|
غسيل أموال..!! بقلم عثمان ميرغني
|
حديث المدينة الأربعاء 17 ديسمبر 2014 كل الصحف أفردت عناوينها وصفحاتها الأولى لتقرير المراجع العام الذي قدمه أمام البرلمان أمس الأول.. وتكاد تكون مفردات الخبر واحدة لسنوات عديدة ماضية.. حجم التجاوزات بالأرقام ليس فيه اختلاف سوى الأرقام.. وأشارات إلى جهات رسمية- بعينها- وردت في التقرير ومتهمة بالتجنيب أو مخالفات أخرى.. ثم ماذا بعد هذا؟. يسري مفعول التقرير حتى أول عطلة نهاية الأسبوع.. بعدها يبدأ أسبوع جديد وقضية جديدة.. ويسدل الستار ويحيي الممثلون الجمهور قبل الانسحاب من المسرح. بصراحة.. مثل هذا العرض– المسرحي- يضفي مزيداً من الشرعية على المخالفات والتجاوزات.. بل ويمنح الحكومة صك براءة– على الأقل نفسياً- للتخلص من أحاسيس الذنب تجاه ما يجري.. أقرب إلى ما يفعله البعض عندما يغترف من المال الحرام في التجارة– مثلاً- وبيع السلع المغشوشة منتهية الصلاحية.. وفي موسم الحج يبادر بالاستغفار، وتأدية الشعيرة المقدسة من باب (تبييض الأموال).. هو وهم الإحساس أن الحج بالمال الحرام يغسل أدران المال ويحوله إلى حلال ما دام استخدم في أقدس الحلال. أو مثل ما يفعله آخر نال مكسباً حراماً فتبرع بنصفه لتشييد مسجد– مثلاً- فيظن أن التبرع من المال الحرام يغسل ثيابه ويطهره. تقارير المراجع القومي– مع تقديري له ولفرق المراجعة- هي نفسها في حاجة إلى مراجعة.. ليس لأن الشك يتسرب إليها.. لا.. بل لأنها بهذه الطريقة التي تقدم بها.. والاحتفاء الإعلامي الرنان عند نشر التقرير.. تمنح براءة و(تبييض) مسلك وممارسة مستمرة لا رادع لها. المخالفات المالية (هي عبارة مخففة جداً من عندي)، ليست في حجم الأموال التي تطالها.. اللص لا يعاقب بوزن وثقل الأموال التي تضبط وهو يحملها فوق ظهره.. لا.. في العمل العام- وبالتحديد- في دولاب الخدمة المدينة، مثل هذه المخالفات هي (خيانة!!!) أمانة.. وأي أمانة أموال الشعب.. ومثل هذه الأموال مرارة حرمتها في كونها تضرب وتهدر وتتسبب في أضرار لا حصر لها.. إذ لا يرتبط حجم الضرر بقيمة المال المهدر وحده.. عندما يموت طفل صغير؛ لأن والده يعجز عن شراء الدواء.. أو دفع ثمن العلمية الجراحية فإن القاتل هو موظف سرق أو احتال على مال عام، قد يكون صغيراً في حجمه، لكنه مباشر في ضرره على الآخرين. تقارير المراجع العام تنقصها (المبدئية) أن توزن الجريمة بمثقالها الأخلاقي.. لا بمثقال أموالها- مهما كثرت أو قلت.. يجب أن يكون تقريراً لمراجعة (القيم) التي يقوم عليها بنيان الدولة.. لا مجرد جرد وحساب الخسائر في الأموال.
|
|
|
|
|
|