تعددت نظريات اصل السلطة ، فبعضها ينسبها الى الهيراركية الاجتماعية والطبقية والبعض ينسبها الى الدين والبعض يعتبر مصدرها العقد الاجتماعي وهكذا.. نظرية العقد الاجتماعي ووجهت بانتقادات منها على سبيل المثال: اولا لأنها تفترض وجود تعاقد تم بين جميع افراد الشعب والسلطة وهذا افتراض يخالف الممكن ، وثانيا لانها تفترض اجماعا من كل الشعب وهذا ايضا يخالف الممكن وثالثا لأنها تتجاهل الأقلية وهذا ظلم ورابعا لأنها تتجاهل واقع السيطرة السلطوية ، وخامسا لأن الغالبية الشعبية لا معايير لها في الاختيار وهي غالبا ما تكون مشوشة وجاهلة ومسيرة.... فما هو اصل السلطة قديما وحديثا ؛ في الواقع ان أصل السلطة هو القوة سواء كانت قوة خشنة كالانقلابات العسكرية والثورات أو قوة ناعمة وهي الأفكار والفلسفات والايدولوجيات والاديان .. فما يسبق فكرة الاغلبية والأقلية هي حالة الصراع بين القوى المتوزعة في الدولة ، وهذه القوى ناعمة او خشنة تتنافس وصولا الى السلطة ، وهي في سبيل ذلك تحشد لها المناصرين لتتفوق عبرهم على غرمائها ، ليتحول الفرد الى رقم احصائي في عملية الاستقطاب ، لذلك فان نظرية العقد الاجتماعي نظرية مثالية ولو رددنا باقي النظريات اي الدينية والاجتماعية والاقتصادية الى اصلها جنبالوجيا فسنجدها ترتد الى ذات الفكرة المادية اي الى القوة . إن القوة مصدر السلطات مهما حاولنا تجاهل ذلك ، ومهما حاولنا استخدام الديموقراطية للتخفيف من غلواء القوة ، وبالتالي فإن الشرعية الاولى والقديمة منذ بدايات نشأت المنظومات الاجتماعية (قبيلة ، مدينة ، اقطاعية ، امبراطورية ، دولة) كان مصدرها القوة . لا تقلل هذه الحقيقة من قيمة الديموقراطية وقيمة المقولات المثالية مثل القول بأن الشعب مصدر السلطات ، فنحن عندما نميل الى الديموقراطية انما نحاول تهذيب القوة وتحويلها من قوة خشنة الى قوة ناعمة ، ومن شيء يظهر فيه القهر على نحو واضح الى شيء يكون القهر فيه مختفيا داخل قلوب الأقلية الخاسرة .. ان ما حدث في مصر يوضح تماما قيمة القوة حتى ولو كانت ناعمة في تحديد السيطرة السلطوية وكذلك ما يحدث في ليبيا الآن التي لها حكومتان وعدة جيوش ، رغم انه كانت قد قامت انتخابات منذ البداية افرزت فوز الاتجاه الليبرالي لكن القوة الناعمة لم تكن مقبولة لدى المنهزمين فانقلبوا الى القوة الخشنة ، ومع ذلك فان القوة ايا كانت هي مناط الشرعية. وهذا ما دفع القانون الدولي الى تبنيها كمعيار للشرعية حينما أكد ان هذه الاخيرة تنبثق عن سيطرة قوة ما على الاقليم والشعب. إننا لا نقبل طبعا هز فكرة الديموقراطية لكنها مهزوزة مسبقا من ناحية نظرية وعملية ، ولا تعني بالضرورة حالة استقرار سياسي واقتصادي الا في ظروف معينة من ارتفاع سقف الوعي العام ، فلبنان مثلا دولة ديموقراطية ومع ذلك فلم تورثها الديموقراطية سوى الهشاشة لتسيطر عليها دول خارجية كفرنسا وامريكا واسرائيل وايران بل حتى حركة حماس . وذات الديموقراطية التي ننادي بها اليوم كانت محل لعنات من قبل شعبنا حينما كان الخيار حاسما بين الموت جوعا والبقاء على الديموقراطية . اذا كانت القوة مصدر السلطات الحقيقي ، فهي بلا شك يجب أن تدرس على هذا النحو الحقيقي وتفكيك عناصرها واشكالها وخصائصها للتمكن من رسم اسلوب جديد للسيطرة والاكراه أي السلطة ، وأن نوازن بين القوة الناعمة والخشنة ، وبين مصالح الأقلية والاغلبية او محاولة ايجاد قاسم مشترك بين الأقليات جميعها لتسير السفينة على ما يرام. امل كردفاني
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة