ضجّت وسائط الميديا الإجتماعية، السودانية والإريترية، بصورة خاصّة، والعالمية على وجه العموم، بالعديد من التعليقات الساخرة حول عملية تسليم مواطن إريترى مقيم فى الخرطوم، إلى السلطات الإيطالية، بـ( الخطأ ) بإعتباره من أخطر وأكبر مهربى البشر، و ما رشح فى وسائل الإعلام العالمية - حتّى الآن، وحتّى إشعار آخر- أنّ تشابه الأسماء - فقط - هو الذى أدّى إلى الفضيحة، التى إرتكبتها السلطات السودانية، وهناك مزاعم - لم تتأكّد بعد- أنّ الشخص المقصود، وهو المطلوب، قد وصلته " إشارات " و " تسريبات " بقُرب موعد إعتقاله، لتسليمه، فأخفى نفسه، لينجو من " الكمين "، الذى أُعدّ لإصطياده، لتنتهى العملية، بالقبض على شخص عادى أو لنقل " باحث عن اللجوء "، و ليس مُهرّب بشر، وقد خدمته الصدفة - والصدفة وحدها- فى مُغادرة الخرطوم إلى روما، ولن تستطيع الحكومة الإيطالية إعادته، للسودان أو إريتريا، بسبب القوانين الدولية التى تحظر " الترحيل والعودة والطرد القسرى، لأىّ شخص نحو مكان يواجه فيه خطر القتل والتعذيب وسوء المعاملة " وسِجِل الدولتين فى هذه المسألة معروف، ولا يحتاج إلى إثباته إلى عناء كبير. قضيّة تسليم اللاجىء الإريترى ( مدهانى )، بإعتباره مجرم خطر على الأمن العالمى، تستحق أن نُطلق عليها " عملية بيع لاجىء "، ولا بُدّ من متابعتها، حتّى آخر الشوط، ومع كل هذا وذاك، لها أبعاد أُخرى، أهمّها أنّ الحكومة السودانية، ومنذ سنوات، ظلّت تُحاول أن تُسوّق نفسها - إقليمياً ودولياً- بأنّها فى خانة الخبير و " الشرطى" الذى يُمكن أن يُساعد العالم- وأوربا بالتحديد- فى ملف " الإتجار بالبشر"، كما أنّها لقادرة على وقف " الهجرة غير الشرعية " لأوروبا، وفى سبيل القيام بهذه الخدمة الجليلة، مطلوب من أوروبا " التعاون " معها، وبناء قدرات أجهزتها الأمنية " القمعية " ، للقيام بالمهام " الشرطية" على أكمل وجه. وهذا الزعم، هو فى الحقيقة، وهم كبير، وليس صحيحاً، لأنّ طبيعة النظام وممارساته، تجعله نظاماً داعماً للجريمة، ومُصدّراً لها، ومن الصعب أن يُبدّل جلده - بين عشيّةٍ وضُحاها- بهذه السهولة، وهناك تقارير ودراسات عالية الجودة، توكّد ضُلوع و تورُّط الأجهزة الأمنية السودانية - أوعناصر منها- فى جريمة الإتجار بالبشر، بدلاً عن حماية اللاجئين، دون تعرُّضها للمساءلة أو العقوبة، وذلك بسبب تمتُّعها بالحصانات، والإفلات من العقوبة، لأسباب منها السياسى والمالى، وهناك العامل الأكبر، وهو الفساد، الذى يُشكّل أكبر مناخ حاضن ومُساعد لتمرير مثل هذه الجرائم عابرة الحدود والقارات. هناك وجه آخر للمسألة، يكمن فى العلاقة الوطيدة والإستراتيجية بين النظامين السودانى والإريترى، والتعاون الأمنى " الشِرّير" المعروف بينهما، وقد ثبت فى حالات كثيرة، تجاوز الحكومة السودانية للقوانين الوطنية والدولية التى تحكم معاملة اللاجئين ( إتفاقية جنيف 1951)، بترحيلها لاجئين إريتريين - قسراً- إلى أسمرا، بطلب وإيعاز من الحكومة الإريترية، ومازال مصيرهم ومصير التحقيق فى عمليات ترحيل المئات غير معلوم، وهذه مهمّة أُممية، يُعتبر تجاهلها أوالتقاضى عنها جريمة، لا تقل عن جرائم مهرّبى البشر. مانود أنّ نؤكّده - فى هذه السانحة – مُضافاً إلى ما سبق، أنّ التعاون المطروح من نظام الخرطوم مع أوروبا، فى عمليات مُكافحة الإتجار بالبشر، يأتى - فى أحسن حالاته – فى خانة التكتيك، فى مُقابل الإستراتيجى، ولهذا من الصعب التعويل على أىّ جهود أوروبية، بُذلت أو ستُبذل، فى مُكافحة ظاهرة الإتجار بالبشر، بالتعاون مع نظام الخرطوم، ومن الأفضل للحكومات الأوروبية - إن كانت جادّة ومُخلصة - أن تبحث عن شراكات صادقة، تُعينها فى تحقيق أهدافها، بدلاً عن التعويل على مثل هذه العلاقات النفعية، غير المبدئيّة. نختم بالحقيقة الناصعة، ومفادها، أنّ التفكير فى معالجة النتائج، دون النظر والتفكُّر فى مُعالجة الأسباب، يُعتبر قصور نظر، لأنّ قضايا الهجرة " غير الشرعية " إلى أوروبا، من مناطق ودول النزاعات المسلحة، وأحزمة الفقرالمدقع، والهروب من بطش الأنظمة الدكتاتورية القامعة، تحتاج لنظرة أشمل، ورؤية أعمق، وإلّا، فإنّ جهود " البوليسية " وحدها، لن تُعالج الظاهرة، ولن تقضى على الجريمة النكراء، وستستمرإنتهاكات حقوق الإنسان، وستتعرض حقوق اللاجئين للمزيد من الإنتهاكات، وهذا هو الدرس الذى على العالم، التعلُّم منه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة