|
تحــــية الــي جــــون قـرنــــق...بقلم كاتب كردي
|
[Quote: B]تحية إلى جون قرنق
مسعود عكو [email protected] الحوار المتمدن - العدد: 1279 - 2005 / 8 / 7
هذه هي الحياة يولدون فقراء ومساكين يضطهدون في بلدانهم يصيرون غرباء على أرضهم وفي نهاية المطاف يقتلون كما يقتل العصفور بنقافة تلك هي سيرة مصغرة لحياة الكثيرين من أمثال القائد الإفريقي الراحل جون قرنق هذا الذي استبسل في سبيل أن يرفع ولو القليل من الظلم والتنكيل والاضطهاد بحق شعب جنوب السودان هذه المنطقة ذات الأغلبية المسيحية والتي نالت الكثير من الويلات من جراء غطرسة حكومات الخرطوم الذي يتخذ من الدين الإسلامي شريعة له في حكم البلاد وأية شريعة حكم الغاب أيسر وأكثر رحمة.
بعد أداءه اليمين الدستورية كنائب أول للرئيس السوداني في التاسع من يوليو/تموز2005 بموجب اتفاق السلام الموقع يوم 9 يناير/كانون الثاني2005 في نيروبي، والذي أنهى 21 عاماً من الحرب الأهلية بين السلطات السودانية والجنوبيين شجع الكثير من المراقبين الخطوة السودانية للتوصل إلى هذا الاتفاق وهذه التسوية التي أنهت عقدين من الحرب الأهلية والتي حصدت أرواح مئات الآلاف من أبناء السودان إلا أن كل الذين كانوا يمتدحون الحكومة السودانية لهذه الخطوة باتوا ينظرون برؤية أخرى ينتاب فيها الشك وتختلس فيها أنظار وتوجه فيها أصابع اتهام مباشرة وغير مباشرة للحكومة بتصفية قرنق وذلك للتخلص من مسألة تقرير المصير الذي من المفترض أن يستفتى عليها الجنوبيون بعد ست سنوات من اتفاقية السلام الموقعة مع حكومة الشمال وبذلك تقضي على الحلم الجنوبي بحقه في تقرير مصيره.
جون قرنق الذي ولد في عام 1945 لأسرة مسيحية ميسورة في جونغلي قرب بور في أرض الدينكا الإثنية التي تشكل غالبية في الجنوب, وكان من الأطفال القلة في جنوب السودان الذين تمكنوا من الذهاب إلى مدرسة ابتدائية في عهد الإدارة البريطانية وبعد أن درس المرحلة الثانوية في تنزانيا حيث انتقل والداه، تابع دراسته الجامعية في فرينيل كوليدج في ولاية أيوا الأمريكية. ثم رفض في 1970 منحة دراسية من جامعة كاليفورنيا بيركلي ليحمل السلاح لفترة قصيرة في جنوب السودان ضد نظام الخرطوم.
وبعد ذلك، شارك قرنق في الوفد الجنوبي المفاوض للتوصل إلى اتفاق السلام في أديس أبابا (1972) والذي يمنح الجنوب حكماً ذاتياً واسع النطاق، قبل أن يلتحق بالجيش النظامي, وفي 1974، عاد قرنق إلى الولايات المتحدة لإتباع دورة تدريبية عسكرية مدتها سنتان في جورجيا قبل أن يعود إلى الخرطوم, وأوفد مجددا في 1977 إلى الولايات المتحدة لكن هذه المرة ليعد أطروحة دكتوراه في الاقتصاد في جامعة أيوا. وقد حصل عليها في 1981 بعد أن اعد أطروحة حول قناة جونغلي في جنوب السودان.
وفي السنة نفسها عاد إلى الخرطوم حيث شغل عدة مناصب من بينها نائب مدير مركز أبحاث الجيش وأستاذ الاقتصاد الزراعي في الجامعة. لكن حياته انقلبت في 1983. في هذا العام كلف قرنق بإخماد تمرد قامت به كتيبة من الجنوبيين قوامها نحو 500 جندي، لكن المتمردين أقنعوه بعدالة قضيتهم ونصبوه زعيما لهم. وشكل نواة الجيش الشعبي لتحرير السودان، الجناح العسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان.
وقاد قرنق هذا العام تمرداً ضد الحكومة السودانية بعد إعلان حكومة جعفر النميري إعادة تقسيم ولايات الجنوب الأمر الذي اعتبرته الحركة تنصلاً عن اتفاقية السلام الموقعة في أديس أبابا، وزاد الطين بلة إعلان الحكومة قوانين إسلامية فرضت على جميع نواحي البلاد.
وفي العام 1984 فتح الرئيس الإثيوبي الأسبق منغستو هيلا مريام أراضي بلاده أمام قرنق، وسمح له باستخدام مستودعات أديس أبابا العسكرية وأجهزة إعلامها والبث المباشر فيها, وبدأ قرنق عملياته ضد القوات الحكومية من دول عديدة مجاورة للسودان من بينها كينيا وأوغندا التي يتمتع بعلاقات صداقة مع رئيسها يوري موسيفيني, وخلال ثلاثة أعوام نجح في جمع عشرة آلاف مقاتل في حركة منظمة ومجهزة بشكل جيد. وفي بداية التسعينات أصبح عدد حركة التمرد يقدر بحوالى خمسين ألف رجل, وفي سنوات القتال، بدل قرنق تحالفاته عدة مرات. فقد وقف في صف السوفيت خلال الحرب الباردة بينما كانت الخرطوم والولايات المتحدة تقيمان علاقات وثيقة ثم حصل على مباركة الأمريكيين في التسعينات, ولم تتركز دعوات قرنق بشكل أساسي على الانفصال ولكنه رفض حكم الجنوب في إطار فدرالي داعياً لأفارقة السودان، وطالب بإلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر.
وفي عام 1986 وقع قرنق وثيقة كوكادام مع حكومة المشير عبد الرحمن سوار الذهب في أديس أبابا، لكن التوتر عاد بين الجنوب والخرطوم بوصول حكومة الصادق المهدي المنتخبة بعد شهر من توقيع الوثيقة التي رفضت الحكومة الجديدة الاعتراف بها.كما وقع قرنق عام 1988 مبادرة سلام مع الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يتزعمه محمد عثمان الميرغني. وانضم في وقت لاحق بعد وصول نظام الإنقاذ برئاسة عمر البشير للسلطة للتجمع الوطني الديمقراطي المعارض، وكان نائباً لرئيس التجمع الميرغني.
وكان الفشل السمة المميزة للمفاوضات بين الحكومات السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة قرنق، حتى وقعت حكومة الرئيس عمر البشير بروتوكول مشاكوس في يوليو/تموز 2002 والذي أعطي بموجبه لأهل الجنوب حق تقرير المصير في استفتاء يجري نهاية فترة حكم انتقالية من 6 سنوات.
وقد مهد بروتوكول مشاكوس للعديد من الاتفاقيات اللاحقة في قضايا السلطة والثروة والترتيبات الأمنية وغيرها، حتى وقع قرنق في يناير/كانون الثاني الماضي مع علي عثمان محمد طه رئيس الوفد الحكومي نائب الرئيس السوداني اتفاق السلام في احتفال كبير بنيروبي بكينيا, وبعد توقيع اتفاق السلام حط قرنق رحاله في رمبيك والتي كانت مقراً لقواته أيام الحرب، ولم يدخل الخرطوم إلا يوم 8 يوليو/تموز حيث أدى في اليوم التالي القسم نائبا أول للرئيس ورئيساً لحكومة الجنوب.
إلى أن سر اختفاء طائرة جون قرنق للوهلة الأولى وإعلان الحكومة السودانية بأنها تواصل عمليات البحث عنها وتحاول تحديد المكان الذي هبطت فيه الطائرة التي كانت تقل النائب الأول للرئيس السوداني جون قرنق، كما أعلن التلفزيون السوداني مساء الأحد الأول من آب، بعدما كان أذاع أن الطائرة هبطت "بسلام" في جنوب البلاد. وأضاف التلفزيون نقلا عن بيان للرئاسة أن "الرئيس السوداني عمر البشير اتصل بنظيره الأوغندي يوويري موسيفيني لمحاولة تحديد مكان الطائرة التي كانت تقل النائب الأول للرئيس". وأضاف البيان أن "قرنق كان غادر كمبالا متوجهاً إلى معسكر نيو سايت في جنوب السودان، وان الاتصالات بالطائرة قد فقدت". وكان التلفزيون ذكر أنه "علم" أن الطائرة هبطت في جنوب البلاد.
محطات قد تكون للقارئ الكريم شبه عادية لأي سياسي أو مناضل في سبيل قضية ما لكن أنظر إليها من وجهة نظر أخرى تتعدى بأنها مسألة شخص لديه قضية ما يدافع عنها بكل السبل بل محاطات تاريخية على المرء الاستفادة منها ولو بشكل بسيط لكي لا يقع في نفس المطبات والاستفادة من التجربة الجنوبية التي أسست لنوع جديد من النضال في سبيل قضايا إنسانية قبل أن تكون سياسية وما كان جون قرنق إلا واحد من هؤلاء الذين استطاعا أن يكرسوا كل أوقاتهم في خدمة شعبه وأمته المظلومة من ذوي القربى والذين أدركوا بأنه لا مفر من المفاوضات مع الجنوبيين في سبيل تحقيق حلمهم وهو حقهم في تقرير مصيرهم بعيداً عن الوصايات ووضع حدٍ نهائي لسياسة التطهير العرقي والجينوسايد بحق أقلية موجودة على أرضها التاريخية.
مسلسل يرجع بالذاكرة إلى تفجير الطائرة التي كانت تقل عدنان خير الله شقيق زوجة صدام حسين والذي كان على خلاف معه بالرغم من صلة القربة ولكنهما كان غير متفقين في أمور عديدة بالرغم من أنهم وجهان لعملة واحدة من ناحية الإجرام والتنكيل بالشعب العراقي وسجلهم الحافل بالمجازر وأعلن بعد لحظات عن مقتله مع طاقم الطائرة وأكمل النظام العراقي مراسيم العزاء قاتلاً ويمشي في جنازة المقتول تلك هي السياسة الحكيمة والتي فشل فيها السودانيون على ما اعتقد في انتهاجها للتخلص من قائد التمرد العسكري في جنوب السودان الجنرال جون قرنق على الرغم من عدم التشابه مع خير الله لكن قتلا بنفس الطريقة كما شبهها أحد المحللين السياسيين في مداخلته على إحدى القنوات الأمريكية.
جون قرنق الذي أمضى عمره في سبيل الدفاع عن جنوب السودان والتوصل إلى تسوية تحل أزمة عالقة دامت أكثر من عشرين عاماً من القتل والاضطهاد العرقي والطائفي لم يهنأ بما توصل إليه بل ترك الجنوبيين تحت رحمة الحكومة الأم على الرغم من توقيع الاتفاقية لكن سجل الحكومات العربية حافل بالخزي ونكوص العهود والمواثيق وما كان صدام حسين إلا واحداً من هؤلاء الذي خالفوا وعودهم مع الأكراد وتاريخ الحكومات السودانية حافل بهذه النكوص وخاصة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان.
جون قرنق قائد بطل وزعيم لن ينسى الجنوبيون اسمه لا بل لن تنسى إفريقيا وكل الأمم المغلوبة على أمرها دفاعه عن كرامته وإنسانيته وتضحيته بأغلى ما يملك في سبيل الوصول إلى مبتغاه وليهنأ قرنق في مرقده الذي طالما دافع عن كل ذرة من تراب الجنوب وكل الفخر لزوجته السيدة ربيكا قرنق إحدى القائدات في الجيش الشعبي والمحاربة فيه وبناته الأربع اللواتي يدرسن في المراحل الثانوية وولديه الذين يدرسان في أمريكا |
|
|
|
|
|
|