|
غزة تحت النار (35) إسرائيل تصنع الحقد وتعمق الكراهية
|
د. مصطفى يوسف اللداوي
هل يظن العدو الصهيوني أنه يستطيع بما يقوم به اليوم من اعتداءٍ غاشم على قطاع غزة، يقتل خلاله المواطنين، ويدمر بيوتهم، ويفسد حياتهم، ويمزق شملهم، ويشتت أهلهم، أنه سيكون قادراً على جلب السلام لكيانه، وتحقيق الأمن لمواطنيه، والاستقرار طويلاً هادئاً مستقراً فوق الأرض الفلسطينية، محتلاً لها، وغاصباً لحقوق أهلها، ومحاصراً لهم، ومضيقاً عليهم.
هل يظن العدو أن هذه الحرب ستكون الأخيرة، وأن هذه المعركة ستكون الخاتم، وأنه لن يكون مضطراً بعدها لتجريد حملاتٍ عسكرية جديدة ضد قطاع غزة، لتأديب أهلها، ونزع سلاح مقاومتها، وضرب مستودعاتها ومخازنها، وإجهاض مخططاتها، وتخريب مؤسساتها، وأنه بعدها سيهنأ عيشه، وسيطيب مقامه، وستستقر أوضاعه، وسيحيا مواطنوه بأمنٍ وسلامٍ، فلا يوجد من يهدد حياتهم، أو يقلقهم في منامهم، أو يباغتهم كوابيس في أحلامهم، ولا يوجد من يقوى على مطالبتهم باستعادة حقوقهم في أرضهم ووطنهم.
هل يظن العدو أن الفلسطينيين يخافونه، وأنهم يحسبون حساباً لحروبه، وأنهم يخشون غضبته، ويحاولون تجنب سطوته، وأنهم مرعوبون من جيشه، وخائفون من قوته، وأنهم يخشون على أنفسهم الموت والهلاك إن هم اعترضوا على سياسته، أو خالفوا إرادته، أو امتنعوا عن تنفيذ تعاليمه وأوامره.
أم يظن أنهم تعلموا الدرس هذه المرة، وفهموا المراد، واستوعبوا القصد، وعرفوا يقيناً أنهم أضعف من دولة الكيان، وأنهم لا يستطيعون الوقوف في وجهه، وصد عدوانه، ورد هجومه، ومنعه من تنفيذ مخططاته، بحجة أن كيانهم قوي، وأن جيشهم متفوق لا يقهر، وأن جنديهم شجاعٌ لا يخاف، وثابتٌ لا يتزعزع، ومطمئنٌ لا يضطرب، وواثق لا يشك، وضامنٌ أنه كاسبٌ دوماً لا يخسر، وفائزٌ لا يخيب ولا يفشل.
هل رأى العدو من الفلسطينيين استسلاماً وخنوعاً، وعلم فيهم ضعفاً وخوراً، ولمس منهم عجزاً وقلة حيلة، وهل سمع صوت صراخهم، ونداءات استغاثتهم، وصيحات ألمهم، فعلم أنهم قد تابوا وندموا، وأنهم سيلقون أسلحتهم، وسيتخلون عن مقاومتهم، وسينقلبون على مقاوميهم، وسيتوقفون عن التعرض لجنود العدو ودورياته، وأنهم سيفككون صواريخهم، وسيسلمون ترسانة أسلحتهم، وسيتعهدون أمام العرب والمجتمع الدولي أنهم لن يعودوا للتفكير في المقاومة، وأنهم سيشطبون مفرداتها من قاموسهم، وأنهم لن يعودوا إلى التدريب والتجهيز والتأهيل والإعداد، ولن يكونوا بعد اليوم جزءاً من محور المقاومة، ولا طرفاً في معسكر الممانعة.
أم أنه رأى أن الأم الفلسطينية قد نسيت دم ابنها، وتخلت عن بقية أولادها، ورضيت بما أصابها وبيتها، وجلست على الأطلال عند ركام منزلها المدمر، وأمام بعض أواني مطبخها، وبين يديها ألعاب أطفالها، ودمى بناتها، لكنها اليوم لم تعد تبكي ولدها، ولم تطلب من شقيقه الانتقام له، والثأر ممن قتله، وظن أن الفلسطيني الذي دمر بيته، وقصف محيطه، ولم يعد عنده مستقبل يأمل فيه، ويعتمد عليه، أنه سيضع كفه على وجهه عاجزاً، وأنه سيندب حظه، وسيلعن نفسه، وسيأكل أصابعه ندماً على ما قدم وأعطى، وعلى ما خسر وأفنى.
أم أن العدو قد خُدع بمن أيدوه من الأنظمة العربية، ووقفوا معه مساندين مناصرين، وبرروا عدوانه، ودافعوا عن حقه في ضرب المقاومة، لإبعاد الخطر عن كيانهم ومستوطنيهم، بعد أن اتفقت أهدافهم، وتوحدت مشاريعهم، وأصبحوا في سلةٍ واحدةٍ، يربحون معاً أو يخسرون معاً، فاعتقد أن الفلسطينيين أصبحوا بعد الحلف الجديد مكشوفين فلا ظهر لهم، ولا سند عندهم، ولا ناصر لهم يحميهم ويدافع عنهم، وأنهم قد أصبحوا كالأيتام، لا أب لهم، ولا راعي عندهم، ولا من يحنو عليهم، أو يرأف بهم، ويأخذ بأيديهم.
لكن العدو نسي غافلاً، أو أن الله قد طمس على قلبه، وأعمى عيونه، وقفل على عقله، أن هذا الشعب الذي انطلقت منه مقاومة عملاقة، قوية جبارة، تقتل وتأسر، وتقصف وتضرب، وتهاجم وتتسلل، لن ينسى أبداً حقه، ولن يتخلى عن أرضه، ولن يغفر لعدوه ومن حالفه، وأن ما ارتكبه العدو في حقه من مجازر وجرائم، لن تزيد الفلسطينيين إلا صدقاً وإصراراً، وعزماً ومضاءً، فجرائم العدو في أرضنا وقودٌ للحقد، وحطبٌ لنارٍ تضطرم، وسكينٌ لجرحٍ ينعب، تعمقه وتجرحه من جديد، فلا الجرح يبرأ، ولا الفلسطيني ينسى ويخضع، ولا الحلم يتبدد، ولا الأمل يزول، وستبين الأيام للعدو أنه أخطأ وأجرم، وأنه قد دخل برجيله أرضاً سبخة، ورمالاً رخوة، وطيناً وحلة، لا خروج منها إلا في توابيت، أو استسلاماً لأصحاب الحق وتسليماً لهم.
الثلاثاء 14:20 الموافق 22/7/2014 ( اليوم السادس عشر للعدوان)
|
|
|
|
|
|