|
دور مؤسسات الدولة في إصلاح القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 دكتور عوض الحسن النور قاضي المحكمة ال
|
بسم الله الرحمن الرحيم دور مؤسسات الدولة في إصلاح القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 دكتور عوض الحسن النور قاضي المحكمة العليا السابق [email protected] فوجئ قضاة السودان والسودانيين والعالم في عام 1983 بإعلان السيد رئيس الجمهورية جعفر محمد نميري التشريعات الإسلامية حيث كان القانون الجنائي السوداني لسنة 1983 أكثر هذه القوانين تأثيرا في مسار العمل القانوني والمجتمع والدولة . وما أربك الساحة القضائية أنها كانت قد تمرست على العمل بقانون العقوبات السوداني 1925 ثم قانون العقوبات لسنة 1974 وما أرسته السوابق القضائية من فقه استقر ، كما أن المشرع عندما أصدر القانون لم يلتزم تقليد مذهب أو مذاهب من المذاهب المعروفة ولم يقم باجتهاد جديد ليأتي بنسيج إسلامي وعصري بل أصدر أحكما وقوانين بعضها لها أصل فقهي وبعضها من أصل وضعي . وقد خلا القانون من مذكرة تفسيرية او ايضاحية . كما أتي القانون في غير الحدود بالعقوبة مجملة بالسجن والجلد والغرامة فهم منه كثير من القانونين أن هذه العقوبات ملزمة ولا دور للقاضي في تفريد العقوبة مما تفاوتت العقوبات والأحكام وتضرر عدد كثير من المتهمين ، وفي الحدود صدرت أحكام اجتهد فيها القضاة فأصابوا في بعضها وأخطأ آخرون فمثلا صدور حكم بقطع يد سارق وأمر القاضي بتعليق اليد بعد قطعها على رقبة الجاني والطواف بها ، كما اختلف القضاة في فهم الستر ، وانقسم القضاء المقسوم أصلا لقضاء شرعي ومدني ورأى قضاة الأحوال الشخصية في صدور هذه التشريعات أنها تمنحهم الحق في ممارسة الحكم في المجال الجنائي بالذات وتعديل اسبقياتهم لرفع ما لحق بهم من ظلم سابق في الترقيات والمخصصات . وبحمد الله قيض الله للهيئة القضائية رئيسا وهو القاضي العالم مولانا دفع الله الحاج يوسف وبخلفيته الإسلامية أن أصدر من المنشورات القضائية ما سهل على القضاة فهم هذه التشريعات وخاصة الحدود وبين مسقطاتها وفسر ما أغمض من نصوصها ، وقد وجدت هذه الاجتهادات معارضة شديدة من الغلاة والمشرعين في القصر ويكفي أن تستمعوا لمولانا كل جمعة في برنامج مراجعات مع الأخ الطاهر حسن التوم وهو يتحدث عن هذه التجربة . كما قال المرحوم رئيس القضاء السابق رحمه الله مولانا حافظ الشيخ الزاكي ان النميري قد تعجل في إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية ، كما تعجل في اختيار واضعي القانون الإسلامي الجديد _ ولكن ذلك لا ينفي صحة أصل ضرورة تطبيق الشريعة في حياة الناس ، كما تحدث عن قلة الخبرة والتأهيل لدى القضاة ، كما في السابقة المشهورة التي ساوى فيها القاضي المكاشفي خيانة الأمانة والاختلاس بالسرقة، مبررا ذلك لسببين الأول: القانون لم يقيد القاضي بمذهب مخصوص، فرجح المكاشفي رأي الشافعي الذي يساوي بين خيانة الأمانة والسرقة، وكذلك لم يكن له إلمام كافٍ بالقانون، لأن هناك مادة مفصلة عن خيانة الأمانة في القانون. الثاني: قلة خبرة المكاشفي القضائية، برغم أنه قانوني، فهو لم يمارس القضاء من قبل. وأنه سعى لمعالجة الأخطاء التي وقعت في التطبيق، ولمعالجة خطأ القاضي المكاشفي بانتقاده علنًا ودعوته للمشاركة في برنامج تلفزيوني للحوار حول الموضوع وتبيان حجته، ولكنه غاب عن اللقاء. وتحدث عن اللجنة التي شكلت برئاسة المرحوم مولانا خلف الله الرشيد بالإضافة إلى لجنة فنية برئاسة الدكتور حسن الترابي لتقوم بإعداد الدراسات حول تنظيم المعاملات بين الأفراد والمؤسسات وما يتناولها من الحقوق والواجبات وقواعد الإثبات في جميع فروع القوانين ومهمتها الأساسية معالجة الجانب القانوني في سياق بعث حضاري متكامل، وكذلك إرساء منهج فقهي أصيل مستمد من التراث الفقهي للأمة وأعرافنا الحميدة، واللجنة التزمت في أبحاثها أن تكون خلاصة لحركة اجتهاد واسعة لتحقيق الالتزام بأصول الشرع وإدراك للواقع العصري القائم، لتخرج الأحكام ملبية لحاجة العصر ومستمسكة بالشرع. وان هذه اللجنة اختطت لنفسها منهجًا جيدًا في مهمتها، كالتدرج، والميل ليسر الأحكام، الأخذ من الأحكام بما يوافق المشهور عند الناس، وعدم التقيد بمذهب.. وغيرها من القواعد المهمة، والميسرة للانتقال من عهود القوانين الوضعية إلى تطبيق الشريعة. واعاب على التجربة لجوء رئيس الجمهورية إلى تكوين محاكم طوارئ من قانونين من خارج النظام القضائي أعطى صفة الاستثنائية لهذه الأوضاع، ومنها التشهير بالمحكومين وفقاً للقوانين الإسلامية في وسائل الإعلام مما أتاح فرصة للهجوم عليها، وان أكبر السلبيات، أن هذه القوانين صدرت دون شورى واسعة مع القانونيين والسياسيين مما جعل إعلانها مفاجئًا للناس كما جاءت غير محكمة في صياغتها القانونية. ثم صدر القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 الذي عالج بعض العيوب الفنية وأبقت على بعض الجرائم والتي تثير خلافا بين فقهاء المسلمين أو بين ما يقال بتعارضه مع دستور السودان الانتقالي لسنة 2005 والمواثيق الدولية ولست بصدد تقييم هذا القانون بل لتسليط الضوء على بعض هذه الخلافات والتعارضات . وأرى كما يرى ومولانا حافظ الشيخ رحمه الله وكثيرون من اهل العلم والفكر والدكتور الترابي : ( بانحسار الواقع ينحسر الفقه لأن العلم والعمل متلازمان، فإذا اتسع العمل اتسع معه العلم، وإذا اتسع العلم اتسع معه العمل، وإذا انحسر العمل كذلك انحسر معه العلم، ...كما حاول بعض المفكرين المسلمين أن يقدروا كيف تكون الأحكام الإسلامية في واقع حضري كثيف تقوم فيه سلطة واسعة الوجود، إلا أن هذه المبادرات الفقهية التي ظهرت أخيراً، بين يدي تحديات الواقع، لا تكاد تغني شيئًا، وإن كان لنا كسب من الفقه الشعائري ومن فقه الأحكام في الأحوال الشخصية بل في المعاملات المدنية، لا بأس به، وإن كان يحتاج إلى استكمال الكثير؛ إلاّ أنه إذا قسنا إليه رصيدنا من الفقه السياسي ألفيناه ضئيلاً جدًّا في واقع الأمر. أن تجربة الشريعة بلا شك جهد بشري شارك فيه علماء وفقهاء وقانونيون واقتصاديون؛ تشريعا وتنفيذا، وسع جهدهم وإدراكهم للواقع، وهو واقع متجدد، مما يتطلب مراجعة وتصويبًا دائمين، أن تقوم الدولة بعقد مؤتمر جامع لأهل الفكر الإسلامي والقضاء والعدل والمجلس الوطني والأمم المتحدة ومنظمات العالم اٍلاسلامي والدراسات التي قامت بها لجان كثيرة ومؤسسات كالأزهر الشريف لمناقشة هذه المسائل حيث إن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان وان اختلاف الفقهاء رحمة بالعباد ولإثبات ذلك . فالمسائل التي تحتاج للنظر والتعديل في تقديري كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر : أولا : نقاش حد الردة وفقا للمادة 126 من القانون الجنائي لسنة 1991 وقد سبق أن اوردت هذا الرأي في المقال السابق . ثانيا : في المادتين 23 و27 من القانون الجنائي والمتعلقتين بتعريف البالغ وإعدام من لم يبلغ الثامنة عشر من العمر طبقا لما جاء بسابقتي المحكمة الدستورية الأولى في قضية عبد المعز حمدون سعد المنشورة في المجلة الدستورية 1999-2003 صفحة وسابقة نجم الدين قسم السيد ضد حكومة السودان وآخرين والتي قضي فيهما في الأولى بالإجماع وبالأغلبية في الثانية بالقول بأن التفسير السليم يقضي بعدم توقيع عقوبة الإعدام على من يبلغ الثامنة عشر إطلاقا وأن الاستثناء الوارد في عجز المادة (في غير الحدود والقصاص ) خاص بمن تجاوز السبعين من عمره وأن هذا النص يتعارض مع نص المادة 6/5 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والذي يعد بمجرد التصديق عليه جزءا من القوانين السودانية شأنه شأن القانون الجنائي . ثالثا : عقوبة الرجم يرى بعض من الفقهاء أن عقوبة الزنى كانت في صدر الإسلام هي الحبس في البيوت والإيذاء بالتعبير أو الضرب مستندين إلى قوله تعالى : وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ and#1750; فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىand#1648; يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا . وفسرت بأن عقوبة المرأة الزانية الحبس حتى الموت أو يجعل الله لهن سبيلا بحكم آخر وأن عقوبة الرجل الزاني الإيذاء بالقول أو الضرب ، ولما نزلت سورة النور : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ and#1750; وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ and#1750; وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . رأى جمهور المفسرين أن هذه الآية نسخت العقوبة المقررة في سورة النساء في حين نقل عن مجاهد أن الآية الأولى في سورة النساء نزلت في السحاقيات وأية وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا and#1750; فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا and#1751; إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا ، في ال########ين وأما آية النور فنزلت في الزنى بلا تناسخ وحيث إن هذه الآيات لم تفرق بين المحصن وغير المحصن بل جعل عقوبة كل منهما الجلد مائة جلدة قال بعض الفقهاء كالشوكاني إن حكم آيات سورة النساء نسخت بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسلم وأب داؤود ولم يرد في البخاري أنه قال : خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم .كما أنكر عقوبة الرجم طائفة من الخوارج وبعض المعاصرين بحجج نلخصها في أن نسخ اللفظ وبقاء الحكم في بعض الآيات أمر مختلف فيه ومن ثم لا يجوز بناء الأحكام على أية نسخ لفظها وإن قيل ببقاء حكمها . وهذا ردا على من يقول بإجماع الصحابة بأن الرجم ثابت منذ خطبة سيدنا عمر عن آية الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة . وقد شكك الألوسي فيما روى عمر أن هذه الآية غير ثابت كما أنها تتنافى مع بلاغة القرآن كما يقول المستشار علي منصور أن ذلك لا يصدق في حق الرسول الذي لا ينطق عن الهوى ، كما أورد المستشار دليلا آخر مستمد من الآية فإذا احصن حيث إن سورة النور ورد العقاب على الزانية الحرة مائة جلدة وجعلت عقوبة الزانية غير الحرة نصف المائة وكما يقول الإمام أبو زهرة حيث يكون الحد قابلا للتصنيف كما أن الشيخ مصطفى الزرقا ومن المسائل التي لم تثبت عند المنادين بعدم توقيع عقوبة الرجم أن رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل نزول سورة النور ويرى المستشار محمد سليم العواء غير ذلك ومما تقدم أرى أن هذا الأمر شائك ويحتاج إلى دراسات متعمقة من الفقهاء والعلماء لترجيح الرأي الصحيح كما لم ينص القانون الجنائي والإجراءات الجنائية على طريق واضح لكيفية استيفاء الدية من العاقلة وحتى لا يفهم من ذلك أنه استثناء من مبدأ شخصية العقوبة ، كما أن الواضح إن وجود سلطة التدابير الاحترازية بيد وكيل النيابة والتي تجتمع السلطة الإشرافية بيد وزير العدل والذي هو جزء من السلطة التنفيذية تقتضي ولحين تعديل الدستور بفصل منصبي النائب العام ووزير العدل إخضاعها لرقابة القضاء وهناك قانون الإثبات والذي قد يشتمل على حكم لتجاوز حقوق المتهمين ممن يتعرضون للتعذيب لنيل الاعتراف ما يحتاج لدراسة ونصوص أخرى لمظنة مخالفة مواثيق حقوق الإنسان وقوانين أخرى .
|
|
|
|
|
|