|
من اليقظة إلى العقلاني: مركز الدراسات النقدية للأديان يسير على الخط نفسه 3-5 مختار اللخمي
|
العقلاني و الحركة الإنسية: لقد ذكرنا في الحلقة الماضية أن العقلاني قد جعلت شعارها: "من أجل ترسيخ رؤية عقلانية و قيم أخلاقية إنسانية. و بينما تشير كلمة العقلاني إلى تيار العقلانية، و الصراع بين العقل و النقل في تاريخ الفكر الإسلامي، فإن القيم الأخلاقية الإنسانية، تشير إلى تيار الحركة الإنسية- الهيومانزم- التي ظهرت بإيطاليا في عصر النهضة الأوربية، مما قاد إلى عصر التنوير، و من ثم إلى الحضارة الإنسانية المعاصرة. و لعل موقع إيطاليا الإستراتيجي وسط حوض البحر المتوسط، و توسطها في نفس الوقت بين آسيا و غرب أوربا من جهة، و بين العالم الإسلامي و أوربا من جهة أخرى، و انتقال مظاهر الحضارة الإسلامية إليها، و ازدهار مدنها مثل البندقية، و جنوة، و فلورنسا، كل ذلك جعلها تصبح نقطة لانطلاق، و ظهور الحركة الإنسانية، التي كانت نتاج كل ذلك ، خاصة بعد سقوط القسطنطينية عام 1453م علي يد الأتراك العثمانيين، و انتقال عدد من العلماء إليها، و معهم العديد من المخطوطات و الوثائق الإغريقية. و الحركة الإنسانية التي ظهرت في عصر النهضة، تعتبر من أهم مميزات هذا العصر. و قد جعلت مركز الدائرة لدى عملها هو الإنسان، و ليس الإله، الناسوت لا اللاهوت. و هذا ما جعل "العقلاني" تتخذها شعاراً، و تستلهم ميراثها و قيمها. و الحركة الإنسانية كانت حركة متفائلة بالإنسان، و بقدراته على العطاء و الإنجاز، و الذهاب إلى أقصى حدود ذلك العطاء. و لكن بالرغم من تمحورها حول الإنسان، و رفعه إلى درجة الكمال، مما يبدو ذلك ظاهرياً رفضاً لفكرة الألوهية، لم يكن لإنسي عصر النهضة بصورة عامة نزعات إلحادية، أو مناهضة للتدين، بل عرف معظمهم التدين. لذلك ذكر هاشم صالح- مترجم أعمال أركون إلى العربية-" أن النزعة الإنسانية في عصر النهضة، لم تكن تعني التمرد على الله من أجل الاهتمام بالإنسان فقط، و إنما كانت تعني الاهتمام بالإنسان لأنه أعظم مخلوق خلقه الله، و زوده بالعقل". و لكن أولئك الإنسيين رفضوا أن تكون الكنيسة كمؤسسة مسيحية محوراً للحياة في أوربا، و هذا ما تجلى في أعمالهم النهضوية، خاصة أعمال ميكافيلي، و توماس مور صاحب اليوتوبيا، و فرانسيس بيكون، و رابليه، و غيرهم. و قد نلاحظ هنا التجليات الأولى لظهور العلمانية التي كانت تنادي أساساً بعملية الفصل بين الكنيسة كموؤسسة دينية، و الدولة كمؤسسة سياسية، أي ألا تتعدى السلطة الدينية إلى المجال السياسي، و لا تتعدى السلطة السياسية إلى المجال الديني. و هذا المفهوم للعلمانية هو عكس ما يروج له الإسلامويين في العالم العربي و الإسلامي، الذين يشيرون إلى أن العلمانية تنادي برفض الدين في الحياة. صحيح هناك علمانيون ملحدون، لكن لا يرفضون وجود الدين كسلوك شخصي. لذلك تحدث الدكتور/ عبد الوهاب المسيري عن العلمانية الجزئية و العلمانية الشاملة. في اللحظة التي اكتب فيها هذه الحلقات يدور حوار مستمر منذ فترة بيني و مجموعة من طائفة "شهود يهوة"، و هي طائفة مسيحية أصولية ترى أنها تمثل "الأرثوذكسية المسيحية، و ترفض كل التيارات المسيحية الأخرى باعتبارها منحرفة عن خط المسيحية الحقيقي مثل الكاثوليك، و البروتيستانت، و لا يذهبون إلى الكاتيدرائيات و الكنائس. فقد اندهشت عندما ذكروا أنه توجد في نصوص الإنجيل نص يشير إلى كروية الأرض، إلا أن القساوسة، و بسبب احتكارهم للإنجيل و تفسيره قد أخفوه عن الرعايا المسيحيين إلى أن جاء كولمبس و قام بمغامرته باكتشاف أمريكا، و كشف تلك الحقيقة. و ذكروا أن القساوسة قد فعلوا ذلك بحكم تحالفهم مع الملوك في أوربا في العصور الوسطى، و قد احتكروا الإنجيل و تفاسيره بغرض السيطرة على رعاياهم. لذلك ساهمت الحركة الإنسية في النهضة الأوربية بفكر جديد يمجد عقل الإنسان، و قوته، و ينتقد هيمنة الكنيسة الكاثوليكية على المسيحيين. و لذلك عملوا على إحياء التراث اليوناني و اللاتيني القديم. و تزعم إيرازم و بيترارك الحركة الإنسية و قاما و غيرهم من الأنيين بتقديم الفلاسفة و المفكرين القدامى مثل سقراط و شيشرون. و مما ساعد الحركة الإنسية على نشر أفكارها، اكتشاف المطبعة على يد يوحنا جوتنبيرج عام 1455م، و ذلك من خلال الدور الكبير في توفير الكتب المطبوعة بتكاليف أقل، حيث أصبح الكتاب في متناول الجميع بعد أن كان في السابق في يد قلة ميسورة بسبب غلاء ثمنه. و قد رافقت الحركة الإنسية عدة تحولات أخرى مثل تطوير مناهج العلوم من خلال قيام المعرفة على أساس التجربة و البرهان، مما أدى إلى ظهور قواعد الفكر العلمي الحديث. هذا بالإضافة لتطور علم الفلك و الطب و علم التشريح رغم مقاومة الكنيسة لذلك. و يتواصل الحديث
|
|
|
|
|
|