اذا كان التحرير الاقتصادي قد صار خطا مقدسا وأمرا واجبا من صندوق النقد الدولي فأين هي الاستحقاقات الواجب على المجتمع الدولي وخاصة امريكا دفعها للدول النامية . لقد ادى التحرير الاقتصادي في السودان الى دمار هائل جدا جراء الفساد الذي صحبه ، وجراء الحصار الاقتصادي الذي استمر لأكثر من عقدين من الزمان.. ، ان سياسة التحرير الاقتصادي كان يجب ان تمر بمرحلتين مهمتين ، الاولى سياسية وهي الضغط من اجل التحول الديموقراطي وتحقيق الشفافية في ادارة الشأن العام ، والثانية اقتصادية بتقليل الضرائب والجمارك والرسوم عبر تقشف شديد للحكومة بالاضافة الى محاولة اعادة بناء القطاعات الاقتصادية للدولة ودعم القطاع الخاص دعما غير محدود بالقوانين المتعلقة به. لكن دولة فقيرة كالسودان ، واقصد بذلك فقر البنية الاساسية- لا يمكن ان تتحرر اقتصاديا وهي تحت كل هذه الضغوط السياسية والامنية والاقتصادية . لا يمكن ان يتم التخلي عن الانتاج الوطني او مساواته بالانتاج الاجنبي وتركه عاريا بدون اي دعم يطوره ليتمكن من المنافسة وليتمكن من ايجاد منتجات ذات ميزة نسبية تمكنه من تحقيق توازن في ميزان الصادر والوارد . الميزان الان مختل اختلالا كبيرا ، ولا يوجد اي تنظيم للانتاج الوطني ولا يوجد اي دعم وهذا يعني بالضرورة ان سياسات التحرير المأمور بها من صندوق النقد تعني مزيدا من الافقار الحتمي للدولة وغرقها في بحر من الديون التي لا يمكن خدمتها ابدا ان لم يكن ذلك مستحيلا.. ذات هذا الامر وقع على مصر التي حررت كل شيء قبل ان تتمكن من دعم القطاع الخاص او تدعيم ما يحقق عدالة نسبية لمجتمع اغلبيته من الفقراء. فاتباع سياسات صندوق النقد هو اتباع تخريبي بامتياز بل تدمير مباشر للاقتصاد الوطني عندما تكون بنيتك التحتية التي يتم فرش السياسات الليبرالية فوقها هشة وضعيفة. اعرف تماما ان الصندوق ومعه القوى الكبرى يضغطان بشكل مؤلم جدا على الدول النامية ومع ذلك فهذه الدول لم تفكر يوما في تكوين تحالف يواجه صندوق النقد بضرورة تغيير سياساته الدكتاتورية. مالذي يريده صندوق النقد؟؟؟ انه في الواقع يريد تغييرات راديكالية وهذا يعني ببساطة انهيار هذه الدول. نعم ان الخط العالمي او فلنقل طوفان التحرر الاقتصادي يجتاح ويهيمن على العالم والامركة وسياسات الاستهلاك تطغى على العالم ولكن هذا لا يعني الخضوع المطلق فلابد من مقاومة جماعية. مقاومة لترتيب الاوضاع الداخلية للدول النامية ثم بعد ذلك فليكن ما يكون.. ان الحكومة السودانية الآن في حالة ارتباك كبير ، ارتباك استمر منذ ثلاثين عاما بدون سياسات واضحة وثابتة تقريبا اي منذ اعدام من كان يمتلك عشرين دولارا في جيبه. هل هناك تحرير اقتصادي في السودان ام ارتباك وتخبط؟ لا يوجد..الحكومة تمارس لعبة سخيفة جدا ففي الوقت الذي يتطلب التحرير تقشفا شديدا نجد الحكومة تترهل ، وفي الوقت الذي يتطلب التحرير عدم توجيه السوق نجد الحكومة توجه السوق بضرائب ورسوم وجبايات لا حصر لها ، وفي الوقت الذي يتطلب فيه التحرير الشفافية والكفاءة الادارية نجد الحكومة تزداد غموضا وفسادا وبيروقراطية متعسفة جدا... هذا ليس تحريرا اقتصاديا بل فوضى وخمج كبير جدا ، وتؤدي بدون شك الى انهيار الدولة بعد ان تتمكن كل القوى الكبرى من تملك وسائل الضغط اللازمة لتسريع هذا الانهيار.. ماذا تقصد الحكومة بتحرير اسعار السلع وهي تدرك ضعف المنافسة وعمليات الاحتكار الطبيعية للسلع والخدمات؟ ماذا تعني بتحرير التجارة سوى ارتفاع غير منطقي للاسعار هذا اذا تجاوزنا عن الارتفاع الجنوني للعملة الصعبة؟؟؟ ارتفع سعر قناطار السمسم الى 1400 جنيه اي ان الطن يصل لحوالي 1000 دولار او يزيد فهل هذا منطقي وهل هكذا سنتمكن من منافسة الدول الاخرى في تصدير المنتجات الزراعية المختلفة؟؟؟ الحكومة رفعت اسعار الكهرباء للمصانع وهي تتشدق بأنها لم ترفع الثمن للمواطنين وكأن هذه المصانع وبوطنية حمقاء لن تحمل المواطن هذا الارتفاع عبر ثمن السلعة؟؟ وهل يمكن للصناعة السودانية ان تنافس الصناعات الاجنبية في ظل رفع وزيادة اسعار الكهرباء والمياه والضرائب والرسوم والجبايات؟؟؟ اليس انا كصاحب مصنع سأفضل غلق مصنعي الذي ينتج سلعة بالف جنيه واقوم باستيرادها هي نفسها او افضل منها بعشرة جنيهات فهي ارخص مهما دفعت فيها من جمارك؟؟؟ وهل رفع جمارك السلع المستوردة سيؤدي الى حماية الصناعات المحلية؟؟؟ وهل رفع الدعم عن المحروقات لن يؤدي الى رفع اسعار باقي السلع؟؟؟ وهل زيادة الضرائب والجبايات لن يؤدي الى زيادة الاسعار؟؟؟ نحن في الواقع ندور في حلقة مفرغة ، فلا الاقتصاد حر ولا الاقتصاد موجه ، ولا نحن في السماء ولا نحن في الارض ، هذا تخبط شديد جدا وربما ناتج عن هلع الحكومة وفزعها الشديد من اي ضغط خارجي عليها ولذلك فهي لا تستطيع اعلان رفضها ولا اعلان قبولها المطلق . ماذا تريد الحكومة الوصول اليه بهذه العشوائية والتخبط...انني لا ارى اي ومضة ضوء في آخر النفق لأن النفق نفسه لا يبدو له آخر...والله المستعان...
بالأمس تباكيت على أكبر مخرب للإقتصاد السوداني منذ عهد السفّاح جعفر نميري وحتى مماته ألا وهو الراحل بابكر ود الجبل واليوم جاي تتفاصح في الإقتصاد؟ أمشي أعرِف ما هو الإقتصاد في الأول يا قِنِّيــــــط
فعلا غريب امر هذا الكاتب كأنو عندو انفصام في الشخصية بكتب مقال مرتب وجميل بعد مدة بكتب مقال عكسو تماما المرحوم بابكر ود الجبل تاجر عملة منذ ما قبل مجئ الانقاذ وحتى يوم وفاته وهو احد المخربين للاقتصاد السوداني وهو يقوم بما يعرف بالاقتصاد الطفيلي اقتصاد بلا انتاج تماما وانما فقط سمسرة وامتصاص عرق الغير حنى وان بذل بعد ذلك جزءا من مكسبه في العطايا التقليدية المذلة لكرامة الانسان .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست