هذا الشاب المفتول العضلات قصير القامة و القادم من جبال النوبة. كان يتميز بزيه البسيط و النظيف دوما. شورت وعراقى من الدمورية زائدا طاقية بيضاء ونادرا ما كان يلبس الطاقية الحمراء.
تفتحت عيوننا عليه و نحن صغار. كان يأتى لمنزلنا مرة فى الاسبوع لكى الملابس. كان دائم الابتسام لا تجده عابسا قط. يجيد مهنته ويتقنهاوكنت اقول لنفسى دائما ان ابراهيم الاطرش لفنان. كنت اقضى كثير من الوقت وان اراقبه كيف يحضر للكى بطقوس مرتبة تشبه العبادة فى مولاتها. كيف يقوم برش الملابس وتطبيقها بعناية قبل الكى. كان دوما يبدأ بكى الملاية التى يكوى عليها لانه كان يغسلها عندما ينتهى من كى جميع الملابس و يبدأ بها عندما يأتى فى المرة القادمة. كنت اتابع حطوات كيه وثنيه للملابس و اتعجب من سرعته وعنايته بها.
ابراهيم الاطرش وهذا الاسم الذى يعرفه به الجميع فى حينا بسبب طرشه وبكمه التام والسودانيون لا يستحون من تسمية صاحب العاهة بعاهته كابراهيم الاطرش شلنكح سكرج وغيرها من الاسماء التى تدل على عادة مقيتة تتلخص فى عدم احترامنا لاصحاب العاهات و تندرنا بهم بل مضايقتهم فى بعض الاحيان.
ابراهيم الاطرش كان شخصا لطيفا يحب الاطفال و يعاملهم بكل حنية بل ويبادلهم الهظار احياننا. أذكر اننى كنت اجلس بجانبه مرة فى حوش البيت و فجأة سمعت مزيكة من فرقة عسكرية بالشارع فانطلقت كالسهم للخارج وجاء هو جاريا خلفى لظنه ان شيئا كبيرا ما قد حدث وعندما رأى الفرقة الموسيقية ضحك و بدأ فى الرقص ورجع للداخل لمواصلة عمله. عندما دخلت بعد ذهاب الفرقة وجدته ما زال يرقص فضحكت واخبرته بالاشارة ان الفرقة قد ذهبت ولم يعد هناك موسيقى فضحك كثيرا وهو يهز رأسه.
تذكرت ابراهيم وانا اقوم بكى ملابسى هذا الصباح و بنفس طريقته وترتيبه فقد اخذت منه الصنعة و اتقنتها ولكننى لا استطيع ان اجارى فنه و سرعته فقد كان عليه رحمة الله يكوى ملابس كل افراد اسرنا الكبيرة فى يوم واحد.
ابراهيم كغيره من ابناء المناطق المهمشة التى لم تجد اهتمامامن الحكومات المتعاقبة لم ينل حظه من التعليم ولكنه لم ييئس واتخذ هذه المهنة الكريمة لكى ياكل عيشه فابدع فيها وكنت اقول دائما لنفسى لو اتيح لابراهيم هذا اى فرصة تعليم لاصبح شئ آخر.
عليك رحمة الله اخى ابراهيم و ذكراك العطرة ما زالت تطوف باذهان الجميع.
06-28-2007, 11:56 AM
هشام المجمر
هشام المجمر
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 9533
ابراهيم الاطرش مثله مثل اناس كثيرون من اهل بلدى عاشوا على هامش الحياة بشرف بينما لم يعطهم الوطن اى شئ لم يضنو على ابناء الوطن بخدماتهم الجليلة. على اكتافهم قامت وترعرت اسر لهم التحية اينما كانوا
06-28-2007, 08:47 PM
هشام المجمر
هشام المجمر
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 9533
صديق الطفولة جمال ابو القاسم المحامى قرأ البوست واتصل بى وشرع يحكى لى العديد من الذكريات الجميلة عن ابراهيم الاطرش و نوادره و طريقته العجيبة فى التعامل مع المكواة.
اذكلر ان ابراهيم كان يدهشنا بوضعه الفحم المشتعل فى فمه بين اسنانه الامامية وكان يضحك عندما يرى الدهشة الممزوجة بالفزع فى اعيننا. يالها من ذكريات.
06-28-2007, 10:18 PM
jini
jini
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 30720
مهنة المكوجى من المهم التى مورست ضدها العنصرية باعتبار ان من يقومون بها افراد من قومية محددة وما زال الناس يمارسون هذا الضرب الظالم من القول باتجاه هذه المهنة ومهن اخرى تسمى بالهامشية و يقوم بها قوم يتم اطلاق صفة الهامشيون عليهم. حان الآن رفع الظلم عن هؤلاء و رد الاعتبار لهم لما قاموا به من خدمات كبيرة تجاه المجتمع.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة