|
"الحوار الوطني" جهد فارغ، وأحابيل إسلاميين بقلم صلاح شعيب
|
02:43 PM Aug, 21 2015 سودانيز اون لاين صلاح شعيب -واشنطن-الولايات المتحدة مكتبتى فى سودانيزاونلاين
ما يزال المؤتمر الوطني يتخذ من عدم الجدية سبيلا للغش السياسي رغم التحديات المحيطة بالبلاد. إنه يستخدم نفس التكتيكات السياسية التي قادت إلى هذا التدهور المريع في حال المواطنين، والوطن، والحكومة نفسها. بدأت هذه التكتيكات الماكرة بمؤتمر الحوار الوطني الأول الذي انعقد قبل ربع قرن في ذات المكان الذي يشهد اليوم أكبر كذبة للالتفاف على الواقع حفاظا على السلطة الاستبدادية. في ذلك المؤتمر الأول كذب القادة الإسلاميون على الشخصيات التي قيل إنها تمثل قطاعات البلد، وتمت دعوتهم للخروج بروشتة لمعالجة القضايا التاريخية التي ورثها النظام الجديد. ولكن الحقيقة أن ذلك المؤتمر لم يكن سوى أنه غطاء، أو قناع لوجوه قادة الحكم الإسلاموي الذين ضنوا في كشف شخصياتهم، وأصولهم الفكرية. إذ كان المؤتمر قد انعقد كخطة متزامنة مع استراتيجية "السجن والقصر" لتغبيش الرؤية إزاء طبيعة ما يستبطنه النظام الجديد من نهج سياسي. فالذي اتضح لاحقا أن توصيات ذلك المؤتمر ذهبت أدراج الرياح، أو ربما ضحك الترابي عليها بليل ثم مزقها، ومن ثم وضع استراتيجية الحركة الإسلامية المتكاملة لإدارة شؤون البلاد. والنتيجة ماثلة بجلاء. والحقيقة أنه ما مر عامان بعد انعقاد "مؤتمر الحوار الوطني" إلا وشهدت البلاد منذ تلك الفترة تطبيقا للمشروع الإسلاموي في مجالات السياسة، والتربية، والتعليم، والاقتصاد، والتجارة، والإعلام، والفن، وضبط حركة الناس في تعاملاتهم الاجتماعية. بدت التطبيقات في هذه المجالات انتقامية أكثر منها تطبيقات لرؤى رحيمة من الدين الإسلامي الحنيف. فعلى مستوى السياسة طبق الإسلاميون تضييقا مرا على الأحزاب، والصحافيين، والمثقفين، حتى ارتحلوا زرافات ووحدانا من البلاد. وعلى مستوى الاقتصاد أجهز الإسلاميون على موارد البلاد واستغلوها لمنافع ذاتية. وهرولوا لمواقع منشآت الدولة الاقتصادية التي تعاملوا معها كغنيمة حرب. ومن ثم تم التمكين المتناهي لكل كوادر الحركة الإسلامية في أي مجال استطاعوا أن يحيطوا به إحاطة المعصم بالسوار. وعلى مستوى الدين فقد فارقوا كل القيم التي أتى بها الكتاب، ونهج السنة، لينكلوا بالمعارضين في بيوت الأشباح، ويقذفوا بهم خارج مواقع عملهم في الخدمة المدنية. وعلى مستوى الفن طبقوا سياسة نتنة لتخريبه لا تطويره. وانتهت سياستهم في مجالات الإبداع إلى جلد الفنانين، وتعطيل كل عامل مساعد للازدهار الثقافي. وفي مجال التجارة سيطروا على مناحيها الداخلية ثم احتكروا التصدير والاستيراد عبر شركات كبرى أمتلكها إسلاميون أبناء فقراء. وبالنسبة للعطاءات الحكومية فصارت تتم في دوائر كوادرهم التي اغتنت بالمال الحرام، ولم يتوفر مجال لأحد من المستثمرين السودانيين لمنافستهم. والحال هكذا انتهت تلك السياسة التجارية، والاقتصادية، إلى تكوين إسلاميي الدولة شركات طفيلية تمتص دماء الشعب. ولما سيطروا على كل هذه المناحي انتهوا إلى فساد عام يطوق كل مجال عام وخاص في البلاد. ولعله الفساد الذي قاد إلى الفشل في توفير أبسط متطلبات الحياة من طعام، وماء، وكهرباء، وأمن، إلخ. والآن بعد أن ضمن المؤتمر الوطني الانفراد بالانتخابات المزورة يتفضل للناس بإقامة مؤتمر مخادع، هدفه الأساس لا إنقاذ واقع البلاد وإنما إنقاذ السلطة من فشلها، واستيعاب المعارضين فيها. والسؤال هو كيف تكون لمثل هذا المؤتمر، حتى لو خلصنا إلى صدقه، فائدة في ظل عدم وجود حرية في أجهزة الإعلام للتدوال بشأن أوراقه، وكذلك في ظل محاصرة الأحزاب المعارضة، وجلد كوادرها، وكذلك في ظل غياب المؤثرين في الوسط السياسي من شخصيات وطنية، حزبية أو مستقلة، ومعتقلين سياسيين، بعضهم معرض للحكم بالإعدام.؟ لقد بح صوت القوى السياسية ـ الحريصة على الحل السلمي الجاد ـ لطول أمد المناداة بتهيئة البيئة لحوار كهذا منذ اليوم الذي شهدنا فيها أحابيل خطاب الوثبة، والذي لم يفهم معظم الناس فحواه نسبة للغة الغامضة التي صيغ بها. ولكن الحقيقة أن خطاب الوثبة كان مفهوما فقط لإسلاميي الحكم والمعارضة. فهو في الأصل "محاولة تقية" للالتفاف على فشل أسلمة البلاد، وقصد به أن يكون تخديرا ساري المفعول حتى موعد الانتخابات. وللأسف فقد نجح المؤتمر الوطني في توظيف أحزاب، وقيادات وطنية، لها تجربة سياسية طويلة، لتدشين أكذوبة الحوار الوطني مثلما شاهدنا صور الحاضرين في ذلك المؤتمر الذي شارك فيه الواعي وغير الواعي بفحوى وثبة السلطان المخادعة. وما يدل على أن الوثبة كانت استثمارا في الغش أن المؤتمر الوطني شرع بعد انقضاء جلسة الخطاب المتوثب في تطبيق سياسة أمنية شرسة تجاه الأحزاب، والناشطين، وطلاب الجامعات. فقد أُعتقل زعيم حزب الأمة القومي، الصادق المهدي، ورئيس هيئة الإجماع الوطني فاروق أبو عيسى، والدكتور أمين مكي مدني، وفرح عقار، وإبراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر الوطني. وكانت هناك غيرها من الاعتقالات التي طالت عددا من أقطاب المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني، والشخصيات المستقلة. وعلى مستوى الساحة الطلابية شرع جهاز الأمن، مدعوما بطلاب المؤتمر الوطني، بالتضييق على الطلاب في بيئة الجامعات والمعاهد العليا مخافة من انطلاق شرارة الثورة. وكذلك أطلقت الحكومة حملة لتنفيذ حملات عسكرية نفذتها قوات الجنجويد بقيادة حميدتي ضد الحركات المسلحة التي دعيت للحوار بضمانات لم تكن واضحة، وصادقة، وعملية. ولم تقف سياسة الحرب ضد كل المكونات السودانية المعارضة، فأجهزة الأمن قادت أكبر حملة ضد الصحافة والصحافيين، وقامت بإغلاق عدد من الصحف لفترة من الوقت، وإيقاف توزيعها بعد طباعتها. وقد تم في يوم واحد إيقاف توزيع أكثر من أربعة عشر صحيفة بعد طباعتها، فيما تواصل مسلسل إهانة الصحافيين، والصحافيات، عبر الاستدعاء اليومي لمكاتب الأمن دون توجيه تهم واضحة إليهم. والأكثر من ذلك ابتدع جهاز الأمن ظاهرة ابتزاز ناشطي السياسة والمجتمع المدني، وذلك عبر مؤتمرات صحفية وهمية ليعلن من خلالها اعتذارات مصنوعة لهم بهدف التشكيك في مصداقيتهم. باختصار قرر المؤتمر الوطني أن لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص، والقمع، والاعتقال، والقتل. وبالتالي تحولت وثبة الحوار إلى وثبة بالحراب، والسيخ، ضد كل من تسول له نفسه تقديم وجهات نظر متمايزة للخروج بالبلاد من مأساتها التي تكاد تورد المواطنين المطحونين بالغلاء موارد التهلكة. إن مواطني السودان عانوا كثيرا من فساد ذمم النخبة الإسلاموية الحاكمة التي لم تراع للظروف الحرجة التي أدخلوا فيها البلاد، والتي تتطلب صدقا ملموسا للخروج من نفقات الأزمات الكثيرة المتناسلة يوما إثر يوم. فالحوار الحقيقي التي تتوفر شروطه هو رغبة كل سوداني حادب على معالجة هذه الأزمات إن كان يقلل من مآسي الحرب التي أثرت على كل مواطن. وإذا كان من الممكن للحوار أن يقلل من هذا الرهق في استقرار البلاد فهو أنجع وسيلة لإيقاف إهدار الموارد في قتال السودانيين بعضهم بعضا. ولكن هذا النوع من أنظمة الاستبداد غير قادر على تهيئة المناخ الصالح لتداول شرفاء البلاد بفكرهم، وصواب ورجاحة عقلهم السياسي حول ما ينبغي أن يستتبع حالة الدمار الوطني. فالمشكلة الأساسية التي تستبعد وجود حوار حقيقي يتطلع له المواطنون والمعارضون على حد سواء هو اعتماد نظام الحكم على الخديعة السياسية التي توفر له الزمن للاستمرار في السلطة، مع العمل على ضرب القوى المعارضة السلمية والمسلحة ببعضها بعضا. وهذه الاستراتيجية قد جربها النظام وحققت له كل هذا التحكم السياسي الفاشل على المشهد الوطني لمدى ربع قرن. فضلا عن ذلك فإن إسلاميي الحكم أدركوا نقاط ضعف النخبة التي لا تنتمي إليهم، والذين دائما ما يهرولون لمثل هذه المؤتمرات حتى يجنوا ثمار الاستيعاب داخل السلطة. وإذا كان شخص في مستوى تعليم الدكتور كمال شداد قد رهن كل وعيه للاقتراب من السلطة لتحقيق تطلعاته الشخصية في مقابل تزيين صورة الباطل، فكيف يدرك مكر النظام أولئك الذين لم يَدرسوا الفسلفة ويُدرسوها أيضا، ويشرفوا على رسائل الدكتوراة في الفلسفة كما يفعل رئيس قسم الفلسلفة بجامعة الخرطوم؟. وللأسف جاء إلى الحلبة الصورية الدكتور يوسف فضل كلاعب جديد في لعبة المؤتمر الوطني ليشهد على زور الحوار، وللأسف هو المؤرخ الذي لم يسعفه علمه في رصد تواريخ الخداع الإسلاموي السوداني؟ ألم أقل لكم أن ما ضر السودان فئة أكثر من نخبتها المثقفة.!. إن المؤتمر الوطني استمرأ سياسة تقديم من يسميهم شخصيات وطنية في الواجهة على أن يدير العمل من خلف الكواليس أولئك الإسلاميين الذين يصيغون البيانات الختامية وهم الذين يمكن أن يطبقوها أو لا يطبقوها. وبالتالي وجد نظام الحكم ضالته في هذه النخبة الجاهزة للقيام بدور الشخصية المستقلة حتى تكتمل حلقات الخداع الماكر، والسخيف، والنتن. وبهذه الطريقة كانت كل مؤتمرات المؤتمر الوطني محاولة لتزييف معنى الحوار، وإفراغه من مضامينه، على أن ينتهي بانتهاء مراسم الختام ثم تعود السياسة الأمنية لتسيطر على واقع البلاد. وبهذه الطريقة تظل المشاكل الموروثة بلا حل، وتتصاعد في معطياتها السالبة على حياة المواطنين. بل ستزداد حدة الاستقطاب السياسي والحربي في البلاد بينما تظل النخبة الإسلامية مستمتعة بحياتها ومستقيلة من واجاباتها في تحقيق السلام، والاستقرار، والأمن. إن للحوار الحقيقي شروط معلومة، ومقتضيات أساسية، وبيئة مغايرة لما هو حادث في البلاد. ولذلك يجب احترام عقلية المواطنين ونخبتهم الصادقة بدلا من أن يصبح الحوار الوطني وسيلة لخداع الواعيين وغير الواعيين بتفكير السلطة الحاكمة. ونعتقد أن حوارا لا يضم قوى الإجماع الوطني، وحملة السلاح، وناشطي منظمات المجتمع الوطني، والشخصيات المستقلة في الداخل والخارج، لن يفضي إلا إلى مضيعة الوقت في هذا الوضع العصيب الذي يحاصر كل السودانيين. ونخشى أن يكون هدف هذا الحوار الكاذب هو توظيف بعض القوى السياسية عبر المداولات الصورية..بينما ينتهي الأمر إلى توحيد جهود الحزبيين الإسلاميين لمزيد من الاستئثار بالسلطة.
أحدث المقالات
- ونسة قضاة مفصولين فى الوتساب بقلم محمد الحسن محمد عثمان 08-20-15, 07:35 PM, محمد الحسن محمد عثمان
- السودان و سنوات التيه ... شطحات نميري بقلم شوقي بدرى 08-20-15, 07:19 PM, شوقي بدرى
- مجتمع مستهلك و مستهلك بقلم عمر عثمان 08-20-15, 05:40 PM, عمر عثمان-Omer Gibreal
- واقـع الخادمة السودانية في بلاد العرب والعجم بقلم مصعب المشرّف 08-20-15, 04:58 PM, مصعب المشـرّف
- القادة الأفارقة والأفيال البيضاء بقلم محمود محمد ياسين 08-20-15, 04:56 PM, محمود محمد ياسين
- عُمر شريف ونورُ الشريف من السينما يا الأشراف.! بقلم * أحمد إبراهيم (كاتب إماراتي) 08-20-15, 04:49 PM, أحمد إبراهيم
- جهاز تعذيب المغتربين بقلم كمال الهدِي 08-20-15, 02:24 PM, كمال الهدي
- في الغرْب مَنْ يدعُو لسُوداننا الواحد، أرْضاً وشعْباً (3) بقلم محجوب التجاني 08-20-15, 02:21 PM, محجوب التجاني
- 26 (عاما ومازال الفشل مستمر (2 بقلم عمر الشريف 08-20-15, 02:20 PM, عمر الشريف
- الإستثمارات القطرية أين؟ بقلم نور الدين محمد عثمان نور الدين 08-20-15, 02:18 PM, نور الدين محمد عثمان نور الدين
- المحاولات الفاشلة (لأدلجة) معاوية محمد نور و(تجييره) حزبيا! (4 من 11) بقلم محمد وقيع الله 08-20-15, 02:16 PM, محمد وقيع الله
- إنهم يعادون إرادة الشعب العراقي بقلم يحيى حميد صابر 08-20-15, 02:14 PM, مقالات سودانيزاونلاين
- حرائر بلادنا خدم ، قاتلهم الله!! بقلم حيدر احمد خيرالله 08-20-15, 01:49 PM, حيدر احمد خيرالله
- هل كانت لأوباما خطة لحسم الملف السوداني ؟ بقلم بابكر فيصل بابكر 08-20-15, 01:48 PM, بابكر فيصل بابكر
- المطرب والكاتب !! بقلم صلاح الدين عووضة 08-20-15, 01:46 PM, صلاح الدين عووضة
- آخر عجائب حزب الميرغني ! بقلم الطيب مصطفى 08-20-15, 01:44 PM, الطيب مصطفى
- قوالب جاهزة ..!! بقلم الطاهر ساتي 08-20-15, 01:42 PM, الطاهر ساتي
- السودان: مأزق السيناريوهات الصعبة بقلم أحمد حسين آدم 08-20-15, 06:18 AM, أحمد حسين آدم
- على ماذا تعتمد (داعش) في حروبها ضد المسلمين!؟ (3( بقلم خالد الحاج عبد المحمود 08-20-15, 06:16 AM, خالد الحاج عبدالمحمود
- إحدى عشرة رسالة لوالي الخرطوم .. (3) مطار الخرطوم يا والي الخرطوم .. بقلم توفيق عبد الرحيم منصور 08-20-15, 02:33 AM, توفيق عبد الرحيم منصور
- الكُتابُ بين الضميرِ والعصا والجزرة بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي 08-20-15, 01:04 AM, مصطفى يوسف اللداوي
- إلي متي سوء اللفظ؟ هل من لجام؟ بقلم عميد معاش طبيب سيد عبد القادر قنات 08-19-15, 10:49 PM, سيد عبد القادر قنات
- )قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ...) بقلم نورالدين مدني 08-19-15, 10:47 PM, نور الدين مدني
- الصنم الذى هوى (2) بقلم نورين مناوى برشم 08-19-15, 10:43 PM, نورين مناوى برشم
- براءة المتهمات (الشايقيات)! بقلم عثمان ميرغني 08-19-15, 10:42 PM, عثمان ميرغني
- رسالة للحاكم ابا الهول ببلاد خرس ستان طرش ستان عمى ستان بقلم جاك عطالله 08-19-15, 10:38 PM, جاك عطالله
- محمد علان للمقاومة عنوان بقلم د. فايز أبو شمالة 08-19-15, 10:36 PM, فايز أبو شمالة
|
|
|
|
|
|