذه السلوكيات: الانتهار بصوت عالي، الزجر أمام الآخرين، تقييد الأنشطة الاجتماعية، مراقبة التحركات وعدم الإنفاق عليهم. ب- تهديدات جدية: وقد تعرضت لها 119 امرأة (72.6%) وتشمل بأدوات المنزل، التهديد بقبضة اليد أو حتى بالأسلحة أو بإيذاء الأطفال. ت- حالات إيذاء بدنى: تعرضت 79 امرأة (48.2%) لحالات إيذاء بدنى يتدرج من الدفع باليد والركل بالأرجل والخنق والحرق واستعمال الاسحة النارية. بالإضافة لعنف الأزواج فان 42 امرأة من مجموعة العنف قد أقرت بتعرضها لسلوكيات عنيفة من قبل أفراد أسرة آخرين (غير الزوج) كالأب والأخ وغيرهم. كما أن ثلث أفراد مجموعة العنف قد تعرضوا لعنف قبل الزواج. أما الأسباب المباشرة لحالات العنف فتشمل عدم طاعة أوامر الزوج أو مناقشتها، عدم العناية بالمنزل، رفض إعداد الطعام، التشكك في سلوك الزوجة، الخروج من المنزل بدون إذن الزوج ومناقشة الزوج في دخله أو عمله أو علاقاته النسائية كما انه في 10% من الحالات لا توجد أسباب ظاهرة لحالات العنف. بالنسبة لردود أفعال العنف من قبل الزوجات فكانت الاستسلام وعدم اتخاذ اى إجراء عند 89 امرأة (54.3%)، البكاء عند 32 امرأة (19.3%)، المقاومة عند 18 امرأة (11%)، إخطار احد الأقارب عند 12 امرأة (7.3%)، طلب الطلاق عند 10 نساء (6.1%)، وإبلاغ البوليس عند 3 نساء (1.8%) وقد أقرت 27 امرأة (16.5%) بحدوث عنف تجاههن خلال الحمل لكن لم يتم الإبلاغ عن حدوث حالات إجهاض نتيجة لذلك.
مناقشة تعطى نتائج هذه الدراسة دليلاً واضحاً عن الحجم الكبير لمشكلة العنف الأسرى في المجتمع السوداني. إن نسبة حدوث هذا العنف في الدراسة البالغ 41.6% شبيه بما توصلت إليه الدراسات الشبيهة في العالم (15، 14) مع انه في بعض الدراسات سجلت نسب تجاوزت آل 60% (16). كما انه يمكننا الزعم بان هذه النسبة اقل من الواقع نسبة لحساسية هذا الموضوع وتحرج الكثيرات من مناقشة هذا الأمر. لكن نسبة الاستجابة العالية وسط نساء البحث للمشاركة فيه تبين رغبة كثير من النساء في التحدث في هذه الأمور متى ما توفر جو من السرية والرغبة في مساعدتهن (17). وهذا يعطى أملا للمجموعات والمنظمات الطوعية الراغبة في أجراء برامج استكشاف حالات (Screening) أو برامج تدخلية (Interventional). أنماط العنف: بالمقارنة مع الدراسات الغربية فان استخدام العنف الشديد بواسطة السلاح الناري نادراً ما يستخدم في السودان. إن ممارسي العنف هنا يفضلون استخدام وسائل لا تسبب أذى جسيم. إن الاستخدام الواسع لوسائل الأذى المعنوي مثل الزجر والانتهار يعود إلى أنها مقبولة ثقافياًفى مجتمعنا. النمط النموذجي للعنف عندنا يكون مزيجا من الانتهار والتهديد والإيذاء. أما معدل حدوث حالات العنف فهو شبيه بما وجد في الدراسات الأخرى في العالم. (18، 17) إن تكرار حدوث حالات العنف على نفس الضحية يعود إلى وجودها على دوام بالقرب من الجاني لان هذه الممارسات عادة داخل الجدران لان الضحايا لا يبدون مقاومة ( خوفا من الفضيحة). ردود الفعل تجاه العنف: إن رد فعل المرأة التي تتعرض للعنف محكوم بحجم الخيارات المتاحة أمامها. إن السبب الأقوى، هنا وفى الخارج، الذى يدفع المرأة لقبول العنف والاستمرار في علاقة زوجية تعرضها باستمرار له هي الحاجة الاقتصادية(19). فكما وضح في الدراسة فان غالبية هؤلاء النساء تلقين القليل من التعليم ولا يتمتعن بمهارات كافية تمكنهن من الكسب الذاتي ولا فرص أمامهن للتوظيف سوى المهن الهامشية ذات الدخل المحدود من جهة والمطاردة باستمرار من قبل السلطات المحلية. والمحصلة النهائية هو استسلام الضحايا باستمرار لشروط الأزواج ورغباتهم وعنفهم في دورة خبيثة (فقر يؤدى إلى عنف، استسلام وصمت الضحايا يؤدى إلى مزيد من العنف). وغنى عن الذكر إن هذا العنف المستدام يؤدى إلى وقوع الضحايا فريسة لسلسة من الأمراض والمشاكل العضوية والنفسية (20). قد يخطر في ذهن القارئ (وخصوصاً غير السوداني) تساؤل عن لم لا تطلب أمثال هؤلاء النساء الطلاق ؟ فاللاسف الشديد فان الطلاق في مجتمعنا (أو حتى مجرد البقاء دون زواج) أمر غير مقبول في مجتمعنا. وتعانى المطلقات ما يشبه العزل والحصار الاجتماعي وربما العنف من قبل أفراد أسرتها. كما إن الطلاق ليس دائماً سهل المنال، فحق الطلاق حسب قوانين الشريعة الإسلامية هو بالكامل في يد الزوج. ويرفض ممارسي العنف باستمرار تطليق ضحاياهم. لكن ليس كل الضحايا دائماً في حالة استسلام لممارسات العنف. حيث يسعى بعضهن لطلب العون من الأقارب أو طلب العلاج من الأذى البدنى (رغم الخوف مما يعتبره المجتمع فضيحة). كما انه في حالات قليلة خصوصاً في الأذى الجسيم يتم إبلاغ البوليس (خصوصاً إن إبلاغ البوليس حتى وقت قريب هو شرط لا بد من تنفيذه قبل أن تقبل المؤسسات الصحية تقديم العلاج الطبي لهم) محددات العنف (Risk Factors) توضح دراستنا بجلاء إن محددات حدوث العنف في مجتمعنا تشمل صغر سن الزوجة، الفقر، العطالة، محدودية التعليم، الحمل، وإدمان الكحول والمخدرات من قبل الزوج. إن العنف الأسرى يحدث أكثر في حال وجود فارق كبير في العمر والتعليم بين الزوجين. لكن تلك المحددات ليست مطلقة (Absolute). فان اى زوج يمكن أن يكون عنيفاُ واى زوجة يمكن أن تكون ضحية. لكن في وجود تلك المحددات فان اى تصرف تافه مثل التذمر (النقنقة) أو عدم إعداد الطعام في وقته أو زرار قميص مقطوع يمكن أن يؤدى ببساطة إلى العنف. خلافاً للدراسات الغربية فإننا سوف نركز على دراسة العوامل الثقافية والأعراف الاجتماعية التي تؤدى إلى حدوث أو قبول العنف الأسرى. إن الدين الاسلامى يعطى القوامة للرجل ويهبه الحق في تأديب النساء (الناشزات) كما إن تقاليدنا الاجتماعية التي تعطى الرجل حق (ملكية) المرأة تهيئ المرأة للعنف حيث إن الذكورة هي شرف الأسرة والقبيلة وان المرأة في مرتبة أدنى من الرجل ويجوز استعمال العنف حيالها. وهذا المفهوم ليس قاصراً على السودان بل يسود في بيئات ثقافية عديدة حول العالم (22، 21). وتتفق نتائجنا مع دراسات عالمية عديدة في إن معظم النساء المتعرضات للعنف هن في سن صغيرة (في العقد الثاني أو الثالث).(23،1 إن الزوجات كبيرات السن (خصوصاً اكبر من سن 45) اقل تعرضاً للعنف. وإذا وقع العنف في هذه السن فانه يكون ذا نتائج مأساوية للمرأة حيث إن أسرة أبويها تكون في كثير من الأحوال قد تلاشت بموتهما أو قد يكونون غير قادرين على مد يد المساعدة لها، كما أنها يكون لديها عدد كبير من الأطفال وتكاد تنعدم فرص العمل أو الكسب إمامها. بالرغم من إن العنف الأسرى يحدث في كل الطبقات الاجتماعية إلا أن كثيراً من الدراسات بما فيها دراستنا تربطه بوجود الفقر (25،24). إن الفقر وما يرافقه من شعور باليأس والإحباط يزيد وتيرة المشاحنات الزوجية ويزيد من شعور الزوجة بالمهانة (26) .كما إن الفقر يزيد من شعور الرجل بالإحباط خصوصاً لجهة فقدانه لدوره كممول للأسرة. كما إن الوضع يتفاقم أكثر حين يحرم الأزواج نسائهم من المال كوسيلة تأديبية. إن المأساة هي أن الفقر في آن مسبب للفقر وفى الوقت نفسه سبب كاف للضحايا لعدم التفكير في الانفصال من هذه الشراكة البائسة. إن العطالة (لفترات بسيطة أو طويلة) وهاجس البحث عن وظيفة يزيد من احتمال حدوث العنف الأسرى. (28، 27) كما ترتبط العطالة بازدياد إمكانية إدمان الخمور والمخدرات وكلاهما يفاقم إمكانية حصول العنف الأسرى. (23) كما إن صلة العطالة بالفقر معلومة. إلا إن بعض الباحثين يرى أن مجرد إيجاد الوظيفة قد لا يمنع وقوف العنف الأسرى. (29) إذ أن الإجهاد والصعوبات المهنية أثناء العمل ربما تقود إلى العنف. (2 كما إن زيادة فرص عمل المرأة قد تولد ضغوطات ربما تزيد في معدل المشاحنات الزوجية. (29) ففي مجتمع محافظ مثل مجتمعنا فان عمل الزوجة مع عطالة الزوج ربما تمثل تهديداً لدوره الموروث ثقافياً كممول وحام للأسرة وبالتالي تتولد الصراعات بينه وبين زوجته. من محددات العنف الأخرى محدودية أو عدم التعليم.(27) إن صلة العنف بالتعليم يعود إلى سوء مهارات التواصل بين الزوجين خصوصاً في حالة وجود فارق تعليمي كبير بينهم. (30) كما انه في مجتمعنا تعتمد فرص الحصول على وظيفة على مستوى التعليم. وهناك عوامل أخرى مثل إدمان الخمور والمخدرات تلعب دوراً كبيراً في حدوث العنف.(27) فبالإضافة لآثارها الكيميائية والبيولوجية في تهيئة المدمن وجعله أكثر اندفاعاً للعنف فإنها تقود إلى فقدان الوظيفة والفقر وبالتالي تزداد المشاحنات الزوجية. (23) كما هناك تقارير تشير إلى فترة الحمل تزيد مخاطر حدوث العنف وتجعل الأذى الناتج عنه اشد.(31) وقد وجدت دراسة أمريكية أن حوالي 41% من النساء المراجعات لأحد مراكز رعاية الحوامل قد تعرضت لحوادث عنف أثناء فترة الحمل. (31) وقد تكون التغييرات الهرمونية التي نتيجة للحمل سبباً للعنف حتى مع ابسط التصرفات من قبل المرأة مثل رفض الممارسة الجنسية أو التقصير في واجباتها المنزلية. وتبقى كلمة عن الأزواج الذين يمارسون العنف. فبالمقارنة مع غيرهم فهم يكونون اصغر سناً وفرصهم في العمل اقل كما أنهم يعانون من مشاكل مثل الإدمان والإمراض النفسية أو ذوى شخصيات غير سوية (24) لكن هذه العوامل ليست العوامل الوحيدة المحددة للعنف عند الأزواج فأي رجل يمكنه أن يمارس العنف، كما أن هناك من ممارسي العنف من يعيش حياة سوية تماماً سواء في عمله أو محيطه الاجتماعي.
خاتمة إن العنف الأسرى مشكلة ملحة في مجتمعنا. وتبدو الحاجة ماسة لاجتراح برنامج قومي متعدد التخصصات للتعامل مع هذه المشكلة بمشاركة الأطباء، المنظمات الطوعية، الجامعات والمصالح الحكومية ذات الصلة مثل الصحة، الشئون الاجتماعية والجهات العدلية وغيرها. هذا البرنامج يجب أن يهدف لزيادة وعى الرأي العام والجهات ذات الصلة بوجود وحجم المشكلة ، ويهدف أيضا لتوفير الخدمات الطبية والدعم المادي والمعنوي والعون القانوني للضحايا. ويجب أن ننوه انه آدا لم تظهر للعيان فوائد ملموسة للضحايا فإنهن سوف يترددن في التعاون مع هذا البرنامج (إذا كان دوره سوف ينحصر في مجرد كشف الحال) كما يجب أن نقترح إجراء تعديلات في مناهج الكليات الجامعية ذات الصلة بالمشكلة مثل كليات الطب والتمريض العالي والبوليس وأقسام علم الاجتماع بإدخال كورسات عن العنف الأسرى وتقترح كحل اسعافى عاجل بإصدار دليل قومي للأطباء لكيفية كشف والتعامل مع ضحايا العنف الأسرى في مختلف التخصصات الطبية. أما بالنسبة للباحثين المهتمين بهذا الأمر نقترح إجراء دراسات على مستوى المجتمع ككل (Community-based) لتقصى حجم ومحددات العنف الأسرى مع تطبيق مناهج بحثية لتقليل الحصول على نثايج اقل من الواقع (Under-reporting) مثلاً بإدخال نساء الريف والنساء الأميات. كما نرجو أن تشمل دراسات المستقبل تأثير نوع الشخصية وغيرها من الخواص السيكولوجية على ظهور العنف كما نرجو أن تشمل أيضا الحالات النادرة للعنف الذى يقع على بعض الأزواج من زوجاتهم.
12-17-2005, 08:27 AM
Muna Khugali
Muna Khugali
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 22503
Quote: بالرغم من إن العنف الأسرى يحدث في كل الطبقات الاجتماعية إلا أن كثيراً من الدراسات بما فيها دراستنا تربطه بوجود الفقر (25،24). إن الفقر وما يرافقه من شعور باليأس والإحباط يزيد وتيرة المشاحنات الزوجية ويزيد من شعور الزوجة بالمهانة (26) .كما إن الفقر يزيد من شعور الرجل بالإحباط خصوصاً لجهة فقدانه لدوره كممول للأسرة. كما إن الوضع يتفاقم أكثر حين يحرم الأزواج نسائهم من المال كوسيلة تأديبية. إن المأساة هي أن الفقر في آن مسبب للفقر وفى الوقت نفسه سبب كاف للضحايا لعدم التفكير في الانفصال من هذه الشراكة البائسة
في دراسـة في مـنـاطـق النـازحـين (....) بين الذيـن نـزحـوا بسـبب الحـرب اتضـح ان نسبة العنف المـنزلي قـد بـدأت بشـكل عنيف منـذ بـداية النزوح لأسـباب عـديـدة أهمـها الفقـر.. فالسـكنة في خـيام ضـيقـة بعـد السـكن في أمـاكـن واسـعة زادت مـن درجـة الضـيق بيـن الزوج والزوجـة والأبنـاء..عـدم وجـود الخـدمات الطـبيعية..مثل الميـاه الصـاحة للشـرب..عـدم وجـود تعليم للأطـفـال ثم عـدم وجـود دخل للأسرة.. لأن الرجـل لا يعمـل بينمـا لا توجـد امكـانيـة عمـل للمـرأة مـع شـح شـديد في المـواد التمويـنيـة..كـل مظـاهر الفقـر تلك تفـاعلت مـع عـوامل أخـري وأدت الي المشـادات ثـم الي ضـرب الزوجـات ومظـاهـر أخـري من العنـف ..
Muna Khugali
12-17-2005, 08:42 AM
سلمى الشيخ سلامة
سلمى الشيخ سلامة
تاريخ التسجيل: 12-14-2003
مجموع المشاركات: 10754
اولا شكرا على تعريفنا بكل هذه الالام ونضيف اليها ايثار الولد على البنت فى شان التعليم فهو مقدم عليها ان كانت الحالة لا تسمح بدخولها المدرسة بل ووجدت الكثير من حالات الطلاق بسبب الختان، فالرجل لا يريد الفتاة كما هى عليه ، وسالت احد المطلقات فاجابتنى ان زوجها اعادها الى بيت ابيها فى اليوم الثانى لزواجهالانها غيرمختونةاذا علمنا ان الفاعل متعلم بل جامعى فى حالات عديدة من الاتى تحدثت اليهن وهكذا تتعدد وجوه العنف ضد المرأة فى السودان ،ولا تتوقف عند حد الضرب ,بل اننى عانيت على سبيل خاص فى حياتى الزوجية لاننى رفضت المهر ومبدأ البيع والشراء فقيل عنى (زوله ساكت ،هاملة وعدمانة والى )بل ان العنف امتد تجاهى جهويا لاننى انتميت للغرب فصار للمعايرة ( غرابية)وهكذا يا صديقى فان اساليب العنف لا تتوقف فى حدود الضرب بل تتجاوزها الى ما هو ابعد ، ولا يتم لنا ما نرمى اليه الا بالوصول الى اعلى درجات التعليم الذى تحدر هو الاخر حسب اخر احصائية تقول ان نسبة الامية بلغت الان ال80% فى السودان ولكم الود ،
12-17-2005, 08:45 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
في الحقيقة فإن هذه الدراسة وافية وجهد مقدر، ولامست جانباً كبيراً من الحقيقة والواقع الذي تردح تحت فئة من النساء. وأتمنى من الجهات المسئولة تبني برامج توعوية للأسرة وإصدار قوانين توقف هذه الممارسات الخاطئة التي تنم عن جهل اجتماعي وإنساني متجذر. فإنني على يقين أننا قد إذا أردنا مجتمعاً تتوافر فيه سبل التصالح النفسي والاقتصادي فإنه يجب إتاحة المجالات الإبداعية للمرأة وإشراكها في هموم الدولة للمشاركة الفاعلة في المسيرة التنموية. لأن المرأة والشباب طاقات يجب أن تستغل بما فيه فائدة للمجتمع وألا تترك هذه الطاقات لتجد منفسها فيما لا طائل منه أو أن ندعها في أيدٍ لا تكون أمينة عليها.
في كل مراحل التاريخ وفى معظم المجتمعات تحتل المرأة، اجتماعياً، مكانة اقل بكثير من الرجل. إن القيمة الدنيا لمكانة المرأة التي تواضعت عليها كثير من المجتمعات تترجم على الأرض في شكل مؤشرات اجتماعية بائسة مثل إرتفاع نسبة الوفيات نتيجة للأمومة غير الآمنة, إرتفاع نسبة الأمية، القيود على الحرية الشخصية وإنعدام المساواة مع الرجل في الحصول على الخدمات الحكومية مثل فرص العمل وغيرها. ونتيجة لتلك العوامل صارت المرأة، عبر القرون ضحية دائمة و سهلة للعنف من قبل الأسرة والمجتمع والحكومات. إن اشهر أشكال العنف ضد المرأة تشمل الضرب من قبل الزوج, الاغتصاب, الختان الفرعوني وجرائم الحروب. لقد أصدر السيد وزير العدل و النائب العام قبل أيام قليلة قرارا صائبا بتكوين إدارة خاصة بالعنف ضد النساء في ديوان النائب العام. لكن هذا وحده لا يكفى، حيث إننا نتمتع لحد التخمة من حيث وفرة النصوص الورقية في منح الحقوق المدنية, إنما المشكلة دائما في (تنزيلها) لواقع الناس و حياتهم. إن المطلوب منح هذه الإدارة ما يكفى من الصلاحيات و السلطات للتدخل مباشرة حيثما وقع عنف ضد النساء. والأمر الأكثر إلحاحا هو أن تتبنى هذه الإدارة تعريفا مرنا لمفهوم العنف ضد النساء بحيث لا يقتصر فقط على الممارسات السالبة في مناطق النزاعات. كأمر عاجل نقترح أن تصدر تشريعات بأقصى العقوبات على ممارسي الختان فرعونيا كان أم سنة. أما الركون إلى برامج توعية بمخاطر الختان وحدها فلن يفضى إلى شيء خصوصا إذا علمنا أن بعض الأطباء (و هم المفترض إنهم راس الرمح في هذه التوعية) يعتقدون (لأسباب ايدلوجية) بفوائد مزعومة للختان كما إن قلة قليلة تمارسه بغرض التكسب المادي. إن العنف ضد النساء مشكلة ملحة في مجتمعنا. وتبدو الحاجة ماسة لاجتراح برنامج قومي متعدد التخصصات للتعامل مع هذه المشكلة بمشاركة الأطباء، المنظمات الطوعية، الجامعات والمصالح الحكومية ذات الصلة مثل الصحة، الشئون الاجتماعية والجهات العدلية وغيرها. هذا البرنامج يجب أن يهدف لزيادة وعى الرأي العام والجهات ذات الصلة بوجود وحجم المشكلة، ويهدف أيضا لتوفير الخدمات الطبية والدعم المادي والمعنوي والعون القانوني للضحايا. ويجب أن ننوه انه إدا لم تظهر للعيان فوائد ملموسة للضحايا فإنهن سوف يترددن في التعاون مع هذا البرنامج (إذا كان دوره سوف ينحصر في مجرد كشف الحال) كما يجب أن نقترح إجراء تعديلات في مناهج الكليات الجامعية ذات الصلة بالمشكلة مثل كليات الطب والتمريض العالي والبوليس وأقسام علم الاجتماع بإدخال كورسات عن العنف الموجه ضد النساء.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة