|
التعديلات الدستورية، أو عسكرة الدولة..! بقلم يوسف الجلال
|
التعديلات الدستورية التي شرعنت لاحتكار المؤتمر الوطني للحياة السياسية بصورة مطلقة، لم تعجب المؤتمر الشعبي الحليف المرتقب لـ "الوطني"، وأغضبت زعيمه الترابي، وهو أحرص الناس على الاندغام في الحوار الوطني، فمن باب أولى أن تبث تلك التعديلات روح المناهضة في جسد المعارضة المحنّط، لكنها – للأسف – لم تفعل. فتعجب يا هداك الله..!
الواقع، أن لجنة تعديل الدستور وضعت صلاحيات مُطلقة في يد الرئيس.. والمعارضة صامتة. وجعلت القرار مركزياً، يخرج من قناة أحادية.. والمعارضة ساكنة. ومنحت الشرطة وجهاز الأمن الحق بإنشاء محاكم خاصة.. والمعارضة ساكتة. والأدهى من ذلك كله، فقد حوّلت التعديلات جهاز الأمن إلى قوة نظامية، له ما للقوات المسلحة وعليه ما عليها.. والمعارضة لم تُحرّك ساكناً، ولم تُسكِّن متحركاً. بصراحة، البلاد تحوّلت إلى دولة بوليسية، والمعارضة تراوح مكانها.. فتأمل يا صاح..!
يبدو أن المعارضة مُصابة بلوثة سياسية، جعلتها تظن أن إنهاء حكم المؤتمر الوطني، يجب أن يكون بالضربة القاضية، وليس عبر النقاط، من خلال مناهضة مثل هذه التعديلات التي ذبحت الدستور من الوريد إلى الوريد.
حسناً، فربما نجد بعض العذر لأحزاب المعارضة التي أجهز عليها المؤتمر الوطني تماماً، من خلال آلته الأمنية القابضة، ونتف ريشها، وقصّ جناحيها، ومع ذلك فهي تحاول الطيران، وفي هذا لها أجر المجتهد. لكن ما بال أهل المؤتمر الوطني أنفسهم، ممن مرت التعديلات من بين أسماعهم وأبصارهم..!
ستقول المعارضة إنه لم يعد هناك حزب حاكم، وإن هناك مؤسسة أمنية تسيطر بصورة مطلقة، بعد أن تمت عسكرة الدولة بالكامل. وهو ما لن يعجب سياسيي المؤتمر الوطني، وبالتالي سينشطون لتفنيد هذه الأقوال والاتهامات، لكنهم لن يجدوا دفوعات منطقية، ولا مبررات مُقنعة، بعد أن مرت التعديلات الدستورية وأجيزت رسمياً، بعد أن انخذل الحالمون ممن ادخروا نواب البرلمان لإسقاط تلك التعديلات.
قطعاً، سيكون من العسير على السياسيين في المؤتمر الوطني، إثبات أن الحزب لا يزال حاضرًا في معادلة السلطة والحكم، بعد أن فسّر كثيرون ما يحدث حالياً بأنه امتداد لتغيير الحرس الإنقاذي المعتّق. وابعد من ذلك، ربما يفسره آخرون بأنه امتداد للانتكاسة والردة ناحية الشمولية. وقد يكون أصحاب هذا الرأي صائبين بنسبة كبيرة، وفقاً للمتغيرات الجمّة التي طرأت على المشهد السياسي والدستوري بليل حالك السواد.
أما أسوأ من ذلك كله، فقد أضحى الدستور يتواءم مع القوانين الخاصة التي تنظّم عمل الأجهزة الأمنية، وخصوصا جهاز الأمن، وهذا يعني أن تلك الأجهزة فلتت تمامًا من الملاحقة والمراجعة الدستورية. إذ لم يعد بمقدور أيما شخص متضرر من تلك الأجهزة الأمنية أن يذهب إلى القضاء شاكياً، لأن الدستور منحها الحق بإنشاء محاكم خاصة بها، لمحاكمة نفسها ومنسوبيها.
بوضوح، لن يجد المتضررون من الأجهزة الأمنية، ولا سيما جهاز الأمن، ما ينصفهم، حال لجأوا إلى الدستور، لكونه استحال إلى حامٍ لتلك الأجهزة، بدلاً من أن يكون حاكماً أعظم.
مكتبة د. علي حمد ابراهيم
|
|
|
|
|
|