|
الخطر الحقيقي على أمن إسرائيل هو نتنياهو نفسه
|
بقلم: : أ.د. ألون بن مئيــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
يلمّح نتنياهو باستمرار بواجبه الرسمي لحماية أمن إسرائيل القومي، ولكنه أصبح - من باب السخرية - أكثر فرد متهوّر يعرّض أمن إسرائيل للخطر. ولا يحتاج المرء لأن ينظر طولا ً وعرضا ً لإدراك سياسات نتنياهو المخادعة والمضلّلة التي لم تقوّض سوى أمن إسرائيل المستقبلي. إنّه يستعمل مهاراته السياسيّة للخداع والتضليل لكي يحمي نفسه من الهزيمة السياسيّة. هذا في الوقت الذي لا يأبه فيه لما هو الأفضل لمستقبل الدولة. وهو يحيط نفسه بمقرّبين أعماهم حماسهم الإيديولوجي المنحرف الذي يفتقر لأية أخلاق أو وازع بهدف دعم أجندته السياسيّة الشريرة.
وللتأكيد، إسرائيل بقيادة نتنياهو هي دوليّا ً في موقف دفاع، معزولة ومهدّدة من الداخل والخارج، مُعافة ومنتقدة من قبل الأصدقاء والأعداء على حدّ سواء وبدون أيّ أمل أو فرصة للتوصّل للسلام، الأمر الذي لا يعرّض فقط أمن إسرائيل للخطر، بل لوجودها بحدّ ذاته.
بأي قياس يمكن لنتنياهو أن يدّعي بأن احتلال الضفّة الغربيّة يعزّز أمن إسرائيل القومي ؟ لم تفعل حوالي خمسون عاما ً من الإحتلال شيئا ً سوى "تسميم" الفلسطينيين وتكثيف كراهيتهم وعدائهم تجاه إسرائيل ودفعهم للتطرّف، الأمر الذي أوجد حماس وتشكيلة من المجموعات الجهاديّة الأخرى.
كيف سيوفّر بناء المستوطنات وتوسيعها – بحجّة تأمين الحدود – أمنا ً أفضل لإسرائيل ؟ آلاف الجنود يتمركزون في جميع أنحاء الضفّة الغربيّة لحماية المستوطنين، الأمر الذي يجعل من المستوطنات عبئا ً أمنيّا ً بدلا ً من كونها دعامة ً للأمن. أضف إلى ذلك، لقد أصبحت المستوطنات مصدر استياء وعنف الفلسطينيين واستمرار توسيعها يقفل النافذة أمام حلّ الدولتين. والمستوطنات تقلّص إمكانيّة قيام دولة فلسطينيّة في الوقت الذي تعرّض فيه أمن إسرائيل وهويتها الوطنيّة للخطر وتنفر المجتمع الدولي منها.
فبدلا ً من احتضان مبادرة السّلام العربيّة وبالأخصّ الآن في وقت ٍ تغلي فيه المنطقة بأكملها وتتوق الدول العربيّة أكثر من أيّ وقت ٍ مضى لصنع سلام ٍ مع إسرائيل، يستمر نتنياهو في رفض هذه المبادرة بالرّغم من قيام العديد من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، حاليين وسابقين، بمناشدته لاحتضانها.
نتنياهو برفضه مبادرة السلام العربيّة قد فوّت مرات عديدة فرصة تاريخيّة أخرى للتوصّل بالتفاوض (بالأخذ والعطاء) لسلام ٍ دائم سيعزّز أكثر من أيّ شيء آخر وبشكل ٍ جذري أمن إسرائيل القومي على المدى البعيد.
لقد تجاهل نتنياهو كعادته مناشدات حلفاء إسرائيل الغربيين لتلطيف سياساته تجاه الفلسطينيين وإنهاء الإحتلال. محبطة ً وغاضبة ً من انتهاكاته المتواصلة لحقوق الإنسان الفلسطيني وقيامه في نفس الوقت باغتصاب أراضيهم شبرا ً شبرا ً ،بدأت الدول الأوروبيّة بنبذه والإبتعاد عنه.
سيكون لخسارة الدّعم المعنوي والسياسي الغربي عواقب أمنيّة وخيمة على المدى البعيد على إسرائيل حيث أنّ عزلة البلد تتفاقم وتصبح عرضة ً أكثر من أيّ وقت ٍ مضى لخطر التهديدات الخارجيّة.
لقد قام نتنياهو منشغلا ً بعظمة ذاته ومفتقرا ً للحساسيّة بخداع الملك عبدالله الثاني عاهل الأردنّ، أقرب حليف ٍ عربي لإسرائيل وحارس المقدسات الإسلاميّة، وذلك باستعمال جبل الهيكل / ساحة الحرم القدسي الشريف – أكثر المناطق حساسيّة لليهود والمسلمين على حدّ سواء – لتأكيد الحقّ اليهودي على الموقع في وقت ٍ التوتّر على أشدّه.
ولترسيخ وزيادة تقوية قاعدته السياسيّة يثير نتنياهو الفلسطينيين بوضع قيود على حركتهم وبالقيام بغارات ٍ ليليّة والسجن التعسّفي محرّضا ًإيّاهم بقصد على المقاومة، وفي أغلب الأحيان على المقاومة بعنف، ومن ثمّ يستغلّ مقاومة الفلسطينيين للإحتلال لتبرير معاملته الفظّة لهم، وذلك كلّه لاستحسان وتشجيع شريحة المواطنين المتنامية باتجاه يمين الوسط. وكما قال الفيلسوف الإغريقي أرستوفانس يوما ً مخاطبا ً الدهماويين:"أنتم مثل صيادي سمك الأنقليس. في المياه الراكدة لا يصطادون شيئا ً، ولكن إذا حرّكوا الوحل في القاع بعناية تامّة، يكون صيدهم جيّدا ً".
إنّ سياسة التمييز المنهجيّة التي ينتهجها نتنياهو وحكومته ضدّ العرب الإسرائيليين قد أبعدت هؤلاء لنقطة يشجبون فيها بحدّة وصخب ظلم ولامساواة الإسرائيليين وينحازون علنا ً لجانب إخوتهم في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة.
قد يكون لاستمرار سياسة نتنياهو تجاه العرب الإسرائيليين عواقب كارثيّة على الأمن القومي حيث لا تستطيع إسرائيل حيال ذلك أن تعتمد على ولاء ما يقارب من (20 %) من سكانها، وبالأخصّ في أوقات الصّراع الشديد مع الفلسطينيين في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة.
فبدلا ً من العمل بجديّة في السعي وراء السّلام تحت رعاية الولايات المتحدة، لم يتفاوض نتنياهو في أيّ يوم مع الفلسطينيين بنيّة صافية. لقد تحدّى بتهوّر نداء أمريكا له بتجميد بناء المستوطنات التي تعتبرها الولايات المتحدة عقبة رئيسيّة أمام السّلام.
وبتحدي أقرب حليف ٍ لبلده الذي يعتبر التزامه بأمن إسرائيل القومي قضيّة مركزيّة لوجوده في يمّ من العداء، على نتياهو الآن تحمّل المسؤوليّة واللوم للأزمة القائمة ما بين إسرائيل والولايات المتحدة وتردّي علاقاتهما الثنائيّة التي لم تهبط لهذه الدرجة في تاريخ إسرائيل.
وعدم قيام نتنياهو بكبح ألسنة وزرائه "الفالتة" فقد أصبح شريكا ً لهم في هجوماتهم اللفظيّة الغاضبة على المسؤولين الأمريكيين. فلا يفوق سخافة هؤلاء الوزراء، بمن فيهم وزير الدّفاع موشي يعالون ووزير الخارجيّة أفيغدور ليبرمان ووزير الإقتصاد نفتالي بينت، سوى عماهم لتفهم استحالة إستغناء إسرائيل عن أمريكا.
ومما يجعل الأمور أسوأ هو أنّ حكومة نتنياهو قد فقدت مصداقيتها في الولايات المتحدة الأمريكيّة التي ساعد دعمها السياسي والإقتصادي والعسكري إسرائيل على أن تصبح قوّة إقليميّة رهيبة، وهو الدّعم الذي يعتبره نتنياهو والعديد من وزرائه المتكبّرين من المسلّمات.
والسخرية هي أنّ نتنياهو يثير مخاوف أمنيّة قوميّة حتّى عندما يكون هو شخصيّا ً محلّ انتقاد ٍ شديد من قبل مسؤولين أمريكيين الذين وصفه أحدهم – دون الإعلان عن إسمه – ب "شخص تافه" و "جبان" وذلك بقول نتنياهو أمام البرلمان (الكنيست) الإسرائيلي الأسبوع المنصرم:" أنا تحت الهجوم لأنني بكلّ بساطة أدافع عن دولة إسرائيل. فلو لم أتشبّث بمصالحنا الوطنيّة لما كنت تحت الهجوم".
وأخيرا ً، ما يؤثّر سلبا ً على أمن إسرائيل القومي الآن ولربّما في المستقبل هو تعدّد الفصائل السياسيّة في البلد، الأمر الذي يحول دون بروز سياسة متماسكة تجاه الفلسطينيين، وهي مشكلة تعاني منها إسرائيل. فحكومة نتنياهو لا تختلف كثيرا ً عن الحكومات السابقة، فهي تتألّف من أحزاب سياسيّة متفاوتة بأجندات سياسيّة مختلفة يقودها أفراد مغرورون بأنفسهم.
كلّ وزير يعتقد بأنه ينبغي أن يكون هو أو هي رئيس الوزراء القادم، ولكن ليس لأحد منهم الشجاعة والرؤية ومؤهلات القيادة لكي يقود الأمّة، وليس لأحد منهم كذلك فكرة أين ينبغي أن تكون إسرائيل في غضون 10 – 15 عاما ً من الآن. وهذا يشمل أيضا ً زعيمي الحزبين الآخرين، وزيرة العدل تسيبي ليفني (زعيمة حزب الحركة) ووزير الماليّة يئير لبيد (زعيم حزب "هنا مستقبل"). فبالرغم أن لكليهما أفكار معتدلة تجاه الفلسطينيين، فإن عدم قيامهما بتحدّي نتنياهو جديّا ً لتغيير مساره السياسي وعدم مغادرتهما الإئتلاف الحكومي يعني أنهما شريكان في سياسة نتنياهو الغير حكيمة وعواقبها الوخيمة على أمن إسرائيل القومي.
اتركوها إذن لنتنياهوليتلاعب بنجاح و "يضرب" زعيم الحزب الواحد بالآخر إدراكا ً منه بأنهم يفتخرون بوظائفهم وألقابهم أكثر من شعورهم بالمسؤولية الحقيقية تجاه خدمة البلد.
وبالرغم من أنّ لإسرائيل مخاوف أمنيّة قوميّة مشروعة، غير أن نتنياهو يخضعها لأجندته الإيديولوجيّة الضيّقة ويستغلها كأداة للتلاعب بالمجتمع. وعدم رغبته أو استعداده لتطوير إستراتيجيّة أمن قومي حقيقيّة تعتمد على أساس السّلام وتدعمها جميع الأحزاب السياسيّة يؤكّد أنّ ما سيأتي سيكون في أحسن الأحوال شللآً سياسيّا ً وفي أسوأ الأحوال سياسة مضللة ستؤدي لكارثة.
_
|
|
|
|
|
|