|
على شرف اليوم العالمي للشعر /صلاح يوسف
|
على المحك [email protected] يعتبر اليوم الحادي والعشرين من مارس من كل عام محطة يتوقف عندها عشاق الشعر ليستريحوا تحت مظلتها التي كتب عليها (اليوم العالمي للشعر) حسب التخصيص العالمي الذي لم يترك شارد أو واردة من الأحداث إلا وحدد لها يوما. ففي شهر مارس وحده هناك اليوم العالمي للمرأة واليوم العالمي للأم واليوم العالمي للشعر واليوم العالمي للمسرح. وقد نال الشعر حظوة تخصيص هذا اليوم للاحتفال به باعتباره فناً كتابياً له مكانته الرفيعة بين مختلف أنماط الإبداع الأخرى من حيث تنغيم الكلم وتطويع المعاني وحشد الصور ونسج الأخيلة منذ زمن الجاهلية مروراً بصدر الإسلام وما تلا ذلك من حقب وعهود تبدّل فيها حال الشعر من الوقوف على الاطلال والمدح والذم والرثاء والتشبيب والغزل وارتقت موضوعاته وتحدثت أدواته وتعددت مواعينه حتى لامس سقف التمرد على الاوزان الخليلية وابتدع التفعيلة واكتفي بالموسيقى الداخلية عند البعض. ومن نافلة القول إن الشعر في العهود السالفة كان مصدر فخر للقبيلة واحتفائها بشاعرها خاصة لو كان فصيح البيان واللسان قادراً على استنباط المعاني وحشد الصور التي تمجد القبيلة وتبرز بطولاتها، لأنه بذلك سيكون بمثابة الناطق الرسمي الذي يعبر عن أمجاد وبطولات القبيلة بصورة لا يضاهيه فيها شاعر الطرف الآخر عندما يتطلب الأمر تنافساً وربما قتالاً. ولكن بعد أن دارت الأيام وتعاقبت العهود صار الشعر، الذي تطورت أدواته التعبيرية وتنوعت أشكاله وتغلغل في الرمزية والإيحاءات والرسم السريالي الكلامي، باعثاً للمتعة والتعمق وسط قطاع حداة الشعر وغواته أكثر من كونه بوقاً للتعبئة العامة. ولعلنا نلحظ أن بورصة التلقي الأدبي في السنوات الأخيرة قد مالت مؤشراتها نحو القصة الرمزية القصيرة جداَ والقصة القصيرة والرواية كوسائل تعبير تشريحية لحراك المجتمع وشخوصه وتقلبات عناصره وتفاعلهم مع الذات والآخر باللغة النثرية التي لا تخلو من شاعرية داخلية أعانت الرواة على النسق البديع للأحداث وتصعيد وتيرة الجذب لتمليك القارئ مفاتيح مفصلية لشخوص يسعون بيننا بمواقفهم وممارساتهم التي قد لا تنفصم عما يعيشه القارئ في واقعه المرتبك بفعل العصف الحياتي اليومي. إن الاهتمام الذي حظيت به القصة والرواية جعل الشعر يتراجع إلى الوراء دون أن يفقد ريادته في التعبير الرنان ودون أن يفقد أثرة السحري على مشاعر المتلقي الوفي الذي يفك طلاسمه ويكشف غموض معالجاته فيسعد أيما سعادة. في جلسات فعاليات جائزة الطيب صالح التي تتضمن ثلاثة محاور للتنافس بينها القصة القصيرة والرواية بصفة ثابتة مع التنويع وإتاحة الفرصة الثالثة مرة للمبدعين في الترجمة ومرة في كتابة النص المسرحي ومرة في الدراسات وغيرها، كان أن ارتفع صوت بعض الشعراء ومنهم عبد الله شابو مذكراً بدور الشعر وإمكانية منحة الفرصة في التنافس الشيء الذي وجد ترحيباً من المنصة ولفيف من الحاضرين، ومن هذا المنطلق أتوقع أن يحظى الشعر في الدورة القادمة بفرصة التنافس الثالثة. ولم لا؟ فإذا كان للشعر يوماً عالمياً معترف به، حري به أن يأخذ موقعه في التنافس علماً بأن دائرة الشعر ليست بعيدة عن اهتمام الطيب صالح الذي أظهر اهتماماً كبيراً لدرجة العشق لكل ما كتبه المتنبي. أتوقع أن لا يمر هذه اليوم وتتوارى شمسه دون أن يحتفي به الشعراء والغاوون وما أكثرهم بل إن منتدياتنا التي ظلت تبذل جهداً في تصيّد المناسبات لإثراء الساحة الثقافية بالمعرفة والتنوير جاءتها الفرصة في طبق من ذهب لكي تعطي هذا المضمار الأدبي حقه في يومه العالمي إبرازاً للدراسات المقارنة، وتذكيراً بشعرائنا الذين رحلوا بعد أن نثروا بيننا درر النظم، وعكساً لجديد شعرائنا الذين لا زالوا يتلظون بنار الشعر ويرفعون رايته بمختلف مدارسهم الإبداعية. لو قيض لمنتدياتنا أن تفلح في التقاط القفاز وتسخّر نشاطاتها للشعر في هذا اليوم أو في أيامها المخصصة للنشاط لردت للشعراء جمائلهم وامتعت روادها بلحظات ينتقلون عبرها إلى مدائن عامرة بعطر البدائع الشعرية.
|
|
|
|
|
|