|
غايتو.. مِحَن بقلم إليكم - الطاهر ساتي
|
:: قبل أسابيع، داخل مقر البرلمان الكندي، تعرض رئيس الوزراء الكندي لمحاولة اغتيال.. وبعد المحاولة الفاشلة بدقائق، قال المتحدث باسم الحكومة الكندية عبر تلفزيون الدولة: (إن واحداً على الأقل من مطلقي النار لقي مصرعه في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة)، ثم وصف الحدث بـ(الهجوم الإرهابي). والسبت الفائت، بعد إحباطها – بهدوء - لمحاولة اغتيال الملكة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا، قالت الشرطة البريطانية عبر بيانها (إن وحدة مكافحة الإرهاب أحبطت محاولة لاغتيال الملكة إليزابيث طعناً بالسكاكين)، ثم وصفت المخطط بـ(العمل الإرهابي)..وخلاص! :: أي لم يزد البيان الكندي - ولا البريطاني - عن كشف وجه الحدث ثم وصفه بالإرهاب، ولم يسهب بالتحليل والتنظير والارتباك والتناقض.. وبالتأكيد هناك دوافع وراء هذه الأحداث وغيرها التي تحدث أسبوعياً بكل دول الكون بما فيها ذات الأنظمة الديمقراطية كما بريطانيا وكندا.. وقد تكون الدوافع سياسية أو عقائدية أو غبائن شخصية أو حتى نوعاً من الجنون، ومع ذلك تلتزم السلطات الواعية بعدم الحُكم على الدوافع في لحظة الحدث ثم تكتفي بوصف مشروع من شاكلة (هجوم إرهابي).. ولاحقاً، أي بعد زوال الآثر الإعلامي وصدمة الرأي العام المحلي، وبعد التحقيق والتحري، تكشف حقائق الحدث - كما هي - بلا تلوين أو رتوش. :: ولكن هنا، بسم الله وما شاء الله، عبقريون سادة بعض أجهزة الدولة - في التحليل والتنظير والارتباك والتناقض - لحد الحُكم على الأحداث في لحظة وقوعها ثم الإدانة قبل التحري والتحقيق.. وما تفاصيل وتداعيات الحدث الأخير إلا نموذج لما عجزت بعض أجهزة الدولة التخلي عنه، وهو الارتباك والعجز عن إدارة الأزمة. أحدهم، مجهول الدوافع، يعتدي على أحد أفراد الحرس التشريفي بالقصر الرئاسي بالسيف ثم يستولي على سلاحه ويعتدي على الفرد الآخر، ثم يلقى مصرعه برصاص الخدمة العسكرية. رحمهم الله - شهيدي الواجب والمعتدى عليهما والموصوف بالمعتوه في البيان - وغفر لهم جميعاً. في تقديري، وحسب ما يحدث في السودان وكل دول العالم، فالحدث طبيعي و(مكرر).. نعم حتى في السودان، وفي ذات المكان، ليست (الحادثة الأولى)، ومع ذلك لم تتعلم أجهزة بالدولة التعامل مع الأحداث بـ(شكل طبيعي)، أي بحنكة تليق بالدولة وتمنع امتلاء الفضاءات بالشائعات. :: وعليه، طبيعة التعامل مع الحدث كانت تقتضي بياناً أو تصريحاً مقتضباً من شاكلة: (تعرض الحرس التشريفي بالقصر إلى اعتداء من مواطن وأسفر الاعتداء عن شهيدين ووفاة المعتدي، وشرعت السلطات في التحري والتحقيق لمعرفة الدوافع)، أو هكذا.. بيان واحد فقط لا غير، وليس عبر بيانين متناقضين أسهبا في (التحليل والتنظير)، وعبر جهة سيادية واحدة فقط لا غير، وليس عبر جهتين سياديَّتين (الرئاسة والقوات المسلحة).. أما اسم المعتدي والعمر والقبيلة والديانة وقواه العقلية ودوافع الاعتداء وغيرها من التفاصيل، لم تكن مطلوبة في (بيان اللحظة)، وهي - أصلاً - غير مطلوبة قبل التحري والتحقيق.. ولكن بيان اللحظة شمل كل تلك التفاصيل بما فيها القوى العقلية للمعتدي (معتوه)، وكذلك الدوافع (الجنون). ولماذا التحري والتحقيق بعد كل هذه العبقرية التي لم تكشف الحدث قبل وقوعه؟.. ثم السؤال الآخر، وليس سابقاً للتحري والتحقيق، بل يتكئ على أحد البيانين، إن كان معتوهاً - حسب وصف البيان - يفعل كل هذا بالسيف، فماذا يُمكن أن يفعل العاقل بسلاح غير السيف؟
|
|
|
|
|
|