الإنفصاليون الجدد....وتداعيات الرد عليهم

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-12-2024, 09:46 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.جون قرنق
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-07-2003, 03:25 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإنفصاليون الجدد....وتداعيات الرد عليهم

    أقترح أن يتم تجميع كل الكتابات التي أتت في كرد مع او ضد الدعوة لإنفصال الجنوب ، وذلك تعميما للفائدة

    وبالمناسبة أرجو ممن إطلع على المقال الاول للطيب مصطفى والذي اطلق هذه الشرارة أن ينزلها في هذا البوست
    ========================================================

    ولألوان كلمة


    ما آن لأبناء شمال السودان أن يعلنوا دولتهم المستقلة ؟
    إلى متى يظل جنوب السودان عائقاً أمام إنطلاق الشمال ؟


    لم أدهش للتداول الواسع الذي لقيته صيحتي للتصدي لمشكلة الجنوب برؤية جديدة تخرج بها عن المسلمات والمعالجات القديمة التي لم تورثنا غير الدمار والخراب والتخلف وفقدان خيرة أبناء الأمة طوال ما يقرب من نصف قرن من الزمان مما جعل حربنا هذه اللعينة الأطول بين حروب عالم اليوم ، بل ومـن أطول الحروب على إمتداد التاريخ البشري ، كما لم استغرب القبول الكبير الذي وجدته دعوتي لفصل الشمال عن الجنوب ، فقد كنت أعلم ذلك من خلال الهمس الذي كان يدور في المجالس ، لكني إستيقنت الآن يقيناً راسخاً بأن أمر الإنفصال يحظى بتأييد كاسح لدى أبناء الشمال ، وللأسف فإنه لم تقم أية جهة بإجراء إستبيان أو قياس رأي بين أبناء الشمال بعد أن إرتفع الصوت الجهير لأول مرة بين أبناء الشمال معبراً عما كان مكبوتاً أو مسكوتاً عنه… أقول ما من جهة تصدت لهذا الأمر بالرغم من أن قياسات الرأي والإستفتاءات باتت من أهم حيثيات إتخاذ القرار في القضايا الوطنية الكبرى على مستوى العالم أجمع ، ويكفي أن أذكر أن سويسرا إستفتت شعبها حول رأيه في إقامة جسر على بحيرة جنيف !! وبالرغم من أني قرأت كثيراً مما طرحه الشانئون والقادحون على صفحات الصحف ، فإني والله لم أجد حجة واحدة أقنعتني بأن أتخلى عن طرحي للإنفصال ، بل إزددت إقتناعاً ويقيناً ، ولا أقول ذلك إعتداداً برأي أو بخساً للآراء الأخرى التي أحترمها جميعاً ، فقد كان بعض ما طُرح من مخاوف وسلبيات جديراً بالتأمل ، لكن تلك المخاوف لا تعدو أن تكون مثل الآثار الجانبية التي قد تصحب الدواء ، فمن يعاني من السرطان مثلاً يصاب عند تناول الدواء بتساقط الشعر ، لكن هل يمتنع المريض عن تناول الدواء الشافي مضحياً بحياته خوفاً من تساقط شعره ؟! لذلك فإني أطلب إلى كل المترددين أن يفكروا في القضية الكبرى بالمنهج الجديد الذي دعوت إليه وآزرني فيه كثيرون ببيان وحجج أعظم مـن تلك التـي طرحتهـا وذلك بالخروج عن المسلمات القديمة ومألوف الآبـاء والأجـداد الـذي فتـك ببلادنا ردحـاً مـن الزمـان متأسين في ذلك بحكمة العقلاء من الشعوب الأخرى التي جنّبت بلادها العنت والمشقة والتخلف والمـوت والدمــار، وأرجـو أن نتجـاوز العصبيـات الصغيرة سواء كانت فكرية أو جهوية في سبيل الخروج من نفق الأزمة إلى بر الأمان لإقامة دولتين جارتين تعيشان في وئام وسلام .
    وقبل أن أطرح شيئاً جديداً أجدني في حاجة إلى أن أذكِّر بالتساؤلات الكبرى التي مهّدت بها لطرحي ، وأود أن أوطئ بها لمقالي اليوم ، فقد تساءلت عن أسباب تشبث الساسة في شمال السودان منذ فجر الإستقلال بجنوب السودان بينما لا يبدي ساسة الجنوب معشار ذلك الحماس للتوحد مع الشمال ، بل يتخذون من قضية الوحدة وسيلة ضغط وإبتزاز على أهل الشمال ، ومن هو الطرف الأحق بالحرص على الوحدة الشمال أم الجنوب، ولعل ذلك يولد أسئلة أخرى أختصرها في السؤال هل جني ويجني الشمال على الجنوب أم العكس هو الصحيح ؟!



    يتبع
                  

02-07-2003, 03:32 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الإنفصاليون الجدد....وتداعيات الرد عليهم (Re: nadus2000)

    أقول إنني لست في حاجة لأن أعدد الخسائر البشرية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية التي نجمت عن حرب نصف القرن ، فقد أفضت في ذلك في مقالي السابق وقلت إن هذه الحرب الطويلة جعلت السودان إحدى أفقر الدول في العالم بعد أن كان من أعظم الدول الأفريقية ودول العالم الثالث عشية الإستقلال ، ولذك فإنه لمن الغريب أن تنطلي علينا تلك الكذبة الكبرى بأن الشمال قد ظلم الجنوب لدرجة أن السيد الصادق المهدي طرح وعلى رؤوس الأشهاد فكرة الإعتذار لأبناء الجنوب عما لحق بهم من ظلم !! ولذلك لا غرو أن يُمارس علينا الإبتزاز بعد أن رددنا (نحن) الكذبة حتى صدقناها ، ولاغرو كذلك أن نغدق على مـن خربـوا البلاد وقتلوا العباد ونمنيهم بالمن والسلوى ولكنهم لا يكتفون ولا يشبعون ونتهافت عليهم وهم يعرضون عنا ونجري خلفهم وهم يصعرون خدودهم لنا ، ونقيم لهم من حر مال الشمال المحروم المطارات والمنشآت وهم يدمرونها ونتلطف بهم وهم يشوهون صورتنا ويعيروننا في إعلام وفضائيات الدنيا بأقذع الألفاظ والصفات… إنه الحقد العنصري الذي بينت لكم جانبـاً منه وأعرض عليكم اليوم على سبيل التذكير حتى لا تنسوا تقريراً كتبه على موقع شركته في الإنترنت بتاريخ الرابع من يناير الحالي الشاب السوداني الشمالي بكري أبوبكر الذي يعيش في أريزونا بأمريكا ويشغل منصب أمين موقع سودانيز أون لاين http://www.Sudanese on line .com وشركته مسؤولة عن الأمانة العامة لإعلام التجمع الوطني الديمقراطي وموقعهم في الإنترنت يضم التجمع الوطني الذي يرأسه الميرغني ويضم بعض الفعاليات السياسية والعسكرية المتمردة أهمها حركة قرنق . وقد أرسل بكري هذا صورة من التقرير على البريد الإلكتروني لكل من الميرغني وقرنق وحاتم السر والفريق عبدالرحمن سعيد ، ويقول بكري في التقرير إنه حضر برنامجاً إحتفالياً اُعد لعبدالعزيز الحلو القائد الميداني وزعيم فصيل جبال النوبة التابع لقرنق والذي كان في زيارة لأمريكا كعضو في وفد حركة قرنق في مفاوضات واشنطون (التي شارك فيها وفد من الحكومة)… وان البرنامج بدأ برقصة شعبية تحية للرجل قدمتها مقاتلات من الجيش الشعبي ، ولفت نظر بكري هذا عدم وجود سودانيين من مناطق السودان المختلفة في الحفل رغم وجود عدد كبير من السودانيين في مدينة فينكس الكبرى ، وقال إنه علم فيما بعد أن اللقاء تم الإعلان عنه فقط وسط أبناء جبال النوبة وجنوب السودان . وقال بكري ما نصه "وكان شخصي الضعيف وصديقي عبدالقادر عثمان الذي وجدته هناك يجلس وحيداً في مؤخرة القاعة وأصبحنا مثل رجل أبيض في كنيسة للأمريكيين السـود من أصل أفريقي فجاورته … بعد ذلك قمت بتوصيل الكاميرا الفيديـو بالكهرباء لشحنها ووصلت المسجل لتسجيل وقائع اللقاء بالقرب من المنصة، وقبل رجوعي لموقعي في نهاية القاعة قمت بأخذ عدة صور للحلو وعرّفته بنفسي" بعد إنتهاء الرقصة الشعبية بدأ قادة الحركة والجيش الشعبي فرع أريزونا كلماتهم الترحيبية بالحلو ، ومن المرحبات بالقائد سجلت هذه الكلمات من إمرأة قيادية في الحركة فرع أريزونا "أنتو يا قائد لو رجال بتاع جيش شعبي ما بقدروا يحرروا سودان من عرب نحن نسوان ممكن يجي يشيل سلاح ويحرر سودان إس بي إل إيه". بعد فترة ـ والحديث لبكري ـ "قمت بفحص الشريط في المسجل لمعرفة ما إذا كان يحتاج لتغيير الجهة ، وإذا بي اُفاجأ برجل من مكتب الحركة فرع أريزونا وكان يجلس بالقرب من الحلو في المنصة يقول لي إن القائد الحلو يأمرني بعدم التسجيل وأن أعطيه الشريط ، ووعدني بالتوضيح بعد اللقاء ، وإلى اليوم لم أسمع منه" ونقل بكري بعضاً مما قاله الحلو وقال إنه يكتب بدون زيادة أو نقصان بعد أن صُودر منه الشريط ويُشهد بكري على ذلك بقوله "والله على ما أقول شهيد" ومما نقله بكري من كلام الحلو "هناك مشكلة كبيرة جداً في السودان وذلك لوجود عدد كبير من السودانيين في المنافي مثلكم ، بدأت الأزمة منذ 40 عاماً منذ دخول الأتراك السودان وعملوا السودان زريبة وهم الذين زرعوا بداية شوكة التفرقة ، العرب كانوا يتحدثوا بمترجمين عند دخولهم السودان وكان هدفهم الأساسي تجارة الرقيق ، الذهب والأموال من جبال بني شنقول ، من التسعينات إستطاع الجيش الشعبي الوصول وإحتلال مواقع في الشمال مثل النيل الأزرق والبحر الأحمر ، بالإضافة إلى المناطق المحررة بالجنوب وجبال النوبة . الحمد لله تم تحرير مناطق كثيرة من الجنوب وتم إصدار العملة الجديدة وسوف يتم إنشاء البنك المركزي قريباً والآن معظم المحلات التجاريــة ملك تـدار بواسطة نـاس مثلكم ، يعني ما فـي عرب ولا جلابـة ولا إغريق … عندهم دكاكين وبارات في المناطق المحررة ، هدفنا أن تكون شولة زي سلوى تكون دكتورة وتسكن الصافية أوالرياض وتركب سيارة مرسيدس ، الحركة الشعبية قدمت الحل الصحيح لمشكلة الدين والديانات وهي فصل الدين عن الدولة وتقرير المصير لجنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق وأبياي ، نجحت الحركة في عزل النظام سياسياً عالمياً وداخلياً وفضحه وإستطاعت الحركة كشف نظام الحكم في السودان وتكوين تحالف للحركة الشعبية مع بقية الأحزاب السودانية" وقال بكري إن محور معظم الحديث كان عن الجلابة والعرب وإنه سجل هذه الوقائع بقلمه بدون الإستعانة بشريط لأنه اُخذ منه ، وختم بكري مرة أخرى بعبارة "والله على ما أقول شهيد".
    لعل العبـرة فـي هـذه الواقعة التي حدثت في الأيام القليلة الماضية تتمثل في الآتي :ـ
    1- إن هذه شهادة شاهد من أهلها ، فبكري من أهل التجمع الوطني الذي يمثل قرنق أهم أضلاعه ، وقد دُعي حسب إفادته من قِبل زكريا دينق أخي فرانسيس دينق الأصغر لتغطية الإحتفال ، لكن مشكلته أنه شمالي (من العرب الجلابة) .
    2- حديث من وُصفت بأنها قيادية من حركة قرنق فرع أريزونا ينم عن الحقد العنصري الدفين على أبناء الشمال "العرب الجلابة" والذي أكدنا عليه في مقالنا السابق بالشواهد والإثباتات ، ولعل عبارتها "يحرروا سودان من عرب" تكشف حقيقة وطبيعة التمرد المعبر عنه في اسم "الحركة الشعبية لتحرير السودان" و"الجيش الشعبي لتحرير السودان" أي تحرير السودان من العرب كمـا أوضحت القياديـة الجنوبية بشكـل صريح أمام الجميع بدون تعليـق أو إعتراض من الحلو الذي أكد على ذات المعنى .
    3- كلام الحلو عن دخول العرب السودان لأول مرة وحديثهم إلى الأهالي عن طريق المترجمين ودخولهم للمتاجرة في الرقيق والذهب يعبِّر عما ظل قرنق وقادة التمرد وكل أتباعهم من المثقفين الآخرين يملأون به الدنيا ضجيجاً خاصة في أفريقيا جنوب الصحراء والتي توغر صدور شعوبها الزنجية بمثل هذا الكلام عن العرب وإسترقاقهم للأفارقة ، وهذا يتسق مع ما ذكرنا أن قرنق ظل يردده "إن العرب مكثوا في الأندلس أكثر مما مكثوا في السودان ، وكما خرجوا من الأندلس سيُخرجون من السودان" (بما يعني أنهم دخلاء مستعمرون وكانوا يتحدثون عندما دخلوا إلى الأهالي بمترجمين وان العرب في الشمال لايختلفون عن البيض في جنوب أفريقيا أيام الفصل العنصري) وأشير مجدداً إلى أن قرنق هذا قد شهد مذابح العرب والمسلمين في زنجبار في منتصف الستينات من القرن الماضي عندما كان طالباً في جامعة دار السلام مع صديقه الصدوق موسيفيني ، ولعل عبارة الحلو حول المحال التجارية التي يديرها جنوبيون في (المناطق المحررة) وليس عرب أو جلابة يؤكد ما ظللنا نقوله عن الحقد الأعمى الذي ملأ قلوب هؤلاء وعقولهم على أبناء الشمال الغافلين عما يُدبّر لهم من مكر وتآمر والذين لا يزال بعضهم يدافع عن طروحات قرنق ويستميت في الدفاع عن السودان الموحد الذي يسعى قرنق لتحريره منهم .
    4- الحلو هذا يحمل إسماً إسلامياً تماماً مثل مالك عقار زعيم التمرد في جنوب النيل الأزرق والذي قال لأحمد البلال الطيب عندما سأله عن سبب عدم تلبيتهم دعوة الإفطار الرمضاني التي وُجهت من قِبل الوفد الحكومي في مفاوضات مشاكوس ، أجاب "إن بيننا وبين الحكومة دم" . أقول إن الذي يجمع بين هذين الرجلين وبين معظم المثقفين الجنوبيين والذين أوردت رسالتهم لقرنق في مقالي السابق تنم عن حقد دفين يكنه هؤلاء على الشماليين (العرب الجلابة) . وقد نجح قرنـق في المتاجرة ببعض العناصر الشمالية من أمثال ياسر عرمان الذي يدير حملة العلاقات العامة لقرنق في المحيط العربي والمستشار منصور خالد … وعجبي من منصور خالد هذا الذي يعلم الجميع أنه أكثر تأهيلاً من قرنق وأكبر عمراً منه ومن جميع قيادات التمرد ، لكنه لن يبرح موقع المستشار ليتولى منصباً تنفيذياً من المواقع التي يحتلها مـن أبناء الدينكا مـن هم أصغر مـن أبنائه المفترضين وهو يعلم ذلك ويعلم أنه لا يختلف عن بكري كاتب التقرير في شئ في نظر قرنق لأنه وعرمان وغيرهما ليسوا أكثر من كمبارس أو فنيي ديكور ومكياج لتجميل صورة قرنق وحركته العنصرية الحاقدة ، وللأسف فقد أدمن هؤلاء الشعور بالإسترقاق حتى فقدوا الإحساس وباتوا مسلوبي الإرادة لا يدركون مصلحتهم أو معنى لكرامتهم أو واجبهم تجاه أهليهم ، (فلو صدقوا مع أنفسهم وأزاحوا الغشاوة التي تغطي بصائرهم وأبصارهم لاعترفوا بالكثير المثير) ، لكن من يهن يسهل الهوان عليه ؟! وليت الضباط الشماليين الذي خرجوا من أسر قرنق يحكون ما ذكره لي بعضهم عن معاملة المتمردين لهم والحقد والغل وروح التشفي والإنتقام التي تملأ جوانح المتمردين وأعمال السخرة التي كانوا يكرهون عليها أولئك الضباط ، ولذلك فإن مافعله قرنق بالنائب الأول مؤخراً في نيجيريا يصب في ذات الإتجاه إتجاه الإنتقام والتشفي والحقد العنصري الدفين ، ولعل ذلك الحقد يعتبر العنصر الأساسي والمحوري في خطابهم لأبناء الجنوب عامة بهدف قدح الثورة والتمرد في نفوسهم من أجل معركة التحرير من العرب (المستعمِرين)، وأرجو أن أشير إلى أن تركيزي في مقالي السابق والحالي على إثبات الحقد الذي يملأ قلوب هؤلاء العنصريين وتبيان المعنى والمغزى الحقيقي لعبارة تحرير السودان الواردة في اسم الحركة من خلال اعترافات وإفادات قياداتها ، أقول إن الهدف من ذلك كله هو تبصير أهلي من أبناء الشمال بحقيقة ما يُدبّر لهم حتى يصحو الغافلون والمترددون قبل فوات الأوان!
    كثير من الشائنين أبدوا بعض التحفظات والمخاوف من فصل الجنوب ، وبالرغم من وجاهة بعض تلك الآراء والملاحظات إلاّ أنها جميعاً لم تقدم حلاً بديلاً بعد أن أغفلت الإجابة على أسئلتي التي أكررها مجدداً مؤكداً أن أي حديث لا يتناول تلك الأسئلة يتغافل عن القضية الرئيسية . وأقول متسائلاً هل يقبل هؤلاء بأن يحصل قرنق على حكم الجنوب بكامله مع المشاركة في حكم الشمال بنسبة 40% من مجلس الوزراء والأجهزة التشريعية والقضاء والمحكمة الدستورية والمحكمة العليا والخدمة المدنية خصوصاً الوظائف القيادية والوسيطة والتمثيل الدبلوماسـي والمنظمات العالميـة ، وعلاوة على ذلك أن تكون رئاسة الجمهورية دورية أو في المقابل أن يُمنح قرنق منصب نائب الرئيس بسلطات مماثلة لسلطة الرئيس أي أنه يحق له أن يستدرك على قرارت الرئيس؟ هل يقبلون تملك قرنق والجنوب 60% من ثروة البلاد بحيث يبقى لبقية السودان 40% مع إدراج جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق وأبيي في أجندة التفاوض كجزء من قضية الجنوب ، وفوق ذلك كله أن تُحكم العاصمة بالقوانين العلمانية ؟ أقول هل يرضى الشائنون من أبناء الشمال بأن نعطي قرنق كل ذلك ولا نبقي للشمال غير الفتات ؟ هل يرضون بأن يقهر قرنق وسياسيو الجنوب شمال السودان خلال فترة الحرب الطويلة ويقهره خلال فترة السلام بتجريده من الثروة التي حرم منها بسبب مشكلة الجنوب طوال ما يقرب من نصف قرن من الزمان وتجريده من السلطة في الشمال بعد أن يمنح حكم الجنوب بكامله بدون مشاركة من الشمال ؟ إن ما ذكرته الآن نقلته من وثيقة رسمية اُرسلت من قِبل وسطاء مشاكوس في الشهر الماضي (ديسمبر) ، فضلاً عن ذلك فإن هؤلاء الوسطاء قد عدلوا من أجندة الجولة الجديدة من المفاوضات بإيعاز من حركة التمرد، ولم تستشر الحكومة في ذلك … وليس خافياً علىأحد أن جميع وسطاء وشركاء الإيقاد يتعاطفون مع قرنق .
    وعليه فإني أقول بأن كل من كتبوا قادحين حاموا حول المشكلة ولم يغوصوا في السيناريوهات المختلفة لحلها ليختاروا أحدها ، والسؤال هو هل نقبل بتلك المطالب التي أكدها قرنق ونصت عليها مذكرة الوسطاء ؟ إذا كنا لا نرضى بمطالب قرنق المستحيلة فإننا أمام خيارين ، فإما أن تستمر الحرب كما إستمرت لما يقرب من نصف قرن من الزمان بكل ما يعنيه ذلك من تطورات سلبية محتملة في ظل التعاطف الدولي والإقليمي الذي يجده قرنق والتدخل الإسرائيلي المكشوف للإحاطة بمصر والسودان من خلال دعم قرنق وتمكينه من تنفيذ مخططاته والمخطط الأمريكي الذي يسعى إلى إعادة رسم خريطة المنطقة وإحكام الطوق حول عنق السودان ، أقول ذلك وأنا أقرأ عن مخطط أمريكي لتغيير هيكل الحكم في السودان لمصلحة سيناريو جون قرنق حول السودان الجديد ، ويأتي قانون سلام السودان كنوع من الضغط على الحكومة للرضوخ لمطالب قرنق ، وينص القانون على عقوبات إقتصادية على السودان تتضمن حظراً على السلاح مع رصد 300 مليون دولار لحركة قرنق ، أقول إما أن تستمر الحرب بكل هذه التداعيات التي أوقن أنها ستنقل الحرب إلى مرحلة جديدة بعد توقف فترة الهدنة الحالية أو أن نقدم على الخيار المتبقي لنا وهو خيار الإنفصال الذي لا أرى مناصاً منه فهو الوحيد الذي من شأنه أن يوقف الحرب وذلك من خلال التعجيل بتقرير المصير وإجراء الإستفتاء لشعبي الشمال والجنوب بحيث يحق لأي منهما تقرير الإنفصال ، ولذلك على كل الذين ينتقدون طرحي أن يجيبوا على هذه الأسئلة وأن يختاروا بين هذه السيناريوهات أو أن يأتوا بطرح جديد بدلاً من الإكتفاء بالتباكي على الوحدة التي ما دفعني إلى نبذها إلاّ فشلها طوال العقود الماضية في وقف الحرب والدمار والخراب وتعطيل مسيرة السودان ، ولعلي أتساءل إذا كان قرنق يصر على أن يكون الحاكم الأوحد الذي يقرر في كـل الشـأن الجنوبي مع المشاركة في حكم الشمال بنصيب مقدر فأين هي الوحدة التي يتحـدث عنهـا الناس ، ولماذا لا نبقى له الجنوب وحده طالما أنه أصلاً سيكون من حقه ولا دخل للشمال والشماليين فيه ، ولماذا لا نبقي الشمال للشماليين بـدلاً من منح قرنق نصفه مع كـل الجنوب وحرمان أبناء الشمال من الجنوب تماماً ؟ إنها الغفلة والشعور بالذنب عن جرم لم نرتكبه يجعلنا نسير معصوبي العيون نحو حتفنا لنسلم السودان بدون تفويض من شعب شمال السودان لرجل لم يفعل بالسودان غير الخراب والدمار !! فهل من سبيل أمامنا غير الحكمة الإنجليزية (Better late than never) والتي تعني "الأفضل أن تقدم على فعـل ما ينبغي أن تفعله حتى ولو جاء ذلك متأخراً من ألاّ تفعل البتة" ؟
    أقول ذلك في ظل الحقيقة المؤلمة بأن صبرنا الطويل على المشكلة لم ينهها بقدر ما عقدها ، فإذا كانت قد بدأت عام 1955م فإنها قد تشعبت مع الأيام ، وإذا كان أقصى طموحات وليم دينق عام 1965م لم تتجاوز منح الجنوب الحكم الفيدرالي فإن نيال دينق ابن وليم دينق وهو من قيادات حركة قرنق ينادي الآن بعد 38 عاماً من والده بتحرير السودان جميعه من العرب … وذلك من خلال حكم الجنوب بكامله والمشاركة الكبيرة في حكم الشمال وتجريده من معظم ثروته لمصلحة الجنوب وذلك كله تمهيداً للإجتياح الكبير الرامي إلى تحرير السودان من (العرب الجلابة) .
    إن ما يؤلم بحق هو أن الدعوة إلى الإنفصال تمت في وقت مبكر ولعل ما أخرجه لنا عابدون نصر عابدون من الوثائق القديمة مما طالب به الشاعر الدبلوماسي يوسف مصطفى التني عام 1964م أي قبل 39 عاماً من الآن حين نادى بفصل الجنوب يعتبر إدانة للأجيال المتعاقبة منذ فجر الإستقلال وحتى اليوم ، وتخيلوا ما كان سيكون عليه حال الشمال والجنوب الآن لو كان الساسة قد حسموا أمرهم منذ ذلك الحين وفصلوا الجنوب وُوظفت عشرات المليارات من الدولارات التي اُغرقت في مستنقع الجنوب في تنمية الشمال الحزين … إنني بذات الفهم أخشى أن تنقضي 39 سنة أخرى نعض بعدها أصابع الندم والحسرة التي نتجرع علقمها اليوم أسفاً على ضياع تلك السنين الغالية من عمر السودان ، لكن الأمر هذه المرة أعجل من 39 سنة بل أعجل من عشر سنوات مع تسارع وتيرة الأحداث وتسارع وتيرة أحكام الطوق حول عنق السودان ، وهكذا فإن العدو أمامنا والبحر من خلفنا ونحتاج إلى عزيمة طارق بن زياد لنكتسح حقول الألغام المنصوبة أمامنا بحنكة وحكمة ونحتاج إلى أن نعد العدة الآن حتى لا نؤخذ على حين غرة وذلك بالإستعداد لفترة ما بعد مشاكوس التي يسعى قرنق بتشجيع أمريكي لإفشالها بحيث يعلن عن ذلك في اللحظة التي يكون فيها جاهزاً لإستئناف القتال ووقف الهدنة خاصة وأن الرجل يتحرك الآن على المستوى الداخلي حشداً للقوة وللمؤيدين في الإستوائية وجبال النوبة والإنقسنا والمستوى الخارجي جمعاً للسلاح ، وتأتي زيارته وزيارة صديقه موسيفيني لإسرائيل مؤخراً في هذا الصدد .
    أما الخائفون على الوحدة الوطنية ومن تشرذم السودان جراء فصل الجنوب فإني أورد المثل القديم مجدداً لأقول إن هؤلاء يشبهون من يرفض بتر ساق المصاب بالسرطان مثلاً خوفاً من عدوى قد أكرر قد تصيب الساق الأخرى ذلك أن مشكلة جنوب السودان تختلف عن مشاكل بقية الولايات الأخرى لأن عناصر التوحد بين أبناء الشمال والجنوب تكاد تكون منعدمة تماماً فاختلاف العرق والدين واللغة والعادات والتقاليد والوجدان والمشاعر المشتركة يحتم إنتهاج نهج جديد من التفكير خاصة بعد أن فشلت كل محاولات الجمع بين شعبين متنافرين في وطن واحد، ولايمكن لعاقل أن يرضى باستمرار هذا النزيف إلى الأبد ، ومن الوهم الزعم بأن أبناء جبال النوبة مثلاً بمن فيهم العرب ومن يعيشون في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة وهي المساحة الأكبر يمكن أن يقدِّموا الإنضمام إلى دولة قرنق على البقاء في دولة الشمال التي يعلمون تسامح أهلها الذين يعيش بينهم في وئام وسلام معظم أبناء الجنوب الفاريـن من الحرب وأبناء النوبة ، فضلاً عن أن جبال النوبة لايمكن أن تقيم دولة منفصلة ولكن هب أن جبال النوبة إختارت الإنفصال فهل هذا يمثل سبباً في الإبقاء على الحرب إلى الأبد … لذلك أقول إننا لا نخشى تفجر الصراعات في بقية أنحاء السودان لأن فصل جزء من الوطن تقليد عُمل به في أماكن مختلفة من العالم خاصة وأن وقف الحرب من شأنه أن يوقف الهدر الذي يستنزف معظم موازنة السودان كل عام ، ويُمكِّن من تنمية مختلف مناطق السودان خاصة الفقيرة منها والتي ظُلمت طويلاً بسبب الجنوب الذي دمـر نفسه ودمر السودان جميعه لعقود من الزمان . وأقول إنه لا توجد مشكلة شرق أو غرب وإنما هي تداعيات للمشكلة الكبرى وأمراض جانبية من إفرازات الداء الأكبر ، وبمجرد زوال ذلك الداء ستعود المياه إلى مجاريها والحياة إلى ما كانت عليه في السابق . إن الذيـن يوردون حجة الخوف من تمزق السودان وغير ذلك من الحجج التي من شأنها أن تبقي على الوضع الحالي لم يقدموا سيناريو بديل لحل مشكلة الحرب المستعرة لعقود مـن الزمان ، وكل هذه الدعوات العاطفية إلى التصاهر والتعايش وإزالة أزمة الثقة لا تقدم حلاً للمشكلة وإنما تجعلها عرضة للتعقيد الذي ثبت أن الزمن لا يخفف من غلوائه بقدر ما يزيد من ضراوة وتيرة إشتعال الحرب وإنتقالها إلى مناطق أخرى تماماً كما يفعل السرطان الذي لا يوجد حل عند إستفحاله غير البتر والإستئصال ، وقد جربت أقوام وشعوب أخرى ذلك بالرغم من أن مشكلاتهم لم تبلغ درجة إستفحال مشكلتنا هذه اللعينة التي عطلت مسيرتنا وجعلتنا محلاً للسخرية والتندر والإستخفاف حتى من الصغار مثل أفورقي وموسيفيني اللذين ما كان ينبغي أن يتطاولا حتى على أضعف ولاياتنا ، وهذا والله أمر محزن لا يليق بشعب السودان بكل ما عُرف عنه من صفات نبيلة هو جدير بأن يحتل بها السيادة والريادة بين العالمين . وأقول إن مثل هذه المخاوف من عواقب الإنفصال عُولجت في الدول التي إختارت ذلك الطريق كحل لا مفر منه ، فمثلاً أريتريا وأثيوبيا عالجتا مشكلة نزوح مواطني كل من الدولتين ممن كانوا يعيشون في البلد الآخر وكذلك مشكلة المهاجرين عند إنفصال باكستان عن الهند… إلخ .
    بعضهمم يتعللون بأن أمريكا تجمع في أحشائها شعوباً كثيرة من العالم أجمع تعيش جميعها في سلام ووئام ، ولكن ينسى هؤلاء أن أمريكا لا تعاني اليوم من حرب أهلية ولم يشن السود الذين ذاقوا ويلات الإسترقاق على أيدي البيض حرباً على بلادهم وعلى مواطنيهم كما حدث في السودان ، ولو وجدت حرب أهليه لتحركوا في سبيل حلها ولم يركنوا إلى الواقع القائم لعقود من الزمان ، لكني أعجب ممن يستشهدون بأمريكا بالرغم من ضعف الحجة ويتناسون العديد من التجارب الأخرى التي ذكرتها في مقالي السابق ، ثم ان هناك تجارب لدول انقسمت على أسس عقائدية بالرغم من توافر عناصر التوحد بين أبناء تلك الشعوب ولكنها ما لبثت أن عادت للتوحد بمجرد زوال الأسباب مثل ألمانيا التي توحدت بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي ، كما أن أوروبا الآن تتوحد بسبب تكاثر دواعي التوحد ، ولكن ذلك يتم بصورة طوعية لا قسرية ، فجمهوريات الإتحاد السوفيتي التي وُحدت بالقوة بالرغم من تنافرها ما لبثت أن انفصلت عن دولة القهر فور زوال القبضة الحديدية ولا يزال بعضها يسعى للفكاك مثل الشيشان ، وأود أن أردد تساؤلات بعض الأخوة لماذا يا ترى لا نتيح فرصة للإنفصال كما أتحنا للوحدة نصف قرن من الزمان قضيناها إحتراباً وفشلاً فلربما تندمل الجراح ويتغير الحال وتنشأ عوامل توحد جديدة في المستقبل حتى ولو على أساس المصالح المشتركة .
    يتساءل البعض كيف ستُعالج حالة الجنوبيين المسلمين أو المستضعفين ممن يخشون بطش قرنق وتكرار مذابح الهوتو والتوتسي بعد الإنفصال ، وأرد على ذلك بالقول بأن كل هذه قضايـا ثانوية ينبغـي ألاّ تقدم على القضية الرئيسية فالمصاب بالسرطان كما بينت لايقدم تأثيراته الجانبية على معالجة وإستئصال المرض الفتاك قبل أن يؤدي إلى الوفاة ، كما أن المريض بذلك الداء يفضِّل بتر ساقه والعيش بقية عمره بذلك الوضع على ترك الداء يستشري في بقية الجسد ويقضي على حياة المريض على أن ذلك لا يعني ألاّتُعالج مثل هذه القضايا الجانبية بأفضل الوجوه بالرغم من أننا قد نضطر إلى التعايش بمثال الساق المبتورة في الجسد السليم أحياناً، فمثلاً يمكن السماح بهجرة هذه العناصر المسالمة الخائفة من جحيم قرنق إلى الشمال كلاجئين أو مواطنين كما يحدث في أوروبا وأمريكا ، والمهم هو أن يُعالج هذا الأمر لكنه لن يُقدَّم بأي حال على جوهر القضية التي أهلكت الحرث والنسل .
    البعض أفاض في ذكر الأمثلة لبعض المخلصين من دعاة الوحدة من أبناء الجنوب الذين قضى بعضهم في ساحات القتال وهؤلاء نسوا أنني استخدمت عبارة معظم ولم أعمم ، وبيني وبين بعض أبناء الجنوب ود واحترام كبير وأعرف عن صفاء سريرتهم ، ومن هؤلاء رياك قاي وأليسون مناني مقايا ، كما أعرف بعض الشهداء من أمثال عبدالله ويلكم الذي كان أخاً في الله لبعض أبنائي وخاض معهم غمار المعارك في الجنوب حتى استشهد ، لكن تلك النماذج الفردية وعلاقتي الشخصية معها لا يمكن أن تكون سبباً في الإنصراف عن قضية الوطن الكبرى المتمثلة في الحرب ، فالخاص ينبغي أن ينزوي عندما يتعلق الأمر بقضية عامة .
    يتساءلون ما هي الضمانات لتوقف الحرب بعد الإنفصال ، وأقول إن ذلك يحدث بمشاركة المجتمع الدولي وبموجب إتفاقيات تشارك فيها المنظمات الدولية كما حدث في البوسنة وأريتريا وأثيوبيا ، صحيح أن الحرب إندلعت بعد ذلك بين الدولتين لكنها بالطبع لم تستمر أكثر من أيام قليلة ، وما كان لها أن تنشب أصلاً لولا طيش أفورقي وتهوره ، ولكن هل يمكن أن نعقد المقارنة بين تلك الحرب القصيرة وحرب الثلاثين عاماً والتي أفضت في النهاية إلى إستقلال أريتريا ؟

    يتبع
                  

02-07-2003, 03:33 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الإنفصاليون الجدد....وتداعيات الرد عليهم (Re: nadus2000)

    البعض إتهمني بالتعبير عن رغبة لدى الحكومة تسعى من خلالها إلى فصل الجنوب للإنفراد بحكم الشمال بدون مشاركة القوى السياسية الأخرى وأورد بعضهم علاقة الدم التي تربطني بالرئيس ، وأرجو أن ترجعوا لحسين خوجلي وأحمد البلال الطيب ومحمد محجوب هارون الذين طلبت منهم ألاّ ينوهوا عن المقال مسبقاً لأني كنت أخشى أن يُمنع نشره ، هذا فضلاً عن أن الناس قد يذكرون مقابلة لي مع صحيفة أخبار اليوم قبل نحو ست سنوات نُشرت بعنوان ضخم يقول على لساني "لن أذرف دمعة واحدة إذا إنفصل جنوب السودان" فموقفي قديم لكنه إزداد رسوخاً مع الأيام ، وفجّر موقفي الحالي تطاول قرنق الأخير خلال مفاوضات مشاكوس وتهافت الحكومة على إرضائه بالرغم من أنه هو الذي ينبغي أن يسترضي الحكومة فالشمال الذي يمتلك كل مقومات الدولة لا يحتاج إلى الجنوب بقدرما يحتاج إليه الجنوب الذي ظل على الدوام عالة على الشمال ، فلماذا إذن يبتزنا قرنق وكأن الشمال سيهلك جوعاً إذا انفصل الجنوب لا العكس .

    وأردت بصحيتي أن أعبِّر عن دهشتي لهذه الغفلة التي تجعلنا نتشبث بمن دمر بلادنا وشوه سمعتنا بالباطل بين العالمين بالرغم من أنه كان ينبغي أن نسعى نحن للخلاص منه بأكثر من سعيه هو للإنفصال عنا وأن نبتزه نحن بدلاً من أن يبتزنا فهو يحتاج إلى الشمال لا العكس ، ولذلك أقول إنه ينبغي أن نعجل بالإنفصال إنقاذاً لمستقبل أجيالنا الجديدة وتكفيراً عن جريمة كبرى إرتكبناها في حق وطننا وأهلينا . وأقول إن كثيراً من الناقدين يتركون جوهر القضية ويلقون بالتهم يساراً ويميناً ، ويعلم الله وحـده أنه ما من أحد كان يعلم عن المقال قبل أن أشرع في كتابته ، ولم استشر أحداً عندما دفعت به إلى الصحف الثلاث التي ما نشرته في يوم واحد إلاّ لأهميته وقصدت بذلك إطلاع أكبر عدد من القراء عليه، والصحافة كما تعلمون تبحث عن السبق الصحفي والإثارة . أقول ذلك لأؤكد أني أردت بطرحي هذا مخاطبة أبناء الشمال خطاباً وطنياً قومياً شاملاً لهم جميعاً متجاوزاً الإنتماءات الحزبية الضيقة ومحذراً من الخطر المحدق بالسودان عامة وبالشمال خاصة ، وإنتقدت الحكومة لحشدها أبناء الجنوب خلف قرنق بمنحه رمزية التعبير عـن أشواقهم فـي السلطة والثروة بينما لم تنجح في حشد المواعين السياسية المختلفة المستقطبة لأبناء الشمال والمتمثلة في الأحزاب ، وذكرت بالاسم الصادق والميرغني والترابي ، وقلت إن هؤلاء أقرب إلى الحكومة من قربهم لقرنق لأنهم لا يجرأون على إستعداء جماهيرهم والموافقة على مطالب قرنق المستحيلة ، فضلاً عن أن قرار فصل الجنوب يحتاج إلى إجماع وطني يتم عن طريقين فإما أن تتفق الأحزاب الكبيرة ، وإما أن يُجرى إستفتاء شعبي ، وأنا على يقين أن أبناء الشمال مؤيدون للإنفصال بنسبة هائلة ، وأرجو ألاّ تتردد الحكومة في إنفاذ سيناريو الإنفصال خوفاً من تحمل نتيجته ، فمثل هذا الكلام يكون صحيحاً عندما يكون القرار خاطئاً ، لكن إذا كان القرار صحيحاً وسيجنب البلاد ويلات الحرب ويوفر الموارد للتنمية فلماذا الخوف منه … إن الزعماء الذين إتخذوا قرارات الإنفصال في هذا العالم لا يُذكرون ألاّ بالخير لأنهم جنبوا بلادهم شرور النزاع والحروب .
    البعض إتهمني بأني أصدر في رؤيتي هذه عن عقلية عنصرية ، وأود أولاً أن أكرر أن الإستعلاء حقيقة بشرية موجودة في كل العالم ويُمارس على الشماليين في كثير من بلاد الدنيا ، ومن بينها الدول العربية ، كما يُمارس على بعض القبائل في جنوب السودان من قِبل قبيلة الدينكا التي ينتمي إليها قرنق ، وقد ضربت مثلاً بالإضطهاد الذي يتعرض له الفرتيت وغيرهم من قِبل قبيلة الدينكا التي ينتمي إليها قرنق ، كما يعاني منه السود في أمريكا حتى اليوم لكنهم لا يحملون السلاح على مواطنيهم كما يفعل قرنق وكثير من ساسة الجنوب الذيـن يملؤون الدنيا ضجيجاً لتشويه صورة أبناء الشمال من (العرب تجار الرقيق) . أما بالنسبة لي على المستوى الشخصي فإني أقول لمن إتهمني بالعنصرية بأني اعتقد إعتقاداً راسخاً في قوله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وفي الحديث الشريف (لا فضل لعربي على عجمي إلاّ بالتقوى) ، ولن أقدم بين يدي الله ورسوله ما وسعني ذلك وأسعى على الدوام لقتل المشاعر العنصرية في نفسي بمواقف عملية لأن العصبية العنصرية في تعريف الرسول (ص) جاهليـة منتنة ، ولذلك أقولها بصدق بأني لن أتردد في قبول زواج أي مسلم جنوبـي من ابنتي عنـد موافقتها على ذلك ، ولو كان يحل زواج المسيحي أو الوثني لفعلت ذات الشئ ، فكيف بربكم أرفض رجالاً في قامة وخلق موسى المك كور وعبدالله دينق نيال وشول دينق . وأنا لم أذكر في مقالي السابق كلمة توحي بإحتقاري للعنصر الزنجي لأن الزنوجة تجري في دمي ودم أبنائي وليت من إتهموني بالعنصرية يسألون الأسرة الجنوبية التي تقطن منزلاً عشوائياً مجاوراً لمنزلي ليعلموا كيف أتعامل معهم ، لكني رغم ذلك أرفض دفن رأسي في الرمال على طريقة النعام ، بينما الحرب تطحن البلاد والعباد ، وأقر تماماً أن هناك حواجز نفسية كبيرة وأحقاد مريرة بين أبناء الشمال والجنوب سمها إستعلاء عرقي أو غير ذلك ، لكنها الحقيقة التي ينبغي أن نتعامل معها وننطلـق منها ومن غيرها لنبحث عن حل للمشكلة .
    إني عندما أنحاز للشمال أفعل ذلك لأني شمالي مثلما أن قرنق جنوبي يسعى في مشاكوس وغيرها لاعظام حق الجنوب من الثروة والسلطة ، كما أن الحكومة أرادت أم لم ترد تعبِّر عن الشمال بسعيها لتقليص وتقليل جموح قرنق ومطالبه المستحيلة في السلطة والثروة من خلال سعيها لمساواته ببقية ولايات السودان وأقاليمه ، وللأسف فإن من وصفوا حديثي بالعنصرية هم الذين يملأون الدنيا ضجيجاً عن الشفافية وحرية التعبير ، ولكنهم هنا يستاءون من إفصاحي برأيي الذي لم أرد منه ألاّ حل مشكلة الحرب المتطاولة بدلاً من السكوت والركون إلى الحلول والمسلمات والثوابت القديمة التي لم تورثنا غير الدمار والتخلف ، ولذلك دعوت إلى رؤية جديدة سبقنا إليها كثيرون في هذا العالم دون أن يدمروا أنفسهم وبلادهم ، لكن البعض يريد لنا أن نظل سائرين في حقل الألغام إلى الأبد متشبثين بمألوف الآباء والأجداد (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون) عاكفين على عبادة صنم الوحدة الكذوب وكأن قرآناً يُتلى قد تنزّل بتقديسه لا إستعماراً بغيضاً أرادها سكيناً سامة تنهش في جسد الأمة … إستعماراً تحكي وثائقه عن زرعه للمشكلة عن طريق قانون المناطق المقفولة الذي منع التزاوج والتصاهر الإجتماعي بين أبناء الشمال والجنوب وأضرم نيران الفتنة ولم يغادر البلاد قبل أن يتحقق من إشتعالها في توريت عام 1955م ، وبالرغم من علمنا بكل ذلك وعلمنا بضآلة ما يجمع بين شعبي الشمال والجنوب نصرُّ على هذه الخطيئة غير معتبرين بكل ما حدث من خراب ودمار وتخلف .
    ثم ينبغي أن أتعرض للدور المصري في السودان وموقف مصر الإستراتيجي من قضية وحدة السودان ، وأقول إن على مصر أن تعيد النظر في موقفها من هذه القضية بحيث تتـرك السودان يقرر ما يراه متسقاً مع مصالحه ولا تفرض رؤيتها أو تمارس الضغوط في سبيل إنفاذها في السودان ، فلو كان السبب في موقفها يعود لخوفها على مياه النيل فإن مصر تعلم أن 86% من مياه النيل تأتي من النيل الأزرق الذي لا يمر بجنوب السودان ، لذلك فإن أبناء السودان ينظرون بكثير من الريبة والشك للدور المصري في السودان منذ عهد الفراعنة مروراً بفترة الإستعمار المصري الذي يُسمى تأدباً بالتركي ثم الإستعمار الإنجليزي المصري ثم فترة ما بعد الإستقلال ، حيث ظلت مصر تفرض على السودان مبدأ الوحدة بدون أن تدفع في سبيل ذلك قرشاً واحداً وكأن السودان لا يزال جزءاً من مصر ، وقد ملّ أبناء السودان عبارة مصر والسودان جسد واحد التي كررها بعض المسؤولين المصريين في زياراتهم الأخيرة ذلك أن سائر الجسد يتداعى بالسهر والحمى عندما يشتكي عضو من أعضائه ، لكن القاهرة لم تسهر يوماً أو تصاب بالحمى طوال فترة الحرب المتطاولة والمدمرة التي ضربت السودان وعطلت مسيرته وقتلت خيرة بنيه وإنما ظلت تفتح ذراعيها وقلبها لقرنق حتى الآن وإلى الغد ، بل وتخفف عليه بفتح الجبهة الشمالية … قرنق الذي ظل يحمل السلاح ضد السودان لما يقرب من عشرين عاماً ولو تعامل السودان بالمثل لقامت الدنيا ولم تقعد … قرنق الذي كانت أطروحته للدكتوراه عن قناة جونقلي وكان أول ما فعله عند إعلان تمرده وقف العمل في القناة وتدمير منشآتها بالرغم من أنه كان مفترضاً أن تدر على مصر أربعة مليارات متر مكعب من المياه كل عام !!
    ثم إن مصر وقعت إتفاقية كامب ديفيد رغم أنف جميع الدول العربية لكي توقف حربها مع إسرائيل حفاظاً على دماء أبناء شعبها ومواردهم ، لكنها لا تسمح للسودان بأن يختار الطريقة التي يحافظ بها على دماء وموارد شعبه حتى لو إستمرت الحرب مائة عام وهلك كل السودان وشعبه ، لذلك لا غرو أن تغضب مصر عند توقيع تفاهم مشاكوس لمجرد أن مشاكوس أقرت حق تقرير المصير لجنوب السودان ، وقد استمعت لمصطفى الفقي رئيس أهم لجانهم البرلمانية وهو يحاضر الشعب السوداني والحكومة السودانية مرتين من خلال القنوات الفضائية المصرية عن الخطأ الفادح الذي وقعـت فيـه الحكومة السودانية بتوقيعها تفاهم مشاكوس واستخف الرجل بتمسك السودان بالشريعة الإسلامية ، وصدقوني أن الرجل كان يتكلم يطريقة مستفزة لا تطاق وكأن السودان بقرة في حظيرته ، وتخيلوا ما كان سيحدث لو أن أحمد إبراهيم الطاهر أو عبدالرحمن الفادني إنتقد مصر لتوقيعها كامب ديفيد وتخليها عن دورها التاريخي مقابل ثمن بخس وطالب بطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة … لذلك أقول إن على مصر أن تعلم كيفية التعامل مع الشعب السوداني الذي يستفزه كثيراً فرض أجندتها عليه ، وعليها أن تترك الشعب السوداني يقرر ما يراه خادماً لمصالحه ، أما أن نفني السودان وموارده وأبناءه في سبيل خدمة الإستراتيجية المصرية وبالمجان فهذا ما لا يجوز ، وعلى الأخوة في مصر أن يعلموا أنه ينبغي عليهم أن يعملوا على أن يختار أبناء الشمال الوحدة مع مصر بدلاً من العمل على أن يجتمع الشمال والجنوب في دولة واحدة ، فمصر أقرب إلى الشمال من قـرب الجنوب للشمال وأنا من أكثر المؤيدين لوحدة شمال السودان مع مصر فهو الحل الوحيد الذي من شأنه أن يصنع من الدولتين قوة عظمى في عالم لا يحترم إلاّ القوة وهذا حديث يطول .
    أقول بأن على الحكومة ألاّ تجامل أحداً على حساب الشعب السوداني وألاّ تخدعها الأماني والشعارات والكلام المعسول ، فقطرة دم واحدة أهم من كل الوعود (والفهلوة) المجربة كثيراً بلاعائد وعليها أن تُقدم بشجاعة فالوقت يمر والخيارات محدودة ، ولا زلت أوقن بأن تطويل الفترة الإنتقالية لا مبرر له البتة ، أولاً لأنه لا يحق للحكومة حرمان أبناء الشمال من حقهم في تقرير مصيرهم ، لذلك فإن سعي الحكومة لبذل الغالي والنفيس في سبيل إسترضاء أبناء الجنوب خلال فترة إنتقالية متطاولة مدتها ست سنوات لكي يقفوا إلى جانب الوحدة ما عاد مقبولاً أو مبرراً لأني أعتقد أن الجدير بأن يُسترضى حتى يقبل بالوحدة هم أبناء الشمال بإعتبارهم الخاسر الأكبر من الحرب والزاهد الأكبر في الوحدة والمضحي الأكبر في حالة فرضها حرباً أو سلماً لأني أعلم يقيناً الآن أن غالبهم وكثرتهم الكاثرة يرغبون في الإنفصال أكثر من أبناء الجنوب ، وحتى لو قرر أبناء الجنوب البقاء في وطن واحد مع أبناء الشمال فإن من حق أبناء الشمال أن يقرروا مصيرهم ويحددوا ما إذا كانوا يرغبون في أن يضمهم وطن واحد مع أبناء الجنوب ، وبالتالي يصبح أمر منح الشعبين ذات الحق في تحديد علاقتهما المستقبلية ببعضهما البعض أمراً لا غني عنه ولا مفر ، وبالتالي يسقط خيار الفترة الإنتقالية تماماً ألاّ بالقدر الذي يسمح بإجراء الإستفتاء للشعبين بحيث يصار إلـى إعتمـاد الوحـدة في حالة واحدة فقط هي موافقة الشعبين كليهما بحيث لا يقصر قرار الوحدة على موافقة أحدهما دون الآخر ، ولذلك أدعو إلى إعادة صياغة أجندة الحكومة وأولوياتها في التفاوض بحيث تقلل الفترة الإنتقالية إلى عام واحد فقط يُجرى خلاله إستفتاء الشعبين ولا أرى أي مانع يحول دون إستفتاء أبنـاء المناطق الثلاث محل النزاع بحيث يختارون البقاء مع الشمال أو الإنضمام إلى دولة قرنق في جنوب البلاد ، وأنا مطمئن تماماً للنتيجة .
    الطيب مصطفى
                  

02-08-2003, 07:55 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ظاهرة الانهزاميين الجدد والاستخفاف بمرتكزات الأمن القومي (Re: nadus2000)

    ظاهرة الانهزاميين الجدد والاستخفاف بمرتكزات الأمن القومي
    العميد أمن «م» حسن بيومي
    [email protected]

    مازالت مشاهد المجاهدات السياسية للدكتور علي الحاج الذي كان يمثل آنذاك أحد أهم أركان النظام وهو يحمل الجمل بكل ماحمل إلى فرانكفورت- لكي يفاجئ الجميع بطرحه المستفز آنذاك للمشاعر الوطنية والذي يدعو فيه إلى منح حق تقرير المصير للاخوة أبناء الجنوب تم هذا في اللقاء الذي حدث في فرانكفورت وبترتيب من جهات لها مصلحة في ذلك مع بعض التيارات الجنوبية النافذة والتي كانت تطالب بالانفصال آنذاك. هذه الدعوة بكل ما كانت تحمل من قرارات سياسية واستخفاف بمصير السودان مازالت حبيسة في مجرى القصبة الهوائية للبلاد وتعوق مسيرة انسياب وحدة السودان الوطنية، وجاءت مقررات أسمرا لكي تزيد الطين بلة وتجرع الكثيرون من أبناء هذا الشعب الصابر مرارة عصارة نبات الصبار « المستخدم احياناً في فطام الأطفال عند الرضاعة» عندما حاولت الانقاذ إضفاء الصيغة الدستورية على هذه الدعوة المؤثرة على أهم مرتكز للأمن القومي السوداني .«الوحدة» في اتفاقية الخرطوم للسلام، ونخالها نحن من أجل تخفيف وطأتها على النفس سواء كان مقدمها من هنا أم من هناك ما هي إلا نوع من أنواع الكيد والمزايدات والابتزاز السياسي الذي ألفه الناس في مراحل مسيرة الأداء السياسي المعوج البناء في كثير من بلدان العالم الثالث وخاصة في ظل الأنظمة التي يتسم اداؤها بقدر من شمولية الحكم .. هذه المشاهد وتلك المجاهدات مازال غبارها الداكن يعطر أجواء الساحة السياسية في البلاد واذا بنا نفاجأ في الآونة الأخيرة بطرح أخطر أتى به نفر على شاكلة توجهات الدكتور علي الحاج السياسية ومن نفس نسيجه الفكري قد لانشك في وطنيته وصدقه مع النفس ولكن نتشكك في «منطلقاته السياسية» ومبعث الأحباط المكونات النفسية لهذا النوع من الطرح الذي ينم عن اليأس والعجز في نفس الوقت وليس هذا مبعث الهم والاهتمام بالنسبة لنا.وإنما حلّ بنا نكد الدنيا عندما لامست هذه الدعوة بخشونة زائدة عن الحد أمراً يعد أهم مرتكز للأمن القومي السوداني «الوحدة» واصابته هذه الدعوة في مقتل ووصلت الجرأة بالغاء وتخطي كل المشاعر الوطنية السامية لأبناء هذا الجيل فحسب وانما بالنسبة للأجيال السابقة واللاحقة وذهبت في مسيرة طرحها وهي غير عابئة بالعواقب إلى مرافئ الصحف السيارة والندوات العامة، تهلل وتكبر لهذه الدعوة معرضة بهذا المسلك أهم مرتكز للأمن القومي السوداني للاستهانة والاستخفاف وليس أمام أنظار أبناء الشعب السوداني بمختلف طبقاته وطوائفه فحسب وإنما أمام كل من له اهتمام ومصلحة في السودان سواء في الداخل أو الخارج من المراقبين الأجانب.
    وكان لزاماً علينا من منطلق المسئولية الوطنية أن نقرع ناقوس الخطر ونقول ونذكر ونعيد بأن الذي يحاول البعض التلاعب بمقدراته المقدسة سواء أكان من أهل الشمال أم من أبناء الجنوب وغيرهم. هو السودان. البلد العظيم الذي خصه الله من دون غيره من البلدان الكثيرة بمتسع المساحة ووافر الثروات. لم يولد اليوم وإنما ولد عندما نال استقلاله عام 1956م وتربع على عرش خريطة العالم بكل فخر واعتزاز وتعاقبت على ادارته حكومات مهما اختلف الناس في ادائها الاداري والاقتصادي والسياسي فهي في النهاية حكومات وطنية قامت كل منها بتسليم خريطة السودان كاملة غير منقوصة للأجيال، التي جاءت بعدها ولم تدّع أي من هذه الحكومات سواء مدنية كانت أم عسكرية بأنها تمثل آخر مطاف السلطة والحكم في البلاد ولهذا ذهبت بأي صورة من صور الذهاب وهكذا ينبغي أن يكون عليه حال الانقاذ. والذي نريد أن نخلص إليه بأن بريطانيا بكل ماكان لديها من كبرياء وجبروت لم تجرؤ على تقسيم السودان وكان بإمكانها أن تفعل. ولكن عندما آن الأوان قامت بتسليم السودان بكل خرائطه سالماً لابنائه لحكمة استخبارية سنوضحها فيما بعد .. نعم زرعت بريطانيا في خريطة السودان قبل تسليمها كمية من الألغام السياسية الموقوتة. هذا اعتراف منا بذلك والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم وغداً وبعد غدِ ماذا فعلنا نحن وكيف تعاملنا مع هذه الألغام. ولماذا نحن نتوقع من انجلترا غير ذلك. وذلك هذه استخبارية تحتاج إلى شرح لاحقاً!
    وبدل محاولات أبطال مفعولها بالحكمة واعمال العقل قادنا العجز بفعل قلة الخبرة والدراية والادراك إلى القيام بتفجير هذه الألغام. لغم آثر لغم وبإرادتنا الحرة وبغير الحرة أحياناً، وقد أوصلنا العجز إلى مانحن فيه الآن.من وهن سياسي وحيرة نفسية وتآمر خارجي وضعنا في محطة الخيارات الصعبة المحددة وأوصلنا اليأس الذي دبغ النفوس للدرجة التي أضحى فيها ما كان يستعصى على الفكر سراً أم جهراً ماساً بمقدرات الأمة، يطرح على قارعة الطريق ويتقبله نفر من الناس بقدر من الاستحسان ويتناوله البعض الآخر في مجالسهم الخاصة كالأقاصيص والأحاجي بدون خجل، أو مساءلة: إن اعتلاء المناصب العامة في البلاد بدون مسئوليات وطنية يحاسب عليها كل من اخطأ أو حاول عن قصد أو من دون قصد في حق هذا البلد سواء كان يعزف منفرداً أو كان لاعباً في فريق سياسي. هي آفة من آفات ممارسة العمل العام والسياسة في السودان منذ آمد بعيد وليست آفة هذا الزمان الذي أخذ فيه بعض الكبار الذين يعلمون بأن للعزف قواعد وللعبة قوانين تحكمها، أخذوا يلوكون عبارات تكاد تكون من المستحيلات ان تلاك في غير هذا الزمان ويدعون إلى دعوات تعد من كبائر السياسة في حق الوطن ومقدسات البلد ولاتستقيم مع متطلبات ومقتضيات الأمن القومي للبلاد والسبب يرجع إلى سماحة النظام والفهم المتدني لحدود حرية الرأي المسموح بها بدون ضوابط والتي قد تصل وقد وصلت بالفعل في شكل دعوات قد تندرج تحت مهددات الأمن القومي السوداني اذا أطلت في زمان غير هذا الزمان .. وللذين وراء هذه الاطلالات السياسية الماسة بمقدرات الأمة وكرامة الوطن. بغض النظر عن سوء التوقيت الذي جاء هاتكاً للرغبات القومية في الدولة الساعية إلى تحقيق السلامة في ظل الوحدة. ومصادماً للواقع والأهداف الاقليمية والدولية في المنطقة وبغض النظر عن القناعات المستجدة كأحد افرازات اليأس والعجز نقول لهم انما يجري في الساحة السياسية السودانية الآن تجاوز ما أنتم حالمون في تحقيقه بمراحل. وليس أمام جميع الأطراف المعنية بالأمر غير امساك ماتبعثر من الريح والريع السياسي.اذا سمحت أمريكا بذلك، أمريكا التي نزعت حل الأزمة السودانية من الجميع وفرضت نفسها على حل الأزمة السودانية وهي سيدة العالم لديها مآرب سياسية واقتصادية ودينية وغير دينية في السودان ولديها خطط وسياسات وبرامج مرتبطة بكثير من النواحي الاستراتيجية في المنطقة ولديها أعوان في الداخل وأعوان في الخارج وليس هذا بغريب أو مستغرب على أمريكا ولديها آليات تستخدمها في تحقيق مآربها المشار إليها. بالكامل وفي هذا الظرف بالذات ونحن الذين مكناها في التدخل في شئوننا الداخلية ونحن الآن امام امتحان صعب وخيارات أصعب في ميشاكوس وفي واشنطن وفي كرن «إنها لورطة» وليس أمامنا من مخرج غير توسيع أوعية المشاركة الوطنية ولكي يتحمل الجميع مسئوولياتهم الوطنية. وقبل أن نبحر في استعراض مآرب امريكا في السودان أحب ان اطمئن بأن امريكا لن تسعى لفصل جنوب السودان وإنما هي ساعية في تحقيق وحدة السودان لأن مآربها لن تتحقق إلا في ظل وحدة السودان ولكن في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية مغايرة للواقع الحالي تماماً. وانها ساعية بكل تأكيد ولأسباب داخلية وخارجية في تحويل كل مايتعلق بشأن البترول السوداني إلي ادارة البنك الدولي تنمية وتطويراً وادارة وتوزيعاً هكذا فعلت في جمهورية تشاد وهي ماضية في مسألة بترول السودان في هذا الاتجاه هذا مشهد من مشاهد الواقع السياسي الذي يعاشه السودان والذي فرضته علينا أمريكا. وان الشعور بالعجز عن مواجهة هذا الواقع المؤلم هو أحد أهم مسببات الإحباط الذي حمل بعض أبناء الشمال على افراز هذا النوع الخرب من الدعاوي الانهزامية كمحاولة يائسة لتغيير هذا الواقع المفروض علينا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
    وهنالك واقع آخر ووطني من الصعب جداً تغييره أو محاولة الالتفاف حوله لأنه يحمل قدراً من الوطنية وقدراً من المخاطر المتعلقة بتغيير المواقف المبدئية. وان أية محاولة لطمس معالم المسئولية في هذه المسألة الحساسة ستكون غير مجدية لأن ماوراء القصد من هذه الدعوة في غاية الوضوح .. إن المطالبة بانفصال الشمال عن السودان وليس عن الجنوب والانفراد بحكم الشمال وعلى حساب من!! على حساب التضحية بالوطن وعلى حساب التضحية بدماء الشهداء.
    ومؤكد سيكون لهؤلاء الشهداء داخل قبورهم العديد من التساؤلات وبحسبان أنهم أحياء عند ربهم يرزقون. اذا كان هذا ممكناً ومشروعاً بعد المطالبة الشمالية بفصل الشمال، وللأسر وعائلات الشهداء في دورهم وديارهم تساؤلات اذا تبقى لهم من حقوق على دورهم وديارهم بعد ظهور مثل هذه الاطلالات السياسية ولأبناء وأحفاد الشهداء تساؤلات اذا لم يذهب الاحباط بآمالهم وجفت الدماء الزكية في أوعية مستقبلهم من جراء ظهور مثل هذه الدعوات التي اسميناها مجازاً بالاطلالات السياسية لكي نخفف قدر الإمكان من وقعها المؤلم على نفوس الأبرياء الذين ذهبوا وعادوا اليوم يتساءلون وهم الآن في ديار غير ديارهم، لماذا كان كل هذا الدمار البشري وغير البشري؟ من أجل من؟ ولمصلحة من؟ اذا لم يكن من أجل بقاء السودان ومصلحة السودان؟
    ألم تكن اتفاقية الميرغني قرنق عام 1989م هي أفضل الحلول المطروحة والمتاحة، بدل كل هذه المتاعب والتدخلات الخارجية.
    فمن المسؤول عن كل هذا الخراب والدمار الذي تعددت جوانبه واتجاهاته، وما هي حدود المسؤوليات الوطنية وضوابطها في البلاد، وأين كانت هذه القناعات التي بنيت عليها هذه الحلول السهلة وليدة اللحظة صعبة المنال، في هذا الظرف بالذات، في أي قاع من مستودع القناعات كانت تخطر مثل هذه الحلول عندما كان الشباب يضوح بلا دراية وبالحماس فقط والأرض والحرث والضرع يحرق .. والشباب الواعد ينزف ويتألم ويحترق والاسر ثاكلة والأموال تُُصرف والموارد تُهدر والوقت يمضي والوطن يتوه ويحترق.
    إن الاجابة على كل هذه التساؤلات أمر في غاية الصعوبة الأمر الذي يعرض واقعاً يصعب مواجهته في ظل الظروف الراهنة.. وأن هذا الواقع لا فكاك منه بمثل هذا النوع من الحلول السهلة الصعبة التحقيق في نفس الوقت وأن محاولة الاقتراب من هذا الواقع بمثل هذا النوع من الحلول - المطروحة - في الساحة الآن - ستقود الموقف للانفجار في أية لحظة وخاصة إذا تزامنت هذه اللحظات مع لحظة الاحباط الماثلة.
    إن فكرة فصل الجنوب عن الشمال، بالنسبة لحزب الجبهة القومية فكرة قديمة، الهدف منها الانفراد بحكم الشمال، ولكن عندما جاءت الجبهة الى الحكم ولأسباب تكتيكية أرجأت تنفيذ هذه الفكرة والواقع فرض عليها أن تسير في هذا الاتجاه خطوة خطوة. وبدأت بالفيدرالية باللين مع من توالى مع النظام وبالشدة مع من عارض النظام من أبناء الجنوب. عندما تعثرت «الملاواة» باللين مع بعض أبناء الجنوب الذين توالوا مع النظام بسبب عدم الجدية والمزايدات السياسية واستعصى حسم المعارضين عبر البندقية وبسبب كثرة التدخلات الأمنية تغيرت الصيغة القديمة واضحى مفاد الطرح المستحدث فصل الشمال عن الجنوب والسكوت عن الحديث بالنسبة لبقية الأقاليم بحسبان أنها شمالية إيذاناً لخلق مواجهات مستقبلية جديدة.
    1/ وإذا كان الأمر الآن انتهى الى المطالبة بفصل الشمال عن الجنوب من أجل الانفراد بحكم الشمال، نقول بكل الوضوح إن هذا الطرح بهذه الصورة مرفوض من قبل أبناء الشمال وأبناء الجنوب.. إن واقع الشمال السياسي يقول هذا، ولكل طرف معنى لديه اسبابه ومسبباته، ويمكن الاستماع لوجهة نظرهم من هذا الطرح بهذه الصورة، كما أن فصل الشمال أو الجنوب لن يكون هو الحل الأمثل، ولأن هناك أماكن ومناطق كثيرة تطالب بالحكم الذاتي وأن أمر السودان ليس بهذه السهولة.
    2/ إن الدول المجاورة للسودان بأجمعها بعد تجربة الحكم الاسلامي في الخرطوم مهما تغيرت السياسات والمواقف، وعلى رأسها مصر التي وقفت مع هذا النظام في البداية بكل قوة، وبالرغم أن هذا الاتجاه ربما يكون في صالح العروبة والاسلام .. إلا أن واقع الحال الأمني يقول إن مصر والدول المجاورة لم يكونوا سعداء بهذا الاتجاه ولأسباب عديدة.. أغلبها يتعلق بقضايا الأمن القومي المصري والعربي والافريقي بالإضافة الى أن مصر التي سامحت وتسامحت مع نظام الخرطوم في الآونة الأخيرة لاعتبارات اقتضتها المصالح العليا للبلدين في المحافل الدولية وغير الدولية. لكن المتابع لسير العلاقات بين البلدين يلاحظ، بأن قيادة مصر على المستوى الشخصي لم تغفر للخرطوم ما حدث في أديس أبابا وعلى المستوى الشخصي ويلاحظ أيضاً أن العلاقات المصرية السودانية بالرغم من تحسنها ما زالت هنالك جوانب مهمة حبيسة المسافة ما بين النسيان والغفران ولاعتبارات أمنية.
    3/ إن الولايات المتحدة الأمريكية التي انتزعت ملف حل الأزمة السودانية من الجميع وفرضت نفسها على الحل في مشاكوس وواشنطن وكرن وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر لن تقبل بوجود حكومة إسلامية ذات توجهات دينية غير محددة، في الشمال، وإذا كانت الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر لها رأي في كثير من المناشط الدينية في المملكة العربية السعودية التي تُعد الحليف والصديق الاستراتيجي في المنطقة العربية والاسلامية بأسرها، فما بالك مع حكومة اسلامية في شمال السودان، والسودان ما زال في كشف الارهاب الأمريكي بالإضافة الى صدور قانون سلام السودان، ماذا يعني كل هذا. وعلى الذين يفكرون في فصل الشمال عليهم أن يقرأوا الواقع جيداً. بالإضافة الى أن نية الولايات المتحدة لم تتجه إطلاقاً الى تفتيت السودان أو فصل جنوب السودان عن شماله، وأن إصرار أمريكا على وحدة السودان أكدها دانفورث في تقريره الشهير - ولكن علينا ان نتوقع سوداناً جديداً مغايراً لسودان اليوم، سودان لكل السودانيين وليس لفئة معينة فيه.
    وإن كان لابد من حدوث خسائر سياسية للبعض والمهم أن يجيء هذا التغيير لمصلحة الكل والوطن وكنا نتمنى أن تجيء على أيدي أبناء السودان وبدون تدخلات خارجية في شكل حكومة مركزية قوية شمالية كانت أم جنوبية - منفردة أم مؤتلفة لكل السودانيين وتكون بمثابة أساس «الأسمنت المسلح» للوطن الموحد.
    4/ إن العقيد جون قرنق فشل تماماً في تحقيق أي نصر عسكري حاسم على الأرض ولكنه عبر الأساليب الاستخبارية والمراوغات السياسية تمكن من تصويب كمية من سهام اليأس المسمومة الى صدور بعض أبناء الشمال، ضعاف الحمية الوطنية للدرجة التي تبدلت فيها أحوالهم واضطربت أحاسيسهم ومشاعرهم الوطنية وفقدوا الإحساس بأهمية الوطن وضرورة العمل على سلامته والحفاظ على أمنه واستقلاله وسيادته وأوصلتهم سموم اليأس والاحباط للوقوف في خط مستقيم مع ما تنادي وتطالب بتحقيقه الدولة العبرية - إسرائيل في بلادنا. «تفتيت السودان» عبر أعوانها في الداخل. هكذا نجح جون قرنق في تحقيق ما تطالب به إسرائيل وتهدف له في السودان عبر التأثير النفسي على نفوس بعض أبناء الشمال في الوقت الذي فشل في تحقيق أي نصر عسكري على الأرض يحسم به القضية.
    5/ في تاريخ السودان والشعوب هنالك شخصيات عرفت بمواقعها وشخصيات عرفت بإنجازاتها التاريخية. وشخصيات عرفت بمواقفها المتخاذلة، ومن الشخصيات السودانية التي عرفت بمواقفها المتخاذلة أو المنهزمة، شخصية جنوبية معروفة، تسمى أقري جادين سياسي جنوبي عرف في أوساط الشماليين وأوساط الجنوبيين الوطنيين بالانفصالي الى أن قتل، ظلت هذه التهمة ملتصقة بشخصه حتى الآن، وكلما يجيء ذكر اسمه، بمعنى آخر في عالم السياسة هناك الكثير من التهم تستمر ملتصقة بشخصية صاحبها وأولاده وأسرته وأحفاده عبر التاريخ. ودائماً ما تتعرض مثل هذه الشخصيات الى محاولات اعتداء قد تصل الى حد القتل.. أو العزل الاجتماعي.. أو القذف بها في مزابل التاريخ. ومن أهم الشخصيات تمت تصفيتها نتيجة لإتخاذ مثل هذه المواقف الضارة بأية صورة من صور الضرر بالوطن ومستقبله، في السودان السياسي الجنوبي - المعروف - أقري جادين - قائد الانفصاليين وفي شمال الوادي، السيد بطرس بطرس غالي رئيس وزراء مصر الذي باشر عملية مفاوضات الشأن السوداني مع الجانب البريطاني عام 1899 حيث اتهم بأنه باع السودان للإنجليز، وتمت تصفيته على يد المواطن المصري الذي يدعى «البدراوي» هذا بالإضافة الى أن هذه الاتهامات السياسية ما زالت تلاحقه وتلاحق أسرته وأحفاده حتى اليوم وتأكيداً على إلصاق مثل هذه التهم السياسية في الشخص وتاريخه وأسرته إشار إليه أخيراً حفيد بطرس غالي، الدكتور بطرس الأمين العام السابق للأمم المتحدة في آخر إصداراته، حيث قال إنه قام بزيارة السودان عند تخرجه في الجامعة من أجل الوقوف على حقيقة التهم التي وجهت الى جده بأنه باع السودان للإنجليز، ولا أخاله بعد الزيارة وقف على الحقائق!! أما عن الذين ذهبوا الى مزابل التاريخ فهم كثر ونذكر منهم على قيد الحياة ميخائيل غورباتشوف، الذي أضاع الاتحاد السوفيتي وفكك الكتلة الشرقية وحلف وارسو، والسبب عدم الإلمام بعواقب وتداعيات المواقف والسياسات المصيرية ويرجع هذا الى التآمر الخارجي وضعف درجات الوعي الأمني، عند غورباتشوف التي أدت الى عدم الالتفات الكافي لمتطلبات الأمن القومي السوفيتي في المرحلة، وعدم دقة حساب التداعيات وأسباب أخرى كثيرة!!.
    والذي نريد أن ننبه اليه من إثارة هذه النقطة هو ليس التأثير السلبي على البعض لكي يغيروا من مواقفهم المعلنة وإنما محاولة لإجلاء بعض النواحي التي ترى أنها مهمة وتقول إن التعرض لقضايا تمس مصير الوطن والمواطن لابد أن يكون تعرضاً موضوعياً ومبنياً على قناعات راسخة وحكيمة الدفاع عنها وأن يكون هذا العرض مقبولاً ومستحسناً من غالبية الناس المدركين لأهمية الموضوع وأبعاده الأمنية المستقبلية وأن يجيء هذا الطرح في الوقت المناسب لا طرحاً تفرضه الظروف أو وليد لحظات اليأس أو الأهواء السياسية ضيقة النظرة. هذا بالإضافة الى ضرورة توفر صفات موضوعية في الشخصية التي تتولى مسؤولية هذا النوع من الطرح.. أولاً لابد أن تكون بعيدة كل البعد عن أي مؤثرات سياسية لها أبعاد خارجية. وبعيدة عن أي عصبيات سواء كانت عقائدية أم قبلية في ظروف بلد كالسودان، والنظرة الأمنية في معالجة المسائل المتعلقة بمصير البلد، ولابد أن لا يكون لهذه الشخصية من الخصوصيات التي تجعل ما يتوفر لها من أغطية وغياب محاذير معينة لا يتوفر لغيرها، إذا سلكت نفس المنحى الخطير من المواقف التي في اعتقادنا لا تخلو من المهددات الأمنية وخاصة أن أغلب تداعيات مثل هذه المواقف غالباً ما تكون بعض جوانبها خافية وبعضها الآخر في حكم المجهول، ويصعب تحديد أبعادها وخاصة المؤثرة على النواحي الأمنية، إلا بعد تنزيلها على أرض الواقع، ومن هنا جاءت المحاذير والمطالبة بتوخي الدقة في الطرح والبعد بقدر الإمكان عن طرح العنتريات السياسية من دون قناعات علمية وموضوعية راسخة ومن حساب دراسة تداعيات هذا الطرح الأمني بما فيها من الخفاء في مؤامرات وسيناريوهات استخبارية وخاصة في هذه اللحظات التاريخية من عمر الوطن لأن هناك عدداً بل أعداداً يعملون كغواصات لجهات أمنية تعمل ضد الوطن ومصالحه من داخل الوطن ويسعدهم جداً ما يطرح بدون وعي منهم معالجة لقضايا جوهرية في وسائط الرأي العام المكشوفة وبحسن نية - يصطادها - الغير ويعرفون كيف إعادة صياغتها وإعدادها بالصورة التي تخدم مصالحهم في بلادنا.
    وختاماً نقول إننا قد وقفنا على أغلب الآراء التي طرحت كمعالجة لهذا الموضوع المحوري المهم والحساس الذي يهمنا جميعاً كسودانيين وخاصة إنه يتعلق بمصير هذا البلد، وما كنت طامعاً في التعرض لمناقشة بعض الشكليات ونحن بصدد معالجة مثل هذا الموضوع المحوري لولا إصرار أصحاب الشأن على تكراها، واستخدامها كحجة لإقناع الآخرين بسلامة مواقفهم.
    قيل من ضمن ما يقال:
    نشرت صحيفة أخبار اليوم عبارة منسوبة لمواطن كريم غير عادي، سياسي وينتمي لحزب حاكم ذو توجهات عقائدية وتقلد مناصب دستورية وأخاله كذلك الآن، نسبت إليه أنه في حالة قناعة مستمرة بدأت منذ سنوات - أي ليست وليدة اليوم، وظلت تتزايد مع الأيام الى أن بلغت درجة اليقين، قال: لن أزرف دمعة واحدة اذا انفصل جنوب السودان».
    ما هو المطلوب إتيانه؟:
    1/ إن الدعوة قديمة وليست وليدة اليوم أو اللحظة؟.
    2/ إن هذه الدعوة أسست على قناعات وصلت الى درجة اليقين.
    في الإجابة نقول: إن حاكمية الدعوة قديمة أم جديدة لا تتوقف على طول وقصر الزمن، وإنما الحاكمية حاكمية العهد الذي طرحت فيه أي النظام الذي في عهده تتم الإباحة بهذا الطرح، هل النظام يسمح بهذا النوع من الحديث أم لا يسمح واذا سمح فإنه لمن سيسمح؟ وهل كان من الممكن أن ينطلق مثل هذا الحديث ابان نظام مايو ومن نفس هذا المواطن؟ هذا هو المحك.
    هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، من المعروف أن الدمع يزرف في حالة الانفعال عند الانسان وفي حالتين لا ثالث لهما، حالة الفرح وحالة الحزن، بافتراض أن جنوب السودان قد انفصل، فإذا حزنت ينزرف الدمع واذا فرحت ينزرف الدمع أنتم مع أية حالة؟ ومنذ متى تؤسس القناعات المتعلقة بمصير السودان على الانفعالات وهي تتدرج وتظل تتدرج الى أن تصل بالقناعات الى مرحلة اليقين.
    قال هنالك استبيان أجري في مدينة أمبدة تناولته بعض الصحف، جاءت نتيجة بأن حوالي 78% من الشماليين يؤيدون الانفصال.
    هذه نتائج مبنية على أسس غير علمية لعمليات غياب الرأي والاستبيانات العلمية الصحفية وأنا لا أرى الحكمة من الأخذ بها في قضية مصيرية بهذا الشكل، وأنا أربأ بنفسي في عصر تطور العلم والمعرفة أن ألجأ لمثل هذا النوع من المعلومات في تأسيس قناعات لما يتعلق بمصير وطن ومستقبل أمة.
    قيل أيضاً:
    هل تصدق أن الجنوبيين داخل المؤتمر الوطني وخارجه من الموالين للإنقاذ يفرضون رؤية انفصالية لقد تحدث أحد الولاة الجنوبيين في ندوة وطرح نفس أطروحات جون قرنق، وقال أيضاً قيادي جنوبي معروف لأحد الصحافيين ليس لكم جذور هنا ونحن حنحكم السودان حنحكم:-
    وأقول - إذا كان الحديث - صحيحاً - ومؤكداً - هل تعلمون انه في علم الأمن والاستخبارات مادة في فصل كامل تتحدث عن الاختراق الاستخباري وأخطرها المادة التي تتحدث عن الاختراق من داخل الهدف، وأتساءل بعد ذلك هل من الممكن أن يكون لهذا الحزب أي خصوصيات - على درجة من السرية خافية عن قرنق - أين الوعي الأمني من هذا؟.
    وقيل أيضاً:
    لماذا الاصرار على قدسية وحدة السودان بالرغم أنها فرضت من الاستعمار الانجليزي بدون رغبة أبناء الشمال وأبناء الجنوب قررت الحكومة البريطانية أن يوحد الجنوب مع الشمال بعد أن بذرت أدوات الانفصال - أكد السكرتير الاداري جيمس روبرسون بأن صفات سكان الجنوب الأساسية أنهم زنوج وأفارقة إلا أن العوامل الاقتصادية والجغرافية قد قضت بربطهم بالمستعمرين من أهل السودان الشمالي ربطاً لا انفصال منه: ثم كان مؤتمر جوبا عام 1947م الذي اعترف فيه البريطانيون بأنهم أثروا على القرار وجعلوا «17» جنوبياً من المشاركين في المؤتمر يوافقون على ربط الجنوب مع الشمال - وقال - أحد الصحافيين المعروفين - أن الواجب عليكم - تسليم السودان لأبنائنا كاملاً كما تسلمناه من أبنائنا كاملاً - وكان الرد.
    إننا لم نتسلم السودان بشكله الحالي من أبنائنا وإنما من المستعمر الانجليزي الذي فعل ذلك بالرغم من إقراره بالتناقضات المحتشدة فيه بعد أن ملأ نفوس أخواننا في الجنوب حقداً وغلاً ظل يتزايد مع الأيام حتى يومنا هذا:
    قال الرئيس الهندي جواهر لال نهرو في مؤتمر باندونق عام 1955م الذي انعقد في اندونيسيا في كلمته أمام رؤساء العالم الثالث: قال: «إن الاستعمار سيرحل عن دياركم سواء أردتم ذلك أم لا، ولكنه قبل أن يرحل سيزرع في أراضيكم المشاكل والإشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ما لا تستطيعون على مواجهتها - بامكاناتكم السياسية والاقتصادية والأمنية الحالية تعرفون لماذا؟ لكي يحملكم على الرجوع اليه لمساعدتكم على حل مثل هذه المشاكل.
    هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يتعين علينا أن نعلم لماذا كان إصرار الانجليز على وحدة السودان وتسليمه كاملاً، بعد أن زرع كل بذور الشر بداخله وكان بإمكانه أن يفصل الجنوب وغير الجنوب.
                  

02-08-2003, 07:56 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ظاهرة الانهزاميين الجدد والاستخفاف بمرتكزات الأمن القومي (Re: nadus2000)

    تكملة


    والإجابة على هذا التساؤل في غاية البساطة - إن الإصرار على الوحدة في زرع المتناقضات تعني بالنسبة لوجهة النظر الأمنية شيئاً واحداً، إنه يهدف وعن طريق عمليات الاستدراج الاستخباري طويلة المدى وعبر المصاعب التي وضعها في الطريق - الى أن يصل أبناء السودان للدرجة من اليأس والانهيارات النفسية والاقتصادية و البشرية الى الدرجة التي يقررون فيها طريقة فصل الجنوب وبأنفسهم أو فصل الشمال بأنفسهم، أو تمزيق السودان - أيضاً بأنفسهم ونحن الآن اقتربنا كثيراً من تحقيق الأهداف الاستخبارية البريطانية باتباع أسلوب الاستدراج الاستخباري عبر المصاعب ومكايدات الأعوان بالداخل - والتي بدأها عام 1955م ونحن الآن في عام 2003م، إن هذا الزمن بالنسبة من وجهة نظر العمل الاستخباري من الأزمة قصيرة المدة في تحقيق الأهداف.
    أما عن موضوع - الغرغرينة - أنا اتفق معكم في العلاج بالبتر للساق لكي ننقذ بقية الجسد، ولكن أنتم لجأتم الى معالجة حالة سياسية بوصفة جراح ماهر، ونسأل من الذي تسبب في استفحال المرض؟ ولماذا لم يهتم بتقديم العلاج منذ بداية المرض، وكيف إعمال القياس في هذه الحالة إذا كان الطبيب نفسه يعاني من مرض ما!!!.
                  

02-08-2003, 08:04 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أوهـــام.. (الإنفصــاليين الجـــدد) (Re: nadus2000)

    أوهـــام.. (الإنفصــاليين الجـــدد)

    عثمـــان ميرغــني
    [email protected]


    بعد الضجة الكبرى التي أقامها الاستاذ الطيب مصطفى بمقاليه اللذين طالب فيهما بفصل شمال السودان ،كتب أمس مقالا مطولا في صحيفة ألوان بعنوان (ما بيني وبين عثمان ميرغني) وسرد فيه كثيرا من النقائص التي يرى أنها تحيط بمن أشار اليه في عنوان المقال. وأصبح المقال في خلاصته وكأنه مرافعة ضد شخص بذاته وصفاته أكثر منها ردا مقابلا للحجج التي كنا أوردناها في ردنا عليه في عدة مقالات كتبت هنا. وليس من الكياسة ان ننجرف الى حرب "ذوات" لأن القاريء الذي يدفع ثمن هذه الصحف ويشريها من حر ماله يبحث عن فكرة أو رأى حصيف لا عن مساجلات «شخصية» مباشرة!!

    وأوجز للقاريء هنا النقاط التي رأينا أنها تنتقص من دعوة الاستاذ الطيب مصطفى لفصل الشمال عن الجنوب :

    أولا : التوقيت ، فطرفا الحرب يجريان حاليا مفاوضات مباشرة ومصيرية وقطعا فيها شوطا بعيدا وسلما في أولها عبر "برتوكول مشاكوس" الذي وقعا عليه في 20 يوليو 2002 بوحدة السودان وتركا فسحة ست سنوات اختبارية إذا فشلت فيها الأمنيات يصبح الأمر بيد الجنوب ان يختار لنفسه مصيرا مشتركا أو منفصلا عن شمال الوطن. والطرفان على وشك الوصول الي تسوية نهائية اختار الطيب مصطفى أن يقذف عليهما حجرا ثقيلا قد يحبط به همة التفاوض ويرتد بهما الى منازعة باردة او حامية.

    ثانيا : الحيثيات التي ساقها الطيب مصطفى بُنيت في عظم ظهرها الرئيسي على الفوارق العرقية والعنصرية بين الشمال والجنوب ، وفي هذا علاوة على تكريس أوهام "الاستعلاء العرقي" الذي يشير اليه الطيب مصطفى فإنه يفتح بابا لمزيد من الإذعان لمثل هذه الدعاوى. لأن السودان لايزال يحفل بكثير من التباين العرقي والعنصري في مناطق أخرى كجبال النوبة والنيل الأزرق والغرب والشرق. والسودان في النهاية بلد أقليات يتحدث عشرات اللهجات المحلية ويدين بأكثر من دين.
    ثالثا : الطيب مصطفى لم يكتب مقالا وإنما أسس ونشر "منفستو" حركة انفصالية للدرجة التي أزعجه ما قاله رئيس تحرير الرأي العام الاستاذ إدريس حسن أن مثل هذ الدعوة لو صدرت من غير الطيب مصطفى لطاله القانون الجنائي السوداني الذي ينص صراحة على تجريم من يهدد السلام و"الوحدة". وهي عبارة مباشرة صريحة قد لا تقصد من يكتب رأيا في صحيفة لكنها تطال من يتبنى دعوة انفصالية وبشكل عملى تنظيمي بتلك الطريقة التي استخدمها الطيب مصطفي فقد نشر مقاله في ثلاث صحف وفي ذات الوقت واختتم مقاله الاول باشارة مباشرة توضح أن هذه البداية وستتلوها خطوات عملية.. فالأمر لم يعد مجرد مقال.

    رابعا : الطيب مصطفى ليس كأى أحد من أفراد المجتمع السوداني ،فهو لا يزال على رأس وظيفة عامة حساسة وتقلد منصبا وزاريا أدى فيه القسم على صيانة وحدة البلاد والإلتزام بدستورها. ولو راجع الطيب نفسه لوجد انه حنث بالقسم العظيم الذي أداه أمام رئيس الجمهورية بتأسيسه فعلا يحرمه الدستور.ثم أنه فوق كل هذا رجل رفيع النسب الحزبي للدرجة التي لم يستطع كثير من الكتاب التفريق بين رأيه ورأي حزبه واضطر الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني لنفي صلة الحزب بأفكاره. وهو فوق كل هذا رجل قريب الصلة بالسيد رئيس الجمهورية .

    خامسا : الفكرة التي دعا لها الطيب مصطفي منقوصة المنطق لأنها لا تعني (فصل) الشمال عن الجنوب كما قلنا وإنما (طرد) الجنوب من الوطن . وهناك فرق كبير (للغاية) بين أن يطلب الجنوب الإنفصال فيناله أو لا يناله وبين أن (يقرر) الشمال (طرد) الجنوب الى خارج خريطة السودان .فدولة جديدة تنشأ على مثل هذه الخلفية ستكون في أحنق علاقة مع جارتها المطرودة منها وستستمر الحرب باردة او حامية بينهما ولن يتوقف نزيف الدماء الذي أسس عليه الطيب مصطفى جل طرحه. بل أن الأقاليم الغاضبة الأخرى في داخل السودان الجديد المقطوع في أسفله ستجد في دولة جنوب السودان الجديدة سندا قويا ودعما لخوض حرب عصابات أو حدود لتحقيق انفصال جديد في أقليمها فتكون دعوة الطيب مصطفى هي ليست لبتر "الرجل" المصابة بالداء وإنما لقطع أطراف السودان من خلاف الى آخر رمق فيه. ولهذا قلنا إنها دعوة "سهلة" وعاب علينا أحد الأخوة الصحافيين (علي ياسين في صحيفة الأنباء) بقوله وما العيب في اختيار الطريق الأسهل . لكن المقصود هنا بـ(السهل) ليس يسر المسار في الطريق وإنما (استسهال) التقاط الحل من أول خاطرة دون إعمال الذهن وإجهاده في تبصر المناكب في هذا الطريق والإجتهاد في اتقاء المزالق فيه.

    اغتبط الاستاذ الطيب مصطفى كثيرا بالصدى الذي وجده لدى البعض، وعاب علينا أن قلنا له ان مثل رد الفعل هذا عند (العامة) لا يعبر عن رأي بقدرما يعبر عن "حالة" .. حالة إحباط وإحساس باليأس ..ولو أراد الطيب مصطفى أن يتأكد من ذلك فليته يدعو مثلا الى "إنهاء حكم الإنقاذ" سيجد صدى وتأييدا أكبر مما وجده في دعوة فصل الشمال .!!

    فرح الطيب مصطفى ببضعة آلاف هللوا لدعوة الإنفصال ، فليطالب بإنهاء حكم الإنقاذ وسيجد عشرة أضعافهم يهللون له أيضا !!

    من المقبول عقلا ومنطقا أن نقول لأخواننا في جنوب السودان نحن شركاء في هذه الرقعة من الأرض المسماة في الخريطة "السودان" من حلفا الى نمولي ،لكن إذا أصر اختياركم على وطن آخر منفصل فإنه لا "إكراه في الوطن" وسيظل الجنوبيون إخواننا خلف حدود سياسية جديدة. وإذا اختاروا أن يمضوا معا في تأسيس وطن في سودان جديد يقوم على نسيان الماضى وأحزانه وشراكة سديدة في غد جديد فذلك أيضا محمود من جانبنا .. لكن لن نقول لإخواننا في الجنوب إذهبوا فأنتم لونا وشكلا وعرقا وعنصرا أقرب الى يوغندا وكينيا ونحن في الشمال أقرب إلينا لونا وشكلا وعرقا الأريتريون والتشاديون والاثيوبيون كما قال الطيب مصطفي في حيثياته.. ذلك أمر غير مقبول بالعقل ولا بشرف المواطنة والشراكة.ثم أنه بالحقيقة التاريخية غير صحيح .. وليت الاستاذ الطيب مصطفى يستفتى عالما مثل د. جعفر ميرغني الذي سيحدثه عن علاقة الدم والرحم بين مكونات الوطن السوداني من أقصى جنوبه الي أقصى شماله ومن غربه الى شرقه.. وأن نظرية "الإستعلاء العرقي" هي مجرد اوهام من صُنع الفوارق الحضارية بين الشمال الذي شهد انفتاحا باكرا على حضارات أخرى جلبها المستعمرون وبين الجنوب الذي انكمش عنه المد الحضارى بفعل بعده عن المرافيء والبوابة الشمالية التي دخل بها الإستعمار فتأخر كثيرا عن مسايرة عالم اليوم.

    حقيقة كبيرة ظلت غائبة عن الطيب مصطفى وهو يسرد أسانيده في دعوته لـ (فصل الشمال) بطرد الجنوب الى خارج السودان فقد ذكر أن الشمال دفع ثمنا باهظا للوحدة مع الجنوب ، ونسى الطيب مصطفى ان الجيش السوداني الذي ظل يحارب في أدغال الجنوب (70%) منه هم جنود من أبناء الجنوب أنفسهم.. والباقي معظمه من أبناء المناطق التي يطلق عليها مهمشة أو ما جاورها والقليل (جدا) هم من أصحاب السمو العرقي الذين يطالب باسمهم الطيب مصطفى بطرد الجنوب خارج السودان.

    ويقيني أن الطيب مصطفى استقى فكرة أن الشمال هو الذي ضحى بدمه من أجل الوحدة مع الجنوب من برنامج ساحات الفداء الذي قدمه التلفزيون منذ أن كان هو مديرا عاما له فقد مجًّد البرنامج بطولات وشهادة آلاف الشهداء من الدفاع الشعبي وضباط القوات المسلحة ولكنه كان شحيح النظر الى ما سجله عشرات الآلاف من الجنود الذين لا يمكن التفريق شكلا ولا لونا ولا عرقا بينهم ومن قاتلونهم في الطرف الآخر.. لقد استشهد - في صمت - عدد كبير من الجنوبيين وهم يقاتلون في صفوف الجيش .. وهم ليسوا مرتزقة جلبوا من دولة أخرى وإنما سودانيون لهم حق الشراكة في هذا البلد.

    ولقد غضب الطيب مصطفى من قولي ان الجنوب إذا كان سينفصل فإن من واجب الشمال أن يعينه على تأسيس دولته حتى ولو ماديا من الشحيح الذي يملكه السودان. وقلت - أيضا - ان الطيب مصطفى كغيره من بعض الاسلاميين لا يسقطون أحكام الشريعة على الشخصية الإعتبارية للوطن بصورة متسقة مع غيرها من الاحكام .. فالسودان بلد شراكة .. وكل موارده هى ملك بالشيوع بين أبنائه فإذا قرر ثلث الوطن أن يؤسس لنفسه مصيرا في وطن آخر فإنهم يخرجون (بثلث) ثروته حقهم المعلوم في شراكتهم في السودان.. ولا يحق لنا أن نقول خرجوا برقعة الأرض التي تعيشون فيها لأنهم حتى هذه اللحظة يملكون ثلث الشمال كما يملك الشمال ثلث الجنوب لهم في مصانعه ومزارعه وموارده الثلث..يحق لهم أن يستفيدوا منها في تأسيس بيتهم الجديد.. هذا بالحق والفرض أما بالعقل فأن تضمن قيام وطن جديد مستقر بجوارك أفضل ألف مرة من أن يقوم ضعيفا ويبدأ في تصدير مشاكله وأزماته عليك.. لو كان قدر الجنوب الإنفصال فإنه سيكون من حظ كل الشماليين أن يكون دولة غنية مترفة يجدون فيها سوقا لمنتجات الشمال او حتى يبحثون فيه عن فرص عمل كما يهاجرون الى الخليج بحثا عنها. مَن ِمن بين دول الجوار الأفريقي حولنا استفدنا أكثر من بجوارنا معها لقد كنا محظوظين بجوارنا مع مصر .. لأن مصر دولة متحضرة وأغنى منا وأفضل منا في كل ظرفها وقد كانت الأفيد لنا من بين دول جوارنا الآخرى. ولو أصبح الجنوب دولة غنية مستقرة لاستفدنا منها أكثر من أن تكون دولة ضعيفة فقيرة محتربة بين قبائلها فتصدر لنا مزيدا من اللاجئين والأزمات .
                  

02-08-2003, 08:12 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أوهـــام.. (الإنفصــاليين الجـــدد) (Re: nadus2000)
                  

02-08-2003, 08:16 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مكي علي بلايل يعقب على الطيب مصطفى (Re: nadus2000)

    مكي علي بلايل يعقب على الطيب مصطفى
    آيات الذكر والآفاق تدحض اطروحة الانفصاليين



    في مقالنا السابق (إفلاس الفهلوة) قلنا أن رصدنا لما كتب حول أطروحة الأستاذ الطيب مصطفى يظهر بجلاء أن جل المساندة لها قد جاء من تلقاء التيار الإسلاموي ·وهذا المصطلح وإن أزعج إستخدامنا له بعض الأخوة ، فقد بات يروق لنا للتفريق بين الاسلام وبوائق البعض أفعالاً وأفكاراً · ومما قلناه في ذلك المقال أيضاً ان السبب الحقيقي للطرح الإنفصالي بهذه الجرأة في هذا التوقيت الحساس لعملية السلام ، هوإستيقان سدنته من فشل محاولاتهم لفرض وحدة الهيمنة والاستعلاء مما يحتم عليهم مقابلة استحقاقات السلام والوحدة الحقيقية في العدالة والمساواة الأمر الذي لا يستسيغونه · وفي تقديرنا أن تسليط المزيد من الأضواء الكاشفة علي الحيثيات التي يقدمها دعاة الانفصال في هبتهم هذه ، أمرجد حيوي لإستجلاء منطلقاتهم الحقيقية ليس فقط بغرض دحضها في سعينا للحفاظ علي وحدة الوطن ، وإنما فوق ذلك لدرء أخطارها حتي على دولة الشمال إذا أصبح إنفصال الجنوب واقعاً لاسمح الله · وللوقوف علي بعض هذه المنطلقات نورد مقتطفات من طائفة من المقالات التي كتبت في تعضيد رأي الأستاذ الطيب ونكتفي هنا بثلاث مواد نشرت في يوم واحد هو السبت الثامن والعشرين من ديسمبر الماضي بصحيفة ألوان العدد رقم (2352) بأقلام الأساتذة محجوب فضل بدري ،كمال علي والمسلمي البشير الكباشي ·

    ونبدأ بالأستاذ محجوب فضل بدري الذي يقول في مقاله المعنون (الجنوب بين رومانطقية دعاة الوحدة وواقعية طرح الإنفصال ) : (لو قرنت مفردة انفصالي بإسم أحد السياسيين أو الإعلاميين أو قادة الرأي في بلادنا فإنها ستكون بمثابة سبة أو عار أوإساءة أو إغتيال سياسي في حين ان كل الشماليين تراودهم وبكل قوة فكرة الانفصال عن الجنوب بعد أن جربوا الاستماتة في الدفاع عن الوحدة وحاربوا من أجلها وغنوا لها وتغنوا بها في مسرحية عبثية تجسد الحب من طرف واحد ) · ويمضي الاستاذ بدري فيقول في موضع أخر(سودان المليون ميل مربع الذي كانت فيه المناطق المقفولة فأنفتح فجأة على مصراعيه فأصبح دولة واحدة هشة البنيان ضعيفة الوجدان ما يفرق بينها أكثر مما يجمع لذا فإن قضية سودنة الوظائف كانت القشة التي قصمت ظهرالوطن الوليد · فأبناء المناطق المقفولة كان تعليمهم حسب السياسة الاستعمارية قليلاً بل أقل من القليل وبدت فكرة الظلم واضحة وإن كانت أسبابها منطقية فالشماليون لم يقصدوا عن عمد الاستئثار بالوظائف ولكن لم يكن هناك من أبناء الجنوب العدد الكافي لشغل الوظائف الشاغرة ) ·ويطرح الأستاذ زبدة آرائه حول الموضوع قائلاً إن طرح الانفصال كحل لمشكلة الجنوب يبدو منطقياً جداً فقد جربنا الوحدة كثيراً فدعونا نجرب الإنفصال )·

    ومن ناحيته كتب أستاذ كمال علي في عموده على فكرة وتحت عنوان (مر الكلام) مشيداً بما أسماه بمدرسة الطيب مصطفى الفكرية والوطنية واليكم بعض ما جاء في مر كلامه (لم نخسر أبداً المعركة في مجابهة أعداء المدرسة الوطنية والفكرية التي أسسها بعناية فائقة وتدبير عظيم وقاصد أستاذنا الكبير والمفكر المشبع بالوطنية الطيب مصطفي وفي حين لم نخسر تلك المعركة فقد كسبنا أهم معاركنا وهي معركة الجنوب الحبيب والتي تمثل تداعياتها شوكة في خاصرة الوطن· ولكن الجرّاح الماهر الطيب مصطفي والملم جداً بأحوال الجنوب وقد جاهد فيه وقدم فلذة كبده أبوبكر شهيداً ومهراً وصداقاً مقدماً ومؤجلاً لغرس السلام الوحدة الوطنية · وهذا الجراح الماهر وضع المبضع علي الجرح وأزاح بوطنية منقطعة النظير كل مساحيق التجميل التي تزين العلاقة بين أبناء شمال وجنوب الوطن وكشف عن القناع الزائف الذي يؤطرتلك العلاقة بين أبناء الشعبين ونصر هنا علي كلمة الشعبين في شمال وجنوب البلاد· ولقد آثار مقاله المثير للجدل راكد المياه الساكنة في السياسة السودانية وعلاقة الشمال بالجنوب ·ونسجل هنا تفهمنا التام لكل تفاصيل وسطور هذا المقال الضجة نعلن بملء الفم إنحيازنا التام لمدرسة الأستاذ الطيب مصطفي الفكرية الوطنية القاصدة لخير بلادنا كما نعلن إنضمامنا للتجمع الشعبي لتحرير شمال السودان من ربقة الجنوب ·

    ثم تأتي الي ثالثة الأثافي وهي مقالة الأستاذ المسلمي البشير الكباشى والتي جاءت بعنوان حراك المعطيات سيحقق لحركة التمرد النصر بلا حرب) · والحقيقة أن تلك المقالة ونظراً للبعد الاستراتيجي في تفكير كاتبها قد أوردت في ثنايا سطورها أخطر الأفكار التي تتطلب الوقوف عندها ملياً ونورد في ما يلي مقتطفات متفرقة من المقال حيث يقول الأستاذ المسلمي (وبقراءة أكثر دقة للمعطيات نخشي أن يجد الشماليون أنفسهم الجزء الأحرص علي الانفصال ، بينما مما هو مؤكد بقراءة الوقائع وتأمل المآلات علي ضوئها أن جون قرنق والحركة الشعبية التي يقودها وفق رؤي السودان الجديد الأكثر زهداً في الانفصال بل الأحرص علي الوحدة يرون تآكل مقومات التوازن فيها رأي العين لصالح الجنوب وليس من مشكلة غير الإصطبار علي عنصر الوقت ليفعل فعله · وسيكتشف الشماليون إن داومت هذه المعطيات علي فعلها دون تدخل إرادي بغير وقعائها واتجاهات فعلها وديناميات تأثيرها بالرغم من أن هذا التدخل غير مرئي في ماثل الواقع السياسي وليس منظوراً في أفقهم الداهم مع كل هذا الختلال الهيكي · سيكتشفون أنهم أكثر عنصري التكوين الوطني ضعفاً وحينها سيحقق قرنق وحركته نصراً بلاحرب إذ تمكنهم معطيات الواقع السياسي من حكم الجنوب حكماً حالياً ومن مشاركة معتبرة في حكم الشمال فوراً ومن قدرات تنامي في اتجاه التمكين المستقبلي من البلاد شمالاً وجنوباً وحينها يتحقق له النصر بلا حرب وتدور في الشمال موجات من الاستخذاء السياسي الذي ربما يؤدي الي سقطة حضارية تحقق لقرنق اماني الخروج العربي الإسلامي· ولتوضيح مقصده من المعطيات التي يخشى أن يحقق حراكها لحركة التمرد النصر بلا حرب بطرح الأستاذ المسلمي الكباشى نقطتين جوهريتين تتعلقان بعاملي الثروة والسكان · ويقول بشأن الثروة علي المستوي الاقتصادي فإن ديناميات إقتسام الثروة التي تجري حالياً وتتم تحت ضغط وطني ودولي تجعل الجنوب الأكثر حظوة طوال سني الانتقال · وبما أن مشروع الاقتسام لا يستند الي تنمية متوازنة بل يؤكد علي تركيز اقتصادي علي جزء من القطر باعتبار أن الجزء الشمالي قد نال حظه سابقاً فإن ذلك يجعل من ذاك الطرف الأكثر قدرة علي مجابهة المتغيرات التي تجتاح البلاد في تلك السنوات ·

    والكل يعلم أن الشمال ليس بأفضل حالا في التنمية من الجنوب وإن الموارد التي كان يجب أن توجه للمتطلبات التنموية في الشمال إستنزفت في مواجهة الاستحقاقات الأمنية في الجنوب · فهذا الواقع المتوهم سيحقق اتجاهات خاطئة في توزيع الثروة يؤدي نفسياً وإقتصادياً وسياسياً بالشمال الي الواقع الذي يعيشه الجنوب الآن ولا يحتاج المرء الي التدليل بأن ذلك لن يكون من مداميك بناء الثقة وعناصر تأسيس التوحد المنشود )وينتقل الأستاذ المسلمي الي عامل السكان كأحد المعطيات التي سيحقق حراكها النصر لحركة التمرد فيقول في ذلك : (اجتماعياً ولأسباب قد تكون ثقافية فإن اتجاهات الاختلال الديمقراطى تزداد بتسارع هائل في السودان جنوباً وشمالاً · فان كان الإحصاء المتعمد يؤكد أن سكان الجنوب الي الشمال هو نسبة 1:3 في وطن ناهز الثلاثين مليوناً من الناس ، فإن الاحصائيات الاجتماعية تؤكد أن نسبة خصوبة المرأة السودانية الجنوبية الي أختها الشمالية 5:1وهذه هي الحقيقة المدهشة التي لا يحب الناس ذكرها في الجانبين أما باعتبارها القنبلة الموقوتة الحاسمة في النصر حين يأتي زمن تفعيلها لأقوام أو لأنها لحظة مخيفة وهاجس مقلق لآخرين · ولكن مهما سكتنا عنها جميعاً فهي حقيقة ديمقراطية فاعلة في الحراك السياسي والاجتماعي سيواجه الناس بحقيقتها بعد حين فلا شك أن العامل الديمقراطى سيمكن هو الآخر حركة التمرد من نصر بلا حرب )·

    لقد أوردنا كل هذه المقتطفات المطولة من مقالات مساندي أطروحة الأستاذ الطيب مصطفى لننفذ من خلال سطورها لإستكناه المنطلقات الحقيقية لهذا النفر والتي حجبتها لفترة طويلة شعارات الدين والوطنية · ولهذه الغاية علينا إستخلاص الرؤي الجوهرية للقوم من بين تلك السطور ثم محاكمتها في ضوء حقائق الواقع والمبادئ التي يجب أن يؤمن بها كل وجدان سليم ·

    وأولي الرؤي التي يمكن استخلاصها من كتابات الانفصاليين هي أن هناك شعبين مختلفين في الشمال والجنوب وإن الذي يفرق بينهما أكثر مما يجمع في إشارة بالطبع للتباين العرقي والديني والثقافي · وطبقاً لهذه الرؤية فإن التعايش بين الشعبين في دولة واحدة أمر مستحيل أوعلي الأقل مكلف لحد لا يحتمل بالنظر الي كل تضحيات الماضي · وبالطبع فإن التباين العرقي والديني والثقافي في السودان حقيقة بديهية لامراء فيها · ولكن هذه الحقيقة لا تصلح كمقدمة منطقية للنتيجة التي ينتهي إليها الانفصاليون · فرؤية الانفصاليين في هذه النقطة تصطدم أول ما تصطدم بآيات الذكر التي أبانت لنا التعارف كسنة ماضية بين الأمم والشعوب في قوله (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم )·

    وتجئ آيات الآفاق المتجلية في تطور الاتصالات وفي ديناميات المصالح الاقتصادية والثقافية لتؤيد آيات الذكر · وهاهي الأمم والشعوب مختلفة الأعراف والألسن والأديان تلتقي وتتجمع في كيانات سياسية واقتصادية إقليمية ودولية · وتلك أقطار في كوكبنا هذا تجمع في داخلها أقوام من أعراق وخلفيات ثقافية متباينة تستند العلاقة بينها الي الاخوة الإنسانية وتنظمها المبادئ الدستورية القومية ، ولا ندري ما إذا كان وجود زين الدين زيدان الجزائري وليلي ترام الغاني ضمن ألمع نجوم المنتخب الوطني الفرنسي يمثل اي دلالة عند الانعزاليين ·

    ان الاخوة الإنسانية كقاسم مشترك بين البشر كانت هي الأساس لصحيفة المدينة التي وضعها الرسول الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام قبل ما يزيد عن الأربعة عشرقرناًس والتي عرفت أهل المدينة من المؤمنين ومن والاهم من النصاري واليهود بأنهم أمة من دون الناس سلمها واحد وحربها واحدة ·ولئن جاء في القرن الحادي والعشرين من يؤمن باستحالة التعايش السلمي داخل كيان وطن واحد بسبب اختلاف العرق أو الدين أو الثقافة فإنهم لايغالطون آيات الذكر والآفاق وحقائق التاريخ والحاضر فحسب ، وإنما يغالطون منطقهم المعوج ذاته حين يدعون الي قيام دولة شمال السودان التي لا أدري من أين لها التجانس العرقي والديني والثقافي ·إن الحقائق تقول إن دولة الشمال وفق حدود 1956/1/1م مع الجنوب ستضم عناصر لا تقل زنجية من أهل الجنوب وستكون فيها ثقافات متباينة وكذلك ملل دينية مختلفة فما حيلة دعاة الانعزالية؟!·· بل نجترئ ونقول أن شمال الشمال نفسه قد لا يكون بالضرورة كياناً منسجماً وخالياً من التناقضات · فوحدة الدين واللون لم تمنع الصراع بين العروبة والأمازيغية كما نشهده اليوم في الجزائر والمغرب · وباختصار فليس هناك أي قطر في هذه العمورة لا يحتوي تباينات عرقية وثقافية مع تفاوت في درجاتها بالطبع · والسبب الجوهري للصراع داخل أي وطن بتمثل في فشل الدولة في إعمال ميزان العدل بين العناصر المكونة لشعبها بما يحقق الرضا العام ·

    والواقع أن رفض دعاة الانفصال الاعتراف بالأسباب الحقيقية للصراع في السودان هو الذي انتهي بهم الي اعتبار الانفصال العلاج الأنجع · إن القراءة المتأنية في كتابات دعاة الانفصال بدءاً بالاستاذ الطيب مصطفي وانتهاءاً بمؤيديه الذين اوردنا مقتطفات من أسهاماتهم تبين هذه الحقيقة بكل وضوح · فالأستاذ الطيب لم يبرئ الشمال من الأخطاء فحسب بل اعتبره المظلوم المجني عليه وقد أيده في ذلك الأستاذ كمال علي والذي أمن علي كل سطر في مقال الطيب مصطفي وأعلن انضمامه للتجمع الشعبي لتحرير الشمال من ربقة الجنوب علي حد قوله · أما الأستاذ محجوب فضل بدري فيقول بالحرف ان الشمال بذل الحب من جانب واحد الي حد الوله لأنه جاهد من أجل الوحدة وغني لها وتغني بها ·

    وحتي فضيحة سودنة الوظائف فإن الأستاذ بدري يجد لها تبريراً حين يقول إن عدم وجود متعلمين جنوبيين لملء الوظائف الشاغرة كان هو السبب في ما جري·

    وبالطبع فلا أحد يمكن أن يصدق أن المتعلمين من الجنوبيين المؤهلين لشغل الوظائف غداة السودنة كانوا فقط ثمانية · وحتي اذا سلمنا جدلاً بذلك الزعم فما بالنا نشهد اليوم شبه غياب للجنوبيين وأبناء المناطق المهمشة في كثير من مؤسسات الدولة الهامة رغم كثرة متعلميهم ؟!·

    إن عدم الاعتراف بالأخطاء يعني في واقع الأمر عدم الاستعداد لتصحيحها وهذا ما يتجلي في رفض دعاة الانفصال لإستحقاقات السلام و الوحدة · فالأستاذ الطيب مصطفي يري أن إعطاء منصب النائب الأول لقرنق يعني أستسلاماً وإن إعطاء نسبة من الوظائف في المؤسسات الاتحادية يعني اشراكه في حكم الشمال بعد أن ينفرد بحكم الجنوب · أما الأستاذ المسلمي البشر الكباشي فيقول : بالحرف وحينها سيتحقق لقرنق وحركته نصراً بلا حرب إذ تمكنهم معطيات الواقع السياسي من حكم الجنوب حكماً حالياً ومن مشاركة معتبرة في حكم الشمال فوراً ومن قدرات تنامي في اتجاه التمكين المستقبلي من البلاد شمالاً وجنوباً وحينها يتحقق له النصر بلا حرب ) · والغريب أن الأخوة الأكارم لا يفرقون بين المؤسسات القومية الاتحادية ومؤسسات الشمال ولاندري من أين جاءوا بهذا الفهم·

    إن المنطلقات الحقيقية لدعاة الانفصال تتضح في مقالة الأستاذ المسلمي البشير الكباشي الذي يقول بكل وضوح (إنإعطاء الجنوب موارد أكبر لتعوضه سيؤدي بالشمال الي الواقع الذي يعيشه الجنوب الآن · ولا يحتاج المرء للتدليل بأن ذلك لن يكون من مداميك بناء الثقة) وحين أن أي مراقب منصف وموضوعي لا يمكن أن يقول أن التمييز الإيجابي للجنوب اقتصادياً سيقود الشمال الي وضع الجنوب الوحيد لمقولة المسلمي هوأن الوضع المطلوب هو أن تظل الهيمنة الاقتصادية للشمال والا فان ذلك من مهددات الوحدة والإسلام والعروبة ·

    أما البلية الكبري في كتابات دعاة الانفصال فتتمثل في ماجاء بخصوص الاختلال الديمقراطى في مقال الأستاذ المسلمي · ويريد الأستاذ المسلمي أن يقول بإختصار أن نمط النمو السكاني في البلاد سيجعل الجنوبيين أغلبية خلال عقدين من الزمان وهذا سيحقق لحركة التمرد نصراً بلا حرب · وهذا الكلام يعني ببساطة شديدة أن انتقال الحكم لجنوبي ولو عن طريق الأغلبية العددية إنما هوانتصار لحركة التمرد· وبغض النظر عن خلل حساب معدلات النمو فإن هذا الرأي يعتبر الجنوب كتلة صماء عصية علي الإسلام وعلي الثقافة العربية · ولا يضع في إعتباره أي إمكانية للتمازج بين أهل الشمال والجنوب ربما تأكيداً للحرص علي انقاء العرقي ·

    أما الحقيقة فهي أن أهل الجنوب لن يكونوا خلال عقدين من الزمان وبمؤشرات النمو السكاني الحالي أكثر من سكان الشمال بالتعريف التقليدي · وإذا أخذنا في الاعتبار أن التطور الاجتماعي يؤدي الي تراجع نمط الزواج التقليدي الذي يتسم بتعدد كبير للزوجات في مجتمعات الجنوب وهذا يحدث الآن بالفعل فإن الاختلال السكاني المزعوم أمر مستبعد · ولكن حتي إذا فاق سكان الجنوب سكان الشمال فإن ذلك لا يعتبر في رأينا قنبلة موقوتة ولاهاجساً مقلقاً كمايري الأستاذ المسلمي ومن معه ·

    وأخيراً ففي ظننا وليس كل الظن أثم إن من يشار اليهم بالجنوبيين في المنظور الحقيقي غير المعلن عند البعض هم كل العناصر الزنجية غيرالعربية وذلك بالطبع بالمفهوم السوداني للعروبة والزنوجة· ولقد سبق أن حذر منظروا هذا التيار ومنذ سنوات علناً من خطر ما اسموه بالقوة السوداء حول العاصمة ·

    وكما قلنا في مقالنا السابق فإن المنطلقات التي عبر عنها دعاة الانفصال لجد خطيرة · فهي لاتهدد بتقسيم السودان الي شمال و جنوب فحسب وإنما بتفتت كامل له طالما أن جوهر دعوتها هي الأحادية وهي مستحيلة ونحمد الله أنها غير مرغوبة

    نقلا عن الحرية
                  

02-08-2003, 08:20 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حـــق الأغبــياء فـي التفكــير (Re: nadus2000)

    حـــق الأغبــياء فـي التفگــير

    د. غازي صلاح الدين العتباني
    [email protected]


    يعجبني من الجعليين قولهم إن الرجل منهم ربما قضى سائر نهاره شجاراً أو بالتحديد «خنقاً» كما يصف التعبير الشائع . وفي ترداد هذا القول إعداد للناشيء وتنبيه للكبير أن الحياة مدافعة ومغالبة . يعجبني تعبيرهم ، ولست منهم ، لأنني وجدت الحياة لعمرك كما وصفوا . وصاحب القضية أتعب ممن سواه إذ يصدق في حاله من القول المأثور : «لا راحة لمؤمن إلا حين يلقى الله».

    لو وقفت معارضاً دعوة الأخ الطيب مصطفى التي ظل يشرحها في الصحف وفي أحاديثه الخاصة والعامة ، لفعلت من منطلقين : الأول متعلق بأن الأخ الطيب جعلىٌّ نموذجيٌّ ، لا يختلف في هذا من يعرفونه . وإعلانه نفض يده من مطلب الوحدة إعلان بالزهد في المشاجرة و «المخانقة» ، وتسليم منه لمن أرادوا أن يوصلونا ، بالضبط ، إلى هذه الدرجة من «القرف» . والمنطلق الثاني هو أن الأخ الطيب رجل صاحب رسالة وقضية . وهو هنا لا يحتاج من أحد منا لأوراق تزكية أو إعتماد. وكأني بالذين يهيجون عليه وقد نسوا أنه قدم ابنه شهيداً في الجنوب ، تقف شاهدة على ذلك مدرسة باسم الشهيد أبوبكر الطيب مصطفى في طريق الحاج يوسف. وهو هنا مثله مثل الآلاف من رجال الحركة الإسلامية ، الذين يسميهم بعض السوقة و«الإرجمة» الكيزان ، الذين وهبوا أنفسهم أو أبناءهم في سبيل الله وقدموا من أجل وحدة السودان واستقلاله أعز ما يقدمه المرء.

    وكون الرجل صاحب رسالة أدعى للمصابرة لقول الله سبحانه وتعالي «يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون» ولقوله تعالى للمؤمنين على لسان موسى عليه السلام وقد كان وقوفه في ابتلاء أكبر مما نحن فيه : «استعينوا بالله واصبروا».

    ولا أرى مسوغا لدعوة الفصل إزاء ما نعانيه من مشكلة الجنوب . صحيح أن تعقيداتها تكاد لا تنقطع وهي تلقي علينا كل يوم بثقل جديد ، لكن هذا هو الإختبار الذي وضعنا فيه ، ونحن مطالبون أمام الله ثم أمام الناس أن نجتازه بنجاح وتقديرات عالية ، ولن يسعفنا أن نلتهي عنه إلى اختبار آخر ، فالمرء في الدنيا ، كما الطالب في الامتحان ، لا يختار اختباره . ولو أن الإنقاذ فرطت في وحدة السودان فسيكون هذا إعلاناً بزوال مشروعيتها.

    قد تعزينا قراءة التاريخ إذا لحظنا أن أحوال الجنوب في بعديها الثقافي والاجتماعي تمضي في نسق حتمي يدركه من يدرسون حركة الزمان والناس ولا يحتاج المرء أن يطمح ببصره بعيداً في المستقبل ليرى ذلك ، فالذي تحقق حتى هذه الساعة من الاستقرار والنماء والتحول الموجب في علاقاتنا بالجنوب أظهر من أن يستدل له ، «لكنكم قوم تستعجلون» . ويكفي أن نذكر هنا أن أهم مشروع تنموي واقتصادي ، هو إنتاج البترول ، موجود في الجنوب . وفي السنوات العشر الماضية جرى من التواصل الإنساني والسكاني ما أحدث تعديلات جوهرية في علاقات الشمال والجنوب.
    الذين يقرأون حركة التاريخ ، وليس فقط أحداث التاريخ ، لا يتخذون العقد والعقدين وحدة للقياس . صحيح أن الناس منهمكون في الحاضر ولا صبر لهم للنظر إلى عقد واحد ، دعك من قرن كامل . لكن صاحب الحاجة الحصيف ليس بالأرعن، ولا غنى له عن النظر البعيد . دعني استدل بحادثة مهمة جرت في هذا البلد تحديداً قبل اثنتين وتسعين وثلاثمائة وألف (1392) سنة قمرية . في عام 31 هجرية وقف عبد الله بن سعد بن أبي السرح على أبواب دنقلا ، لكنه لم يفتحها وقنع من أهلها بمعاهدة اسمها البقط (أظنها من Pactum اللاتينية التي أصبحت Pact في اللغة الإنجليزية ، واليوم تعني «البقت» في المحسية الاتفاق).

    ورغم أن الجيش الصاد عن دنقلا كان جيشا يحمل معه العقيدة الإسلامية لكن أهل الشمالية عموماً ، ومن بينهم أشد الناس تدينا ،يحبون أن ينسبوا رجوع جيش المسلمين إلى شدة بأس أهل دنقلا الذين وصفهم المسلمون برماة الحدق. والأمر ليس كذلك ، لا قدحاً في شجاعة أهل دنقلا وشدة بأسهم يومذاك وإلى اليوم ، ولكن لأن التاريخ يشهد بأن جيوش المسلمين التي كانت تمثل القوة العظمى الوحيدة آنذاك ما كانت لتعجز عن دنقلا وقد هزمت الروم والفرس وأخضعت عتاة البربر في شمال افريقيا . وقد ذكر المؤرخون أن عبد الله بن سعد حاصر دنقلا حصاراً شديداً «ورماهم بالمنجنيق ، ولم تكن النوبة تعرفه ، فبهرهم ذلك وطلب ملكهم قليدورون الصلح وخرج إلى عبد الله فتلقاه عبد الله ورفعه وقربه ثم قرر الصلح معه على كذا وكذا».

    وجه الاستدلال في هذه الحادثة بشيئين . الأول هو السبب في رجوع المسلمين عن دنقلا وقد أمسكوا بخناقها عملياً . لقد مر بي فيما أذكر رأي أن الخليفة آنذاك عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، ذكر أن الأولوية بالنسبة إليه كانت الروم وليست النوبة . من المؤسف أنني الآن لا أجد النص الذي استند عليه في هذا الرأي ولهذا فإنني استنجد بالسادة العلماء الأجلاء ، وأخص منهم الأستاذين جعفر ميرغني وعون الشريف قاسم أن يسعفاني بالمستند الذي أظن أنهما يعرفان الطريق إليه. الوجه الثاني من الاستدلال هو مضمون الاتفاق الذي عبر عن مرونة فائقة ومدهشة أبداها المسلمون . وقد يجحد كثير من المسلمين الحقيقة إذا علموا أنه بأمر الوالي على مصر آنذاك ، عمرو بن العاص ، الذي كان نائباً عن أميرالمؤمنين عثمان بن عفان ، سمح المسلمون بإضافة بند جديد للاتفاق يسلم بموجبه النوبة عطية من الخمر. قال المقريزي المؤرخ : «وكانت النوبة رفعت إلى عمرو بن العاص ما صولحوا عليه من البقط قبل نكث عهدهم وأهدوا إلى عمرو أربعين رأساً من الرقيق فلم يقبلها ورد الهدية إلى كبير البقط ويقال له سمقوس فاشترى له بذلك جهازاً وخمراً ووجهه إليه وبعث إليهم عبد الله بن سعد ما وعدهم به من الحبوب قمحاً وشعيراً وعدساً وثياباً وخيلاً ، ثم تطاول الرسم على ذلك فصار رسماً يأخذونه عند دفع البقط في كل سنة». وحق للمسلم المعاصر أن يدهش لهذا البند كما دهش له الخليفة المعتصم بعد قرابة المائتي سنة من الحدث . ذكر الليث بن سعد ، وهو من الثقاة في أخبار النوبة أن ملك النوبة في عهد المعتصم «زكرياء بن يحنس» بعث ابنه «فيرقى» إلى المعتصم في بغداد يراجعه في البقط «فنظر المعتصم إلى ما كان يدفعه المسلمون فوجده أكثر من البقط (أي ما يدفعه النوبة) وأنكر عطية الخمر وأجرى الحبوب والثياب التي تقدم ذكرها .. إلخ».

    بالطبع فإن المسألة لا تصلح لأن يستل منها حكم على مستوى العادات والعبادات الشخصية ، لكنها مسألة كاشفة في تعامل المسلمين الأوائل وولاة أمرهم مع الشعوب التي خالطوها . وللراغب في دراسة حركة التاريخ ليستل منها فقهاً وفهماً لما نواجهه من تحد أن يقرأ الأحداث التي مرت بالسودان منذعام 31 إلى عام 1423 هجري ليتقفى اتجاهات مسارات التاريخ وحتمياته. ونحن أجدر بأن نصل إلى أهدافنا بثقة أكبر ونجاح آكد لو أننا تعاملنا مع الأشياء دون جزع أو هلع.

    فليطمئن القلقون حقاً ومدعو القلق مما قاله الأخ الطيب مصطفى أن هذه مبادرته ورأيه حقاً . وقد يكون لرأيه أنصار بين الإسلاميين أو بين عامة السودانيين أو لا يكون ، إلا أنني أعلم أن الرأي الرسمي والغالب بين عامة السودانيين وبين عامة الإسلاميين هو بخلاف ذلك . وبرغم مخالفتي للأخ الطيب مصطفى في رأيه هذا إلا أنني أحمد له شجاعته ومبادرته التي أثارت نقاشاً جيدا في الصحف وتصدى له ثلة من الكتاب بقدر من الموضوعية كنت أود لو أنها اضطردت في كل الكتابات ، ولكن كما هو متوقع قفز بعضهم فوق الموضوع إلى كيل الاتهامات ونسج نظريات المؤامرة دون كثير مادة في كلامهم. وأشهد أنني قرأت لواحدة من هؤلاء فما استطعت أن أدرك إن كانت تميز بين الواو «الضكر» واللبان «الضكر» . معلوم أن الأغبياء قطاع مقدر بين الناس وكثير منهم أناس محترمون ومستورون ، ولهم الحقوق كافة بما في ذلك حق التفكير ، ولكن لئن كان هذا الحق مكفولاً لأولئك فلمن سواهم وللأخ الطيب مصطفى أن يفكر وأن يبادر ماداً رجليه الاثنتين ، ولنا أن نقابله بالنصيحة والرأي.
                  

02-08-2003, 08:31 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قراءة في مقال غازي صلاح الدين (Re: nadus2000)

    قراءة في مقال غازي صلاح الدين
    الإسلاموعروبية: فلكلور القلب، أركيولوجيا الأمنيات، ثم العودة من مكة إلى سنار
    أبكر آدم إسماعيل/كندا
    [email protected]

    إن النقطة الجوهرية في مقال الدكتور غازي صلاح الدين "حق الأغبياء في التفكير" هي، حسب رأينا، المراهنة على التأريخ والتأكيد على حتميته (التي هي محل شك طبعا), التاريخ الذي ظل بالنسبة للإسلاميين ـ في أحسن الأحوال ـ مجرد ملفحة لجسد المقدس، ومصدرا للإنتقائية الإستدلالية لتعضيد المفردات المقدسة فحسب، عاد اليوم ليصبح جسدا تتم المراهنة عليه لاستنباط الأحكام الجللة التي قد تطال المقدس نفسه. وقد يقول قائل بأن ذلك مجرد تلفيقة من تلفيقات الإسلاميين، أو نوع من الإنتهازية الفكرية التي يوصمون بها من قبل خصومهم. ولكن الأمر ـ حسب رأينا ـ على الأقل على مستوى (فهم وخطاب) الدكتور غازي صلاح الدين ليس كذلك؟ فهل هناك تطور فكري أدى لمثل هكذا إنقلاب؟ وإن كان كذلك ما هي دواعيه؟
    هنا تلزمنا بعض المقاربات والتحليلات.
    المصطلحات:
    نحن نستعمل مصطلح (الإسلاموعربية) للإشارة إلى الكيانات الإجتماعية والثقافة التى توصف بأنها عربية تارة، وعربية إسلامية تارة أخرى، باعتبار أن العروبة (الكيان الإثني/ الثقافي) والإسلام (الدين) قد توحدا جدليا وليس من الممكن الفصل بينهما عمليا، وحتى نظريا إلا كأجراء مؤقت بغرض الدراسات فقط، في ما يخص العلوم التيولوجية، اللاهوتية، وذلك لسبب جوهري هو أن اللغة والمفسر والممارس، وهو هنا الكيان الإجتماعي، ليس أثيرا فارغا يمكن أن تمر عبره المادة دون أن تتختلط بعناصره، وهو ـ أي هذا الإصطلاح المنحوت من عندنا، ليس أبدا لغرض غير التعبير عن هذه الوحدة الجدلية، وجريا على عادة حديثة مستمدة من اللغات اللاتينية التي ـ بسبب تقدمها على اللغة العربية ـ صار لديها السبق والقدرة على اختراع المصطلحات الدالة على المفاهيم المركبة. (وموضوع المقارنات اللغوية ليس هو موضوعنا هنا حتى لا يقفز عليه هواة التشعبط على البردعة). أما مصطلح (إسلاموعروبية) ـ بوجود الواو ـ فهو يشير إلى الأيديولوجيا وإلى الكيان داخل الكيان الذي يتبنى هذه الأيديولوجيا ويحركها في حلبة الصراع، الأيديولوجيا التي تعني في ما تعني: تبرير المصالح المادية والمعنوية في حلبة الصراع. والإسلاميون في هذا السياق ليسوا سوى طبقة من طبقات الإسلاموعروبية.
    ماهي آليات عمل الإسلاموعربية؟
    أولا: الممارسة:
    تتحرك الإسلاموعربية ـ بشكل رئيسي ـ عبر فاعلين أساسيين؛ المقدس، أي الجانب الديني بدءا من اللاهوت إلى التفسير، ثم التطبيق. والدم. وتعيد إنتاج نفسها ـ رأسيا بمرجعية المقدس، وتابعه؛ اللغة والتفاسير، فيما يخص الفاعل الأول. وإعادة إنتاج الدم عبر الأنساب، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الأنساب تقوم رمزيا مقام الدم، فالدم في الثقافة العربية يمكن إكتسابه عبر تلفيق الأنساب، ولكن بشروط طبعا، مثلما تثبت رؤية هلال رمضان بالشهادة حتى ولو أكد علماء الفلك ألا هلال.
    وتتمدد أفقيا أيضا عبر هذين الفاعلين، فعبر المقدس، يدخل الناس الإسلام، ويتبنون ضمنيا ما يتيسر من عروبة، وبذلك يتمهد السبيل إلى إعادة الإنتاج الثقافي الشامل، بالقفز فوق هذه المسلمة الأولى. أي أن المسلم غير العربي؛ عربي مؤجل العروبة إلى أن يمتد إليه الإطار عبر صيغة النسب. وهو المعطى الذي ظل سائدا. وذلك باعتبار العروبة رأس مال رمزي أعلى في الهياكل الثقافية للأطار الإسلامي العام، على الأقل على مستوى اللاوعي.
    وعبر الدم، بمعناه الاجتماعي الذي ذكرناه آنفا؛ يتمدد الكيان الإسلاموعروبي عبر ما نسميه بميكانيزم النفي البيولوجي للرجل الآخر، ( ويقوم ميكانيزم النفي البيولوجي للرجل الآخر (الاستعراب العرقي/الثقافي) على تزوج الرجال العرب (سواء كانت هذه العروبة عاربة أو مستعربة أو متعربنة/ملفقة عبر الأنساب) بنساء (الآخرين)، وتكون الذرية وفق البطريركية الأبوية (عربية) ولا يعترف بمكونها الآخر. البنات يتزوجن ـ في الغالب ـ حصريا في الكيان العروبي، أما الأبناء الذكور فيواصلون طريق الأسلاف (وهذا من أهم أسباب التمسك ب/والتشديد على مسألة تعدد الزوجات)، وهكذا بمرور الزمن ينمو الكيان العربي على حساب الكيانات الأخرى التي تتآكل في نهاية المطاف).
    وهذا هو الذي يشرح عملية الاستعراب التاريخية لشعوب الرافدين (الآشوريين والكنعانيين وغيرهم) وشعوب الشام البيزنطية والكنعانية وغيرها، وشعوب مصر الفرعونية القبطية، وشعوب شمال أفريقيا البربرية. وشعوب شمال السودان النوبية والنييلية وغيرها. أما الآن، وفي السودان، فالعملية أخذت طابعا أكثر فاعلية عبر استعمال جهاز الدولة بمعطياته الحديثة لخدمة مشروع بهكذا ملامح.
    ثانيا الخطاب:
    تحليل أولي للخطاب الإسلاموعروبي في السودان:
    باعتبار الخطاب هو الكلام المنتقى للتعبير عن الأيديولوجيا بأظهار ما يراد إظهاره، وفي نفس الوقت إخفاء ما يراد إخفاؤه. يمكن تصنيف أشكال الخطاب الإسلاموعروبي في السودان إلى الآتي:
    أ/ الخطاب الإسلاموي: هو الخطاب الذي يبني نفسه ويركز على الحس المشترك/العام، باعتبار أولوية المخاطب، وهذا الحس المشترك، بحسب ـ غرامشي ـ "هو اللافلسفة، أي تصور العالم تصورا غير نقدي" والمراهنة على المسلمات الأكثر ذيوعا، بغض النظر طبعا عن صحة هذه المسلمات من عدمها. وهو ما نسميه بفلكلور القلب لدى المخاطبين، وهم عامة المسلمين في السودان. وبهذا المعنى يمكن الاصطياد عبر لافتات مكة كمرجعية مقدسة ـ زمانا ومكانا، وتحت اللافتة تمر الأيديولوجيا: أي تبرير المصالح المادية والمعنوية لفئة مسيطرة بالفعل، سواء كان ذلك سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا. وهو ما نسميه بالمركزية.
    ب/ الخطاب العلمانوي: وهو خطاب يبني نفسه ويركز على الحس الخاص، باعتبار أولوية المخاطبين، وهم هنا ما يطلق عليهم لقب المثقفين عموما. ولأنه يعرف ـ أي الخطاب ـ أن هناك بذور النقد، فيلجأ إلى الأكاديمية تارة وإلى الأيديولوجيات الفرعية تارة أخرى، ليقوم بصب الناتج في الماعون الكبير (ما يسميه هذا الخطاب بوتقة الإنصهار)، ويستعمل المصطلحات الاختزالية مثل: الثقافة السودانية، الشخصية السودانية، الذاتية السودانية.. إلخ إلخ، أختزاليا، باعتبار المعنى العملي هو (الثقافة/الشخصية/الذاتية) المعيارية التي هي المركزية نفسها. مع تهميش نقد آليات عملها كما في (أيديولوجيا) الآفروعروبية (الغابة والصحراء) والسودانوية والحيادية، واليسارية وكلها ـ حسب رأينا ـ (ايديولوجيات) فرعية تتفاوت في درجاتها فحسب. وهي إذ تفعل ذلك، فإنها تسلم ضمنيا بعمل هذه الآليات، التي أن استمرت ـ كما يتمنى المثقفون الإسلاموعروبيون ـ ستفضي في النهاية إلى تحقيق رسالة الكيان الإسلاموعروبي بتحول السودان ككل إلى كيان إسلاموعربي، وفي ذلك أدب كثير مما يكتب حول معضلات السودان واقتراحات حلولها. وهذا هو السبب الذي دعانا لأن نطلق على ذلك أركيولوجيا الأمنيات.
    نعود إلى غازي صلاح الدين.
    والسؤال هو لماذا يبدو غازي صلاح الدين العتباني والطيب مصطفى ـ هذان الإسلاميان المتشددان ـ مختلفين هكذا؟ (وأرجو ألا يظن أن ذلك ليس اختلافا وإنما توزيع أدوار كما ظل يتعامل الكثير من الكتاب السودانيين مع اختلافات الإسلاميين)، وهنا ـ أيضا ـ لابد من بعض التحليل الضروري
    من الحقائق المعروفة أن أهم آليات الـ access to power في السودان ـ حتى الآن ـ هي الإنتماءات القبلية والدينية الطائفية أو البيت الكبير، ثم تليها في سلم التراتبية المؤهلات الشخصية. وإذا ركزنا في حالة الطيب مصطفى وغازي صلاح الدين عتباني كمثال، فالأول يمتلك مؤهلات القبيلة في ظل هذا الوضع المتشرذم قبليا، والمتجه إلى تحقيق الحيازات عبر هذه الآلية التي ـ أن تحققت ـ قد تفضي إلى السؤال (إنت من وين يا أخونا) كسؤال جوهري في مبدأ القسمة المفترضة. بالطبع سيقول مصطفى "من الجيلي لدامر المجذوب". أما السيد صلاح الدين العتباني، فسيدخل في حيص بيص، خاصة إذا تم تقليب التواريخ ، وهي تواريخ ليست مستحبة لدى السودانيين عموما، وفي أقل الأحوال سوءا سيذهب إلى هامش المقسومات تلقائيا إذا لم تتبرع العشيرة الصغرى (التي هي بمثابة الكفيل في هذه الحالة) بالعطايا. ولذا فهو ينظر دائما إلى الشكل العام للأيديولوجيا، إلى المجرد، الذي يتساوي فيه الأفراد وتكون المفاضلة بالمؤهلات الشخصية، ولذلك هو أهدى إلى حكمة التاريخ والماكروجماعة في هذا الوقت بالذات. وإذا كانت الشريعة، على الأساس المكي، باعتبار صرفيتها العربية وشكلها المعياري، قد اصطدمت من قبل بالثقافات الأخرى وأنتجت ما أنتجت من فرق، ومنها الصوفية التي التجأت إلى (الحقيقة) متجاوزة للشريعة بشكلها ذاك ونجحت، في سنار. فها هي تصطدم اليوم من أعلى ومن أسفل بالثقافات الأخرى، ونقصد بالأسفل ثقافات ما يسمى بالهامش في السودان ـ ومنهم من لا يدين بالإسلام، وبالأعلى ثقافة العولمة، حسب وضعية السيادة. فإين ستذهب الشريعة في هذه الحالة؟؟؟

    أهل المايكروجماعة، ومنهم الطيب مصطفى، ليس هذا بكبير أهمية بالنسبة لهم، فالإجابة هي: ستبقى في المايكروجماعة إن تعذر الكل، لأن مصالحهم ـ المادية والمعنوية ـ ستبقى على كل حال.
    أما الآخرين من الإسلاميين (الفاهمين) من أمثال الدكتور غازي صلاح الدين فهذا السؤال مؤرق بالنسبة لهم. و(أظنهم) رجعوا أخيرا لتمحيص الخطاب الإسلاموعروبي العلمانوي، ونقبوا في أركيولوجيا الأمنيات، فوجدوا فيها ضالتهم، ولذلك صار التاريخ يتجه نحو مقام المقدس/المعياري في الخطاب، وبحكم الضرورة التي هي المبرر لكل المحظورات ـ في ممارسة الإسلاميين. وبذلك يتجه الخطابان للإلتقاء، وتصبح حجج الخطاب العلمانوي بقبول (الإسلام الشعبي) مقدّرة عند بعض الإسلاميين الذين لم يكونوا يقبلون بغير المعيارية حكما حتى وقت قريب، وحتى الآن عند الكثيرين. إذن يمكن الإلتفاف حول هذه المعضلة بالإلتفات إلى الإسلام الشعبي بكل (أساطيره وخرافاته ـ حسب ما كانوا يعتبرون) وهو القادر الوحيد على تلحيم التناقض، ففيه الشريعة موجودة وغير موجودة في نفس الوقت، فالفكي يقرأ سورة ياسين قبل قطع الرحط، ويخرج ليوزع المريسة من البرميل الكائن في الدارة للمعازيم، ولم تكن هناك مشكلة أبدا، مثل ذلك من الممارسات الكثير على مرآى من قاضي القضاة في أي دويلة إسلامية كانت قبل ظهور هؤلاء الإسلاميين في السودان. لأن الأهم من ذلك كله، هو الوجود، ثم الإستمرار الذي لولاه لما وجد الإسلاميين حسا عاما ولا فلكلور القلب الذي ذكرناه سابقا. وهذا هو مغزى حجج الخطاب الإسلاموعروبي العلمانوي، الذي يبدو أنه قادم في الطريق. وهذا ما يجاور المغزى من سرد الدكتور غازي العتباني لقصة البقط في مقاله.
    يقول غازي صلاح الدين: " بالطبع فإن المسألة (ويقصد البقط بما فيها عطية/هدية الخمر) لا تصلح لأن يستل منها حكم على مستوى العادات والعبادات الشخصية ، لكنها مسألة كاشفة في تعامل المسلمين الأوائل وولاة أمرهم مع الشعوب التي خالطوها. وللراغب في دراسة حركة التاريخ ليستل منها فقهاً وفهماً لما نواجهه من تحد أن يقرأ الأحداث التي مرت بالسودان منذعام 31 إلى عام 1423 هجري ليتقفى اتجاهات مسارات التاريخ وحتمياته".
    وهذا ضمنيا يعني العودة إلى مطبخ النار الباردة، يعني ـ فيما يعني ـ العودة من مكة إلى سنار، من الإسلام المعياري إلى الإسلام الشعبي، يعني أن (الحاكم) ـ والتشديد على الحاكم هنا ضروري ـ ليس بالضرورة مسئول عن تطبيق الشريعة المعيارية، وذلك لغرض أسمى، هو مواصلة الإمتداد.
    ثم يمضي في التأكيد " ونحن أجدر بأن نصل إلى أهدافنا بثقة أكبر ونجاح آكد لو أننا تعاملنا مع الأشياء دون جزع أو هلع".
    لماذا؟
    لأنه حسب قراءة الدكتور غازي للتاريخ "أن أحوال الجنوب في بعديها الثقافي والاجتماعي تمضي في نسق حتمي يدركه من يدرسون حركة الزمان والناس ولا يحتاج المرء أن يطمح ببصره بعيداً في المستقبل ليرى ذلك ، فالذي تحقق حتى هذه الساعة من الاستقرار والنماء والتحول الموجب في علاقاتنا بالجنوب أظهر من أن يستدل له ، «لكنكم قوم تستعجلون». ويكفي أن نذكر هنا أن أهم مشروع تنموي واقتصادي، هو إنتاج البترول، موجود في الجنوب. وفي السنوات العشر الماضية جرى من التواصل الإنساني والسكاني ما أحدث تعديلات جوهرية في علاقات الشمال والجنوب".
    (إذا تغاضينا عن المغالطة والبلاغية في ما يزعم أنه تحقق من أستقرار ونماء) فمربط الفرس في هذا القول، ليس في مقدمة الأمثال: المشاريع، التنموية، البترول إلخ وإن كانت هذه ليس للجنوب فيها ناقة، وإنما في عجزها، وهو ما أسماه بالتواصل السكاني وما أحدثه من تعديلات جوهرية..إلخ مؤكدا على مقولة د. الترابي في مناظرته مع الصادق المهدي في قناة الأم بي سي، في عام 1998 على ما أظن، حيث كان الأخير أكثر شفافية في رده على آثار الحرب، بالقول بأن ذلك ـ ويقصد النزوح ـ خدم المشروع، بجلب الناس إلى (بوتقة الإنصهار) وإلى مقربة من يد العاملين في المشروع الحضاري. وغازي صلاح الدين يريد أن يقول للطيب مصطفى والذين معه: "لم الهلع والجزع؟ فرأس المال المادي عندكم، ورأس المال الرمزي عندكم، وبإمكانكم أن تكونوا الثعلب في حظيرة الدجاج بجدارة، في أي وضعية قادمة، لتواصلوا طريق الأسلاف الذي هو أقل تكلفة.. فما الداعي للجعلوية" والأخيرة هذه لا داعي لها لأنها تتناقض مع خطاب التحايل الأيديولوجي، الذي يتم التأسيس له الآن ليحل محل خطاب المواجهة/الجعلوية التي تعنى بالشكل أكثر من المضمون. هذا ما يريد قوله غازي للطيب مصطفى بصيغة اشتباه المدح.
    أبكر آدم إسماعيل
    كالغاري ـ كندا
                  

02-08-2003, 08:34 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قراءة في مقال غازي صلاح الدين (Re: nadus2000)

    قال نابليون بونا برد وهو يحاكم أحد الخونة :إن من خان وطنه كمثل الابن الذي
    سرق مال أبيه ليطعم به اللصوص فلا أبوه يسامحه ولا اللصوص يكافئوه .
    لقد أثار مقال د. غازى صلاح الدين العتبانى الذي نشر في جريدة سودانايل بعنوان
    )حق الأغبياء في التفكير) موجه من التساؤلات ..أهمها ما المغزى من تعقيبه على
    دعوات الطيب مصطفى في هذا الوقت بالذات ؟؟
    والحقيقة المحرجة لعتبانى هو أن المقال فى طياته يركز على نقطة واحدة هى
    العلاقة بين الشمال والجنوب .. .. ولم يضع في حسبانه ان معارضته أو نصيحته كما تفضل لأخيه الطيب مصطفى ليست بالضرورة أن يجعل ابناء الوطن الأصليين أغبياء عنده لمجرد انهم عبروا عن أراءهم حول قضيتهم .. ومن خلال تحليل الكاتب لدعوة الطيب مصطفى نجد انه لم يضف جديدا غير المزايده بشخصية الطيب حتى يصفه بالجعلى النموذجى تارة و بمن نفد صبره تارة اخرى .. ولم يشر بصراحة الى ان هناك شعب فى الجنوب يعانى ... إلا انه اعتبر المشكلة تلقى عليهم كل يوم ثقل جديد ،ولأ افهم هو ومن؟؟؟...الحكومة ام الشماليون ؟؟؟ وهو امتحان فى نظر الكاتب .. بالانطلاق من منطق واحد هو: ان الشمال سينجح فى توحيد السودان بالسيف؛؛ِِِِ

    تطرق العتبانى الى نقطة خطيرة جدا بقوله: (قد تعزينا قراءة التاريخ اذا لحظنا ان
    احوال الجنوب فى بعديها الثقافى والاجتماعى تمضى فى نسق حتمي يدركه من يدرسون حركة الزمان والناس ولا يحتاج المرء ان يطمح ببصره بعيدا فى المستقبل ليرى ذلك فالذى تحقق حتى هذه الساعة من الإستقرار والنماء والتحول الموجب فى علاقتنا بالجنوب اظهر من ان يستدل له (لكنكم قوم مستعجلون)...).

    ولعل الحرب الأهلية الدائرة حاليآ هي التى عكرت مياه النيل وادخلت علينا عناصر دخيلة ..وهذه العناصر تمكنت من التوغل الى صميم السلطة واصبحت جزاء من المشكلة التى يعانى منها الشعب السودانى.
    لكن دعونى افيد النائمين اللذين لا زالوا يعتقدون ان الجنوب باب سيفتحه المسلمون .. بأن الجنوب حاليا وقف على رجله اليسرى فقط ..ومسك الرمح بيده اليمنى ..فاحترسوا لأن الكرة بملعبه .. وهو الذى سيقرر ..اكرربانه سيقرر مصير علاقته مع الشمال .. ولم يعد بعد الان قرار الانفصال او الوحدة فى قبضة الطيب او عتبانى حتى لايكون ذلك نقطة الجدال بينهما.
    ولقد استخلصت من كلام غازى شيئين .. الأول (محاولة حجب الحقائق) .. فهو انفصالى ولايريد ان يجهر الإنفصاليون بهذه الحقيقة حتى لا ينعزلوا... فمن يحب أرضاً ولا يحب شعبه لا يمكن ان يدّعي الوحدة.
    والثانى هو انه حاول ان يطمئن الشماليين الذين قبلوا به فى الشمال ان الحكومة
    الانقاذ حريصة على وحدة السودان .
    ولكن ولابد ونحن نتكلم عن مصير العلاقة بين الشمال والجنوب ان نعيد الى الأذهان
    بعض الملاحظات الأساسية فى هذا الصدد وان بدأ بعضها مكررآ.
    ان هذه العلاقة هي التى توفر له هذا الثقل السياسى والاهتمام الدولى والآفاق
    المستقبلية لم تتوفر له (بنية الثقة) تحمي حركته من برجماتية او اسلوب المقايضة ، وذلك انه ينمو فى الوقت الصعب الذى يمر به السودان .. مرحلة الصراع الفكرى الذى تقوده الأحزاب السودانية، فحزب الأمة مثلا يمثلون طائفة الأنصار والاتحادي الديمقراطي (الختمية) اما الجبهه الإسلامية فهى صاحبة فكره التوجه الحضارى والدوله الإسلامية وترى ان الجنوبيين كفار واجب تعريبهم واسلمتهم بالقوة .
    وبالتالى لاتعتبر هذه الأحزاب تجسيدا فعليا للمركب المعتقدي الذى تقوم عليه
    الحركات التحررية الأصلية، وينتج عن هذا بالضرورة ثقل المشكلات او التمايزات
    الداخلية للمجموعتين الشمالية والجنوبية من جهة وسهولة الاحتواء الخارجى الذى
    نراه رأي العين من قبل الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من
    جهة اخرى.
    وحيث اننا معنيين فى هذا المقال بفحص دور الحكومة السودانية والحركة الشعبية
    لتحرير السودان فى اطار العلاقة بين الشمال والجنوب –الفاترة- بالتاكيد .. فاننا لابد ان نعالج التساؤلات التالية:
    1:كيف يتم بناء الثقة التى لم تكن موجودة اصلا بين الشمال والجنوب .. والعبارات
    الجارحة مازالت تردد بالتواتر (الجهاد فى الجنوب).
    2:على اى اساس تقوم العلاقة .. والأطراف غير متجانسه ولن تنصهر لأن الإسلام لا يسمح بزواج المسيحى من مسلمة .
    هل اهل الشمال سيقبلون بالمساواة مع اهل الجنوب؟.
    لم يكن ثمة مفر من حقيقة مفادها ان الإنفصال سيأتى فرضا من الشماليين قبل ان
    يقرره اهله .. وذلك بعنادهم المتعمد فى عدم مواجهه الحقائق، ورجل كغازى وهو مستشار الرئيس لشئوون السلام كان يفترض ان يتحلى بعبارات مشجعه للطرفين بدلا من الغرق فى الخناق .. واكثر عباراته دائما مثيره للجدل ومثل هذاه العبارات لا تخدم إلا الإنفصال والكراهية الدينية ،وتكون تاريخا غير قابل للنسيان وتزيد المسافة بعدا بين الشمال والجنوب وترفع نسبة الحقد والكراهية بين الأجيال القادمة.
                  

02-08-2003, 08:43 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإنفصاليون الجدد ..!! (Re: nadus2000)

    الإنفصاليون الجدد ..!!

    بقلم : عثمان ميرغني






    الاستاذ الطيب مصطفي المدير العام السابق لتلفزيون السودان ووزير الدولة السابق بوزارة الإعلام ليس مجرد كاتب عادي عندما يكتب مقالا طويلا ثم يسلمه لثلاث صحف يومية وتنشره الصحف الثلاث في ذات اليوم.. فليس في السودان "كاتب عادي" تنشر له ثلاث صحف دفعة واحدة مقاله.. فالطيب بحكم المشاركة السياسية هو عضو فعال في العمل السياسي وبحكم صلة القربى من السيد رئيس الجمهورية فهو "مُطلع" ومدرك لحساسية ما يمكن ان يثيره مقاله من رياح خاصة عندما يكون المقال "مع سبق الإصرار والترصد" بالنشر بالثلاثة.

    ولم يكتف الطيب باثارة كل الأشجان التي عددها بل ختم مقاله بعبارة حاسمة "وسيتلو ذلك خطوات سيعلن عنها في حينه إن شاء الله .." وهي كما ذكرتُ في مناسبة سابقة عبارة تحول المقال من مجرد رأى منشور الي "منفستو" حركة سياسية جديدة .. اختار لها الطيب مصطفى - تهكما - اسم "الحركة الشعبية لتحرير شمال السودان NSPLM.

    وعموما دعوة الطيب مصطفي "الإنفصالية" باسم الشمال ليست جديدة وإن كان أضاف لها مزيدا من الحجج والمرارات ومرافعات التظلم والإحتجاج ليجعلها أكثر حرقة ،لكن - كما أسلفتُ - شخصية الكاتب تجعل من الدعوة هذه المرة نبرة جديدة ربما ساور الكثيرون هاجس أنها قد تكون مدروسة بعناية أكبر مما يظهر على سطح المقال من خواطر شخصية تعبر عن رأى فردي..خاصة وأن كاتب المقال استدرج أسانيد لبعض حججه من قول نسبه الي الرئيس البشير.

    ويبدو أن الطيب مصطفي وقع في الخطيئة المعهودة لبعض المفكرين والكتاب الذي يحللون وينظرون الي مشكلة الجنوب من إحدي الضفتين .. الشمالية أو الجنوبية ولم يستطع اقتلاع نفسه - وهو يكتب المقال - من جغرافية المكان والإنتماء حتى يرى الأمور على حقيقتها بعيدا عن حُجب وألوان المسلمات التي تُثار من جانبي القضية في الشمال والجنوب والتي تجعل منها في النهاية مجرد مرافعة إتهام في مواجهة الدفاع أو العكس .

    والنظر الي مشكلة الجنوب من مقاعد إحدى الفرقتين الشمالية أو الجنوبية يناصر حجة طرف على طرف لكنه لا يمنح الحكمة المطلوبة للخروج من نفق القضية المظلم.حتى في الأسانيد الرئاسية التي تحجج بها الطيب مصطفي طفرت فكرة النظر من ضفة الي أخرى فقد ذكر ان السيد الرئيس البشير وفي مناسبة موثقة قال "إذا خُيرنا بين استمرار الحرب والإنفصال فسنختار الإنفصال .." (انتهى حديث الرئيس) ويصبح السؤال المنطقي الي (مَنْ)يعود ضمير الجمع في كلمة (خُيرنا) هل هم الشماليون ؟؟ ومن هو نائب الفاعل الذي يملك حق "تخيير" الرئيس أو الحكومة بين الحرب أو الإنفصال ؟؟.

    من الواضح ان النظر الي قضية الجنوب يعاني من التحيز ، إما للشمال أو الجنوب .. وأقصد بالتحيز ان يقف المتكلم في الضفة الشمالية و الجنوبية ويصدر حكمه من كيف مايراه من موقعه ..

    لكن النظرة الحصيفة الي القضية بعيدا عن الإنحياز لأي طرف ،ودون الجلوس على ضفة النهر اليسرى أو اليمني وإنما من جزيرة في الوسط يمنح القضية نهجا عقلانيا غير متشنج بحجة أو ظلامة او شكوى. ولا يجعل مسئولا رفيعا مثل الطيب مصطفي يطالب بتقصير الفترة الإنتقالية للخلاص من هَم الجنوب وهو يعلم أنه حتى ولو تأكد للسودانيين جميعا أن الجنوب لا محالة منفصل وأنه لا رجاء إطلاقا من الوحدة في سودان واحد فإن على الشمال والسودان كله أن يتأكد ان لا يحدث ذلك قبل أن يشتد ساعد الجنوب ليقوى على الوقوف علي قدميه دولة مستقلة قادرة على احتمال الإعتماد على قوامها بين الامم الأخرى .. أن يعمل السودان كله - هو يعلم أن الجنوب سينفصل - خلال ستة أعوام الفترة الإنتقالية من أجل جنوب سالم معافى . وتظل شركة الإتصالات السودانية (سوداتل) تركب الهاتف الجديدة وتمدد كوابلها حتى آخر ساعة قبل الرحيل من الجنوب .. بل وتبرم العقود التي تضمن لها حق الاستمرار في العمل في دولة الجنوب الجديدة وكأن الإنفصال لم يحدث.

    ويستمر الدورى العام لكرة القدم على وتيرته فيلعب هلال الخرطوم مباراته ضد مريخ "جوبا" حتى آخر دقيقة فيها ثم يودعه على أمل التقابل في المباراة القادمة في دورى كأس أفريقيا لأنه سيكون فريقا في دولة أفريقية أخرى جديدة.

    أقصد أن يدرك الشماليون أن الجنوب جزء من السودان وحتى ولو أصبح في طريقه الإجرائي البرتوكولي نحو الإنفصال فإن واجبهم التأكد من أنه سينفصل وهو في أفضل حالاته كدولة جديدة ..وهذا المنطق على عكس فكرة الذين يطالبون بتقصير الفترة الانتقالية حتى لا يخسر (السودان!!) من موارده ما سيذهب الي شقه الجنوبي المنفصل عنه لا محالة ..

    ومشكلة الطيب مصطفي كغيره من بعض الاسلاميين أنهم لا يسقطون الحكمة الدينية في المعاملات الفردية والشخصية على مسلك الشخصية الإعتبارية كالوطن أو الحكومة او المؤسسات الرسمية.. فتبدو كثير من المعاملات المطلوبة شرعا من الفرد مرفوعة عنه إذا كان يتحدث باسم شخصية اعتبارية كالوطن او الحكومة. فالاستدلال الذي أخذ به الطيب مصطفي في تحليل الدين للإنفصال في الحياة الزوجية إذا تحتم ذلك لم يكمله الي مداه ويستنبط كيفية "الإحسان" المطلوب شرعا إذا تأكد الإنفصال في الحياة الزوجية "وتسريح بإحسان" وأن هذا التسريح بإحسان يتطلب قوامة الطرف الأقوى علي الأضعف حتى يتأكد من قدرته على مواجهة الحياة الجديدة.. وبهذا المفهوم قد يكون مطلوبا من السودان الاستمرار في دعم "ميزانية دولة جنوب السودان " حتى بعد الإنفصال لحين بلوغه سن الفطام.

    والإسلام دين أممي يناهض الحدود السياسية أو العرقية أو اللونية ويُظهر ذلك حتى في التعامل الشخصي الفردي فيوصي بالجار للدرجة التي وصفها الرسول صلي الله عليه وسلم بأنه كاد يظن أن الله سيأمره بأن يدخل الجار في ورثة جاره مثله كأى من ذوي القربى المورثين.

    ثم أن الطيب مصطفي ينسى - في غمرة تعداده حيثيات تقصير الفترة الإنتقالية - أن الشماليين المسلمين يرددون دائما أن تعداد المسلمين في جنوب السودان أكبر من تعداد إخوانهم المسيحيين .. إذا لماذا يناهض الطيب مصطفي إخوانه المسلمين في وطنهم الجديد ويبذل النصيحة بفطامهم أعجل ماتيسر حتى لا يهدروا موارد السودان في فترة انتقال طويلة!! .. لماذا يبخل الطيب مصطفي علي إخوانه المسلمين في الجنوب وهم في دولتهم الجديدة في حاجة ماسة لتثبيت قواعدها بمساعدة جارهم السودان حتى لا يصبحون عالة على أجندة غريبة أخرى ؟..

    من الواضح ان حيثيات الطيب مصطفي هنا بُنيت على "حالة" إحساس قبلى (جعلي) محض.. تاهت في ضبابه حالة (الإيمان) بنظرة الإسلام المتآخية للمسلمين بعضهم لبعض ولأصحاب الديانات السماوية الاخرى... وكما لا يسرق السارق حين يسرق هو - مؤمن- كما ذكر الحديث النبوي الشريف .. فلم يكتب الطيب مصطفي ماكتب وهو - مؤمن -.. الإيمان "حالة" وليس "صفة" بمنطوق الحديث النبوى الذي جعل الإيمان كالطائر يهبط في القلب ويطير حسب "الحالة" .

    ولعل الطيب مصطفي تمادى في هذه "الحالة" وهو يقرر إنعدام عوامل التوحد بين أبناء الشمال والجنوب ويقرر أن صلة القربى بين الشماليين وجيرانهم الاريتريين والتشاديين والمصريين أكثر من صلتهم بالجنوبيين . وأن صلة الجنوبيين باليوغنديين والكينيين أقرب من صلاتهم بالشماليين عرقا ولونا ولغة ودينا بل وحبا وهوى .

    ورغم ان النظرية التي ساقها الطيب هنا تعبر عن "الحالة" التي سقتها في السطور السابقة أكثر من الحقيقة فهي خاطئة تماما من حيث الحقيقة العلمية وآخرها كان الكشف الأثري لمومياء رجل عاش في شمال السودان قبل سبعة آلاف عام وتبين أن شعره أجعد وبشرته سمراء كأي سوداني من الجنوب او الشمال حاليا. ، إلا أنه بافتراض صحة حديثه فإن الطيب لم يبذل جهدا في النظر الي دول كثيرة تقوم على شعوب متباينة اللغات والأديان والسحنات على رأسها أقوى دولة في العالم الولايات المتحدة الامريكية التي يكون في النهاية شعبها خليط "أقليات".. وربما كان ذلك سبب قوته بل ما تزال الولايات المتحدة الامريكية تدعو البشر من جميع الأعراق للهجرة إليها وتقف طوابير طويلة من السودانيين في انظار"الروتاري" ليصبحوا أمريكان رغم اختلاف اللغة والدين والعرق واللون وحتى درجة "التحضر" .

    دعوة الطيب مصطفي فيها أنفاس العرقية والعنصرية وتحيل قضية الحرب في جنوب السودان الي فصل جديد يقوم على نظرية "الخلاص" الكبير التي يفترض فيها الشمال أنه سيدفن كل أوزاره وسيئات تاريخه القديم في أرض دولة جديدة في جنوب السودان. وليته يراجع الحيثيات التي بنى عليها أحكامه و يتهم النفس الأمارة بالسوء ثم يؤسس نظرة جديدة تبعد عن الشاطيء الأيمن او الأيسر وتنظر الي الامور بمعيار "عقلاني" بعيداً عن العواطف والتراكمات الحزينة التي بذرتها في النفوس مرارات الحوادث التي غلفت قضية الحرب في جنوب السودان وجعلت منها أكبر مأساة بشرية في وجه الكرة الأرضية على حد تعبير السيد كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية ..

                  

02-12-2003, 08:48 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
متى تكون الوحدة جذابة للشماليين (Re: nadus2000)

    متى تكون الوحدة جذابة للشماليين

    دندرا علي دندرا
    [email protected]


    هل كان السودان موحداً ؟
    لم يكن السودان أصلا موحدا.ً فبعد انهيار كوش تجزأت البلاد إلى ممالك ، فظهرت
    نوباتيا النوبية في الشمال وتسمى مملكة (المريس) وعاصمتها (فرس) المغمورة ببحيرة النوبة (بحيرة الناصر حالياً) .
    والثانية مملكة (المقرة) وعاصمتها ( دنقلة ) والمملكة الثالثة هي علوة في وسط
    السودان وعاصمتها ( سوبا ).
    وكانت الثقافة المسيحية القبطية هي الثقافة السائدة حتى عام 1505 حيث تحالف
    قبائل العبدلاب مع قادة الفونج فاسقطوا مملكة علوة النوبية وخربوا عاصمتها سوبا
    اما في اقصى غرب السودان فقد قامت مملكة التنجور التي قامت على انقاضها سلطنة الفور ( 1650 – 1874 ) التي قضى عليها الزبير ود رحمة 29/10/1874 في معركة ( منواشي ) ولكن الفور تمكنوا من استعادة ملكهم على يد السلطان على دينار في عام ( 1899 - 1916 ) حيث ضمها الاستعمار الإنجليزي المصري إلى أملاكه.
    إن نواة الوحدة زرعها المهدي عندما نجحت قواته في التغلب على الغزاة العثمانيين
    1885 وأسس حكماً سودانياً ودرجة من الوحدة بين العرب والأفريقيين الشماليين
    وزنوج الجنوب ( حسب نص الديمقراطية في الميزان ص 14 المحجوب ) .
    أما وحدة السودان شمال وجنوب فهو إنجاز القادة الجنوبيين والفضل يرجع لهم أولا
    وأخيراً, ففي عام 1947 عقد مؤتمر جوبا للاطلاع على رأي الجنوبيين والبحث في
    مصيرهم السياسي هل يفضلون الانضمام إلى يوغندا ام شمال السودان ام يعلنوا دولة
    لهم في الجنوب فقال سلاطين الجنوب رايهم واضحاً صريحاً الوحدة مع الشمال وإنشاء مجلس تشريعي واحد لجميع البلاد وكان مؤتمر جوبا هو أول مؤتمر من نوعه يضم الشماليين والجنوبيين وبذلك يكون السودان الحالي هو صنيع جنوبي صرف بشرطي الوحدة الذين لم يتحققا حتى تاريخ اللحظة .
    1- الفدرالية .
    2- تطوير الثقافات الجنوبية وحرية العبادة .
    لم يقف الامر على ذلك بل ساهم الجنوبيين في اعلان الاستقلال فأيدوه رغم الظلم
    الذي وقع عليهم مبكراً 1950 عند سودنة الوظائف التي كانت بيد المصريين والإنجليز نال الجنوبيون (6) ستة وظائف مقابل (800) ثمانمائة للشماليين . وكان
    املهم ان يتحقق الشرطين السابقين الذين تم الاتفاق عليهما في مؤتمر جوبا ولكن
    هيهات .

    الاستقلال والتحرر :

    إن جهود الحكم الذاتي والاستقلال دامت خمسة سنوات ، لقد اسس السودانيين جمعية
    تشريعية ومجلس تنفيذي في سنة 1949 وكان الازهري رئيساً للوزراء والمحجوب زعيماً للمعارضة وكان تطوراً قريباً من الحكم الذاتي . وفي 6 نوفمبر 1949 قدمت الجمعية العمومية اقتراحاً بالحكم الذاتي قبله الحاكم العام واصدر امراً بتاليف لجنة
    تعديل دستوري في 9 ديسمبر 1950 وضعت تلك اللجنة مسودة الحكم الذاتي في فبراير 1953 .- 1950 تم جلاء القوات البريطانية من السودان وانزل العلم في اواخر اغسطس 1955 وفي اوائل ديسمبر قابل السيد محمد احمد محجوب السيد اسماعيل الازهري رئيس الوزراء في بيت ابن خاله واتفقا على ان يلقى رئيس الوزراء في البرلمان من دون أي إنذارا سابقا بياناً يعلن فيه الاستقلال اذ لقد حقق السودان الاستقلال الذاتي في 1949 واسس مجلس تشريعي وتنفيذي ثم الاستقلال التام في 1 يناير 1956 بقرار المجلس التشريعي السوداني.

    مشكلة جنوب السودان :

    قضية جنوب السودان هي أطول ثورة في القارة الأفريقية (المحجوب : الديمقراطية
    في الميزان ) بدأت 1955 وتحت حكم السودانيين وليس الإنجليز كما يزعم الجميع ،
    اندلعت الحرب والسيد اسماعيل الازهري ر ئيساً للوزراء وكان السيد محمد احمد
    محجوب زعيماً للمعارضة في الجمعية التشريعية التي وضعت خطة السودنة وتم تنفيذها بواسطة رئيس الوزراء .
    بدأت الحرب مع نهاية جلاء القوات البريطانية المصرية وإحلال الضباط الشماليين
    مكانهم . مضافاً إليه مطالب الجنوبيين العادلة في مؤتمر جوبا .
    فلم يكن امام الجيش الجنوبي الا خيار الحرب فلا يعقل بعد هذه التضحيات ان يبدل
    ( سادة أجانب بسادة أقارب) فنفذ الجنوبيين بالحرف ما جاء في خطاب السيد محمد
    احمد محجوب يوم رفع علم الاستقلال قائلا ( عانينا الكثير من الاستعمار أما الآن
    ونحن في موقف وداعه ، فإننا لا نحمل حقداً على أحد ولكننا سنوجه مدافعنا من دون
    تردد نحو اؤلئك الذين يسعون لاستمرار نفوذهم في هذا البلد أو يضمرون أي رغبة
    في احتلاله ) .

    ما معنى الوحدة عند الجنوبيين :

    للوحدة معنى واحد عند الجنوبيين وهو (أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك) ، مفهوم
    الوحدة عند الجنوبيين تنبع من روح الرسالة الخالدة التي تقول (نحن نحب الله لان
    الله احبنا أولا) (ان قال أحد احب الله وابغض الأخ فهو كاذب لان من لا يحب
    أخاه الذي أبصره كيف له ان يحب الله الذي لم يبصره) .

    كان الجنوبيون دائما ومازالوا مع وحدة السودان حيث انهم ارتضوها في:
    - عام 1947 مؤتمر جوبا
    - عام 1956 استقلال السودان
    - عام 1965 مؤتمر المائدة المستديرة
    - عام 1965 لجنة الاثني عشر
    - عام 1972 مؤتمر أديس أبابا )
    - عام 31/8/1988 مبادرة السلام السودانية(الميرغني –قرنق)
    - عام 1995 مقررات اسمرة المصيرية
    - عام 1997 اتفاقية الخرطوم للسلام
    - عام 2002 ( ماشاكوس الاطاري ).

    لقد اصبحت مسالة الوحدة بين الشمال والجنوب كالخلاف الذي وقع في جبال النوبة
    بين قبيلتين نوبية وأخرى عربية جلس لها الأجاويد في جودية للحل واتفق الأجاويد
    مع شيخ القبيلة ان يتم الصلح بحلف اليمين على القران الكريم بان لا يتكرر مثل
    تلك الأحداث في المستقبل وعندما حان وقت الحليفة وقف نوباوي من العامة فجأة
    وقال يا شيخنا نحن حلفنا مع الناس ديل على المصحف تسعة مرات ودي المرة العاشرة
    عليك بالله ورسوله يا شيخنا شوف لينا حل تاني غير الحليفة على المصحف يقدروا
    يلتزموا بيه الناس ديل وتنفيذوا بالبنتفق ?ليه. كذلك فعلى الساسة الشماليون ان
    يبحثوا لهم عن شئ اخر غير المواثيق والعهود التي نقضوها عدة مرات كما ذكر
    سالفا.
    الوحدة عاشها الساسة الجنوبيين بحق وحقيقة. فقد ذهب العم البرلماني الشيخ بوث
    أدى أقصى درجات التطرف في الوحدة وسمى ابنه شنقيطي بوث ديو تيمناً بصديقه
    البرلماني الشيخ الشنقيطي فماذا كان الرد على هذا التطرف الوحدوي ؟ الرد هو
    النوادر التي انتشرت عن لسانه الاغلف وعدم اجادته اللغة العربية . بمعنى كان
    يجب عليه ان يولد نويراوياً بلسان عربياً فصيح! .

    كان البطل على عبد اللطيف شعلة الوحدة وسار على دربه عبد الفضيل ماج (الماظ)
    وسار على دربهم الدكتور جون قرنق بخطوات ثابتة من اجل الوحدة فأطلق ندائه
    المشهور بإعلان كوكدام 1986 وفيه دعا كل السودانيين الشماليين والجنوبيين واهل
    الغرب والشرق ان ينبذوا أسباب الفرقة والشتات وإزالة كل العوائق التي تقف في
    المسار التطبيقي للتوافق والتآلف بين هذه الأبعاد المختلفة من اجل سودان جديد
    فيه مساواة ووحدة وتقدم.
    وفي درب الوحدة نال القادة الجنوبيين أسمى أوسمة الشرف على مستوى السودان لم
    ينالها أحد من قبل فلقد قلد الشعب السوداني العم القاضي ابيل الير وسام ابن
    السودان البار ( ابن السودان البار ) وهو وسام الإنجاز والبطولة كرمه به الشعب
    لانه مهندس اتفاقية أديس أبابا التي حقنت دماء أبناء البلد.
    ومن اجل الوحدة ( تزوج قائد الثورة الأولى انانيا 1 اللواء جوزيف لاقو من
    الشمال وخلف ابناء نسأل الله لهم طول العمر واقسم الرجل بالا ينحاز إلى جانب
    أحد إذا اندلعت الحرب مرة أخرى حتى لا تتلطخ يده بدماء خوال أبنائه. ومازال
    الرجل بارا لهذا القسم. هذا هو مفهوم الوحدة عند الجنوبيين.

    ماذا تعني الوحدة عند الشماليين :

    حتى لا اوصف بالتحامل على الشماليين فما اعرضه بالذات في هذا الموضوع هو
    تأملات قائد شمالي له بصمات على واقع حالة السودان وقد أوصى الرجل وقال ( ان
    تأملاته وبحثه عن أسباب الفشل وتحليل المشاكل التي واجهته هي هدية للأجيال القائمة وطريقاً يتبعوه يمكنهم من تفادي أشواك الماضي وأخطائه).

    لقد تعامل القادة في الشمال وهم في مركز القرار والتنفيذ مع مطالب الجنوبيين
    وشروطهم من اجل الوحدة كما تعاملوا مع الاستقلال التام من مصر. فنادوا بوحدة
    وادي النيل كتكتيك واضمروا الاستقلال وكان بإمكانهم ان يقولوا ببساطة ومن
    البداية لا وحدة مع مصر. طبقوا نفس النظرية على الجنوبيين فقبلوا مطالبهم
    كتكتيك والوا ان رجاء البرلمانيين الجنوبيين لوضع نظام فدرالي في الجنوب سوف
    يعطي اعتبار تاما في الجمعية التأسيسية عند قيامها. ولكن في عام 1958 أعلنوا
    السودان دولة عربية إسلامية بنص الدستور ووصموا كل من لا يخضع لهذا الدستور
    متمرداً يجب محاربته وقتله.
    إذن اصل الوحدة غير جذابة بالنسبة للشماليين. الوحدة بالنسبة لهم كانت وحدة
    الأرض وضمانا استراتيجيا توسعيا في المستقبل. الوحدة عند الشماليين تعني
    التبعية للمشروع الحضاري والانبطاح لاصحاب الحل والعقد ولو بالقوة من اجل
    التمكين والدليل كالآتي :
    1-يقول العم المحامي ابيل الير الذي شارك في البرلمان عام 1965 وكوزير عام 1970
    وكرئيس حكومة للجنوبيين عام 1972 بموجب اتفاقية أديس أبابا وكمساعد للرئيس
    الجمهورية في مطلع الثمانينات ( أنا عشت 47 سنة بدون مشاركة في صنع القرار وان السودان بلد أفريقي وكيان له خصوصيته ومتنوع الثقافات والأديان والأعراف وليس جزء من منطقة أخرى.
    ( كان الرجل طيب تاكل وتمسح في ثيابه ) وكان يعيش على أمل ان ينعم السودان
    بالاستقرار والسلام لذلك اقنع جوزيف لاقو بان يوقف الحرب ويعود إلى البلد.

    2-حكى العم القائد اللواء جوزيف لاقو ان عن تجربته وقال (عينت نائب رئيس
    الجمهورية وكنت اقضي وقتي في مكتبي بالقصر الجمهوري في تصفح الجرائد والمجلات وعندما تم إعفائي من المنصب سمعت عبر الراديو وكنت اسكن في منزل ملك للدولة عند عودتي وجدت عفش البيت في الشارع ، عندها عرفت انني غريب في البلد قررت ترك السودان.
    نقول له الله يعينك كنت من جيل البطولات والتقيت بجيل السفاهات فلك الحق في
    الرحيل. وللحقيقة عندما نقول الرجل من جيل البطولات لا نمنحه لقب لا يستحقه بل
    لانه فعلاً من جيل البطولات. لقد وقع اتفاقية أديس أبابا أعلن جعفر نميري في
    بيان اذيع في يوم 9/6/1969 ان الحكومة الثورية واثقة وقادرة تماماً على مواجهة
    الحقائق وهي تعترف بالفوارق التاريخية والثقافية بين الشمال والجنوب ويعتقد
    جازمة ان وحدة وطننا يجب ان نبني على هذه الحقائق الموضوعية وان أهل الجنوب من حقهم ان يطوروا ثقافتهم وتقاليدهم في نطاق السودان الموحد هذا البيان أسفر عن
    اتفاقية أديس أبابا وكان الضمان الوحيد الذي رجع العم لاقو إلى الداخل, ولكن نفس الرجل نقض الاتفاقية منذ 1972 الى 1982 كالاتي:-
    1-وقف تجنيد الجنوبيين في الجيش السوداني إلا عدد 247 فرد تم تجنيدهم 1974.
    2- وقف قبول الجنوبيين في الكلية الحربية رغم انه منصوص عليه في الاتفاقية بان
    يكون نسبة 30% من المقبولين من الجنوب .
    3-إحالة 146 ضابط إلى المعاش من اصل 203 ضابط ولم ?بقي سوى عدد 47 ضابط جنوبي في الجيش .
    4- أمر النميري بعزل جوزيف لاقو من قيادة الجيش لانه اصبح رئيس للمجلس التنفيذي العالي ولم يعزل نفسه من الجيش لانه رئيس الجمهورية وكان أبو القاسم والباقر وعمر محمد الطيب يرتدون الزي الرسمي بعد عدة سنوات من تقاعدهم الرسمي من الجيش وكان هذا الموقف تجاه لاقو فريداً لا مثيل له وقد أثار تساؤلات مزعجة لدى الجنوبيين.
    6-إصدار الحكومة قرار ?نقل الجيش المستوعب من الجنوب إلى الشمال رغم علمها
    بالمشاكل الجمة التي تصاحب هذا التنقل .
    7-الضغط على الجيش المستوعب بتأخير المرتبات والترقيات والمعدات .
    8-تدخل نميري في شئون الحكومة الإقليمية مثال حل البرلمان وتعيين ابيل الير
    نائب رئيس الجمهورية والدستور يمنع تدخل الرئيس في شئون الحكومة الإقليمية حسب نص اتفاقية أديس أبابا وأخيراً إلغاء الاتفاقية كلياً وإعلان الشريعة الإسلامية
    وإعلان نفسه خليفة للمسلمين في عموم السودان.

    وسط كل هذه المشاكل ما هو خيار الجنوبيين؟ اكيد الحرب هو الخيار المنطقي
    والطبيعي فاندلعت الحرب في 1983 .
    يتضح من هذا العرض ان الوحدة بالنسبة للشماليين غير جذابة فهي حفلة ( تم تم )
    يرقصون فيها بسخرية وحماس وينتهي كل شئ بانتهاء (الدلوكة).

    الجنوبيين عايزين شنو من الشماليين :

    الجنوبيين عايزين من الشماليين ان يبحثوا في أصالتهم عن الأشياء التي توحد
    الناس ولا تفرقهم وان يعرفوا ان العدل من أسماء الله الحسني إذا ضاع ضاعت البلد
    ، الجنوبيين عايزين من الشماليين ان يقفوا وقفة غير معهودة في تاريخ السياسة
    السودانية ويعترفوا بأخطاء الماضي ويشرعوا في تصحيحها حسب قولهم المأثور (ليس العيب ان تخطئ بل العيب كل العيب ان تتمادى في الخطأ وان الاعتراف بالذنب فضيلة) .
    الجنوبيين عايزين من الشماليين ان يعرفوا بأنهم موجودين منذ ان خلق الله السودان بحكمته ومن حقهم ان يشاركوا في تقرير مصير هذا البلد وان يتقلدوا المناصب السيادية لا كمنحة بل كحق اصيل.
    الجنوبيون قالوا ليكم من 1947 مش عاوزين تنمية الأرض بل تنمية الإنسان الجنوبي
    وتنمية عاداته وتقاليده ( لا تعطني خبزا بل علمني كيف ازرع قمحاً) عندها سوف
    تجدوهم كما عهدتموهم أوفياء للعهود والمواثيق. كما في تجربة سلام ادريس ابابا
    قادرين على العفو عند المقدرة كعفو الزعيم الأفريقي المناضل نلسون مانديلا الذي
    حول حارسه الخاص في السجن الى حارسه الخاص وهو رئيس لجنوب افريقيا.

    تلغراف للجامعة العربية :

    نثمن كثيراً تعيين مندوبين للجامعة العربية لمتابعة مشاكل جنوب السودان ونشكر
    الأمين العام الأخ عمر موسى ونقول له مع كل الاحترام له وللجامعة العربية
    بالسوداني ( الني بيرجع للنار ).
    ومرجع قولي هو طبيعة المشكلة السودانية التي مرت بدرجة من الحساسية الناجمة عن فقدان الثقة بين الأطراف المتصارعة وحتى لا يسود مبدأ (سوء الظن من حسن الفطن) بينكم وبين الفرقاء السودانيين أتمنى ان تجمع الكل في مائدة الجامعة العربية
    حتى تكون مستديرة بدلا من ان تكون مثلثة كما هي الآن وبها تكسبوا ثقة الجميع.
    ولتعلم ان الطريق الى تنمية الجنوب يبدأ بالإنسان الجنوبي وليس الارض والبنية
    التحتية والمشاريع التنموية، يجب ان ينصب جهدكم في الانسان لان التنمية الحقيقية هي تنمية الإنسان عملاً بقول وزير خارجية هولندا عندما سئل ما هي ثروتكم الطبيعية فرد وقال لدينا بشر ثروتنا الحقيقية هي الفرد الهولندي اما بوابة الدخول الى الجنوب موجودة في الجنوب وبالتحديد في يامبيو فكل المنظمات الإنسانية التي تتطوع لتنمية الجنوب تدخل من يامبيو وحتى تثمر توصيات الأخ القائد العقيد معمر القدافي صاحب التجديد والتنوير في أفريقيا وصاحب نظرية الفضاء الطلق في عالم السياسة التي أفرزت الساحل والصحراء والولايات المتحدة الأفريقية عليكم تطبيق تلك النظريات في التعامل مع مواطنين الجنوب الذين تمثلهم الحركة الشعبية لتحرير السودان في مفاوضات ماشاكوس البوابة الحقيقية هناك ان كنتم تريدون النجاح والله الموفق .
                  

02-27-2003, 04:53 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: متى تكون الوحدة جذابة للشماليين نساند دعوة الانفصال ونادمون على الاتفاق (Re: nadus2000)

    مكواج تينج الوزير الجنوبي الناطق باسم الحركة الرئيسية المتحالفة مع حكومة البشير:

    نساند دعوة الانفصال ونادمون على الاتفاق مع الحكومة!




    الخرطوم: البيان
    أشارت دعوة الطيب مصطفى وزير الدولة للإعلام السابق واحد القيادات البارزة للحزب الحاكم في السودان والذي تربطه وشائج القرابة مع الرئيس عمر البشير لانفصال الشمال عن الجنوب ردود أفعال متباينة وكان من ضمنها دعوة مكواج تينج وزير الدولة بوزارة الحكم الاتحادي والناطق الرسمي باسم حزب جبهة الإنقاذ الذي وقّع مع الحكومة اتفاقية الخرطوم للسلام في عام 1997م وعلى أثرها ترك الحزب العمل المسلح وتحالف على الحكومة.

    وحرك مكواج الكثير من المياه الراكدة بمجاهرته رغم منصبه الوزاري بالانفصال وتكوين دولة جنوب السودان مما تعتبر بادرة غير مسبوقة في السودان. ونحاول من خلال الحوار إجلاء آرائه حول دوافعه للانفصال ولاسيما وأن هناك تحركات مكثفة من الجامعة العربية لدعم التنمية في الجنوب حفاظاً على وحدة السودان. وهنا تفاصيل الحوار:

    ـ في أعقاب دعوة الطيب مصطفى القيادي بالحزب الحاكم لانفصال الشمال عن الجنوب دعوت للانفصال، فهل حديثك هذا جاء بمثابة رد فعل أم لقناعة باستحالة الوحدة؟

    ـ اعتبر أن دعوة الطيب مصطفى هي دعوة تمت بدراية لواقع السودان وتستحق تقديراً وخاصة أنه قيادي من حقه أن يدافع عن مصالح أهله، ونحن عندما عدنا ووقعّنا اتفاقية الخرطوم للسلام في عام 1997م تركنا الخيارات مفتوحة بين الوحدة والانفصال. وصحيح هناك من يرى أننا حركة انفصالية ولكننا في النهاية نرضخ لرأي جماهيرنا ولذلك كان اتفاقنا على ضرورة الاستفتاء على تقرير المصير، وموقف الإنسان من الوحدة والانفصال يتبدل حسب المتغيرات الواقعية. وعند إطلاق الطيب مصطفى دعوته اعتقد ان هناك ضرورة لمحاسبة الذات طوال الفترة الماضية حول العائد عن الوحدة للأجيال القادمة ولا أظن أن الحديث عن ان السودان وجدناه موحداً ويجب أن يظل كذلك حديث لا معنى له وهو نوع من اليأس لأن الفشل لا ينبغي الاستمرار فيه ويجب إعطاء الآخرين الفرصة للتعبير عن آرائهم. والجنوبيون كان رأيهم الانفصال منذ مؤتمر جوبا 1947م والحديث عن أن الجنوبيين وافقوا بالوحدة في ذلك المؤتمر حديث فيه الكثير من اللبس ولان الجنوبيين طالبوا أما أن يتعلموا تحت إدارة الإنجليز و ينفصل الشمال أو يمنحوا فرصة لفترة 4 سنوات ليحكموا أنفسهم وبعد ذلك إذا وصلوا لمرحلة متطورة يمكن أن يتوحدوا مع الشمال أو أن ينضموا لشرق أفريقيا ولكن الإنجليز رفضوا هذه المقترحات وقرروا بالنيابة عن أهل الجنوب.

    وأرى أن الإشكاليات بدأت منذ عام 1947م. لأن الأخوة في الشمال تقدموا في التعليم أكثر من الجنوب. وقد كشف السكرتير الإداري للسودان في تلك الفترة في مذكراته أنه رفض مقترحات انفصال الجنوب في مؤتمر جوبا لانه أعتبر أن الجنوبيين والشماليين المشاركين في المؤتمر لا يعبرون عن كل أهل السودان ليقرروا بشأن السودان. وفعلياً نحن جربنا الوحدة طوال هذه الفترة ولم نجنِ إلا الموت والدمار والمرارات.

    ـ إلا ترى أن محادثات ماشاكوس يمكن أن تكون فرصة مواتية لإحلال السلام وتعزيز الوحدة الطوعية في البلاد ثم ان هناك محاولات حثيثة من قبل الجامعة العربية للمساهمة في تنمية الجنوب في الفترة الانتقالية لدعم خيار الوحدة، فما رأيكم في الجهد العربي للحفاظ على وحدة السودان؟

    ـ القضية ليست بهذه السهولة فهناك قضايا تقسيم السلطة والثروة فإذا كانت الحكومة ترفض في ماشاكوس اقتراح أن يكون نائب رئيس بصلاحيات واسعة فهذا يعني أن الحوار من الأصل لن يؤدي لنتيجة. فنحن إذا تحققت تنمية وتمسك أهل الشمال بأن الشريعة لا تسمح لمسيحي بحكم السودان فهذا يهدم الوحدة. وبقراءة للتاريخ نجد الشماليين ينقضون كل اتفاقياتهم مع الجنوب، فمثال لذلك قبل الاستقلال وعدت قيادات الشمال بتحقيق مطلب أهل الجنوب بأن يكون نظام الحكم فدرالي ـ اتحادي ولكن بمجرد نيل الاستقلال تناسوا هذا المطلب. وبعد مجيء نظام الرئيس عبود العسكري في عام 1958م قام بمحاولات لأسلمة الجنوب وطرد المبشرين المسيحيين. ويمكن القول انه بعد خروج المستعمر الإنجليزي لبس الشماليون «جلباب» المستعمر وأنا أستطيع ان أراهن أن ما تحمله الجنوبيون طوال العهد الوطني لن يستطيع الشماليون تحمله وتحسباً لذلك ظهرت بعض الأصوات داخل الحزب الحاكم مثل الطيب مصطفى الوزير السابق والحاج عطا المنان أمين الحزب الحاكم بالخرطوم طالبت بفصل الشمال عن الجنوب وذكروا بأن الجنوبيين عانوا في مطالبهم. واتفق معهم وأقول بأن الشماليين لن يستطيعوا التنازل عن أوضاع ظلوا يتمتعوا بها لفترات طويلة على حساب الجنوب وحدوث هذا يتطلب إرادة سياسية قوية وتغييراً في النفوس. وأقول بصراحة ان الجنوبيين هم أكثر من يعاني من الحرب فقد لجأ ملايين منهم للدول المجاورة ونزحت أعداد كبيرة للشمال وهؤلاء يعيشون في فقر مدقع وسكن عشوائي وهم محاصرون بقانون النظام العام.

    ـ من الملاحظ أن التيار الغالب وسط الأحزاب الشمالية هو مع الوحدة وقد عبرت هذه الأحزاب عن رفضها للدعوات الانفصالية في تقديرك هل يمكن ان يساعد هذا الموقف في صيانة الوحدة؟

    ـ بصراحة الأحزاب الشمالية إذا كانت تريد الوحدة فكان يمكن أن تحقق شروطها وبالنظر للواقع السياسي منذ الاستقلال في عام 1956م وحتى مجيء الانقاذ في 1989م ماذا فعلت الأحزاب الشمالية للوحدة. فالصادق المهدي رئيس حزب الأمة حكم البلاد فترتين فماذا فعل الصادق في تلك الفترات لصالح الوحدة فهو لم يقدم أي شئ لدعم الوحدة. وحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يترأسه محمد عثمان الميرغني هو يتحدث عن الوحدة بصورة مريحة ولكن عندما يتولى السلطة لا يفعل شيئاً وهذه تجارب لا نريد الخوض فيها مرة أخرى. واعتقد أن التيار الغالب وسط اهالي الجنوب يقف مع الانفصال نتيجة للإحباط وإذا كان الشماليون الذين يمسكون بكل مقاليد الأمور في البلاد محبطين فكيف يكون حال اهل الجنوب.

    ـ إلا ترى أن دعوتك للانفصال وعدم جدوى محادثات السلام الجارية حالياً بكينيا تتناقض مع وضعك كوزير في الحكومة التي تقف مع الوحدة؟

    ـ نعم إذا تم النظر الى الأمور بصورة سطحية باعتباري وزيراً يمكن أن يكون هناك تناقض ولكن الحقيقة أنا توليت هذا المنصب لاني امثل جماهير محددة ولابد أن أدافع عن مصالحهم واعبر عن تطلعاتهم ولذلك أنا أنادي بالانفصال ونجد أن رئيس الجمهورية قد صرح من قبل أن الانفصال افضل من استمرار الحرب والموت. وأنا أساند دعوة الطيب مصطفى التي تقول ان الشمالي ليس في وسعه أن يقدم أكثر مما قدم وبعد مجيء الانقاذ دخلت الحرب منزل أي اسرة في الشمال نتيجة للتجنيد الذي لنا رأي فيه مما أدى الى تزايد أحساس الشمال بالحرب فهل يعقل أن يستخدم الجهاد في السودان الواحد «في نصف شعبك الاخر» واعتبر ان مواقفي تهدف للدفاع عن من فوضوني للتحدث باسمهم وتمثيلهم في الحكومة ولا أخشى عاقبة ما أقول.

    ـ الا تتخوف من أن تؤدي دعوتك للانفصال لإقالتك من كرسي الوزارة؟

    ـ أرحب بالإقالة إذا كانت حلاً لمشكلة السودان وإذا كان الموت مستمراً في البلاد من جراء الحرب ونحن المسئولين عاجزون من تقديم المساعدة فلا داعي لبقائنا في السلطة ونحن عندما رفعنا السلاح كان هدفنا رفع الظلم والفقر ولكن لم نستطع هذا. ودستور السودان ينص على حق الاستفتاء لأهل الجنوب على خياري الوحدة أو الانفصال وهذا من أدبيات الإنقاذ والخيار يعود للشعب السوداني ونحن ندعم خيار الشعب.

    ـ ذكرت بأنكم رفعتم السلاح لدفع الظلم ولم تنجحوا في هذا حتى الآن هل هذا الفشل يمكن أن يدفعكم لحمل السلاح مرة أخرى؟

    ـ لا لن نعود للغابة ونحمل السلاح بل سنظل في غابة الخرطوم السياسية بالداخل.

    ـ بعد قرابة الست سنوات من توقيعكم اتفاقية الخرطوم للسلام مع الحكومة ما هو تقويمكم لإنفاذ بنود الاتفاقية حتى الآن؟

    ـ هناك صعوبات تواجه تنفيذ الاتفاقية ومحادثات ماشاكوس جاءت نتيجة لعدم تنفيذ اتفاقية الخرطوم للسلام التي تعتبر اتفاقية سودانية خالصة بأيد سودانية، وأتساءل إذا كانت الاتفاقيات التي تمت بأيد سودانية لم تنفذ فهل ينفذ ما يتم الاتفاق عليه في ماشاكوس التي تجري بضغط دولي ـ على حد قول البعض واعتقد انه لن تطبق اتفاقية ماشاكوس على ارض الواقع.

    ـ ذكرت أن هناك صعوبات عاقت تنفيذ اتفاقية الخرطوم للسلام فما هي هذه الصعوبات؟

    ـ هناك صعوبات كثيرة من ضمنها مشاكل أمنية واقتصادية وسياسية أعاقت تنفيذها وهذا يرجع للمماطلة في تنفيذ الاتفاقية وانتظار كسب الوقت حتى يلوح في الافق اتفاق جديد. ولكن الجديد اصبح هو الانفصال ولكن أرى ان هناك أملاً في أمكانية تنفيذ اتفاقية الخرطوم للسلام طالما بنود الاتفاقية موجودة والحكومة معترفة بها وطبقاً للاتفاقية ينبغي ان يجري الاستفتاء على تقرير المصير في مارس 2004م ونحن ندعو لقيام الاستفتاء في هذا التوقيت ونحن موافقون على ان يجري تقرير المصير في جنوب السودان وفقاً لحدود الجنوب عند الاستقلال في عام 1956م، ونحن نعتقد أن جون قرنق يضيع الزمن والجهد بمحاولاته ربط قضية الجنوب بجبال النوبة وجنوب النيل الازرق ولكن نعتقد أن منطقة ابيي هي جزء من الجنوب وينبغى ان يشملها تقرير المصير. ويكفى ما تعرضنا له من مظالم منذ الاستقلال وحتى الآن والمسئولية في هذه المظالم لا يتحمل مسئوليتها الشماليون ولكن يشارك فيها عدد من القيادات الجنوبية الذين عندما يكونون في السلطة يغمضون عيونهم عن الأخطاء وبمجرد اقالتهم يتحدثون عن الاخطاء والمظالم وهذه الممارسات جعلت الشماليين لا يثقون بالجنوبيين واظهرتهم وكأنهم طلاب مناصب. وانا اتحدث في قضية الانفصال بوضوح رغماً عن اني وزير وكذلك هناك نقطة اساسية وهي ان السلطة ليست هبة من أهل الشمال يعطوها او يمنعوها فأنا مثل الرئيس عمر البشير لدى حق في السلطة فكلانا في نهاية المطاف سوداني الجنسية وهو رئيس باعتباره رئيساً للسودان والحكومة ولكن عندما تصبح القضية «شمال وجنوب» بالتأكيد سأقف مع أهلى في الجنوب.

    ـ في الفترة السابقة تقدم حزبكم بمذكرة للحزب الحاكم اعترضتم فيها على تعيين رئيس مجلس التنسيق من خارج جبهة الانقاذ فما هي نتيجة هذه المذكرة وهل استجاب الحزب الحاكم لمطالبكم؟

    ـ المذكرة لم ترواح مكانها ومازلنا نقول ان تعيين رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية من الحزب الحاكم هو خطأ كبير ولكن ما يخفف علينا أن من تولى هذا المنصب جنوبي وندعو الاخوان في الحزب الحاكم الى عدم فتح جبهات جديدة وكفاهم جون قرنق ولازم أن يجدوا طرفاً يتحالفوا معه ولا أعرف إذا كانت هذه عدم دراية او سبب غياب الاستراتيجية أو لعلهم يظنون أنا اصبحنا داخل جيوبهم.

    ـ هل بعد 6 سنوات من تخليكم عن العمل المسلح وانتهاج العمل السياسي هل انتم راضون عن مسيرتكم السياسية؟

    ـ نحن غير راضين عن مسيرتنا السياسية ولعل ذلك يرجع الى عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه البلاد والتذبذب الذي احدثه خروج د. رياك مشار رئيس الحزب من الحكومة وعودته للغابة مرة اخرى وتكوينه لتنظيم جديد كذلك هناك الانقسام الذي حدث داخل الحزب الحاكم اضافة الى الخلافات التي حدثت داخل حزبنا بعد ذلك، وهذه الاسباب مجتمعة أعاقت العمل السياسي بالنسبة لجبهة الانقاذ بل كان لها تأثيراتها على الحركة السياسية في السودان ونحن نأمل أن تستقر الاوضاع هذا العام بتحقيق السلام الذي يأتي عن طريق الوحدة أو الانفصال.

    ـ يفسر بعض المراقبين عدم استجابة الحكومة لمطالبكم الخاصة بمنحكم عددا من الوظائف السيادية يعود لضعف حزبكم بعد انقسام د. رياك مشار واشتعال الخلافات داخله مما اضعف الحزب وجعله غير جدير بهذه المناصب، فما ردكم على هذه الاحاديث؟

    ـ بذات المنطق يمكن القول ان المؤتمر الوطني ـ الحزب الحاكم ـ صار ضعيفاً بعد خروج الزعيم الروحي د. حسن الترابي عن الحزب ولكن إذا نظرنا بصورة موضوعية للمسألة نجد أن هناك اتفاقاً بيننا والحكومة ويجب أن لا يتأثر بانشقاق رئيس الحزب فالاتفاقيات تتم بين الكيانات وليس بين الأفراد فهل هذا يعني ان الجنوبيين الذين وقعوا اتفاقية للخرطوم قد ذهبوا لذلك فإن الاتفاقية قد انهارت بعد انشقاق د. رياك مشار ووفاة كاربينو واروك طون وبذات هذا المنطق الضعيف يمكن القول انه بوفاة الرجال الذين حققوا استقلال السودان فإن الاستقلال قد انتهى وسنعود للاستعمار مرة اخرى ولذلك أقول أن هذا حديث فطير لا معنى ولا منطق له.

    ـ هناك تحركات مكثفة لتنشيط الحوار الجنوب الجنوبي، فما موقفكم من الدعوة ولاسيما وأنكم الحزب الجنوبي الوحيد المتحالف مع الحكومة؟

    ـ نحن نبارك وحدة الجنوبيين ووحدة الشماليين حتى يسهل الوصول لحل يلتزم به الجميع لذلك ندعو ان يتفق الصادق المهدي مع محمد عثمان الميرغني ومع د. حسن الترابي والبشير وكذلك نشجع أن يتفق جون قرنق مع رياك مشار ومع أبيل الير ومكواج ورياك قاي وإذا وصل الحال لهذه الصورة فإن ذلك سيذلل الكثير من مشاكل البلاد.

    ـ يتوقع البعض ان يؤدي انفصال الجنوب الى تأجيج الصراعات داخل الجنوب ويستدلون على ذلك بالصراع المسلح بين الفصائل الجنوبية من ضمنها المعارك التي دارت بينكم وحركة جون قرنق فما تعليقك على هذا الحديث؟

    ـ الصراع الذي يتم بيننا وجون قرنق كان صراع مبادئ فقرنق كان يقول بأنه يريد تحرير السودان وفصل الدين عن الدولة ونحن رأينا أن هذه أحلام رومانسية ولذلك في إعلان الناصر 1991م دعونا الى أن يقرر الجنوبيون مصيرهم ولابد من تحديد لماذا يقاتل الجنوبيون ونحن نعلم ان الجنوبيين يقاتلون من اجل انفصال الجنوب وكل الأغاني الحماسية للجنود في المعسكرات تدعو لقيام دولة الجنوب ولكن جون قرنق كان يرفض هذا الحديث ويقول بأنه مع وحدة السودان ودعوة قرنق للوحدة جعلتنا ننفصل عنه ونكون مجموعة جديدة.

    ولكن من الواضح أن جون قرنق من خلال محادثات ماشاكوس قد تخلى عن قناعاته الوحدوية وطالب بتقرير المصير وتقسيم السلطة واصبح لا خلاف بيننا وجون قرنق. والناس تقول أن رياك مشار عاد لقرنق ولكن الواقع غير ذلك، قرنق هو من عاد واقتنع بمبادئ رياك مشار.

    ـ هل هذه المبادئ هي الانفصال؟

    ـ لا. تقرير المصير الذي يؤدي الى الانفصال واذا قبل قرنق وتخلى عن السودان الموحد. يكون لا خلاف لنا مع قرنق فخلافنا مع قرنق في الأصل لم يكن حول قيادة قرنق للحركة ولكن كان حول الوحدة والانفصال. ومن ذلك كله أريد أن أؤكد عدم صحة ما يقال بأن الجنوبيين إذا انفصلوا سيكون هناك صراع داخل دولتهم وقد تكون هناك صراعات عادية كما يحدث في معظم دول العالم وهذه أحاديث يراد بها تخويف الجنوبيين من الانفصال.

    ـ هل ترون أن ما تعرف بالمناطق الثلاث جبال النوبة وجنوب النيل الازرق وابيي في حالة تقرير المصير تكون جزءاً من الجنوب أم لا؟ ـ هذه من نقاط خلافنا مع جون قرنق فهو يريد ربط قضية الجنوب بجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة وهذه المناطق لا تتبع للجنوب فهي جزء من شمال السودان ولكن إذا ارادوا الانضمام للجنوب هم من يطالبوا ولسنا نحن وأبيي جزء من الجنوب. ولكن هذه القضايا يطرحها قرنق لتعقيد المفاوضات، والحكومة تتحمل جزءاً من هذا لأنها لم تنفذ اتفاقية الخرطوم للسلام التي كان تنفيذها سيدفع قرنق للانضمام لركبها.

    ونحن في جبهة الإنقاذ مع حدود الجنوب المعلنة عند استقلال السودان في عام 1956م،وتفاصيل ترسيم الحدود بين دولتي الشمال والجنوب يمكن لاحقاً الاتفاق عليها عن طريق المفاوضات والمباحثات المشتركة كما يحدث في العديد من أنحاء العالم.

    ـ باعتباركم مشاركين في الحكومة فهل يمكن أن تقوموا بجهود أخيرة مع الحزب الحاكم لانفاذ اتفاقية الخرطوم للسلام والمحافظة على وحدة السودان؟

    ـ نأمل ذلك ومازال تحالفنا مستمراً مع الحزب الحاكم لتطبيق اتفاقية الخرطوم رغم ان هناك أصواتاً تنادي بالانفصال. واحب أن أوضح نقطة وهي أن جون قرنق من خلال مطالبته بشروط تعجيزية في مفاوضات ماشاكوس فهو يريد تحقيق الانفصال وذلك يدفع الحكومة لرفض هذه الشروط مما يعني قبولها بالانفصال وبذلك تظهر الحكومة وكأنها هي من تسببت في الانفصال لا جون قرنق. والحكومة غير واعية بهذا المخطط ويمكن النظر الى مطالبة قرنق بأن تكون الخرطوم علمانية وخالية من الشريعة وان يأخذ الجنوبيون نسباً عالية في تقسيم الثروة وهو يعلم أن الحكومة سترفض هذه المطالب ولتفادي هذه الخدع والصراعات نحن نطالب ان يأتي الانفصال بدون خلافات من خلال آليات حكومة الإنقاذ ومن ضمنها اتفاقية الخرطوم للسلام. ولا انفي أننا نادمون على توقيع اتفاقية الخرطوم مع الحكومة لان الاتفاقية لم تنفذ، فنحن تركنا السلاح وحضرنا للخرطوم مما يؤكد جديتنا في الوصول للسلام ولكن الطرف الثاني لم يكن جاداً واعتبرنا اننا أصبحنا في حوزتهم ويعملوا على أن يستدرجوا جون قرنق فهم يتصورا أننا كما ذكرت سابقاً قد أصبحنا في جيوبهم ولكن عليهم أن يعلموا أننا يمكن «أن نثقب جيوبهم في أي لحظة».

    ـ هل حديثك عن الانفصال يجد تأييد كل جبهة الإنقاذ الديمقراطية أم هو رأي فردي؟

    ـ حتى الآن جبهة الإنقاذ تأمل من خلال تحالفها مع الحكومة تحقيق السلام والوحدة ولكن هناك أصوات عديدة تؤيد الانفصال فنحن عند خروجنا من حركة قرنق في عام 1991م أسسنا حركة استقلال السودان وهذا الاسم يعبر عن مبادئنا وقد وجدت دعوتي للانفصال تأييد ومباركة عدد كبير من قيادات وقواعد الحزب ومن الجنوبيين خارج الحزب ولكن بعض القيادات الجنوبية تخاف على مناصبها فهؤلاء اتصلوا بي وباركوا دعوتي للانفصال التي أعلنتها بعد حديث الطيب مصطفى ولكن هؤلاء في ذات الوقت يتظاهرون عند لقاء قيادات الحكومة عدم رضائهم عن أرائي رغم قناعاتهم بما أقول.



    حوار أجراه ـ خالد عبد العزيز:
                  

02-27-2003, 05:23 PM

mohmmed said ahmed
<amohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 9241

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الانفصاليون الجدد (Re: nadus2000)

    عنهذه الدعوة الغبية والكريهه التى اطلقها الطيب مصطفى كانت الردود متسامحة ان لم نقل متعاطفة فغازى صلاح الدين يتحدث عن الجعلى الصريح واالشجاع وتقبل الجميع باريحية وقصر نظر الافكار الساذجة والعنصرية وهذا يدل على العنصرية البغيضة فعندما يدعو الجعلى للانفصال تتم محاورتة والبحث عن مخارجات لاسناد الحيثيات الفقيرة اما عندما يتحدث رياك مشار او دينكاوى او شلكاوى عن الانفصال تفتح لى ابواب الجحيم ويتحول الى متمرد وخائن فاقرى جادين لايزال ينعت بالانفصالى المتمرد رغم كل السنوات التى مضت وجون قرنق ينادى كل يوم بوحدة السودان ويتهم بالانفصالية والتمرد والزول البيقول عديل بالانفصال يبحث له عن المبررات
                  

02-27-2003, 05:33 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الانفصاليون الجدد (Re: mohmmed said ahmed)

    الأخ محمد

    هكذا هي المعايير المختلة، فهذه الدعوة تفضح ما يريدون هذا الوطن، وهاهم يحصدون مازرعوه فإحتلال جبل مرة بواسطة مجموعة من الغاضبين الثائرين على هذا النظام والظلم الذي وقع عليهم يؤكد أنه لا خيار سوى حل سلمي يقوم على المساواة بين جميع المواطنين ويستوعب التعدد الإثني والديني الثقافي
                  

04-13-2003, 07:58 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الانفصاليون الجدد (Re: nadus2000)

    شكرا للأخ ود البلد

    على إعادة نشر هذا الموضوع مع الإضافات الأخير، وللفائدة أحيلكم للبوست
    أدناه
    وياريت نستمر في متابعة وإخطاع هذه المقالات للدراسة وتمعن ما خلف السطور، والسؤال عن التوقيت وأسماء الرموز التي بادرت بنشره، بهذه الكثافة حيث أن مقالات الطيب مصطفى قد نشرت في أكثر من خمسة صحف في نفس اليوم، وكأنه حملة مدفوعة الأجر.



    من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أبوبكر
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de