|
|
 ان تموت في بيت عزابة ... شيوعيين.... و
|
علينا وعليكم بالخير .. (1)
جعفر عباس
كل عام وانتم بخير،..العيد في المهجر يعطيني الاحساس بأنني "مقطوع"، فقد اعتدت منذ ان وعيت الأشياء حولي علي الاستيقاظ مبكرا يوم العيد، وارتداء ملابس لائقة لأن الضيوف يبدأون في التوافد عقب صلاة العيد مباشرة، وفي عيد الأضحي الذي يسميه الصغار عيد الخروف (والصحيح هو ان ذلك العيد مأتم الخروف).. اعتدنا ان يدخل علينا بعض الاقارب او الجيران ومعهم السكاكين والسواطير لذبح الخروف ثم الانتقال الي بيوت أخري ليس بين أفرادها من يجيد الذبح،.. وكان من أثقل الأشياء علي قلبي في عيد الاضحي ان يتم تكليفي بغسل الكرشة والمصارين.. وياما تعرضت للتعنيف والشتم لأنني كنت دائما أفشل في تنظيف ذلك الجزء من الكرشة الذي يشبه الدفتر، وتحتاج لتنظيفه الي تقليب صفحاته، ومهما اجتهدت في تنظيفه تكتشف لاحقا انك "فطيت" صفحة تبقي محتفظة بمكوناتها المقرفة، ولكثرة ما توليت غسل الكرشة فإنني نشأت وأنا أعاف المرارة، ولم أقرُب الكمونية إلا بعد ان رأيت زوجتي تغسل مكوناتها سبع مرات إحداهن بالديتول، ولا أطيق الجلوس قرب شخص يأكل أم فتفت، ولا أدري ما هو عنصر الامتاع في أكل شيء غير قابل للمضغ، بعد عطنه بالشطة، فتجد آكل الأم فتفت يتوحوح ويئن فتحسب ان جهة أمنية أرغمته علي أكله كنوع من التعذيب!! المهم اننا في قطر نستأجر من يذبح لنا خرافنا، ونقوم بتقسيم اللحم الي كيمان ونضعه في اكياس ثم نقوم بتخزينه في الثلاجة، لعدم وجود مساكين يقبلون اللحم النيئ هدية او عيدية، والمحظوظ منا من "يحجز" عددا من العزاب ليفتكوا بخروفه!! وعندما كنت اقضي عيد الأضحي في السودان كانت المناسبة تنقضي أحيانا وأنا "لسه جحمان" وبي شوق للحم، وكان من المعتاد ان نتعشي في امسية العيد بالفول لأن هناك من أتي وقضي علي اللحم! وإذا ذبحنا خرافنا في مسلخ البلدية فإنهم لا يسمحون لنا بأخذ الكرشة والمصارين معنا لأن القوانين السارية تقضي بالتخلص منها فورا، بوصفها بيت الداء في الحيوان كما في الانسان،.. يعني تذبح خروفك في المسلخ "كمونية بح"، لابد أن تنسي موضوع الكمونية، لأنك ستُحرم من عناصرها الاساسية،.. وهكذا فإننا نأتي بـ «الضبّاح» الي البيت، وندفع له اتعابه كاش، ولا سبيل الي اغرائه بكلام مثل: شيل الجلد والرأس، لأنه ما من شخص يحفل بتلك الاجزاء من البهيمة في منطقة الخليج رغم ان بعض اهل المنطقة بهم ولع برأس الخروف (الخليجيون مثل اهل منطقة الفاشر يفضلون التيس علي الخروف، وإذا كان اهل دارفور يسمون التيس «عبد الجليل» لسبب لا أفهمه، فإنك قد تنخدع في الخليج وتحسب انك تأكل لحم ظبي، حينما يعرض عليك مضيفك الخليجي لحم الجدي، وانت لا تدري ان الجدي عندهم هو التيس.. وهناك سودانيون يحسبون تطعيم الكلام بمفردات خليجية ضربا من القندفة، وهؤلاء قطعا سيرفضون معظم اغاني الحقيبة التي يتم فيها تشبيه المحبوبة بالجدي، لأنه ليس من عاقل يتغزل بامرأة تشبه التيس).
منذ نحو عشرين سنة وأنا أكتب عن حكايات معينة عاما بعد عام، كلما أطل عيد الأضحي،.. ومنها ما حدث لصاحبي الذي كان قد التحق بعمله علي التو في أبو ظبي، واستقدم عائلته الصغيرة قبل ايام قليلة من العيد، وكما يليق بابن البلد فقد دعا جميع العزاب الذين كان يقيم معهم قبل قدوم زوجته لتناول الافطار في بيته يوم العيد، والتقينا في زريبة البهائم، حيث اختار كل منا خروفا ليتوجه به الي المسلخ القريب، ومن عادتي عند شراء الخروف ان أفتح فمه وأتحسس ذيله، دون ان أعرف مغزي ذلك، وكل ما في الأمر هو انني أري الآخرين يفعلون ذلك ثم يقررون ان الخروف كبير أو صغير، ولا أدري هل يهمس لهم الخروف بعمره عندما يفتحون فمه أم ان اختصاصياً بيطرياً في مجال الأذن والأنف والحنجرة علمهم كيف يحددوا عمر البهيمة بالنظر في بلعومها! وأفعل شيئا مشابها عندما اشتري البطيخ فلأنني أري الناس يضربون البطيخة لتحديد ما اذا كانوا سيشترونها ام لا، فإنني أجاريهم وأضرب عدة بطيخات ثم اختار واحدة منها عشوائيا، وغالبا ما «تطلع» بنكهة وطعم الخس!! المهم ان صاحبنا اشتري كبشا استراليا ضخم الجثة ووقف به في طابور طويل في انتظار الدور في المسلخ، وكان الطابور يزحف ببطء، حتي جاء الدور علي خروف صاحبي، وكان قد رقد فيما يبدو من فرط الاعياء الناجم عن الانتظار الطويل الممل،.. لكز صاحبنا الخروف كي ينهض، ولكن الخروف رفض.. شده من قرونه.. برضو ما في فايدة!! تذكر ان خروفه استرالي وقال له بالانجليزية: قت أب، ولكن الخروف رفض ان يقت أب!! هنا فقد صاحبنا اعصابه وصاح: قوم يا حيوان يا ابن الحيوان، وسحب الخروف من قرونه وذيله، ولكن الخروف سرعان ما هوي ارضا،.. هنا حاول احد العاملين الآسيويين في المسلخ مساعدة صاحبي واقترب من الخروف ولكنه صاح: بابا هادا في موت.. واقترب آخرون من الخروف وتحسسوه ثم قالوا انه مات فعلا! بالنسبة لصاحبي كان ذلك يعني موت اربعمائة درهم، اي ما هو أكثر من مائة دولار، فحاول ان يجري علي الخروف تنفسا اصطناعيا، وما يعرف ب" ماوث تو ماوث"، وهو ان تضع فمك في فم من يعاني من صعوبة في التنفس وتنفخ فيه علي أمل ان يعاود قلبه الضخ! ولكن الخروف كان قد مات تماما ونهائيا!! صار وجه صاحبي احمر من فرط الغضب وانهال علي الخروف ركلا: بالله شوفوا الخروف الحقير ده.. ما لقي يموت إلا عندي؟ قطع خمسة آلاف كيلو من استراليا الي ابو ظبي عشان يموت بعد ما ادفع فيه دم قلبي؟ الله يحرق قلبو!.. طبعا قام من كانوا بالمسلخ بمواساته: شد حيلك يا ابن العم.. كلنا لها... الجاتك في خروفك... ولكنه لم يجعلهم يكملوا: جاتكم داهية تلحِّقكم خروفي، وخرج من المسلخ غاضبا ليأتي بالمال اللازم لشراء خروف بديل.
خلال فترة حكم نميري كان بعض الشيوعيين المحس مختبئن في احد البيوت في العاصمة، ويتحركون بحذر ليلا تفاديا للاعتقال،.. ثم جاءت قريبة أحدهم من «البلد»، وسألت عنه كثيرا ولكن العالمين بحقيقة الأمور حاولوا زحلقتها بالزعم بأنه كثير المشغوليات والحركة، ولكنها صاحت: يا شنا، يا شنا (يا للعار أُس اتنين).. كيف ارجع للبلد واقول لهم انني لم أسلم عليه، وهكذا اتوا بها الي المخبأ، فأكرم الجميع وفادتها وقدموا لها عشاء طيبا، وقرروا ان تبيت ليلتها عندهم وإعادتها إلي مكان إقامتها في بواكير الفجر.. وجاء الفجر وحضروا لها الشاي بالقرقوش، وحاولوا إيقاظها،.. وفشلوا،.. لسبب بسيط، وهو أنها كانت قد ماتت!! فقد الجماعة توازنهم لبعض الوقت وصاح كبيرهم: سِكِّر دِيو؟ ماتت كيف يعني؟ ثم التفت الي قريب المرحومة وانفجر في وجهه: دي ظروف يموتو فيها؟ قريبتك البايخة دي ما لقت تموت إلا عندنا؟ ويقول بعض المغرضين انه تم دفن الولية في حوش البيت ذاك، ولكن مصادر مطلعة ابلغتني بان الجماعة اتصلوا بأقارب لهم واستأجروا شاحنة صغيرة (بوكس) ونقلوا الجثمان الي البيت الذي كانت تقيم فيه المسكينة.... التي شاء حظها العاثر ان تموت في بيت عزابة ... شيوعيين.... و...... برابرة!
الراي العام
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
Tumadir
rani
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست