أحد أصدقائي المطربين ، من الذين مَن الله عليهم بنعمة التدقيق في إختياراتهم الفنية ، خصوصاً فيما يتعلَّق بسمو قيمة النص الشعري وخلوه من الإسفاف وخواء المحتوى ، هاتفني حزيناً ومندهشاً ومبهوتاً ، بعد أن طلب منه مجموعة مُقدَّرة من الشباب في حفل عام مجموعة من الأغاني كانوا يسلمونها له في ورقة مكتوبة وهو على المسرح ، ما أدهش صديقي هذا أنه وجد إحدى تلك الأوراق مكتوباً عليها (عدس الوابل يا أستاذ) ، وهي دعاية تلفزيونية أضطررنا إلى إيرادها هنا بالرغم من أنها تحوي إسم شركة معيَّنه ولكن للضرورة أحكام ، ما شغلني وشغل صاحبي هذا أن حدود ما تخيَّلناه من فراغ الفكر وهشاشة الثقافة الفنية وإنحدار الأذواق في مجتمعنا الحالي قد كان (حالماً) وبسيطاً بالنسبة إلى حالة أن لا يجد أحدهم ما يلفت نظره من قائمة الإبداعات الغنائية والموسيقية السودانية منذ عهد الحقيبة وإلى يومنا هذا غير (مايرد من ترهات) دعائية في الإذاعات والفضائيات ، هي في الحقيقة لا تُسمن ولا تغني من جوع ، مع ضرورة الإشارة إلى ما يعانيه قطاع الإعلان السوداني المرئي والمسموع من تخلُّف كبير وبيِّن إذا ما تمت مقارنته بما يُنتج في سائر بلدان العالم من إعلانات ، بل إن الإعلان الإذاعي والتلفزيوني أصبح قطاعاً إبداعياً منفصلاً وله مسابقاته العالمية وشروطه ومواصفاته ومعاييره التي يعكف على إقرارها الكثير من الخبراء المتميزين في مجال الإخراج والسيناريو والفنيين والمتخصصين في علوم وفنون الترويج والتسويق الإعلامي ، ولكن هذه المواد أو الإعلانات لم تُنتج وتُعد أبداً لتصبح ضمن أيقونة ما يتم توثيقه من فنون في مجال الغناء والموسيقى بالدرجة التي تجعل محتوياتها الموسيقية مثاراً لإهتمام الناس أكثر من المستهدف الرئيسي فيها المتمثِّل في السلعة المُعلن عنها ، لتتقاذف إلى الذهن أفكار مُشتَّتة عن حالة الإنفصام الثقافي لشبابنا وما أدَّت له أحباطاتهم اليومية من تمرُّد غير مُعلن على كل ينتمي إلى واقعنا السياسي والإقتصادي والثقافي والإجتماعي المُضمَّخ بالمآسي بسبب غفلة الحكومة وإنشغال أغلب نافذيها بأنفسهم وتحصيل مصالحهم الذاتية عبر شبكة للفساد مترامية الأطراف ، أسدلت ظلالها على مستنقع الإسفاف والتردي والفشل المتواتر على كافة القطاعات بما في ذلك قطاع الثقافة والفنون ، مما أدى إلى خذلان الأمة في ذائقتها الفنية وإستلاب الثقافات الوافدة لأفئدة وعقول شبابنا ، من المحزن جداً أن يؤدي إحتكار غير المختصين وكذلك أنصاف الموهوبين والمتهجَّمين على الفن والإبداع للمؤسسات الإعلامية الرسمية وغير الرسمية بإسم التمكين السياسي ، إلى هذا الإنفصام التام للشباب عن الفن الموسيقي السوداني النبيل ، فضلاً على التضليل المُمُّنهج لإفشاء الضبابية والعتامة على رؤيته الجمالية لما يتم تقديمه من إبداعات في أزمنة ماسية مضت بالقدر الذي يجعل أحد شبابنا وربما يوجد غيره الكثيرين يتوِّج دعاية تلفزيونية لا تخلو من السماجة في مقام أغنيته أوعمله الموسيقي المفضَّل .. اللهم ألطُف بهذا الوطن ظاهراً وباطناً وأربط على قلوبنا فيه وألزمنا الصبر الجميل على ما نسمع و نرى يوماً بعد يوم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة