|
ألون بن مئيـر: فشل عبّاس الذريع في الأمم المتحدة
|
فشل عبّاس الذريع في الأمم المتحدة كشخص دافع باستمرار وثبات عن اتفاقية سلام ما بين إسرائيل والفلسطينيين على اساس حلّ الدولتين، تراني قد ذُهلت عند سماعي الخطاب الذي ألقاه رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة. فبدلا ً من أن يستغلّ هذه المناسبة لتقديم اقتراحات بنّاءة واستخدام لغّة تصالحيّة للدّفع بعمليّة السّلام إلى الأمام، ورّط عبّاس نفسه بتصريحات لاذعة ومثيرة للخلاف ضد إسرائيل، وهذه لم تفعل شيئا ً سور أنّها زادت من امتعاض ونفور الشعب الإسرائيلي الذي هو بأمسّ الحاجة لدعمه لتحقيق التطلعات الفلسطينيّة.
وأتساءل عمّا إذا كان لدى الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس أيّة فكرة عن مدى تعزيز أقواله العلنيّة غير المسؤولة للتصوّرات والمفاهيم السلبيّة السائدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتكريسها للعداء المستشري الذي كان وسيبقى لبّ الشرّ الذي أحبط كلّ جهود السّلام في الماضي.
لقد ألقى عبّاس خطابا ً على غرار أسلوب الحملات الإنتخابيّة مناشدا ً جمهوره في محاولة ٍ منه لإنقاذ شعبيته المتراجعة، هذا في الوقت الذي كان فيه غافلا ً تماما ً عن حقيقة أنّه كان يخاطب المجتمع الدولي لتعزيز دعمه للقضيّة الفلسطينيّة.
لقد قال يوما ً وزير الخارجيّة الإسرائيلي الراحل أبا إيبان:”لم يفوّت العرب (الفلسطينيّون) أية فرصة أبدا ً لتفويت الفرصة”. وللتأكيد، فقد كان أداء عبّاس حالة كلاسيكيّة لفرصة مفوّتة.
إنّ إخفاقه في تحقيق توازن ما بين مقاومته العادلة للإحتلال والحاجة لحشد تأييد الشعب الإسرائيلي كان خطأ كبيرا ً مسبّبا َ ضررا ً جسيما ً للقضيّة الفلسطينيّة. ولشخص ٍ يبدو جادّا ً في سعيه وراء السّلام، فقد حطّم عبّاس ثقة العديد من الإسرائيليين الذين يرون فيه شريكا ً يعتمد عليه ويستحقّ دعمهم.
لم يوفّر عبّاس في خطابه المستقطِب جهدا ً في وصفه المحقّر لإسرائيل، وهي الدولة التي يجب أن يتفاوض معها لإنهاء الإحتلال وإقامة دولة فلسطينيّة، وهو أمل باهت أصلا ً وزاده ضعفا ً حاجة عبّاس للإحتفاظ بمنصبه.
لقد اتهم إسرائيل ثلاث مرات بارتكابها مذابح جماعيّة، وهو اصطلاح مرعب أغضب كلّ الإسرائيليين. إنهم يعرفون المعنى الحقيقي للمذابح الجماعيّة عندما كان اليهود يُساقون كالنعاج للقتل. وهم يعلمون أيضا ً بأن جيشهم اتخذ كل حيطة لحماية أرواح المدنيين الفلسطينيين الأبرياء خلال فترة الحرب الإسرائيليّة – الحمساويّة.
ذكر عبّاس كلمة “النكبة” خمس مرّات، وهذا المصطلح لا يثير سوى ثورات عاطفيّة من جديد، الأمر الذي يزيد بالنسبة له شخصيّا ً وبالنسبة للفلسطينيين من صعوبة قبول أية تنازلات لتسهيل اتفاق سلام ٍ مع إسرائيل.
لقد أشار عبّاس بحكمته إلى إسرائيل سبع مرّات على أنها دولة عنصريّة بدون ان يفكّر أنّ مثل هذا القذف يقوّض فقط عمليّة التفاوض ويعمّق عدم الثقة التي ستجعل من حلّ الصراع أمرا َ صعبا ً للغاية. واستخدم الرئيس الفلسطيني بشكل ٍ متهوّر أيضا ً مرّتين كلمة “فاشية”، ولكن مهما كان الإحتلال الإسرائيلي قاسيا ً، فإن إسناده مثل هذه الكلمة المثيرة يذكّر الإسرائيليين بضحيتهم، الأمر الذي يصلّد نفورهم وعداءهم تجاه الفلسطينيين بدلا ً من تخفيفه.
وكما لو كانت الإتهامات المذكورة آنفاً غير كافية لرسم “الوجه الحقيقي” لإسرائيل، فإن عبّاس يلقي ببعد ٍ آخر يحطّ من قدر إسرائيل وهو كونها “دولة أبارتهايد” (دولة تمييز عنصري) ذكرها مرّتين و “دولة إرهابيّة” (ذكرها مرّة واحدة).
لقد استنكر الرئيس محمود عبّاس وبشدّة الغارات الإسرائيلية المكثّفة على قطاع غزّة، ولكنه لم يلمّح ولو بكلمة واحدة للصواريخ التي قدّر عددها ب 4.000 صاروخا ً وقذيفة صاروخيّة التي أطلقتها حماس بدون تمييز على مراكز إسرائيل الحضريّة، بما في ذلك تل أبيب والقدس.
أدان عبّاس وبحقّ اختطاف الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير الذي أحرق حيّا ً بصورة شنيعة، ولكنه نسي اختطاف وإعدام الشبّان الإسرائيليين الثلاثة: نفتالي فرانكل، جلعاد شائير وإيال يفران من قبل نشطاء حمساويين ، الأمر الذي أدّى إلى الحرب الإسرائيليّة – الحمساويّة الأخيرة.
أنا لست من المناصرين أو المعجبين بشدّة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأنتقد منذ سنوات سياسته تجاه الفلسطينيين. ولكنه في خطابه أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة قد ارتقى فوق الخلافات وحمل رسالة وجدت صدى ً حتّى بين مندوبي الدول العربيّة عندما شبّه حماس ب “داعش”.
لقد أكّد نتنياهو على خطر الإسلاميين المتطرفين على الدّول العربيّة وأشار بلباقة بأن إيران الشيعيّة خطر ليس فقط على إسرائيل فحسب، بل وأيضا ً على الدّول العربيّة السنيّة المذهب. وأشار رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى قضية صارخة مشتركة قد تؤيدها جميع الدول العربيّة.
لم يقحم نتنياهو نفسه كعبّاس بخطاب ٍ “ثأري” أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة على غرار “واحدة مقابل واحدة” بل أحجم حتّى عن انتقاد السلطة الفلسطينيّة، غير أنّه استثنى من ذلك حماس التي أثارت الحرب الأخيرة والتي أدّت إلى موت ما يقارب 2.100 فلسطيني ودمار مروّع في جميع أرجاء القطاع.
لقد تمسّك نتنياهو في خطابه بالصورة الإقليميّة الأكبر وطرح قضيّة كبيرة مفادها بأنه يمكن مواجهة التحديّات الإقليميّة إذا كان هناك سلام بين إسرائيل والدّول العربيّة، الأمر الذي سيسهّل ويؤدي إلى سلام ٍ بين إسرائيل والفلسطينيين.
عندما قرأت خطاب الرئيس محمود عبّاس أكثر من مرّة تساءلت عمّن يكون يا ترى هؤلاء المستشارين الذين نصحوه بإلقاء “خطبة عصماء” ضد إسرائيل أمام المجتمع الدولي بدلا ً من نصحه له بعرض خطط بنّاءة وجديرة بالثقة من شأنها الدّفع قدما ً بالطلب الفلسطيني لإقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة. فطلب نهاية للإحتلال في مدّة زمنيّة غير محدّدة هو فعلا ً ليس بخطّة، والتهديد بالإلتجاء لمحكمة الجنايات الدوليّة ليس بخطّة، والإنضمام لحماس بدون الإصرار على قيامها بنبذ العنف هو أيضا ً ليس بخطّة.
كان على الرئيس الفلسطيني بدلا ً من ذلك أن يبدأ خطابه بطلب دعم المجتمع الدولي لإعادة توطين اللآجئين الفلسطينيين في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة بدلا ً من استخدامهم بشكل متواصل كبيادق سياسيّة مدّة سبعة عقود.
ووقوع عبّاس في الفخّ الذي حفرته له بعناية حماس يعلّل شيئا ً واحدا ً فقط وهو أنّه أصبح الآن محشورا ً بين إسرائيل وحماس، فقد ضلّ عبّاس سبيله. إنّه يعلم حقّ اليقين بأن حماس تسعى وراء رحيله السياسي، وبدلا ً من تسمية الأشياء بأسمائها، فقد استسلم للواقع المرير من التشرذم الفلسطيني ونزوات حماس.
ليس للفلسطينيين قادة يتمتعون برؤية وشجاعة. أجل، قادة يستطيعون تغيير النهج السياسي والتخلّي عن روايات الكراهيّة والعداء تجاه إسرائيل وكذلك الشعارات الفارغة التي فقدت أي معنى ً لها منذ وقت ٍ طويل وتسمّم فقط جيلا ً آخر من الفلسطينيين.
وبالرغم من كلّ ذلك، فما زال بإمكان الرئيس عبّاس أن يلعب دورا ً مهمّا ً في المفاوضات الغير مباشرة القادمة ما بين إسرائيل وحماس التي ستعقد في القاهرة. ما زال لديه فرصة أخرى للتأكيد على قيادته. وبإمكانه القيام بذلك بالإصرار على أن تكون السلطة الفلسطينيّة هي المسؤولة فعلا ً عن الأمن في قطاع غزّة، الأمر الذي تصرّ عليه على أية حال مصر وإسرائيل.
وعلى عبّاس أيضا ً أن يطلع حماس بكلّ وضوح على أنّ السلطة الفلسطينيّة لن تنهض لمساعدتها تحت ادعاءات كاذبة بوجود حكومة وحدة إلاّ إذا توقفت حماس وكفّت عن استفزاز إسرائيل وقامت بشكل ٍ تدريجي بنزع سلاح القطاع. عدا ذلك، ليس هناك قوّة في العالم تستطيع إرغام إسرائيل على رفع الحصار. والدول العربيّة وبالأخصّ مصر – التي رحبّت بصمت بإنزال إسرائيل مثل هذه الضربة العقابيّة على حماس – متحمسة مثل إسرائيل لإضعاف حماس.
وللأسف، هناك فقط فرصة صغيرة بأن تؤدي المفاوضات في مصر لمثل هذه النتيجة، ولكنها النتيجة الوحيدة التي بإمكانها إنقاذ عبّاس سياسيّا ً وتجنيب الفلسطينيين في قطاع غزّة مواجهة أخرى كارثيّة مع إسرائيل.
هذه قد تكون آخر فرصة لعبّاس – فرصة عليه أن يحرص بألاّ يفوتها.
|
|
|
|
|
|