هل كان محمود محمد طه الشخص الوحيد المُخيَّر في الدنيا؟! (2) بقلم: محمد وقيع الله
زعم زعيم الجمهوريين محمود محمد طه أن الإنسان مسيَّرٌ وليس مخيَّراً. وإذا صدقنا دعواه هذه تبطل كل مسائل الحساب، والثواب، والعقاب، في يوم المآب. ففيم ذلك، طالما أن الإنسان مجبور مسيَّر في أعماله كلها، وليس حرا مخيَّرا فيها؟! وقد سبق بالقول بهذه البدعة الاعتقادية قوم سموا بالجبرية في التراث الفكري للأمة الإسلامية ولم يكن محمود أصيلا في ابتكارها. فقد زعمت الجبرية أنه لا توجد إلا المشيئة الإلهية وحسب. وإنه ليس للإنسان مشيئة قط. وإن الإنسان يحيا ويتصرف كالقشة في مهب الريح، لا سلطة له على نفسه، ولا على أفعاله، ولا سيطرة له عليها. وقد أطلق عليهم وصف الجبرية لأنهم قالوا إن العبد مجبور على أفعاله كلها. ونسبوا أفعال العباد إلى الله تعالى. فإذا صلى العبد قالوا: الله هو المصلى! وإذا صام العبد قالوا: الله هو الصائم! وقالوا: إن الإنسان وعاء للأفعال تُصبُّ فيه الأفعال صبا. وقالوا: إن الإنسان مثل (الكوز) الذي يُصبُّ فيه الماء! فهذه هي عباراتهم الشنعاء التي تولى الرد عليها سيدنا الإمام أبو حامد الغزالي فقال إن هؤلاء جاؤوا بهذه الآراء العجيبة:" ليسقطوا عن أنفسهم التكاليف. وشبَّهوا أنفسهم بالصبيان والمجانين في عدم جريان الخطاب بهم. فقد كفروا لأن مذهبهم يَقضي على إبطال الكتب والرسل. وإن قالوا ذلك لتعظيم الله، وتحقير أنفسهم، وعجزهم عن دفع قضاء الله، فهم مبتدعون لمخالفتهم الإجماع ". (أبو حامد الغزالي، كتاب الأربعين في أصول الدين: في العقائد وأسرار العبادات والأخلاق، دار القلم، دمشق، 2003هـ، ص 29 ). وقد ذهب محمود محمد طه مذهب أولئك الجبرية الأقدمين في التنزيه الكاذب فزعم أن كل من اعتقد أن الإنسان مخيَّر قد وقع في الشرك. وقال عمن قالوا بالتخيير وهم التابعون، أي الجيل التالي لجيل الصحابة، كما أشار إليهم بالتعيين:" وكذلك اعتقدوا، فتورطـوا في الشرك من حيـث أرادوا التنزيه ". (محمود محمد طه، الرسالة الثانية من الإسلام، الخرطوم، 1969م، ص 73) والواقع أن محمودا كان أشد فساد رأيٍّ من قدامى الجبرية. فأولئك قد قالوا بالجبر والتسيير تعظيما لأمر الله تعالى وتحقيرا لأمر أنفسهم كما أشار إمام الهدى الشيخ أبو حامد رضي الله تعالى عنه. أما إمام طائفة الضلال محمود محمد طه فقد قال بهذا تهوينا من شأن الله تعالى وتعظيما لشأنه الشخص الفاني. وأما تهوينه من شأن الله تعالى فذلك بجعل محمود لنفسه الفانية شريكا لله تعالى في الإرادة والتقدير. فقد ظن أن الإنسان بمقدوره أن يطلع على أسرار القدر فقال:" وحين تطلع النفس على سر القدر، وتستيقن أن الله خير محض، تسكن إليه، وترضى به، وتستسلم وتنقاد. فتتحرر عندئذ من الخوف، وتحقق السلام مع نفسها، ومع الأحياء والأشياء. وتنقِّي خاطرها من الشر، وتعصم لسانها من الهجر، وتقبض يدها عن الفتك. ثم هي لا تلبث أن تحرز وحدة ذاتها. فتصير خيرا محضا". فهذا هو المقام المثالي للإنسان الكامل المهيأ للالتحام بالله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وقد أضاف الدجال فقال:"ههنا يسجد القلب، وإلى الأبد، بوصيد أول منازل العبودية ". وإذا بلغ المرء هذه المرتبة:" فيومئذ لا يكون العبد مسيرا، وإنما هو مخير". والسبب في ذلك هو:" أن التسيير قد بلغ به منازل التشريف، فأسلمه إلى حرية الاختيار". فهو قد أطاع الله حتى أطاعه الله، معاوضة لفعله. فيكون حيا حياة الله. وعالما علم الله. ومريدا إرادة الله. وقادرا قدرة الله، ويكون الله". ولم يكتف الدجال بتقرير هذه المعاني الفاسدة وحسب. وإنما شفعها بمعنيين أشد فسادا. أولهما أن الله تعالى يتطور، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ونستسمح السادة القراء لكي نعيد نشر بقية قول الدجال، لأن واحدا من جهابذة الجهل بين تلاميذه، هو (البروفيسور) أحد مصطفى الحسين، ما فتئ يتهمنا زورا بأنا نقتطع من كلام شيخه ما يكمل شرح المعنى الذي يريده. ولكنا نجد الدجال في بقية قوله هذا يؤكد ما هو أدهى من طوام عقيدته. حيث أفاض في الحديث عما دعاه بتطور الذات الإلهية فقال:" وليس لله تعالى صورة فيكونها، ولا نهاية فيبلغها، وإنما يصبح حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين، وذلك بتجديد حياة شعوره وحياة فكره، في كل لحظة. تخلقا بقوله تعالى عن نفسه (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ). وإلى ذلك تهدف العبادة، وقد أوجزها المعصوم في وصيته حين قال:" تخلقوا بأخلاق الله، إن ربي على سراط مستقيم". وقد قال تعالى:(وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ". وقد سبق أن نبهنا إلى تفسيره المنحرف للآيتين اللتين استشهد بهما الدجال في النص السابق. كما نبهنا إلى الحديث الذي استشهد به لا أصل له. ولننتقل الآن لنرى المعنى الثاني الذي رتبه الدجال في حق من دعاه بالإنسان الكامل الملتحم بالله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. لقد ظن محمود محمد أن هذا هو وحده الإنسان المخيَّر! ولهذا قال:" وفي حق هؤلاء قال تعالى:(لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) الزمر:34. وفسر الدجال الجزء الأول من الآية، وهو عبارة:(لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ) بأنه يعني أنهم أصبحوا مخيَّرين! وذلك مع أن الآية تتحدث عما يحدث في يوم القيامة لا ما يحدث في هذه الحياة الدنيا! وقد قال شيخ المفسرين الإمام الطبري في شرح هذه الآية الشريفة:" وقوله: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) يقول تعالى ذكره: لهم عند ربهم يوم القيامة ما تشتهيه أنفسهم وتلذّه أعينهم (ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ) يقول تعالى ذكره: هذا الذي لهم عند ربهم جزاء من أحسن في الدنيا فأطاع الله فيها وائتمر لأمره وانتهى عما نهاه فيها عنه": (محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق محمود محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، ج/ 21، ص 290) ولم يختلف سائر المفسرين عما قال شيخهم العظيم. لأن ما قاله هو بحق ما أفاده السياق الكامل للآيات. ولم يشأ الدجال أن يورده كاملا حتى يحلو له أن يفسره كما أراد. وسياق الآيات الكامل هو:(ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) الزمر: الزمر:1-34. وبهذا يتضح أن القرآن الكريم كان يتحدث عن مصائر الناس في الآخرة لا في الدنيا. وبالاطلاع على سياق الآيات كاملا يتضح لنا خطل التفسير الانتقائي المقتطع الذي جاء به إمام الضلال الجمهوري المبين. ويتضح لنا ضعفه الأخلاقي. وتتبين قلة أمانته العلمية. حيث أباح لنفسه أن يخرج النص القرآني من سياقه الصحيح. من أجل أن يفسره على هواه على هذا النهج المعتل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمد وقيع الله
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست