التأميم والمصادرة: قرارات زلزلت الاقتصاد السوداني بقلم د. عبدالله محمد سليمان-المقالة الثالثة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 07:00 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-03-2016, 06:11 AM

عبدالله محمد سليمان
<aعبدالله محمد سليمان
تاريخ التسجيل: 01-13-2014
مجموع المشاركات: 28

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التأميم والمصادرة: قرارات زلزلت الاقتصاد السوداني بقلم د. عبدالله محمد سليمان-المقالة الثالثة

    06:11 AM May, 03 2016

    سودانيز اون لاين
    عبدالله محمد سليمان-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    المقالة الثالثة : الإطار النظري للملكية وأساليب التصرف فيها
    التَفْكِير الوَاضِح يَسْبُق الكِتَابَةَ الوَاضِحةَ أو التَصَرُف الصَحِيح. فرانك جيليت
    ملامح نظرية:
    عرفت البشرية ملكية وسائل الانتاج والأصول المادية منذ بدء الخليقة، وتباينت نظرة المجتمعات المختلفة لتلك الملكية وتراوحت بين فكرة ملكية الافراد " الملكية الخاصة" وملكية الجماعة أو ملكية الدولة التي يفترض ان تمثل الجماعة " الملكية العامة" والتي قد تأخذ صورا وأشكالا متنوعة. كما عرفت البشرية "نزع الملكية الخاصة" لصالح المجتمع أو الجماعة كما تدعي أو تزعم السلطة التي تتولى النزع بدوافع سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. وتأخذ عملية نزع الملكية أيضا أشكالا مختلفة تشمل التأميم والمصادرة ووضع الممتلكات تحت الرقابة أو الحراسة وإن كانت الصيغ الأخيرة في بعض الأحيان لا تعني نزع الملكية مقارنة بالتأميم والمصادرة، وإنما تحديد تصرف المالك فيما يملك ووضعه تحت مراقبة السلطة.
    وتستخدم عملية نزع الملكية الخاصة في حالات كثيرة لأجل المصلحة العامة، مثل نزع الصناعات الاستراتيجية والمنشآت التي تدير نشاطات مؤثرة على الاقتصاد القومي ترى الدولة ضرورة أيلولتها لها والسيطرة عليها لصالح المجتمع. كما تشمل نزع ملكية الأراضي والعقارات المملوكة للأفراد لإقامة المشاريع الصناعية والزراعية الجديدة، وإنشاء المرافق العامة كالطرق والمطارات ومسارات القطارات وغيرها ، التي تنوي الدولة إقامتها ويكون لابد من نزع الملكية لتؤول للدولة وتمكنها من إقامة تلك المشروعات للمصلحة العامة. وربما تقرر بعض الحكومات التعويضات للأفراد الذين نزعت ملكيتهم. وينظم القانون في كل بلد الأسس والاجراءات القضائية المتعلقة بنزع الملكية ، وقد يلجأ المتضررون من قرارات نزع الملكية للقضاء للاحتجاج على التعويضات غير المجزية التي تقررها الحكومة. ولنزع الملكية من الوجهة النظرية أصول سياسية واقتصادية واجتماعية نتناولها في إيجاز.
    فمن الوجهة السياسية يبدو نزع الملكية بأشكاله المختلفة صراعا بين غريزتين تتحكمان في حياة المجتمعات هما " غريزة حب التملك" و ”غريزة حب التجمع". وبينما تمظهرت الغريزة الأولى خلال تطورات الحياة الانسانية عبر آلاف السنين في "الملكية الخاصة" تبلورت الغريزة الثانية في "سلطة الجماعة" أو التجمعات البشرية بأشكالها المختلفة القبلية والعرقية والطبقية والطائفية وهي السلطة الحاكمة أو الحكومة في المصطلح الحديث. ولقد أفرزت الغريزتان نظامين في إطار النظام السياسي العام الذي يحكم المجتمع وأصبح نظام " الملكية" خاضعاً لنظام "السلطة الحاكمة". وبحكم أن الدولة بأداة سلطتها أي الحكومة في المجتمعات الحديثة هي التي تنظم النشاط الاقتصادي عن طريق التنظيم القانوني الذي تمليه ظروفها وتوجهاتها السياسية ، فإن معضلة تحديد قواعد ممارسة النشاط الاقتصادي بما في ذلك ممارسة حق التملك " الملكية" ترتبط ارتباطا عضويا بتنظيم الدولة السياسي واتجاهاتها ورؤيتها لما ينبغي أن يكون علية النشاط الاقتصادي بما يحقق المصالح كما تراها. وتتراوح النظريات الحاكمة لتدخل السلطة السياسية في الميدان الاقتصادي على وجه العموم بين محورين أساسيين أولهما: الاعتراف الكلاسيكي بالملكية الخاصة باعتبارها حقا مقدسا يعطي المالك حرية التصرف في ملكه بصورة مطلقة ومؤبدة كما هو الحال في الدول الرأسمالية التي تعتمد الاقتصاد الحر. وثاني هذين المحورين عكس هذا تماما إذ يقوم على الانكار الكلي أو الجزئي للملكية الخاصة لوسائل الانتاج كما هو الحال في الدول الاشتراكية والشيوعية. وفيما بين هذين المحورين تتراوح درجات النظم السياسية فيما يتصل بنظرتها للملكية الفردية وتتفاوت من بلد لآخر وربما يتعايش المحوران بنسب متفاوته. وهذا هو الحال في كثير من الدول التي تعتمد خليطا من النظريتين بحسب واقع حالها السياسي وظروفها الاقتصادية والاجتماعية وتوجهاتها الإيديولوجية التي تحكم قضية الملكية.
    أما الأصل الاقتصادي لنزع الملكية فيمكن النظر إليه من زاوية سعي الانسانية لتحسين الظروف المعيشية للجماعات والتي تطلبت في بعض المجتمعات مقاربة نظرية الملكية الخاصة كحق مطلق مؤبد من خلال معالجات فلسفية وقانونية . وقد نازع الاقتصاديون لاسيما الاجتماعيون أو الاشتراكيون في مراحل تطور الفكر البشري المختلفة الملكية الخاصة. فبرزت مع الثورة الفرنسية (1830م) على سبيل المثال آراء القديس سيمون الذي استعمل كلمة الاجتماعية والاشتراكية في كتاباته فكان أول من هاجم الملكية كحق مطلق مانع مؤبد وقارن ما بين الانتاج والملكية وهاجم الاهمية المقررة حينذاك للملكية على حساب الانتاج . وتلى ذلك أفكار روبرت أوين في انجلترا في نفس السياق تقريبا وغيره من الاقتصاديين. ومن ثم بدأت إرهاصات الانكار لفكرة الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وضرورة إعادة النظر فيها بحسب ما أرتآه أولئك الاقتصاديون كل وفق نظريته والظروف التي أحاطت بها. وبظهور كتابات كارل ماركس وانجلز - مؤسسا الاشتراكية العلمية - كانت فكرة الملكية الخاصة قد أخذت حظا وافرا من النقد وأخذت المعالجات الاقتصادية للملكية تبرز في بعض المجتمعات بصورة سافرة وعملية وتطورت نحو التأميم كما حدث على سبيل المثال من خلال التطبيق اللينيني في الاتحاد السوفيتي واعلان قيام ثورة البروليتاريا. وقد اصبح شعار نزع الملكية لصالح المجتمع قابلا للتطبيق في كثير من المجتمعات.
    أما الأصل الاجتماعي لنزع الملكية من خلال التأميم وغيره من الأشكال فهو أيضا يقوم على أساس الغريزتين اللتين أشير إليهما أعلاه أي غريزة حب التملك وغريزة حب الاجتماع. والذي يمكن الاشارة إليه من الناحية الاجتماعية هو أن غريزة التملك بطبيعتها تقدم الصالح الفردي الأناني على الصالح العام ولا تلقي بالا لصالح الجماعة. ومع تطور المجتمعات الانسانية وتزايد الحاجة لتوجيه وسائل الانتاج لخدمة قطاعات واسعة من المجتمع بصورة شاملة وعادلة أصبح لابد من تنسيق الحاجات الفردية للإنسان مع حاجات الجماعة. وتطلب هذا توفيق وتنسيق الحقوق والحريات الفردية مع حقوق وحريات الجماعة. ولقد مارست مجموعات الضغط والنقابات والاتحادات المهنية التي تمثل جمهور العاملين وقطاعات عريضة من المجتمع، مارست دورا كبيرا في حمل السلطة الحاكمة في المجتمعات المختلفة على تبني السياسات التي تحقق هذا الهدف أي توفيق مصالح الأفراد والمجتمع. وشكل هذا البعد الاجتماعي في النظرة للملكية في بعض المجتمعات رايا عاما حمل الدول والحكومات على اتخاذ القرارات التي تساعد في المواءمة بين مصلحة الأفراد ومصلحة الجماعة وتمثلت تلك القرارات في إجراءات لنزع الملكية الفردية على وجه من الوجوه.
    لقد مهدت دول عديدة في أوربا الغربية لنزع الملكية الخاصة من خلال تشريعات قانونية وإجراءات خاصة استخدمت فيها التأميم كوسيلة رئيسة. وقد ارتكزت التشريعات القانونية واستلهمت الأصول الثلاثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ألمحنا إليها فيما تقدم. وبالرغم من بروز الفكر الاقتصادي الاشتراكي كمحرك قوي للتأميم إلا أنه قد تم اللجوء إلي التأميم في بعض الدول بعيدا عن ذلك المؤثر كما في المكسيك على سبيل المثال قبل العام 1917م. وفيما بين الحربين العالميتين تمت بعض اجراءات نزع الملكية بالتأميم في دول أوربية بصورة براقماتية لم تلتزم بإطار نظري أيديولوجي محدد. وفي بعض دول أوربا الشرقية في الأعوام اللاحقة تمت عمليات التأميم متأثرة بدرجات متفاوتة بالفكر الاشتراكي في الاقتصاد وبالنهج الماركسي في الاتحاد السوفيتي.
    اتخذت كثير من قرارات نزع الملكية بالتأميم وغيره في إطار برامج للإصلاح الاقتصادي كما هو الحال في بعض بلدان أوربا الغربية ومنها فرنسا وبلجيكا وألمانيا. ولقد تباينت النظم المتبعة في التأميم في بلدان العالم المختلفة. فكان النظام الجنوب أمريكي يتأسس على فكرة (الوظيفة الاجتماعية) للملكية. فدول أمريكا اللاتينية وجدت نفسها بعد أن نالت استقلالها فريسة للاستغلال الأجنبي الخارجي لمواردها من قبل انجلترا وأمريكا. ولهذا تولد الإحساس برد فعل عنيف لدى الجماهير والقوى السياسية في تلك الدول تجاه النفوذ الاستعماري وسيطرة رأس المال الأجنبي على الحياة الاقتصادية. ومن ثم اتخذت جمهوريات أمريكا الجنوبية سلسلة كبيرة من التأميمات ونزع الملكية للصناعات الرئيسية والمشروعات ذات النفع العام. ولقد جرى نفس هذا النمط في إندونيسيا وفي مصر وبعض الدول الآسيوية والأفريقية .وكان لتطبيق فكرة التأميم في هذه الدول طابعه الخاص المميز فهو رغم كونه وسيلة لتحقيق اشتراكية الحياة الاقتصادية إلا أنه بدا في الغالب كوسيلة لإصلاح اقتصادات تلك البلدان وتخليصها من النفوذ الاستعماري وسيطرة رأس المال الأجنبي.
    على النقيض من تجربة دول أمريكا الجنوبية كلنت تجربة الاتحاد السوفيتي وبلدان أوربا الشرقية تقوم على مرتكزات إيديولوجية محددة تستلهم تطبيق المبادئ الاقتصادية الاشتراكية. وقد تم التخلص من البناء القانوني القديم الذي كان ينظم الملكية في الاتحاد السوفيتي بموجب قانون 1936م وأقيم على أسس جديدة تتقيد بالاطار الإيديولوجي للدولة السوفيتية. وقد تبعت خطوات التجربة السوفيتية دول أوربا الشرقية والصين وبعض بلدان العالم الثالث التي تبنت الفكر الاقتصادي الاشتراكي. وربما أتبعت دول أوربا الشرقية صورا مخففة من التجربة السوفيتية أملتها ظروف الواقع الاقتصادي لكل بلد، ومع ذلك فقد استخدمت صورا من اساليب نزع الملكية وأبرزها التأميم لترتيب اوضاعها الاقتصادية. وأبقت بعض دول أوربا الشرقية على شيء من مظاهر الملكية الفردية لوسائل الانتاج مثل القطاع الصناعي والعقاري الخاص على خلاف ما تقضي به النظرية الماركسية.
    أما في دول أوربا الغربية فقد تم اللجوء للتأميم دون إحداث تغيير جذري في النظرة للملكية الخاصة ودون إنكارها كحق للأفراد ولم يتم فرض قيود محسوسة على القطاع الخاص. وتميز تطبيق إجراءات التأميم بالنظرة البراقماتية الإصلاحية أكثر من كونه مؤسسا على موقف من الملكية الخاصة يسترشد بفكر محدد ملزم أو إيديولوجية مقيدة. ففي فرنسا تم التأميم في أوضاع وظروف مضطربة وغير عادية جراء الخراب الذي خلفه الاحتلال النازي وعليه فقد تم اللجوء للتأميم في إطار تشريعي استجاب للاتجاهات السياسية التي سعت لتحقيق المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية للشعب الفرنسي. ومع ذلك لا يمكن الجزم بأن التجربة الفرنسية في نزع الملكية بالتأميم لم تتأثر بالفكر الاشتراكي السائد فربما كان له بعض التأثير بالرغم من خصوصية التجربة.
    ومثال آخر لدول أوربا الغربية هي إنجلترا التي تبني فيها قرارات التأميم حزب العمال البريطاني في العام 1949م بعد أن انتهت موجة التأميمات التي شملت دول أوربا الشرقية وفرنسا. ولقد اتسمت التجربة الانجليزية التي قادها حزب العمال بالاستقلال الإيديولوجي والطابع العلمي إذ نشر الحزب كتابا في عام 1950م بعنوان ( خمسون حقيقة عن الملكية العامة Fifty Facts on Public Ownership) جاء فيه أنه في بعض الصناعات وجد أن الرقابة المالية أو الرقابة المباشرة ليست كافية وعلية لابد من استخدام آلية الملكية العامة. وقد طرح الحزب رؤاه حول التأميم من خلال حملاته الانتخابية التي استهدفت اقناع المجتمع بما هو مقدم عليه من اجراءات لتوسيع الملكية العامة . وعليه فقد أقدم حزب العمال على تأميم العديد من الصناعات التي آلت ملكيتها للقطاع العام في إطار برامج حزب العمال لإحداث الإصلاح الاقتصادي الذي يستهدف مصلحة المجتمع وفقا لرؤى الحزب. وبالرغم من احتمال تأثر بعض تجارب التأميم في دول أوربا الغربية على نحو ما ببعض رؤى الفكر الاقتصادي الذي يهتم بتوسيع نطاق الملكية العامة لمصلحة المجتمع إلا أن تلك التجارب كانت بعيدة عن التأثير الإيديولوجي المذهبي أو النفوذ الحربي والسياسي للاتحاد السوفيتي في تلك الفترة، وكان لكل منها طابعها الخاص وظروفها المختلفة التي أملت إجراءات التأميم.

    نزع الملكية ( Expropriation):
    يعرف نزع الملكية بصفة عامة بأنه الفعل الذي ينطوي على قيام الحكومة بحيازة ممتلكات خاصة وتحويل ملكيتها للدولة بغرض استخدامها لأغراض عامة تخص المجتمع. ففي جمهورية مصر وفيما له صلة بنزع الملك العقاري يعرف نزع الملكية بأنه إجراء تتخذه الحكومة من شأنه حرمان شخص من ملكه العقاري بهدف تخصيص العقار للمنفعة العامة مقابل تعويض عما يناله من ضرر .وفي الولايات المتحدة الأمريكية للحكومة الحق في نزع الملكية للصالح العام، ويقضي الدستور بأن الملكية الخاصة لا تنزع للمصلحة العامة إلا بتعويض مجز وعادل ، وفي هذه الحالة فإن النزع يتم دون الحاجة لإذن ممن تنزع ملكيته. وهذا المفهوم لنزع الملكية الخاصة يطبق في كثير من بلدان العالم ربما مع بعض التباينات في النظم والتشريعات القانونية التي تحكمه والاجراءات والخطوات العملية التي تنظمه.
    إن نزع الملكية كأسلوب قانوني للتملك ربما يختلط ويقترب في معناه من أحد أساليب أخرى لنزع الملكية تشمل الاستلاء المؤقت والمصادرة والتأميم. فالاستيلاء المؤقت إجراء تلجأ إليه الإدارة إما تمهيدا لنزع الملكية، وإما لمواجهة حالة طارئة تستلزم الاستيلاء مؤقتا على الممتلكات وإما لخدمة مشروع ذي منفعة عامة. والتأميم إجراء القصد منه أن يسمح بوضع الملكية تحت يد الدولة، ويكون صادرا بقانون ، وتنزع الملكية جبرا مقابل تعويض أو بدون تعويض حسب ما تقرره الدولة وفق مبررات معينة في ضوء نظمها ، وغالبا ما يكون لمشاريع استراتيجية وإنتاجية معينة. والمصادرة هي إجراء ينطوي على جزاء يوقعه القضاء على الأشخاص المقترفين لجريمة معينة وتكون المصادرة بنص القانون، ولا يقابلها تعويض.
    التأميم (Nationalization):
    التأميم لغة هو لفظة مشتقة من كلمة أمة (Nation) ويعرف مصطلح التأميم في المعجم القانوني بأنه جعل مصادر الثروة الطبيعية في الدولة والمشروعات الحيوية ملكا للأمة، تتولى الدولة نيابة عنها إدارتها واستقلالها بإحدى الطرق التي تستبعد مشاركة الرأسمالية في الربح والإدارة. كما تم تعريف مفهوم التأميم بانه نقل ملكية المنشآت ووسائل الانتاج والممتلكات الخاصة في القطاعات الاقتصادية المختلفة إلى ملكية الدولة وتحويله من القطاع الخاص إلى القطاع العام. ومن حيث المفهوم يعني التأميم عادة الإشارة إلى الملكية العامة كمفهوم معاكس للملكية الخاصة . والتأميم عمليا ارتبط بإرساء قواعد السيادة وتكريس السيطرة الوطنية على مقدرات الأمة. يقول ب. شينوت وهو أحد المفكرين الذين اهتموا بنظرية التأميم وكتبوا عنها، أنه ربما لا تكون هنالك فلسفة للتأميم ولكنه على أي حال عبر عن نشوء فكر:
    (There may be no philosophy of nationalization, but nationalization none the less expressed an evolution of thought) B.Chenot -1950 – Quoted by: Katzarov,Konstantin,1964.
    وقد راج استخدام التأميم كأسلوب لتحقيق هذه الأهداف وأخذت به كثير من الدول في أعقاب حركات التحرر الوطني من الاستعمار كما فعلت العديد من البلدان النامية التي نالت استقلالها في عقود القرن الماضي. ولعل من أبرز الدول في المنطقة العربية التي أخذت بذلك وأصبحت نموذجا يحتذى ، جمهورية مصر العربية في العهد الناصري حيث اتخذ الرئيس عبدالناصر قرارات التأميم الشهيرة وعلى رأسها تأميم قناة السويس. وقد يشمل التأميم الممتلكات والمنشآت التي يملكها مواطنو الدولة أو غيرهم من الأجانب كما قد يكون التأميم بتعويض تقدره الدولة أو بدون تعويض كما حدث في بعض الدول بناء على مبررات معينة تطلبت ذلك. ففي الاتحاد السوفيتي أخذت الدولة بالتوجه الإيديولوجي الماركسي وأجرت عمليات التأميم دون أن تدفع تعويضات. ولكن هنالك دولا اشتراكية في وسط أوربا قامت بدفع تعويضات عن بعض المشاريع المؤممة. وفي بريطانيا دفعت حكومة حزب العمال التي جاءت في أعقاب الحرب العالمية الثانية تعويضات لمالكي المشروعات حين تم تأميم 20% تقريبا من الصناعات الانتاجية في البلاد.
    وفي مصر وبعض الدول الأفريقية والآسيوية تم الأخذ بمبدأ دفع التعويض لمالكي المؤسسات المؤممة وإن كانت هنالك حالات لم يتم فيها الدفع. وفي الواقع فإن مسألة التعويض لا ينبغي النظر إليها بمعزل عن الظروف والأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي حتمت قرارات التأميم. فالتأميم لا يوجب دفع تعويضات للمؤممة ممتلكاتهم في كل الأحوال كما أنه لا يعني المصادرة للممتلكات دون تعويض بشكل مطلق. فالتجارب العملية تدل على أن الأخذ بالإطلاق فيما يتعلق بدفع أو عدم دفع التعويضات غير صحيح والمعيار السليم هو أن يرتبط قرار التعويض من عدمه بمبررات قوية يراعى فيها مصلحة المجتمع أولا وأخيرا. المصادرة (Confiscation):
    عرّف المعجم الوسيط المصادرة في القول ( صادرت الدولة الأموال، أي استولت عليها عقوبة لمالكها) ولفظة المصادرة بالإنجليزية مشتقة من الأصل الروماني (confisctio) وتتكون من مقطعين (con) بمعنى واسطة و(fiscus) ويرمز لحزام أو سلسلة كان أباطرة الرومان يضعون فيها أموالهم وأصبحت بمرور الزمن تطلق على خزانة الدولة. والمصادرة في المصطلح إجراء يتم بموجبه نزع الملكية الخاصة من جانب الدولة لأسباب ومبررات تراها. وقد عرفت البلدان المختلفة المصادرة كنوع من الجزاء بحق الأفراد من أصحاب الملكية الخاصة وكنوع من العقوبة على بعض الجرائم التي تمس النظام العام للمجتمع وبعض الجرائم الاقتصادية الضارة كجرائم التهرب الضريبي والجمركي والاحتكار والتلاعب بالأسعار وغسل الأموال والاتجار في الممنوعات وحجب المعلومات التي تطلبها الجهات الرسمية وغيرها من الجرائم.
    في القانون الفرنسي على سبيل المثال استخدمت المصادرة كعقوبة مالية توقع على المحكوم بموجب القانون أو في بعض الأحيان كترتيب احترازي لحماية المجتمع من بعض الأخطار. فالمصادرة في الغالب تكون عقوبة تكميلية في الحالات التي يرتكب فيها صاحب المشروع جناية أو مخالفة ترى الدولة أنها تستوجب نزع ملكيته ليؤول كل المال المملوك له أو جزء منه لملكية الدولة. وقد ميزت بعض الدول بين السلطات المختصة بإجراءات المصادرة حسب مقتضى الحال. ففي الجزائر على سبيل المثال السلطة المختصة بإجراءات المصادرة هي السلطة الإدارية في حالة المخالفات الإدارية أو السلطة القضائية في حالة الجرائم التي تستوجب نظر القضاء.
    الرقابة العامة (Ombudsmanship):
    ليست الرقابة العامة شكلا من أشكال نزع الملكية وإنما هي الوظيفة التي يمارسها مسئول حكومي يعرف باسم الرقيب العام (Ombudsman) يتم اختياره وتعيينه من قبل الحكومة أو البرلمان وتوفر له وللجهاز الذي يرأسه الامكانيات والاستقلالية اللازمة ويكلف بمهام الحفاظ على المصلحة العامة للمجتمع والنظر في الشكاوى المتعلقة بسوء الأداء في تأدية المهام واستغلال الصلاحيات والنفوذ في الخدمة العامة ومراقبة الانحرافات والفساد وانتهاك الحقوق وغيرها من الممارسات الضارة بمصالح الدولة والمجتمع. وفي كثير من الأحوال ينظر الرقيب العام من خلال أجهزته في الشكاوى التي تقدم له من الأفراد والجهات ذات العلاقة ويقدم بشأنها الملاحظات والمقترحات ويتخذ ما يلزم من قرارات في حدود مسئولياته وصلاحياته. وربما يترتب على ذلك في بعض الحالات قيام الدولة بنزع الملكية تأسيسا على ما يتوصل له جهاز الرقابة العامة.
    على المستوى القومي يمنح للرقيب العام سلطات واسعة للإشراف على القطاع العام ومؤسساته المختلفة وبعض منشآت القطاع الخاص لاسيما التي تتعاقد مع المصالح والوزارات الحكومية لأداء الخدمات أو تنفيذ المشاريع الحكومية أو تلك التي تعمل في مجالات استراتيجية صناعية أو تجارية أو خدمية تمس حياة المواطنين مسا مباشرا أو تؤثر على الأمن الوطني أو غير ذلك مما تراه الدولة موجبا للرقابة العامة. ولخطورة وظيفة الرقيب العام تضع الدول والبرلمانات المبادئ التي ينبغي أن تراعى في عملية الرقابة العامة. ففي دول أوربا وكندا وأستراليا يلتزم المراقب العام وموظفوه بمبادئ محددة تشمل: العدالة والموضوعية وعدم التحيز وعدم التفرقة في المعاملة والاحترام والاستقامة والشفافية وغيرها من القيم الهامة لضمان قيامه بمهامه على الوجه المطلوب. ويتقيد في أداء عمله بمعايير محددة كذلك تشمل: الاستقلالية والنزاهة والعدالة والمصداقية والحفاظ على أسرار الأفراد والجهات محل الرقابة.


    الحراسة العامة:
    الحراسة العامة هي الوظيفة التي يتولاها الحارس العام ويقابل مصطلح الحارس بالإنجليزية (Caretaker) الذي تعينه الدولة للقيام بمهامه تجاه ما ترى الدولة وضعه تحت الحراسة من ممتلكات. ويتم تعريف الحراسة بأنها وضع مال يقوم في شأنه نزاع، أو يكون الحق فيه غير ثابت ويتهدده خطر ، في يد أمين يتكفل بحفظه وإدارته وردّه مع تقديم حساب عنه إلى من يثبت له الحق فيه. فالحراسة عقد يعهد الطرفان بمقتضاه إلى شخص آخر بمنقول أو عقار أو مجموع من المال يقوم بشأنه النزاع أو يكون فيه الحق غير ثابت فيتكفل هذا الشخص بحفظه ورده مع غلته المقبوضة إلى أن يثبت فيه الحق كما ورد في القانون المدني المصري والسوري على سبيل المثال.
    وتشتمل الحراسة على ثلاثة أنواع: الحراسة الاتفاقية وهي التي يكون تعيين الحارس فيها باتفاق بين ذوي الشأن والحراسة القضائية وهي التي يكون تعيين الحارس فيها بموجب حكم قضائي والحراسة القانونية: وهي التي يقررها القانون بغير حاجة إلى حكم القضاء أو اتفاق الأطراف كأن تقرر الدولة وضع الأموال والممتلكات تحت الحراسة لأي سبب تراه وفقا لما لديها من صلاحيات وسلطات. وفي بعض الدول يكون الأصل هو أن تطبق على الحراسة أحكام الوديعة لأن المال أو الممتلكات التي عهد للحارس بحراستها تكون وديعة عنده إلى أن يتقرر ردها للمحجوزة أمواله وممتلكاته أو أن يتقرر التصرف فيها بطريقة أخرى. ومع هذا فإن الحراسة تختلف في طبيعتها عن الوديعة التي لا تكون إلا اتفاقية أي باتفاق بين الأطراف في حين أن الحراسة قد تكون اتفاقية وقد تكون أيضا قضائية أو قانونية كما أشير إليه في أنواع الحراسة أعلاه.
    قصدنا من هذه الملامح النظرية العامة تزويد القارئ ببعض الإضاءات حول المفاهيم المتعلقة بالملكية في الإطار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأساليب نزعها والمبررات التي تساق لذلك. وغني عن القول أن الممارسات التي تتم في الواقع وبحسب بعض التجارب التي تمت الإشارة لها، تختلف من بلد لآخر تبعا للظروف الموضوعية التي تشكل نظرة المجتمع والنظم السياسية الحاكمة للملكية، وتؤثر بالتالي في الموقف منها والتعامل معها في ضوء تلك الظروف. كذلك تختلف الأساليب التي تستخدم في نزع الملكية بالاستيلاء على الممتلكات الخاصة من بلد لآخر سواءً بالتأميم أو المصادرة أو الوضع تحت الحراسة إلخ. والمأمول أن تساعد هذه الملامح النظرية شيئا ما في تفهم التجربة السودانية المتمثلة في قرارات التأميم والمصادرة والحراسة، في ضوء الظروف التي أحاطت بها والدوافع التي حفزت نظام مايو للإقدام عليها.




    أحدث المقالات
  • مهدي ابراهيم فكي قرية بقلم جبريل حسن احمد
  • أريحينا بها .. يا ست البرين بقلم طه أحمد أبوالقاسم ..
  • زهر الخمائل في مدح صاحب الشمائل..نظرات نقدية بقلم عبدالسلام كامل عبد السلام يوسف
  • الجنوبيون يحاورون الحوثي وعفاش بقلم أمين محمد الشعيبي
  • توحيد التعليم القانوني - 4 (الحلقة الأخيرة) بقلم فيصل عبدالرحمن علي طه
  • نور الدين مدني علامة فارقة في الصحافة السودانية بقلم صلاح الباشا
  • وحتى لا نقول لهم خزئتم بقلم سعيد شاهين اخبار المدينه تورنتو
  • الطلاب يستشهدون !! والاخوان المسلمون يستنفرون !! بقلم بثينة تروس
  • وسام الصبر الجميل..! بقلم عبد الباقى الظافر
  • حكم الديش: عن نظرية وسوسة المدنيين للجيش بالانقلاب بقلم عبد الله علي إبراهيم
  • فيض ألكنيف شعر نعيم حافظ
  • هذا كلام للناس ... بقلم نورالدين مدني
  • شهداء غزة تعددت الأسبابُ والموتُ واحدٌ بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
  • البشير يتعهد بأن تكون رواتب الجيش الذي يحارب شعبه الأعلى بالسودان.. بقلم عبدالغني بريش فيوف
  • رساله عاجله إلى السيد رئيس الجمهوريه بخصوص قانون يمنع ختان الاناث بقلم د. محمد الطيب























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de