|
نحو حساسية (1976): مبدعون في "بلاط" الطبقة العاملة بقلم عبد الله علي إبراهيم
|
03:10 PM Jun, 25 2015 سودانيز اون لاين عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA مكتبتى فى سودانيزاونلاين
أنشر حسب وعدي وثيقة "نحو حساسية شيوعية تجاه الإبداع والمبدعين" (أبريل 1976) وهي تخطو نحو ميلادها الأربعين. وكنت كتبتها خلال توليتي قيادة العمل الثقافي متفرغاً بالحزب الشيوعي ما بين 1970 و1978. وهي وثيقة في التربية سعت لينمي الشيوعيون ذوقاً أرقى للإبداع ومحبة حقة للمبدعين لم تتوافر لوقتها ولوقتنا كما رأينا في مقالات سلفت. فقد كانت منطقة المبدعين في الدولة الاشتراكية عند السوفيات وغيرهم مجلبة عار لنا لتجهمها بوجه الإبداع حتى تلجمه أو تلعنه. وكان نظام نميري من الجهة الأخرى اقترب من بعض مبدعينا إما كموظفين بالدولة أو بغيرها وعقد معهم معاملات استفزت الشيوعيين. فلم يجدوا سماحة في أنفسهم لفهم واقع الردة البهيم الذي وثق عرى الدولة بمنابر الإبداع كما لم تفعل النظم التي سبقته. فعقد المهرجانات وعيّن أنواط التكريم، وأمم الصحف وغيرها. ولم يكن مستغرباً أن نرى في هذه الحقول الجديدة للإبداع والدولة ما لا نرضاه من خيار مبدعينا ولكنه مما يجب أن نصبر عليه ثقة في المستقبل. التربية نادرة في الحركات السودانية الحديثة مثل الشيوعيين والأخوان المسلمين. ففي كليهما انتصر التيار السياسي (عبد الخالق والترابي) على التيار التربوي (جعفر شيخ إدريس وعوض عبد الرازق). والتيار الأول يقول لنخرج للسياسة بما لدينا من معرفة ونستدرك التربية والاطلاع لاحقاً. بينما يقول التربويون بوجوب العكوف عند التربية زمناً قبل أن ندخل ساحة السياسة. ومن أسف أن التيار السياسي لم ينجح في استدراك التربية أبداً وعاش على العموميات السياسية وضل ضلالاً كبيراً عن غاياته وأنتهى إلى صفوية تنازع دست الحكم بغير بصيرة. وحاول عبد الخالق ذلك الاستدراك مراراً بعرضه لمفهوم "المثقف العضوي" ولكن كان الحزب في أودية اخرى انقلابية وغير انقلابية مؤرقاً بثأر أكتوبر. ولا أعرف من نعى "عدم التربية" في حركته بعد المفاصلة في 1999 مثل الدكتور الترابي في تسجيل رائج على اليوتيوب. ولكن كانت حركة الجمهوريين خلاف ذلك. بدأت بالسياسة المباشرة ثم ركنت للتربية بصورة كلية بما في ذلك الأناشيد العرفانية الروحية. وبالطبع كان لإهمال السياسة دخل في محنتها بشكل أو آخر. و"نحو حساسية" تحذو حذو "إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير" (1963) الوثيقة التربوية النادرة بقلم أستاذنا عبد الخالق. فهي فصدت إلى خلع النعال الضيق للشيوعيين من أصول البرجوازية الصغيرة ليتأدبوا بأدب الطبقة العاملة "التقيلة". وهي طبقة تدأب نحو غايتها بسرعة خاصة وبعزائم غير منظورة تضيق بها البرجوازية الصغيرة فتجن، وتذهل، وتغامر، فتخيب. قلنا في الجزء الأول من الوثيقة إننا ندخل على جبهة الإبداع الذي ينفض عنه غبار الردة (نظام نميري بعد 1971) بطرق ثلاثة.أولهما إننا حزب بلا نظرية إبداعية رسمية سواء أكانت واقعية اشتراكية أو غيرها. الباب الثاني هو أننا لا نملك نظرية نقدية ولا ناقداً رسمياً ولا نحتاج إلى كليهما. والباب الثالث أن ندخل بثقل الطبقة العاملة في عوالم الإبداع. ونبهت الوثيقة إلى العناية المثلي بالمبدع سوسيولجياً كابن للطبقة البرجوازية الصغيرة المتعلمة المدينية وليس كمبدعي الثلاثينات الشعبيين أو الأفندية من كان فضاء السودان مفتوحاُ لهم بالنقليات من أقصى البلاد لأقصاها. وأعدنا القول حول مطالب معينة في حرية الصحافة وغيرها لتحسين بيئة الإبداع لهم. ونورد في هذه الحلقة الخاتمة جملة مطالب أخرى لتوفير بيئة صالحة لإزدهار الإبداع والمبدعين. ونعلق في هذا الجزء زمام النهضة بالبعث الوطني الديمقراطي بقيادة الطبقة العاملة بعد أن رأينا الطبقات الحاكمة وصفوتها تتردي في حضيض الإثرة وحب الذات. ولذا فكل شيء سيعتمد على حساسية حزب الكادحين الشيوعي تجاه الإبداع والمبدعين. فإلى خاتمة الوثيقة: *التحوط أن لا تتحول النقدات التي توجه لبعض النتاج الفني (وفي الأغنية والعروض الإذاعية والسينمائية والتلفزيونية خاصة) عن حسن نية أو تزمت، إلى رصيد لعقلية الرقابة على الابداع باللجان ومسئولي الأجهزة كبديل مستوف للنقد والحوار الذي يربي الذوق، ويرهف الحساسية، ويسمو بالرأي العام، مع التنبيه إلى أن لجان الرقابة التي تقيمها دولة معادية للرأي غالباً ما تضم منتجي أعمال لا قيمة لها، ويضَّعِف شهادتهم قبولهم بالانحطاط العام مع زعم الطعن في ظلاله الصغيرة المستحيلة. *نكسب الدوائر المتذمرة على تردي الأداء في اللغة العربية في التعليم والحياة العامة إلى موقف جذري تجاه تعليم العربية في المدارس وما عداها. وأن نلفت للمنهج الخاطيء الذي يعالج تدهور الأداء في اللغات الأجنبية (الإنجليزية) بمعزل عن تدهور الأداء في العربية. فأفضل نظريات اللغة المعاصرة هي التي تقول بأن الملكة اللغوية واحدة، وفي تمرسها وإتقانها المبكر للغة الأم تتحدد استعداداتها المستقبلية للمهارة في اللغات الأجنبية. *نواصل الموقف المنسجم من لغات وثقافات الجماعات القومية-القبلية السودانية كما تجسد في إعلان 9 يونيو 1969، وتوضح في "حول البرنامج" (آخر كتابات أستاذنا عبد الخالق محجوب) لنطبع حساسية شعبنا وذوقه على التنوع الشيق. نرعى ما يتفتق عنه ممثلو تلك الجماعات (هيئة إحياء تراث النوبة) أو ما يتصل به أولئك الممثلون (المتاحف الإقليمية، المجمعات الثقافية إلخ) للحفاظ على تراث أهلهم وتطويره. *نساعد المبدعين والآخرين للاطلاع على التراث بتيسير نشره من خلال تحقيق وتقديم خلاقيين بما يتضمن استعادة أفضل التقاليد العلمية والأكاديمية والتربوية التي استنها المثقفون الليبراليون العرب العظام، وتخطي دش التراث الراهن الذي تقوم به جهات مذعورة من التقدم أو مستفيدة في مثل ما يثار حول طبع الأزهر ل"الجامع الكبير" للسيوطي" (24 جزءاً) والذي تضمن 100 ألف حديثاً نبوياً الثابت أن منها 90 ألف حديثاً مكذوباً. وهذه دعوة سيشارك فيها أفضل العلماء والباحثين. وتكسب أهميتها لأنه من باب الإبداع دخل التراث كممثل وحيد للاصالة. وقد تمدد التراث من الإبداع إلى بقية الجبهات حاملاً معه هذا الخطأ الأساسي ومضيفاً أخطاء أخرى. ولقد أفضى النظر المغلوط للتراث، ضمن عوامل أخرى، إلى تجفيف رؤى وبلاغة أميز شعراء التجديد في الخمسينات والستينات. *نمسك بالأسبقية المميزة لعملية محو الأمية الشاملة من موقع إنتقاداتنا لأداء سلطة الردة، والتي تراوغ في فشلها الآن بافتعال تناقض غير وارد بين دونية الأداء في محو الأمية وجماهيريته، مثلما اختلقت من قبل التناقض بين محو الأمية الوظيفي والتقليدي. نكسب أفضل المبدعين لمؤازرة أغلبية شعبنا الساحقة في اكتساب المعرفة المعاصرة. *نحرص على استدامة علاقات مبدعي السودان بالمنظمات القومية (اتحاد الأدباء العرب إلخ) والقارية والعالمية (اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا) التي ارتبطوا بها تقليدياً دون إغفال كافة الصلات التي يمكن أن تستجد وتفيد نضال مبدعي السودان من أجل الديمقراطية، وتوسيع مداركهم بالاحتكاك بالعالم. *ندعم المجهودات القائمة لتاسيس صندوق الزمالة والتضامن للمبدعين. استندت كل نهضة أدبية وفنية في الغالب على رهافة وسخاء طبقة اجتماعية. وفي بلدنا، وعالمنا المتخلف، حيث تتساقط الطبقات والفئات الاجتماعية الحاكمة تباعاً في ضيق الأفق ومعاداة الاستنارة، ويتبلد حسها بالعادي والشره وفساد الذوق، يقع على الطبقة العاملة أن تكون "بلاط" هذا الإشراق الإبداعي، الذي يؤذن بالتفتح في بلدنا. وعلى حساسية حزب الطبقة العاملة الشيوعي وأدائه البارع السخي في هذه الجبهة يعتمد كل شيء تقريباً.
*من طريف ما سمعت عن وثيقة "نحو حساسية" كان من المرحوم محمد محجوب عثمان. قال إنه كان في براغ بتشيكلوفاكيا وقت صدورها محرراً في مجلة "قضايا السلم والاشتراكية". فعرضها على الكاتب الفلسطيني أميل حبيبي، صاحب رواية "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل"، الذي كان مندوب الحزب الشيوعي الفلسطيني أو الإسرائيلي بنفس المجلة. فقال له بعد قراءتها: "لا بأس من جرعة من الرومانسية".
أحدث المقالات
- اليوناميد وأعيان "كاس".. فصول رواية دامية لم تكتمل (3( بقلم د. أنور شمبال 06-25-15, 00:54 AM, أنور شمبال
- رحيل السحاب بقلم دكتور محي الدين عبد الله 06-25-15, 00:51 AM, محي الدين عبد الله
- يوم شكرك في عزاء استاذي د محمد عبد الرزاق بقلم دكتور عيسي حمودة 06-25-15, 00:40 AM, عيسي حمودة
- أمن المعلومات فى السودان ... ( دنقر شيل * ) بقلم ياسر قطيه 06-25-15, 00:36 AM, ياسر قطيه
- يوسف القعيد .. الشعب والثقافة بقلم أحمد الخميسي – كاتب مصري 06-25-15, 00:32 AM, أحمد الخميسي
- الحكومة بين الترهل والرشاقة والبرنامج بقلم عميد معاش طبيب سيد عبد القادر قنات 06-25-15, 00:08 AM, سيد عبد القادر قنات
- مشروعات ليست للبيع بقلم نورالدين مدني 06-25-15, 00:04 AM, نور الدين مدني
- السودان المهان بين دموع اليتامى و دموع التماسيح بقلم بدوي تاجو 06-25-15, 00:02 AM, بدوي تاجو
- لم يحدث عفواً..!! بقلم الطاهر ساتي 06-25-15, 00:00 AM, الطاهر ساتي
- ما حك جلدك إلا ظفرك، إزاحة الجنرال البشير ونظامه بأيدي أبناء الشعب السوداني لا بأيدي غيرهم 06-24-15, 11:59 PM, الصادق حمدين
|
|
|
|
|
|