|
حامد عبدالصمد: "الفاشية الإسلامية بدأت بفتح مكة ... !! (1)
|
بقلم: د. محمد بدوي مصطفى
[email protected]
تعجبت ولا أزال أتعجب في باحث مصري مقيم بمدينة ميونخ صار يروج لأطروحاته العديدة عبر القنوات الألمانية. يقيم ويقعد الندوات التنويرية - على حد قوله - في مصر وألمانيا بدأب منقطع النظير وكل جهوده موجهة في اتجاه واحد كصواريخ الباتريوت: محاربة الدين الإسلامي ووضع علامة استفهام بالعريض أمام كلمة "مسلم". لمست في لقاءاته وندواته العديدة الموجودة بالنت فكرا أشبه أغلب الظن بالطفولي، إذ أنه لا يرقى إلى درجة العلمية والموضوعية ورغم ذلك أود أن أتصدى لبعض أفكاره في سياق هذا المقال لأنها تنطوي عن انطباعات خطيرة بيد أنها سطحية وتفتقد - حسب تحليلاتنا - إلى الآتي: أولا: تفتقد مادته إلى المعرفة المتينة والراسخة بعلوم الدين الإسلامي الشائكة ناهيك عن لغته العامية التي يتحدث بها ويقدم بها محاضراته (العلموية)؛ ثانيا: تَقلِبُ أقواله المروية حقائقا تاريخية بينة وواضحة ومتفق عليها إجماعا رأسا على عقب وهو يأمل من خلالاها أن يدعّم أطروحاته الركيكة؛ ثالثا: كل ما تقدم به من مادة كان مصبوغا بصبغة الانطباعية الذاتية والسطحية التي تتبدى في وهونة المتن وضعف المنهج العلمي المتبع؛ رابعا: التعامل مع البينات والمعطيات التاريخية في إطار تاريخي "منتزع" من السياق العام ودون الاتباع العلمي للتسلسل الكرونلوجي (التأريخي) للأحداث مما يجعل رؤاه "مسندة" بدلائل مشكوك في صحتها. ومن هنا وجدنا – حسب تحليل شخصيته وذاته من خلال المادة المقروءة والمرئية التي درسناها - أن همه الوحيد أن يظهر أمام الملأ، سيما في أروبا، بلون جديد ليُشار إليه بالبنان وليُقال عنه (يا لك من طالب نجيب، فقد فهمت الدرس على أكمل وجه!). ينشد عبدالصمد بأي ثمن أن يقدم أطروحة "اسلاموفوبية" وصورة سالبة عن الإسلام في كل المواقف، وبأي ثمن، حتى يكون له السبق بين فطاحلة وعلماء الدراسات الإسلامية ولكن هو بعيد من ذلك بعد الثريا عن الأرض. ليس من العجيب أن تتهافت أقواله قنوات التلفزيون الأوربية وأن تتناقل مواقع التواصل الاجتماعية المناهضة للإسلام هذه الأطروحات وتنشرها بين العباد في وقت ترتفع فيه أصوات الأحزاب اليمينة المتطرفة (الفاشية) بصورة مذهلة وحزب ماري لوبين بفرنسا وأحزاب أخرى في دول أروبا غربية كاليونان وحتى في أروبا الشرقية. معروف عن حامد عبد الصمد أنه يساري ملحد وهو صاحب كتاب "سقوط العالم الإسلامي" الذي توقع في طياته اندحار العالم الإسلامي وانهياره في العقود القليلة القادمة. اشترك عبد الصمد مع الكاتب اليهودي "هنريك برودر" في برنامج تلفزيوني من عدة حلقات، طافا خلاله معظم أرجاء جمهورية ألمانيا الاتحادية بالسيارة. وفي إحدى جولاتهما قاما بزيارة النصب التذكاري لضحايا النازية كما وحاولا زيارة مسجد (ديتيب) في مدينة دويسبورج، وهو أحد أكبر المراكز الإسلامية بألمانيا، إلا أن المركز الإسلامي رفض استقبالهما وطالبهما بمغادرة حرم المسجد وذلك نظرا لمواقفهما المعادية للإسلام. يرى حامد عبدالصمد أن الفكر الإسلامي جزء لا يتجزأ من مشكلة الدول الاسلامية ويدلي أنه ليس من المنطق أن تستعين هذه الأمة بمنهاج بالي وعقيم وُلد في القرون الوسطى الأولى. لذا فهو يصمم في أحاديثه أنه لن يكون في مضامين رسالة الإسلام - قديما وحديثا - أدنى حل لمشاكل أمته بل العكس. كلنا يعلم كل العلم يا سادتي أنه ينبغي للدين أن يتجدد وأن يواكب العصر ومعطياته وأنه لابد أن يجد المسلم فيه أجوبة لمشاكله الآنية وحلولا لقضايا تخص عصره وفي الأول والآخر ما الدين إلا علاقة المرء بربه. الجدير بالذكر أن أعظم دول أروبا ألمانيا يحكمها حزب ديني ألا وهو الحزب المسيحي الديموقراطي في شخص أنجيلا ميركل، وهي التي ولدت وترعرعت في دولة ألمانيا الاشتراكية. كلنا يعي كل الوعي أن فساد تطبيق الدين وأسيسته وأدلجته في العديد من الدول الاسلامية لا يعني أن المبدأ من أساسه غير سليم وأن العقيدة في مبناها الكيمائي غير سليمة؛ ففساد التطبيق لا يدل على فساد المبدأ. والعارفين بعلوم الدين يعلمون أن هناك كثير من الحشو الشطحات والعادات البالية التي صبغت بصبغة الدين فصار دين اليوم، فعلينا ها هنا أن نحرر الدين من الشوائب الكثيرة التي علقت به وأن نتحقق في صحة ما ورد إلينا من الأولين لأنهم أيضا ليسوا معصومون من الخطأ والكمال لله وحده. ماذا يريد عبدالصمد من كتابه الأخير؟ أن نصير ملحدين ونترك ما نشأنا عليه؟ أم يريدنا أن نعتنق أديان أخرى – ربما يلهمنا هو السبيل إليها؟ أم نصير مثله؟ على كل حال "لا إكراه في الدين فقد تبين الرشد من الغي"، "وكل نفس بما كسبت رهينة" وفي الآخر – إن رجعنا إلى ديموقراطية المعتقد – فعليه ها هنا أن يدع كل فرد منّا وشأنه، يعتقد ما يريد والله غني عن عباده! من يقرأ كتب محمد أركون (نقد الفكر الإسلامي) أو علي مراد (الإسلام المعاصر) يلمس في طياتها موسوعية الرجلين وقوة المادة العلمية في الطرح وفوق هذا وذاك اقتراحات جليلة لكل مسلم متوقد وهمام لاجتياز المحنة التي يعيشها العالم الإسلامي في هذا العصر. بيد أننا عندما نقرأ لعبدالصمد فنحن نجد الآتي: "القرآن كان كتابا رائعا للقرن السابع، أما في القرن الواحد والعشرين فليس له مكان". ويقول عبد الصمد حول مسألة العنف الإسلاموي "لقد ارتبط العنف بالحضارة الإسلامية (...) فنحن نحتاج إلى ملحدين للتشكيك بطريقة إلحادية في كل شيء في هذا الدين بدون محظورات"، ويسترسل مصرحا "أن القرآن حجر عثرة في طريق تطور المسلمين لأن الإصلاح يبدأ وينتهي بالنص القرآني." وليته قرأ الديوان الشرقي للشاعر الغربي جوته الذي يقول فيه: إني أبجل تلكم الليلة التي أنزل فيها الله القرآن على عبده محمد". نعم جوته أعظم شاعر في تاريخ الأدب الألماني كان يمجد القرآن وله أشعار كثيرة فيها تناص مثلا وسورة يوسف. وليته يزداد علما ويقرأ الشاعر فريدريش روكرت الذي عاصر جوته وترجم القرآن بالسجع المقفى لأنه أحبه أيضا. إنني أسمعت إن ناديت حيّا ولكن لا حياة لمن أنادي! لا أدري يا أخوتي ما يستتر خلف شخصية هذا الرجل؟ هل هو روائي ملحد يريد أن يلبس ثوب البحث ويفتي في أمور علوم اللاهوت الإسلامي اعتباطا؟ معروف أن الدأب في مجالات البحث العلمي - سيما المجال المختص بتأريخ علوم الدين - يُعنى به علماء تاريخ الأديان وعندما يتعاملون مع الحقائق والأحداث التاريخية نجد أن هذا الدأب يتطلب منهم عشرات السنين من البحث المضني في أمهات الكتب وفي مقارنة الشواهد والأطروحات. فمن هو عبدالصمد بركم الصمد؟ مع احترامي لشخصه، أدرس العلوم الإسلامية ومنها انحرف إلى تأريخها؟ لا، هو يقول عن نفسه أنه درس العلوم السياسية. وليس من السهل يا سادتي في عصر التخصصية العلمية الجمع بين مجالات شتي في حيز البحث العلمي – لا أتكلم هنا عن الثقافة العامة لذا فالتخصصية مهمة جدا في أمور حساسة كهذه لأن سوء الطرح والبحث فيهما يودي حتما إلى أحكام ونتائج خاطئة ومجحفة على عقيدة باسرها أو قل على حضارة برمتها لعبت دورا هاما في المساهمة في الحضارات الانسانية.
(صحيفة الخرطوم)
--
|
|
|
|
|
|