|
عاند نفسك تنجح
|
د. مصطفى يوسف اللداوي
لتكون في حياتك ناجحاً، وفي عملك موفقاً، وفي بيتك سعيداً، وبين أهلك محبوباً، وعن نفسك راضياً، وبين الناس مميزاً، وبين أقرانك متفوقاً، وعند الله مقبولاً، وفي الدنيا والآخرة سعيداً،
كن عنيداً مع نفسك ولا تطاوعها، ولا تلن أمامها ولا تضعف، ولا تخضع لها ولا تستسلم، ولا تتبعها ولا تمشِ خلفها، ولا تصدق نجواها، ولا تصغِ إلى شكواها، ولا تذل نفسك بأنينها، ولا تأمن بوائقها، ولا تطمئن إلى سرائرها، فهي دوماً أمارة بالسوء، ميالة إلى الشر،
لا تعطها ما تريد، ولا تجبها إلى ما تطلب، ولا تلبِ لها ما تتمنى، ولا تنفذ رغباتها، ولا تخضع لهمسها ودسها، وإياك والانقياد لها، والطواف حولها، والإصغاء لها، بل أحسن لجامها، والوِ عنقها، واعقلها بالتوجيه، وأدبها بالعقاب، ووجهها حيث تريد أنت لا حيث ترغب هي،
إذا عاندتها ولم تخضع لها، فستكون ناجحاً، نشيطاً ممتلئاً حيوية، بادي القوة لافت الحركة، ذا همةٍ عاليةٍ غير كسول، لا تتراخى ولا تتباطأ، ولا تتمايل ولا تتطوح، تتطلع إلى المعالى وعالي المعاني،
ستكون إن عاندت نفسك ولم تضعف أمامها، رشيقاً أنيقاً، خفيفاً غير بدين، نحيفاً غير سمين، سريع الحركة غير بطئ، سليماً غير مريض، تتنفس بسهولة، وتتحرك برشاقة، وتنهض بهمة، وتجري ركضاً كغزال، وتقفز بخفةٍ كقطة، وتسري كنسمة، وتمضي كعاصفة، وتنساب إلى رزقك كسمكة،
لا تجب نفسك إذا دعتك إلى النوم، ولا تستجب لها إن غالبتك بالنعاس، وتكاثرت عليك بالتثاؤب والكسل، فما كان النؤوم يوماً سعيداً، ولا أراح جسده كثرة النوم، بل أجبرها على العمل والنشاط، وأكرها على السهر، وأبعدها عن النوم والفراش ما استطعت، وارتقب الفجر فإنه رزاق، واستقبل الصبح فإنه معطاء، وكن مع نور الفجر الذي ينبلج أمام عيونك ضياء،
لا تطع نفسك تسمو، ولا تجبها تتميز، ولا تخضع لها تقوى، ولا تضعف أمامها فتحكمك وتجعل منك أضحوكةً مرة، ولعبةً مراتٍ أخرى، تطيعها كعبد، وتخضع لها كتابعٍ أجير،
ألزمها ببرنامج، وأرهقها بمهامٍ وواجبات، وأدبها بالنظام، وعلمها الالتزام، وعودها على السرعة والاندفاع، والنشاط والحيوية، والتصميم والإرادة، والجد والمثابرة،
النفوس على الكسل مجبولة، تحب النوم، وتتوق إلى الراحة، وتكره النشاط، وتعاف الحيوية، وتضعف أمام الطعام، وتأكله بأنواعه بشراهة، وإن أتخمها وأقعدها، وضيق أنفاسها، وأتعب جسدها، وأوهى عظامها، وأحنى ظهرها ومد إلى الأمام كرشها، فهي نفسٌ ضعيفةٌ تجري وراء المغريات، وتركض خلف البريق والفتن، وإن أعمى وطمس على عيونها،
كن عنيداً لنفسك واقهرها، وسيداً أمامها وامتلكها، واجعلها عبدةً لك تروضها، تتبعك وتخدمك، وتخضع لك وترضى بك، كي تسعد بها، وتستمتع بقية أيامك بصحبتك معها، وإلا خسرت وخسرتها، وضعت وأضعتها، وربما هلكت وأهلكتها.
هنيئاً لمن خالف النفس والهوى، وأجبرها على اتباع الهمة ومخالفة القعود، واعلم يقيناً أنه قد أفلح من زكاها وعمل بتقواها، وأنه قد خاب من دساها ومضى خلف فجورها، ضعيفاً عاجزاً، وعاصياً خاسراً، فكن الأولى تنجُ، ولا تكن الثانية فتهلك.
بيروت في 18/8/2014
|
|
|
|
|
|