قولهم:"الصّفْقة دِنْقيرْ" كأنه حِكمة، أو مثل شعبي، يتداوله سكّان الوسط النيلي ، للتدليل على الأشياء المتناقضة، وهو قول مأثور، يحمل ظلالاً وإيحاءات، لسنا بقادرين عليها في مثل هذا البرد الرّهيف، كما أنّه من المستحيل علينا، مجاراة "ناس قفا البحر"، في " المنطِقْ" و المُكاتلة بالكلام..هذا المصطلح ــ الصّفقة دِنْقيرْ ــ من الصّعب ضبطه، لأن معناه يُستفرع من مُقتضى الحال..إنّها العبارة الواقفة عند مفترق الطرق، تماماً مثل تلك الصخور التي اعترضت النيل وضللّته عن التيه في العتامير، فدلف غرباً وجنوباً نحو صحراء بيوضة، ليستسلم أخيراً إلى قدره النهائي ماضياً نحو الشمال، محفوفاً بالرمال..!
الصّفقة دِنْقيرْ، تعني الشيئ ونقيضه..!
حين يُقال، أن فُلاناً "ساوّي الصّفْقة دِنْقيرْ"، فذاك قول يحمل تقريظاً، لمن ينغمس بكليّاته في الفِعل ــ التصفيق ــ لا يلوي على شيئ..سواء أكان ذاك الفعل خطأً أو صواباً، سلباً أو إيجابا..!
الراجح، أن مصطلح "الصّفْقة دِنْقيرْ" ليس ترنيمة بريئة، ولا هي بيعٌ بما يرضي الله ورسوله..! فالمسألة ــ أبداً أبداً ــ ليست في بساطة حركات الكورَسْ المُصاحب لعببد القيّوم الشريف أو صدّيق أحمد، أو عيسى برّوي..! وقطعاً ليس من المعاني القريبة، أن يكون المقصود بـ " الدِّنقيرْ"، ذاك الحياء الذي افتقدناه زماناً، في بلادٍ جاء ترتيبها الرابع في ذيل مؤشر الشفافية، الخاص بالدول الأكثر فساداً في العالم..!
وعلى ذِكر الكورسْ والصفّاقين، يُحكى أنّ فردة كورَسْ ــ صفّاق ــ من الزّمن الجميل، كان يجتهد في الصفيق..يجتهد حتى يتصبب عرقاً..الجّماعة "الجمجارين" بتعطيش الجيم، قالو ليهو:" آآ زول، فوق كم مارِق روحك..الشيء دا غُنا ساكِت يشيلو الهوا"..! زولك في حالتو ديك،، يصفِّق وعرقو كابّي، ردّعليهم قائلاً:"هووي يا عوينْ ،أختوني غادي غادي..الزول لمّا يمسك ليهو شُغُلْ، أحسن ينجِّضو"..! مثل هذا "الهميم" لا يعنيه مصطلحنا هذا في شيئ ، كما لا تسري مفهومية الصّفقة، على الحسناء وحياءها التاريخي،عندما كانت تمشي "مُدنقِرة"، وكأنها تبحث عن شيئ مفقود..!
"الصّفْقة دِنْقيرْ" قد تعني الحياء..جايز برضو،، وقد يكون معناها ، أن فُلاناً "مُندرِش" أو "واقِع بي تُقْلُو" في الموضوع دون أن يفهم فيه صرفاً ولا عدلاً..كما قد يفيد المصطلح معنى الطأطأة ،أو "الإنحناء للعاصفة"، بمثل ما قد يفيد، إضمار المُكايدة.. و قد يعني أيضاً، الجُرأة و اللّامبالاة و الانغماس الطروب ،دون وازع من وقار، ودون وجل من حسيب أو رقيب..!
عندما يقال أن فلاناً "عامل الصّفْقة دِنْقير"، فقد يكون المقصود بذلك أنه "غتيت"، أو أنه أديب أريب..! كلّو جايز..! لكن المقاربة الأكثر وضوحاً هي أن وضعيّة " الصّفْقة دِنْقيرْ"، تتماهي مع الزّول الـ "جِلدو حلو"..زول الباردة، وسيد الجّاهزة،، الذي لا يساكِك أنبوبة غاز، و لا يقيف في صف العيش، ولم يجرِّب "دقّ العيش"، ولايقدر على شيئ مما تكسبه العامة..هذا نصّ يتماشى مع من لم "يبوِّغ" للصيفي، ولم يقرع الموية في الشتاء، ولا يعرف خدمة الطّين،، وكل ما يلقى ليهو كوم حريم،"ينزِلْ مُعرِّجْ"..!
و مع ذلك يأتيه رزقه رغدا..!
وهذا غيض من فيض السياسات..هذا ما برعت فيه بعض الشخصيات،دون تخصيص،أو خوض في التفاصيل..!
باختصار،هذا مصطلح يحمل الشيئ ونقيضه..كأن يقتل ملازم قائد حاميته، أو تنسى الحكومة حديقة الدندر ومشروع الجزيرة ومصيف أركويت، وتتجّه مباشرة نحو افتتاح مهرجان للسياحة في شندي، أو في صحراء البركل..!!
بيد أن، ما يتطابق تماماً مع "الصّفْقة دِنْقيرْ "،هو حال برلماننا "المُنتخب"،الذي قيل أنه تلقى نبأ زيادة أسعار الغاز عن طريق التلفون، وقيل كذلك ، أن عضويته شكّلت لجنة برلمانية ، برئاسة بدرية ، لدراسة قرار زيادة الأسعار..!
شُفتو "الصّفْقة"كيف، و"الدِّنقيرْ"كيف، والحالة كيف كيف..!؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة