|
في غضبة صلاح أحمد إبراهيم، في حِلْم عبدالخالق بقلم عبد الله علي إبراهيم
|
00:44 AM May, 28 2015 سودانيز اون لاين عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA مكتبتى فى سودانيزاونلاين
كنت بصدد نشر وثيقة: "نحو حساسية شيوعية تجاه الإبداع والمبدعين" التربوية التي كتبتها خلال توليّ قيادة العمل الثقافي بالحزب الشيوعي في أكثر السبعينات. ونشرها الحزب في 1976 بالرونيو. وكان الهدف من ورائها تهذيب طبع الشيوعيين الذين بدأوا في تكشير أنيابهم في وجه كتاب أساسيين أخذوا عليهم "هنة" سياسية أو أخرى في التعاطي مع نظام نميري الديكتاتوري. وألهمتني كلمة ماركس: "الشعراء بحاجة إلى إعزاز" لكي استنقذ هؤلاء المبدعين، رأس مال الوطن الرمزي، من شراسة الشيوعيين المعلومة. ولكن وجدت من زكى أن أنشر كلمة لاحقة ل"حساسية" في التسعينات عن تجربتي، كمحرر لصفحة الميدان الأدبية في 1965، في الإلحاح على الحزب أن يكف أذاه عن صلاح أحمد إبراهيم الذي نشر ديوانه "غضبة الهبباي" وفيه تعريض غير موفق مشهور بأستاذنا عبد الخالق محجوب. واضطرني هذا إلى مواجهة مع الحزب خرجت بفضلها وثيقة راشدة عن منهج الحزب حيال الكاتب. سأنشر أولاً قصة المواجهة ثم أنشر لاحقاً كلمة الحزب عن أدبنا مع الكاتب والمبدع. قلت أقص عليكم هنا واقعتي مع المرحومين أستاذنا عبدالخالق محجوب والشاعر صلاح أحمد إبراهيم. وهي واقعة اسْـتَمِتُ فيها دفاعاً عن حرية التعبير أصالة عن نفسي ونيابة عن صلاح . ونعوذ بالله من تزكية النفس وإن بدا أحياناً أنها شر لابد منه . وكان صلاح قد نشر ديوانه "غضبة الهبباي" عقب ثورة أكتوبر 1964 وهو الديوان الذي نكأ حفيظة الشيوعيين عليه . فلم يقبل الشيوعيون بالطبع أن يُشبه أستاذنا عبدالخالق – راشد – بـ "أنانسي" وهو من أحاديث خرافة أهل غانا عن وطواط ذكي ، ولبق ، ومخاتل ، ومتآمر، وانتهازي . ولم يسعد الشيوعيون أيضاً لوصفه للمرحوم عمر مصطفى المكي بـ "الانتهازية" التي قال أنها متمكنة منه تمكن شلوخه . وكانت شلوخ المرحوم عمر مطارق تؤطر بأناقة لوجهه الذي قل أن لا يكون منفعلاً . كان للشيوعيين بعد أكتوبر مهابة وصولة وسلطان. ولذا سرعان ما تجمعت سُحب الهجمة على صلاح بمقالة كتبها المرحوم عبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة ، رحمه الله وأحسن إليه وإلى ذريته بقدر شدوه للوطنية والعدل والحرية على منابر الجبهة المعادية للاستعمار وبقدر ذوقه في تعريب شكسبير . ومع ذلك كانت مقالته جافية لا موضوع لها غير التريقة وجر الشكل لا غير . وكان عنوانها " الهايكو السوداني" سخرية من مقاطع شعرية في الديوان رتبها صلاح على تفاصيل " الهايكو الياباني" الذي هو بحر من بحور الشعر الياباني أو هو جنس من أجناسه . ورأيت أن كلمة المرحوم الوسيلة كانت محض تحامل وأنها أثر من إحن خصومات مضت . ولم تكن تلك الخصومة هي شاغل جيلنا من شباب الستينات . وكان جيلنا يحب صلاحاً جداً فوق حاجز البغضاء المتبادلة الذي ترسب عن حالة فصله عن الحزب في 1958 أو نحوه وحملات جريدة "الميدان" ، و"جردات" بقادي التي فصلناها في حديث مضى عن قريب . أذكر أن صلاحاً كان يأتي من غانا ، التي درَّس فيها اللغة العربية في المعهد اليساري للدراسات الأفريقية الذي أنشأه الرئيس كوامي نكروما ، في العطلات فنغشى داره ، وندعوه إلى الحديث من على منبر جمعية الثقافة الوطنية : منبر الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم . وكان لا يتلعثم في قبول المجئ إلى الجامعة تلعثم آخرين ممن لم يرغبوا أن يُشاهدوا في وكر لمعارضة النظام الحاكم . وكان صلاح – "دقر يا عين" يشرفنا جداً نحن معشر اليساريين . إذا تحدث في الثقافة السودانية كان حديثه حديث العارف ذا النسب فيها من لدن جده المؤرخ محمد عبدالرحيم مؤلف نفثات اليراع . وإذا تحدث عن ثقافة العالم شفى العطاش منا يومذاك وله نسب فيها من لدن " قمة الأولمب" . وكانت أكثر سعادتنا به أنه يُخزي الأخوان المسلمين لأنه يجمع بين الأصالة والحداثة ، كما كان يقال ، بلباقة ، وقوة عارضة ، ونفاذ يفسد كل حجةٍ عن ريفية الأصالة التي كانت صورتها عند الأخوان على شاكلة "تموت تخليه" . وكان صلاح عُودنا الذي نعجمه نرمي به الخصم ، فنصيبه في مقتل . كان مثقفاً بمعنى جهادي : من ثَقَّفَ العود ، أي براه ، أي جعله سنيناً كالنصل . ولم نكن نستشعر حرجاً من هذا الود لصلاح . فمن جهة لم يكن من الشيوعيين من يسد مسده في حاجتنا له في محافل الجامعة ومعركة الثقافة فيها . ومن جهة أخرى كانت وثيقة "إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير"، التي خطها أستاذنا عبدالخالق محجوب في تلك الأيام ، قد "حللت" لنا مواددة أمثال صلاح وغيرهم ممن كان الشيوعيون في فقه اعتدالهم قد وصفوهم بـ "المُنْفَنِسين" أي الذين تراخت ظهورهم وأصلابهم من حمل المبادئ والرسالة (ويا أهل الحي هل سأقرأ هذه الوثيقة اللماحة مرة أخرى قبل الممات ؟ هل من فتىً يعيرني إياها فيكسب ثواباً. وقراتها لاحقاً الحمد لله) . كنت أشرف على صفحة "الميدان" الأدبية حين نشر المرحوم الوسيلة كلمته الهازئة وأحسبها إما نشرت في غير الصفحة أو بغير أذني لأنني لم أرها إلا وهي مطبوعة . ورأيت بسالفة صلاح علينا في رطش (رابطة الطلبة الشيوعيين) وجمعية الثقافة الوطنية ، ومهراً لإعجابي العظيم بديوانه "غضبة الهبباي" واحتراماً لذهني وإنسانيتي أن أكتب عن الديوان بما يرضي هذه الخاطرات والالتزامات جميعاً . وكتبت مقالة من ثلاث حلقات استسخفت فيها ، مع تفهمي للدوافع ، ثأرية صلاح الناشزة وجفاء عبارته بحق أستاذنا عبدالخالق والمرحوم عمر غير أني أعلنت الحب على صلاح بغير مواربة وعلناً ، وفي "الميدان" ، حباً لبطره السمح بالشعب ولخاطره السمح بفقراء الشعب وحباً لفيض سحره وفحولة لغته . ولم تعجب هذه "الهرطقة" أسرة تحرير الميدان فكفت عن النشر منذ الحلقة الثانية . وبقيت أسبوعاً ثم آخراً انتظر "الميدان" أن تعود إلى صوابها عن هذه الجردة ضد حرية التعبير ، ولم تفعل . فالتمست موعداً مع أستاذنا عبدالخالق ، واتخذت سبيلي إليه في الموعد في مكتبه بمركز الحزب المقابل لنادي العمال بالخرطوم . وحملت له شكاتي من الرفاق في "الميدان" . واستمع إليّ أستاذنا بسليقة عذبة وبمسئولية غيورة ولما فرغت قال لي إنه يُفرِّق بين صلاح الشيوعي السابق وصلاح الشاعر . فالذي صح باللائحة في فصله عن الحزب لا يصح في تقويم عطائه الأدبي. وصدق الرجل عندي . فقد سئل يوماً في الستينات أيَّ الأغاني أحب إلى نفسه فقال : "الطير المهاجر" . التي هي من كلمات صلاح أحمد إبراهيم وغناء محمد وردي وكانت لها شنة ورنة على أيامنا تلك وأحسبها ما تزال . وواصل أستاذنا الحديث قائلاً إن الفن عند الحزب صحصح وقفار ومهاجر مجهولة لا يصح أن نبدأ بزعم معرفتنا لسكناتها وحركاتها . وأفضل السبل عنده أن نفتح فيها باب الاجتهاد : فلا ناقد رسمياً حزبياً ولا خطة نقدية حزبية ولا مدرسة أدبية حزبية . ووعدني أن يعالج المسألة مع رفاقه ليرفع قلم الرقيب والحجر عن المقالات الملعونة . وصدق الرجل فقد نُشر المقال الثالث بتاريخ الجمعة الجامعة الموافق الخامس من نوفمبر 1965 وقد ذيلته حاشية من تحرير الميدان عن المنهج الذي حدثني عنه أستاذنا في اجتماعنا السابق . والذي يقرأ الحاشية سيعرف أنها من وحي وصياغة أستاذنا فأسلوبها هو أسلوب عبدالخالق الخالق الناطق . وسأنشرها في هذا الباب في أسبوعنا القادم . ذكر لي هذه الوقفة عند ثغر حرية التعبير أخي الشاعر المُجيد مصطفى سند في بابه "مراجعات أدبية" بجريدة السودان الحديث بكلمة حياني بها (16/1996) لدى زيارتي للسودان عام 1996 . وهي كلمة وريفة عذبة من سنخ ما قال فيه الدكتور عبدالله الطيب "الإنسان كثير بأخيه" . سألت الله لك العافية دائماً يا سند وأطربني مزاجك الشم الذي لم تعكره الحادثات كما عكرت أمزجة ولم تلوثه العارضات كما لوثت عقول . وقاك الشعر يارجل . لقد تباطأت في عرفان ودك كثيراً . وقال أهلنا : "شد واتباطأ يا خيراً آتا ياشراً فاتا". ودعوت الله ان يكون في تأخيري خيراً : جاء الخير وذهب الشر، وكان الشر زهوقا.
أحدث المقالات
- معاداة المقاومة الايرانية في العراق..لصالح من؟ بقلم منى سالم الجبوري 05-27-15, 10:00 AM, مقالات سودانيزاونلاين
- أول جرح في محنتك* (نص في عامية اهلي) بقلم الحاج خليفة جودة 05-27-15, 09:43 AM, الحاج خليفة جودة
- الاوامر تحكم المنع وليست الضروره ولا أي مسوغ بقلم صافي الياسري 05-27-15, 09:39 AM, صافي الياسري
- كيلو دقيق .. أحدث المبادرات بقلم كمال الهِدي 05-27-15, 09:38 AM, كمال الهدي
- هبط الدولار ؟ هبط الدولار ؟ وقصة (بدرالدين) محمود الكذاب ؟! بقلم د. حافظ قاسم 05-27-15, 09:36 AM, حافظ قاسم
- الشعور بعمق المرارة حين ترى سودانير مقعدة!! بقلم أبوبكر يوسف إبراهيم 05-27-15, 09:31 AM, أبوبكر يوسف إبراهيم
- الممارسات الفاسدة.. وكفاءة واستقلالية المفوضية.. عرض: محمد علي خوجلي 05-27-15, 08:06 AM, محمد علي خوجلي
- أدركوا النيل الأبيض من كبوته!! بقلم أبوبكر يوسف إبراهيم 05-27-15, 08:04 AM, أبوبكر يوسف إبراهيم
- إصلاح النظام الصحي التشخيص والعلاج (1) بقلم عميد معاش طبيب سيد عبد القادر قنات 05-27-15, 08:03 AM, سيد عبد القادر قنات
- كل نكبة وانتو طيبين..!! بقلم توفيق الحاج 05-27-15, 08:01 AM, توفيق الحاج
- طوفان الحصانات الدستورية!! بقلم أبوبكر يوسف إبراهيم 05-27-15, 07:59 AM, أبوبكر يوسف إبراهيم
- حقا نحتاج لحفل تنصيب ! بقلم عمر الشريف 05-27-15, 07:41 AM, عمر الشريف
- الأنتخابات وأهدار المال العام بقلم بروفيسور/ محمد زين العابدين عثمان 05-27-15, 07:40 AM, محمد زين العابدين عثمان
- مركبات دولة مجهولة الهوية!! بقلم أبوبكر يوسف إبراهيم 05-27-15, 07:37 AM, أبوبكر يوسف إبراهيم
- دائِرة الجحِيمْ والرُعبْ والموت- القنابل تُرمى على رؤُس المدنيين والعالم المنافِق يصمُتْ صمتْ القبُو 05-27-15, 07:35 AM, حماد سند الكرتى
- من الذي أشار بتخصيص النقل النهري ؟!! بقلم أبوبكر يوسف إبراهيم 05-27-15, 07:33 AM, أبوبكر يوسف إبراهيم
- كيف تكتشف الفبركة فى نتائج الانتخابات ؟! بقلم د. زهير السراج * 05-27-15, 06:47 AM, زهير السراج
- الحنين لإراقة الدماء .. لماذا ؟!! بقلم نورالدين مدني 05-27-15, 06:40 AM, نور الدين مدني
- سمساعة ...وأزمة مشروع الجزيرة بقلم بروفيسور/ محمد زين العابدين عثمان 05-27-15, 06:39 AM, محمد زين العابدين عثمان
- رسالة مفتوحة لرئيس الجمهورية بقلم د. بخيت النقر البطحاني 05-27-15, 06:35 AM, بخيت النقر البطحاني
- رجال حول الترابي مراكز القوي داخل المؤتمر الشعبي..12/20 مدير مكتب الأمين العام(1) بقلم/ أبو بكر ا 05-27-15, 06:33 AM, أبوبكر الصدّيق
- الزمن الجميل بعد مرحلة القرية (2) بقلم عبد المنعم الحسن محمد 05-27-15, 02:13 AM, عبد المنعم الحسن محمد
- شعار نقود الأصلاح .... نستكمل النهضة بقلم بروفيسور/ محمد زين العابدين عثمان 05-27-15, 02:11 AM, محمد زين العابدين عثمان
- شارع الحوادث : انهم فتية آمنوا برسالتهم!! بقلم أبوبكر يوسف إبراهيم 05-27-15, 02:09 AM, أبوبكر يوسف إبراهيم
- ليت حيني كان قبل حينك بقلم هلال زاهر الساداتي 05-27-15, 02:07 AM, هلال زاهر الساداتى
- 400 مليار جنيه ليوم واحد.. شحدة.. و قلِع! بقلم عثمان محمد حسن 05-27-15, 02:05 AM, عثمان محمد حسن
- علماء السلطان وتخلف الاوطان بقلم صابر اركان 05-27-15, 01:36 AM, صابر اركان امريكانى ماميو
- لا تلمـس طـفـلي ! بقلم بدور عبد المنعم عبداللطيف 05-27-15, 01:33 AM, بدور عبدالمنعم عبداللطيف
- هجم النمر!! بقلم صلاح الدين عووضة 05-27-15, 01:27 AM, صلاح الدين عووضة
- الجنوب بين سلفاكير وباقان (2- بقلم الطيب مصطفى 05-27-15, 01:26 AM, الطيب مصطفى
- مجزرة أخرى ..!! بقلم الطاهر ساتي 05-27-15, 01:24 AM, الطاهر ساتي
|
|
|
|
|
|