|
حتى لا يُقال إليكم - الطاهر ساتي
|
: بعد تمكين العدل في المجتمع، وبعد أن عمّ الخير في بلاد المسلمين لحد البحث عن السائل والمحروم ولا يجدونهما، قال الخليفة عمر بن عبد العزيز للزُراع: (انثروا القمح على رؤوس الجبال).. وكانت ثلوج الشتاء تغطي قمم الجبال في تركيا، وامتثل الزُراع هناك لأمر عُمر ونثروا القمح على قمم الجبال.. ولا تزال -إلى يومنا هذا- وصية عمر سارية في بعض وديان وسهول تركيا، إذ صارت عادة تركية أن ينثر المزارع حبات القمح على بعض قمم الجبال في موسم الحصاد. :: وعُمر بن عبد العزيز -بأمره ذاك- لم يكن يتحسب فقط لحاجة الطيور إلى الحياة رغم أن هذا من جوهر العدل في (نهج حكمه).. ولكن -بالأمر ذاته- تحسب عُمر أيضاً لشكل الدولة الإسلامية ومظهرها أمام الآخرين.. (انثروا القمح على رؤوس الجبال) لماذا؟.. فالإجابة هنا كما أكمل بها عمر ذاك الأمر: (حتى لا يُقال جاع طير في بلاد المسلمين).. نعم، (حتى لا يُقال)، وهذا هو معنى أن يكون نظام الحُكم حريصاً على نقاء شكل ومظهر الدولة في نفوس وعيون الآخرين دون أن ينتقص هذا من حرصه على نقاء جوهر الحكم في نفوس وعيون (أهل الدولة). :: والمهم.. بالتأكيد أهل السودان ليسوا بحاجة لمن يعكس لهم حال بلادهم وتفاصيل أحداثها وأزماتها، فالحال يُغني عن (الشرح والسؤال).. ومع ذلك، كما تفعل كل الأنظمة ذات الأجهزة والمؤسسات الواعية، كنا نأمل أن تقدم الحكومة للعالم دولة غير تلك المتداولة -بالسخرية والاستهزاء- في وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية منذ لحظة وقوع حادث القصر الرئاسي، كآخر نموذج يعكس أن إعلام الدولة لا يعمل بنهج (حتى لا يُقال).. للأسف، من تحدثوا باسم الدولة لم يتحسبوا لما يُمكن أن يحدثه حديثه في (شكل السودان). :: ابتسمت المذيعة العربية وهي تنسب حادثة القتل والرعب في القصر الرئاسي لـ(معتوه)، واتسعت الابتسامة وهي تُشير إلى أن سلاح الاقتحام كان (سيفاً).. وهي -فعلاً- مادة خبرية مُضحكة، ومثيرة للسخرية، وكذلك تُعيد العقول إلى عهد غردون باشا وما كان يفعله سحر السيوف في هذا القصر الرئاسي في ذاك العهد.. سلاح الاقتحام لم يتطور، فالسيف كان يحمله المعتوه حسب لسان إعلام الدولة، وكذلك الحماية كما السلاح في محطة عهد غردون، أو هكذا تقريباً كان شكل البلد في مخيلة تلك (المذيعة العربية)! :: وعلى كل، وبغض النظر عن جوهر الحال -المايل- بالداخل، ومع الآخذ في الاعتبار أن هذه الحادثة لن تكون آخر أحداث السودان، ولذلك يجب أن يكون لرئاسة الدولة - وليس للحزب الحاكم - من يعرف يتكلم ويتحسب لشكل الدولة في كلامه بإتقان نهج (حتى لا يُقال).. نعم، أضعف الإيمان هو مخاطبة الرأي العام -الداخلي والخارجي- بوعي يتسق ويتجانس مع عصر العولمة وثورة التكنولوجيا، وليس عصر السيوف.. وعماد سيد أحمد، السكرتير الصحفي لرئاسة الجمهورية، طيب ومهذب ولكن لا يصلح لغير أن يكون صحفياً بالصحف أو موظفاً بالعلاقات العامة للضرائب والأراضي وغيرها من المرافق التي ليست بقامة رئاسة (حكومة دولة).. فالمستشار الإعلامي لرئاسة حكومة بلد يختلف عن المُهرج باسم البلد في وسائل الإعلام، بحيث يجب أن يكون هذا المستشار دبلوماسياً في (الخطاب السياسي) ومهنياً في (الخطاب الإعلامي).. وقائمة الدبلوماسيين بالخارجية تضج بمن يصلحون لهذا (المنصب المهم)، ولكن من يُنقب ويبحث في سبيل (حتى لا يُقال)، ويُجنب به السودان (ما يُقال)؟
|
|
|
|
|
|