|
السقوط! عطاف محمد مختار
|
[email protected]
لن أتحدث اليوم عن فساد مالي، حول جنيهات سرقت أو نهبت، ولن أتحدث عن تجاوزات إدارية في تعيين عبر الواسطة أو المحسوبية، ولن أتحدث عن أخطاء طبية، ولن أتحدث عن صراعات قبلية أو جهوية... ما سأتحدث عنه اليوم نقبت في معاجم اللغة العربية من (لسان العرب، والقاموس المحيط والعباب الزاخر) حتى أخرج بكلمة توصف ما حدث فلم أجد ما يناسبه. ما حدث يندي له جبين الطفل الرضيع، فهو شيء مخجل مقزز، أقل ما يمكن أن يوصف به.
جميعاً نذكر جيداً الماسأة التي حدثت في الخريف الماضي عندما اجتاحت السيول والفيضانات ولاية الخرطوم ومعظم ولايات السودان، فدمرت السيول المنازل ومسحتها عن الخارطة، فمات العديد من المواطنين، وتشردت آلاف الأسر، فصاروا دون مأوى ودون ملبس ودون طعام وشراب؛ كانت كارثة إنسانية بكل المقاييس، عايشناها جميعاً؛ وتدافعت الأسر السودانية عن بكرة أبيها، والمؤسسات والشركات الخاصة، ورجال البر والإحسان، وطلاب المدارس والجامعات والقوات النظامية، والروابط التي تشكلت للإسناد والدعم السريع مثل (نفير)... إلخ... كل هؤلاء شكلوا ملحمة خالدة في تاريخ السودان تحكي عن الترابط والتكافل الاجتماعي الذي يدعو له ديننا الحنيف، الجميع ساهم بقدر جهده وطاقته وإمكاناته. فقد كانت الكارثة كبيرة جداً، فالأسر المشردة تحتاج كل شيء، لأنها فقدت كل شيء يمتلكه، وصارت تتوسد الأرض. المشهد يفطر القلوب ويدمع العيون ويوجع النفوس.
الدولة أعلنت حالة الكارثة الإنسانية، فتدافعت الدولة الشقيقة، وأرسلت العديد من طائرات الإغاثة الإنسانية؛ التي تسرب بعضها إلى السوق!!!.
لكن انظروا معي ماذا حدث، لقد كشف تقرير المراجعة القومي بولاية الخرطوم (الذي نشره الزميل الصحفي اللامع ماهر أبو الجوخ، والصحفية الشاطرة وجدان طلحة) أن العديد من المساعدات التي قدمت -من قبل (167) جهة مختلفة دعماً للمتأثرين بالسيول- لم تجد حظها من التوزيع؛ مثل الآلاف من السلع الغذائية والمعينات و(الخيام، والناموسيات المشبعة، والبطاطين، وكراتين سلة غذائية، والبشاكير وفوط الوجه، وفرش البلاستيك، وجوالات السكر بالعبوات المختلفة، والدقيق، والعدس، وقارورات الزيت، والمكرونة والشعيرية والبسكويت، والطحنية والمربى، والكركدي....إلخ..).
بالله عليكم بماذا يمكن أن نسمي ما حدث، بل نصنفه تحت أي بند من المسميات، حقيقة أضناني البحث عن المسمى، هل هو (غياب ضمير، أم عدم إنسانية، أم عدم وازع ديني، أم عدم تقدير للمسؤولية، أم عدم مراقبة، أم عدم أخلاق؟؟؟؟)... أعتقد أنه سقوط إنساني وأخلاقي في كل ما ذكر، فقط لا توجد عبارة معبرة تحوي المعنى.
رسالة أوجهها هنا إلى والي الخرطوم عبدالرحمن الخضر، لقد أشرفت بنفسك على غرفة عملية إدارة الأزمة... إذن أنت المسؤول الأول عن تنظيم وترتيب المهام في محلياتك المنكوبة... لماذا حدث هذا؟، لماذا حدث ذلك في وقت كان رعاياك بلا مأوى وبلا مأكل وبلا مشرب، وكانوا في انتظار أي دعم يقدم لهم... ولماذا هذا الاستهتار وعدم المبالاة بكل القيم الإنسانية التي ضرب بها عرض الحائط؟... أين رقابتك؟ أين متابعتك؟ وماذا كان يعمل أركان حربك؛ ماذا كانوا يعملون؟... بالله عليك ماذا يمكن أن تسمي ماحدث يا والينا؟.
في رأيي الشخصي يجب أن يقدم كل متسبب في هذا الجرم للمحاسبة الجنائية، ويجرد من كل حصانة، لأن الذين يتسببون في هذا لا يستحقون لقب إنسان، دعك من أن يولوا أمورنا...
(عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما أصاب القحط المدينة كان يدور بين الخيام وجفنة الطعام على رأسه يوزعه بين الفقراء. وطلب عام القحط من الأعراب والفقراء أن يسكنوا في ضواحي المدينة ونصب لهم خياماً وقال إما نحيا سوياً أو نموت سوياً).
يا والينا اتقي الله في رعيتك... اتقي الله... اتقي الله.
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير.
|
|
|
|
|
|