هناك واقع سياسي جديد، يتشكل الآن في هذا السودان (الفَضَلْ) من تجربة الإخوان المريرة.. إذا اعتمدنا مقالة الأخ علي عثمان بعد فصل الجنوب، بأن نظامهم قد دخل حقبة الجمهورية الثانية، فإننا بهذا الفهم نستشرف في هذه الأيام جمهورية ثالثة، ولكن، دون أن يكون فيها للمخترع نصيب.. ولك أن تتخيّل.. الإنقاذ مشت وين، وعلي عثمان ذاتو وين؟ جمهوريات الإنقاذ أصبحت ذكرى كجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، كما أن الإخوان ما عادوا حكّامها، إذ الراجح أنهم ضحاياها.. لقد تبدل الحال، وأصبحوا مثلنا، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق،، والحمد لله الذي أحيانا حتى نشهد ما شهِدنا. لا نقول عنهم بلغة أهل الرِياضة، إن الأخوان (كُورَتُهم فكَّتْ)، لكن من المؤكد أن التمكين كان عهداً قد انجَلى، إذ لم يعد بإمكان الكوز احتقاب تلك الشنطة، والمكاورة بها كيف شاء.. إنّه لا يستطيع إلى ذلك سبيلاً! لا يستطيع.. ليس لأنّهُم تعقّلوا ورفعوا أنيابهم عن العضَّة، لكن لأن (القَطَرْ فِيهو مُفتِّش)! لكن أيضاً، وكما هو حال السياسة، كذا هو حال الدُّنيا التي تسير على نفس (لـكْلَكتها)، فإن للتنظيم هامِش داخل النظام، يتحرك من خلاله النافِذون لامتصاص بعض الرحيق، وإن لم يكن بتلك الأريحية التي تمتعوا بها في أيام العِزْ. لم يبدأ العدّ التنازلي للإخوان مع إختيار الفريق بكري حسن صالح لرئاسة مجلس وزراء السودان.. لقد بدأ العد التنازلي لهم يومَ دقّت المزيكة، ثم تعمّقت الجِّراح مع المفاصلة.. الحكاية هي أن الزّمن دوّار، فالأقلية القليلة التي تسلّقت السلطة بالخديعة المكر، تدفع الثمن الآن... والجديد في الحكاية هو أن (التمفصل)، كان يصُب قديماً في مصلحة التنظيم، أو أحد طرفيه، (مَنشية وقصر)... الحِين ـــ على حد قول مُستثمرينا الخليجيين ـــ الحِين، فإن كل فرفرة داخل كيانهم (تنزِل) كالرصيد لدى طرف ثالث، هو كيان الدولة ممثلاً في مؤسساتها الكبرى.. صحيح أن تلك المؤسسة ــ الجيش ورجال الجيش ــ لا يخلو من عناصرهم، لكن ليس كما كانوا يتضرعون في السابق، فهُم لا يستطيعون إلى ذلك التضرُّع سبيلاً. لقد جاء تتويج الفريق بكري ، كأنه نقطة في أخر السطر، ولسوف تُهفهِف بعده نسمة هواء لطيف.. هناك تغيير لا يعترف به الإخوان، ولا يفصح عنه فاعلوه... و، و (كل واحد ..عاجبو الصّارو)! فهل يسكُت الإخوان، وقد ضاقت عليهم الأرض بعد تلك الرحابة؟ هؤلاء أقوام من التّمكُن بمكان.. عهدناهم لا يقبلون هزيمة الجيوب، فكيف إذن يتحركون، ثأراً أو اعتداداً بقداستهم؟ من وجهة نظري، أرى أنهم قد يصبرون على المكره، ويرضون بالقضاء والقدر..لا أحد من قياداتهم سيضطلع بمشاق المواجهة، لأن من تبقى منهم ــ من حكّامنا السابقين ــ لا يتحمل الشقاوة ولا وقفة الحَرْ. ولا تنسى يا صديقي، أنهم خَبِروا تقلبات الزّمان، ودَرسوا السنن الكونية، لذلك من المستحيل أن يمارسوا أي نوع من العنفوان الثوري مع الفريق بكري، خشية على ذواتِهم الشريدة، من مصير رفاق الشهداء،،، هل تذكُر كيف فعل بهم النميري؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة