|
مأزق العقل الحداثي (2) بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد
|
تباعد العلوم عن كل ما جاء به الدين جعلها تسير كالعمياء وخصوصاً علم النفس مما عمق من أزمة الإنسان الحديث. بعد ان اشبعت العلوم حاجة الإنسان المادية عبر الرخاء الإقتصادي القائم على التطور التكنلوجي حدث نوع من الإسترخاء النفسي الكاذب الذي سرعان ما ادرك حاجته لإشباع رغبات اخرى سمها بالروحية والتي تم إبعادها في زخم الإنتصار الحاسم للعلوم على الأطروحات الدينية التي قدمتها الكنيسة التاريخية. تلك الحالة جعلت الفردانية تستقر هناك وصارت القوانين والنظم القائمة عاجزة عن تقديم حل لمشاكل تلك المجتمعات بسبب التطرف في النزعة الفردانية والتطرف في النزعة العلمانية والمبالغة في حرية الفرد والإنسانوية. لقد صارت تلك المجتمعات تعاني من التفكك الاجتماعي وجرائم المجتمع بسبب هلامية القيم وسيطرة النظرة المادية المصلحية الإستهلاكية المتطرفة على تلك المجتمعات. من ناحية أخرى يشكل الدين عنصر اساسي في تشكيلة الوعي الانساني خصوصاً في المجتمعات الإسلامية. وقد تم بنيان ذلك الوعي على مر العصور والازمان، ولكن هذا الوعي الذي يكتنفه الدين صار مزعزعاً مضطرباً متنازعاً بين المعرفة العلمية النسبية والمعرفة الدينية التي تدعي بعض الإطلاقيات. صار وعي المؤمنين مضطرباً بسبب تغير الظروف وبسبب النور القوي القادم من العالم المتقدم المدرع بالعلم والمال والقوة والجمال. فكيف يتسنى لنا الجمع بين المطلق والنسبي لكي نجمع بين علم الغيب وعلم الشهادة؟ كل الأديان تنادي بالخير والمحبة والسلام ونكران الذات، فأين الخلل اذن؟ لا بد ان هناك خللاً ما في فهم معتنقي هذه الأديان نتج اثناء تطورها التاريخي، مما ادى إلى ضياع الهدف وضبابية الرؤيا التي صار يحجبها غبار كثيف من المصالح والسياسة والدفاع عن كل امر مستقر. وادى ذلك لبعض الانحرافات فى المناهج والمفاهيم، مما احوج الناس للتنوير والإصلاح الديني من جهة كما أدى من جهة أخرى لإبعاد الدين عن حياة الناس في الغرب واثر كل ذلك على مجمل اتجاه العالم اليوم. كيف يمكننا ان ننقذ هذا العالم من الاتجاه المظلم الذي يسير فيه؟ هل يجدي ترويع الآمنين وقتل الابرياء؟ كلا. هل تجدي قوة الدول وسطوتها في تغيير اتجاه العالم؟ كلا. لا بد لكل الطليعة العالمية في الفكر والسياسة والدين وفي كل العالم والتي تعمل لخير البشرية القائم على الحرية والديمقراطية والتسامح والتعايش السلمي من ان تجتمع إلى كلمة سواء، في منهاج عريض يقود هذا العالم إلى طريق الخلاص. وعلى الأخص لا بد للطليعة الدينية المثقفة الواعية المتسامحة التي تفهم الماضي وتقرأ الحاضر وترى المستقبل بالصورة الصحيحة، ان تقبل النقد والتجديد على اساس الحرية الكاملة في مناهجها ومفاهيمها من اجل ابراز اصول تلك الاديان التي تجمع ولا تفرق عبر إعادة قراءة النصوص المقدسة والتمييز بين ما هو مطلق وما هو نسبي. لا بد لهذه الطليعة في كل دين وملة ان ترتقي لمستوى العلم والفكر الذي يجمع بدلاً من التخندق في خنادق العقيدة التي تميز وتفرق. ان التمييز والتفريق والحدود كان لضرورة تاريخية ما عادت ضرورة في عالم اليوم. ان عالم اليوم محتاج إلى منظومة فكرية تستطيع أن تجمع بين مختلف الفكر الديني وان تجمع بين الفلسفة والدين والعلوم لتقديم حلول سياسية واقتصادية واجتماعية لمواجهة المشاكل المعقدة التي تجتاح العالم في هذا العصر والتغلب عليها. عالم زعماؤه كلهم غارقون في رؤاهم وتصوراتهم، ولا احد يريد ان يسمع او ان يرى ما يسمعه ويراه الآخرون او ان يغير موقفه او يقدم أي تنازل لمصلحة الكل.
|
|
|
|
|
|