دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
حوادث أول مارس 1954 (1)/ فيصل عبدالرحمن علي طه
|
حوادث أول مارس 1954 (1)
قررت الحكومة أن تجعل من افتتاح البرلمان في دورته الثانية في يوم الإثنين الأول من مارس 1954 مناسبة إحتفالية يدعى لها ممثلون لدول أجنبية. وقد قــام بتوجيه الدعوات الحاكم العام باعتباره مسئولاً عن الشؤون الخارجية. وقد روعي في ذلك الدول التي شاركت أو ستشارك في اللجان الدولية التي نصت عليها اتفاقية الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان، وهي لجنة الانتخابات ولجنة الحاكم العام ولجنة السودنة. كما وجهت الدعوة إلى المفاوضين البريطانيين والمصريين في الاتفاقية وإلى شخصيات عربية وأجنبية أخرى. وقد وصل بالفعل سلوين لويد وزير الدولة للشؤون الخارجية كممثل لبريطانيا وعبدالرزاق السنهوري رئيس مجلس الدولة المصري. كما وصلت وفود من ليبيا واليمن والمملكة العربية السعودية والعراق. ووصل أيضاً عبدالخالق حسونة الأمين العام لجامعة الدول العربية. وكان من أبرز المدعوين اللواء محمد نجيب رئيس جمهورية مصر ولكن تقرر في الأسبوع الأخير من فبراير 1954 أن يمثل مصر بدلاً عنه أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف. في ذلك الأسبوع انفجرت خلافات حادة داخل مجلس قيادة الثورة بين محمد نجيب من جهة وباقي أعضاء مجلس الثورة من الجهة الأخرى. وإثر ذلك قدم محمد نجيب في 22 فبراير استقالته من جميع المناصب التي كان يشغلها. قبل المجلس استقالة نجيب وعين جمال عبدالناصر رئيساً للوزراء. ولكن نجيب عاد في يوم 27 فبراير إلى موقعه رئيساً للجمهورية تحت ضغط التظاهرات في الشوارع وتأييد بعض وحدات الجيش لموقفه. قدم نجيب إلى الخرطوم يرافقه صلاح سالم في صباح أول مارس. أثارت استقالة نجيب مشاعر معادية لمصر بين السودانيين. فقد كان يتمتع بشعبية كبيرة في السودان بسبب الدور الذي قام به في إبرام اتفاقية السودان. أما حزب الأمة فقد اعتبر استقالة نجيب دليلاً على عدم استقرار نظام الحكم في مصر. وجاء في بيان أصدره بهذه المناسبة أن ارتباط السودان بمصر غير المستقرة مضر بمصالح السودان وبمستقبل أبنائه. كما دعا الحزب إلى أن يختصر السودانيون الطريق ويتفقوا على تقرير مصيرهم، ويعلن البرلمان السوداني الحالي إستقلال السودان فوراً وجلاء القوات الأجنبية. لم يتم الاحتفال كما رتب له بل أُلغي بسبب الاشتباكات الدموية التي وقعت بين الشرطة وشباب الأنصار في الميدان الذي كان يعرف آنذاك بميدان كتشنر أو ميدان السكرتارية. يقع هذا الميدان شمال المبنى الذي تشغله الآن وزارة المالية وغرب سراي الحاكم العام وكان قد نصب في وسطه تمثال للجنرال كتشنر، وقد راح ضحية تلك الاشتباكات 34 قتيلاً من الشرطة والأنصار وغيرهم من المواطنين. وكان من بين القتلى قمندان شرطة مديرية الخرطوم ماكويجان ومساعده الحكمدار مصطفى المهدي. تسببت الحوادث في حالة من الارتباك في سراي الحاكم العام ورتب على عجل اجتماع للحاكم العام ومستشاريه للنظر في الخطوات التي يلزم اتخاذها لمواجهة الموقف الذي لم يكن متوقعاً أو في الحسبان، وحضر الاجتماع إلى جانب هؤلاء سلوين لويد ومحمد نجيب الذي ظل واجماً ومكتئباً طيلة الاجتماع. يقول مافروقورداتو المستشار القانوني للحاكم العام إن سلوين لويد ورئيس القضاء لندسي مارسا ضغطاً على الحاكم العام لإعلان حالة طوارئ دستورية بموجب المادة 102 من قانون الحكم الذاتي ولكنه - أي مافروقورداتو - عارض ذلك بقوة واستطاع أن يقنع الحاكم العام بإعلان حالة طوارئ عادية في مديرية الخرطوم بموجب قانون دفاع السودان لسنة 1939 لأن الانهيار الذي حدث لم يكن دستورياً. كما أن إعلان حالة طوارئ دستورية سيرتب آثاراً كارثية على العلاقة بين الحاكم العام ومجلس الوزراء. وكان الحاكم العام قد اتصل بمحمد احمد محجوب بوصفه زعيماً للمعارضة وسلمه مذكرة شفوية ورد فيها أنه سيستخدم سلطته لإعلان حالة طوارئ دستورية إذا كانت الحركة الاستقلالية غير راضية عن سير الأمور. نقل محجوب فحوى المذكرة للصديق المهدي واتفقا على تجاهلها. وفي صباح اليوم التالي الموافق 2 مارس أبلغ محجوب الحاكم العام بأن الحركة الاستقلالية لا توافق على تعطيل الدستور. في اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد في مساء أول مارس واستمر إلى ساعة متأخرة من الليل، ألح بعض الوزراء على إسماعيل الأزهري لإصدار أمرٍ باعتقال الصديق المهدي رئيس حزب الأمة وعبدالله خليل سكرتير عام حزب الأمة ومحمد أحمد محجوب زعيم المعارضة وعبدالله عبدالرحمن نقدالله سكرتير تنظيم شباب الأنصار، ولكن أزهري رفض ذلك بصلابة لأنه ليس لديه أي دليل أو شبهة أو قناعة شخصية بأن لهؤلاء ضلعاً في التحريض على ما حدث. كما أنه ليس مخولاً تلك السلطة. غادر نجيب وصلاح سالم والضيوف المصريون الآخرون الخرطوم في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء الثاني من مارس. في القاهرة أبلغ نجيب السفير الأمريكي في القاهرة جيفرسون كافري بأنه لولا احتجاجه، فإن الحاكم العام ما كان يزمع الحضور لوداعه بالمطار. يرى أحمد حمروش أن حوادث أول مارس قد أبطلت أثر الانتصار الذي حققه محمد نجيب على مجلس قيادة الثورة في فبراير 1954 وهزت موقفه الذي كان يستند في شعبيته إلى حب السودانيين له وتمسكهم به. سنتناول فيما يلي بعض الروايات لما حدث في أول مارس 1954. كما سنعرض لأحكام القضاء في تلك الحوادث والتي كان آخرها حكم محكمة الإستئناف. فقد انتهت تلك المحكمة إلى أن الحوادث لم تكن مدبرة وإلى أنها كانت إلى حد بعيد نتيجة لسلسلة من الحوادث المؤسفة التي بلغت قمتها عند ميدان كتشز حيث انطلقت تلقائياً عوامل الفوضى. وأنحت المحكمة باللائمة على الحكومة لعدم كفاية الترتيبات التي اتخذت، ولأنها سمحت للموقف أن يتطور وفي النهاية كانت عاجزة عن ضبطه بشكل يؤكد حفظ النظام. وسيرد من بعد أن مجلس الوزراء إعتبر ذلك تجاوزاً من محكمة الاستئناف لحدود اختصاصها واعتداءً على سلطة الجهاز التنفيذي. سنحاول في نهاية هذا الفصل أن نقف على بعض العبر والآثار التي رتبتها حوادث أول مارس. فقد قال مكتب الحاكم العام إنه بالرغم من أنها لم تكن سوى تظاهرة أخطأت هدفها، وكانت قصيرة في مداها الزمني، إلا أن آثارها ستكون عميقة وبعيدة المدى.
رواية مكتب الحاكم العام للحوادث ورد في رواية مكتب الحاكم العام أنه في الأيام التي سبقت اليوم الثامن والعشرين من شهر فبراير، تسربت أعداد كبيرة من شباب الأنصار والختمية إلى العاصمة المثلثة رغم الحظر الذي فرضه وزير الداخلية. وفي اليوم الثامن والعشرين من فبراير قامت تشــكيلات من شباب الأنصار يقدر عددها بحوالي 6000 رجل بمسيرة من منزل الصديق المهدي في جنوبي الخرطوم إلى قصر السيد عبدالرحمن المهدي وهم يحملون لافتات ويرددون هتافات. وفي مساء ذات اليوم قابل أحد مسؤولي الشرطة السيد عبدالرحمن الذي أكد له أن رجاله رغم عزمهم على الظهور في استقبال نجيب إلا أنهم لن يكونوا مسلحين وسوف يحافظون على النظام. بدأت الجماهير تحتشد في مطار الخرطوم منذ التاسعة صباحاً في اليوم الأول من مارس وقد قدر عددها بحوالي 20 ألفاً بينما كانت تحيط بالمطار أعداد كبيرة من الشرطة. تمركز مؤيدو الحكومة حول مبنى المطار واصطف الأنصار في الشارع المؤدي من المطار إلى شارع الجزيرة. هبطت طائرة اللواء نجيب قبل العاشرة بقليل وعندها كسر مؤيدو الحكومة حاجز الشرطة. لكن موكب نجيب والحاكم العام غادر المطار بغير الطريق المرسوم له. وعند وصول نجيب إلى قصر الحاكم العام حيته مجموعة كبيرة من مؤيدي الحكومة كانت قد احتشدت قبل وصوله أمام القصر بل ان بعضهم تسلق حائط القصر ولكن الشرطة قامت بإنزالهم. في حوالي الساعة العاشرة والنصف وصلت إلى القصر حشود الأنصار التي كانت بالمطار والتي قدر عددها بحوالي 6000 رجل وكان يقود هذه الحشود عبدالله عبدالرحمن نقدالله وأمين التوم وعلى فرح وعوض صالح وهم يهتفون: «الاستقلال يا نجيب .. الاستقلال يا هاو» «إلى الجهاد». وتذهب رواية مكتب الحاكم العام إلى أن الأنصار اقتربوا من البوابة الغربية للقصر التي كان يحرسها رجال الشرطة فقتل الأنصار عدداً منهم واقتحموا البوابة. في ذات الوقت حدثت صدامات عديدة تم فيها التعامل بعنف مع رجال الشرطة الذين كانوا يستخدمون الهراوات والغاز المسيل للدموع واجبروا على التقهقر في اتجاه القصر، وحسب رواية مكتب الحاكم العام فإن تلك كانت هي اللحظة التي قتل فيها القمندان ماكويجان ومساعده مصطفى المهدي. وبعدها بدأ إطلاق النار وتفرق الحشد. في الساعة الثانية عشرة والنصف وصلت وحدات من قوة دفاع السودان لتعزيز قوات الشرطة. ورد في رواية مكتب الحاكم العام أن الأنصار كانوا مصرين على التظاهر من أجل استقلال السودان وأن الأنصار الذين احتشدوا في المطار وفي الشارع الرئيسي بغرض إسماع شعاراتهم أثناء مرور موكب محمد نجيب قد شعروا بالإحباط من القرار الذي قضى بتغيير خط سير الموكب. لذلك هرولوا مسرعين من المطار إلى القصر للإعراب عن مشاعرهم. اعتبرت رواية مكتب الحاكم العام الخطأ الأكبر الذي وقع فيه منظمو التظاهرة هو أنهم فشلوا في نزع السكاكين من رجال الأرياف القادمين من خارج الخرطوم. فلولا وجود هذه السكاكين لكان في وسع قوة الشرطة قمع المتظاهرين باستعمال الغاز المسيل للدموع. ونشير في هذا الصدد إلى أن السيد عبدالرحمن قد ذكر في مناسبات عديدة أنه قد تم تجريد الأنصار من السلاح قبل التظاهرة وتم حفظ السكاكين في مخزن ولكن بعض الشاحنات التي تحمل الأنصار قد وصلت متأخرة ولم يكن هناك وقت لتجريدهم من سلاحهم. ويؤكد هذا عبدالرحمن علي طه فقد قال إنه لم يكن من السهل في جمع بالألوف الكثيرة أن يتيقن المرء من أن كل فرد قد جرد مما يحمله سيما وعربات الوافدين كانت تـصل إلى العاصـمة أثناء الحــوادث، وحـتى بعد إنتهاء الحوادث. ويعتقد عبدالرحمن علي طه أن الأمر كان سينتهي بسلام إذا لم تغير الحكومة في اللحظة الأخيرة خط سير موكب نجيب، وحتى بعد هذا التغيير ماكانت الحوادث لتقع لو أن الحكومة سمحت لجموع الاستقلاليين بالانتهاء إلى سراي الحاكم العام وترديد هتافاتهم التقليدية، بدلاً من أن تصدهم بالقوة وباستخدام الغاز المسيل للدموع مع أنه قد سمح للاتحاديين بالوصول إلى السراي وبالهتاف كما يشاءون. لا خلاف في أن الحاكم العام هو صاحب فكرة تغيير مسار موكب نجيب لاعتبارات أمنية وذلك بحيث يغادر الموكب المطار عبر طريق جانبي يمر بمطار سلاح الجو الملكي البريطاني. وقد عرض فكرته على بعض المسؤولين الذين كانوا بالمطار فقبلوها. وقد كانوا حسين ذو الفقار صبري العضو المصري في لجنة الحاكم العام وبابكر عوض الله رئيس مجلس النواب وأحمد محمد يسن رئيس مجلس الشيوخ وبابكر الديب مسؤول أمن المطار في ذلك اليوم. وعرضت الفكرة على إسماعيل الأزهري رئيس الوزراء عند وصوله المطار فلم يعترض عليها. من الخرطوم أبلغ سلوين لويد وزارة الخارجية البريطانية في 4 مارس بأن الخوف من المهدية قد تجدد وأن حزب الأمة ربما يكون قد أضر بفرصه في الوصول إلى السلطة عبر الوسائل الدستورية العادية. وأضاف أن سلاح الأنصار الأكثر فاعلية الآن هو إثارة الاضطرابات وأنهم قد حققوا هدفهم أثناء زيارة نجيب والعلاقة بينهم وبين الشرطة تشوبها الآن مرارة شديدة. وذكر لويد أن الحوادث كانت من الممكن أن تكون أكثر خطورة. فرجال الأنصار في تقديره كانوا أقوياء وشجعاناً وثبتوا في وجه إطلاق النار. وبعد مقتل القمندان ماكويجان كانت هناك لحظة تردد في صفوف الشرطة، ولو إندفع عندئذ الأنصار بقوة في أكثر من إتجاه واحد وفي وقت واحد فإنهم كانوا سيدخلون سراي الحاكم العام. وعزا سلوين لويد الحوادث إلى التدخل المصري. وقال إنه عندما يرى مؤيدو حزب الأمة أفواج المصريين تمر جيئة وذهاباً، وخطب صلاح سالم الملهبة والاختراق المصري عبر وسائل الاحسان وتقديم هدايا السلاح وتسهيلات التدريب وغيرها فإن مزاجهم سيصبح باستمرار أكثر التهاباً. واعتبر سلوين لويد زيارة اللواء نجيب وتعمد الحكومة الواضح لتحويلها إلى جولة انتصارية القشة الأخيرة.
تقرير قاضي جنايات الخرطوم قال ديريك ويلسون قاضي جنايات الخرطوم في فاتحة تقريره إن القمندان ماكويجان طلب منه أن يكون بالمطار قبل ساعة من وصول نجيب وقد فعل. وذكر أنه بالرغم من كثافة الحشود في المطار وغليانها إلا أن الحاجة لم تنشأ لاستخدام القوة، فالشرطة كانت تسيطر على الوضع وتمكنت من إبقاء الطريق سالكاً أمام حركة المرور. كما كان قادة الأنصار يساعدون في تنظيم الحشود. بعد مغادرته المطار لحق ويلسون بالقمندان ماكويجان في مكتبه بمبنى مديرية الخرطوم. وحتى تلك اللحظة بدت الأمور لويلسون تحت السيطرة ولم يكن هناك شعور بأن ثمة اضطرابات خطيرة كانت تختمر. كما لم تكن هناك معلومات بأن الحشد كان مسلحاً. وفي هذا السياق أورد ويلسون حقيقة مهمة وهي أنه لم ير أو يبلغه أحد بأنه قد رأى سلاحاً لدى الأشخاص الذين كانوا بالمطار. ولكن بعد وقت قليل من وصول ويلسون إلى مبنى مديرية الخرطوم، تلقى ماكويجان إشارة بأن اضطرابات قد حدثت في ميدان السكرتارية (ميدان كتشنر). عندئذ تحرك القمندان والقاضي ويلسون تصحبهما ثلاث شاحنات تقل شرطة الاحتياطي إلى الميدان. ولم تكن الشرطة تحمل سوى الهراوات والغاز المسيل للدموع. وحسبما ذكر نائب القمندان لويلسون فإن تلك كانت هي المرة الأولى التي تستدعى فيها شرطة الاحتياطي بدون بنادقها. ورد في التقرير أنه بناء على طلب القمندان ماكويجان، فقد أعطى ويلسون الإذن باستعمال الغاز المسيل للدموع لتحرير بعض رجال الحكمدار مصطفى المهدي الذين حوصروا وسط الحشود وتعرضوا للضرب. وحول هذه الواقعة بالذات قال ويلسون إنه لا يستطيع التكهن حول كيف ولماذا تورط الحكمدار مصطفى المهدي ورجاله مع مثيري الشغب. رافق القاضي ويلسون القمندان ماكويجان عندما أُصيب إصابات بالغة إلى مستشفى النهر (مقر وزارة الصحة الحالي) وهناك تبين أنه وآخرين قد فارقوا الحياة. وبقي ويلسون في المستشفى ريثما يتأكد من تقديم العلاج للجرحى. وعندما عاد إلى الميدان ضغط عليه بابكر الديب ورجال الشرطة الغاضبون لكي يسمح لهم بالهجوم على الحشد المتمركز حول السكرتارية ولكنه رفض. في الجزء الأخير من التقرير تناول ويلسون باستفاضة الأخطاء في استعدادات الشرطة وإدارتها للإضطرابات. وقد كان بضمنها افتقاد الشرطة للتدريب الملائم للتصدي للوضع كما نشأ في ميدان كتشنر وغياب العنصر الاستخباراتي وانعدام الخطة الشاملة والقيادة الموحدة للشرطة وأعطال الأجهزة. ويبدو أن القاضي ويلسون كان يحس بحرج شديد وهو يفعل ذلك. لذا قال إنه ينبغي ألا ينظر لتعديده لتلك الأخطاء كنقد أو لوم لضابطين شجاعين الكل حزين لفقدهما، وإنما كمجرد تحليل واضح للحقائق حتى لا تكرر نفس الأخطاء مستقبلاً. إن المتفحص لتقرير القاضي ويلسون لا بد وأن يلاحظ أن التقرير لا يأتي على أي ذكر لإطلاق النار على الحشود وبوجه خاص مصدر الأسلحة النارية التي استخدمتها الشرطة والجهة التي أذنت باستخدامها وتوقيت ذلك. ربما يكمن تفسير ذلك في تنويه ويلسون إلى أنه روى الأحداث كما شاهدها هو وأنه تجنب ذكر الأشياء التي لم يشاهدها بنفسه. وكذلك ما ورد في فقرة التقرير التي قال فيها ويلسون إنه مع مرور الوقت في ذلك اليوم بدأ يدرك أكثر فأكثر عدم كفاية الترتيبات وعدم قدرته على فعل أي شيء لتحسينها. وأدرك أكثر فأكثر أنه كان ينبغي أن يشارك هو في وضع كل الترتيبات من البداية وأن يكون له رأي فيها باعتباره صاحب المسؤولية النهائية عن الأمن العام. ثم قال: «إنه لأمر لا يطاق أن يرافق قاضي الجنايات الشرطة ويقول لهم: أُدخلوا وأطلقوا النار أو أن يصدر لهم أي أمر لازم، إذا كان هو نفسه يشعر بأن العمل يدار بطريقـة لا يـوافـق عليها ولا يستطيع في اللحظة الأخيرة عمل أي شيء حيالها». إن ما سكت عنه تقرير القاضي ويلسون قد أفصح عن بعضه أحمد محمد يسن في مذكراته وأحد شهود الإثبات في إحدى محاكمات متهمي حوادث أول مارس. فعن مصدر الأسلحة النارية التي استخدمتها الشرطة قال أحمد محمد يسن إن مفرزة من رجال الشرطة استطاعت «أن تنجو من المعركة، ثم اقتحمت مخزن السلاح بمديرية الخرطوم. فحصلت على عدد من البنادق والذخيرة وعادت بها إلى ساحة القتال، واستطاعت أن ترد القوة المهاجمة على أعقابها رويداً رويداً، حتى هدأت الأحوال». وعند نظر القضايا المتفرعة من حوادث أول مارس أمام القاضي عبدالرحمن العاقب في أغسطس 1954، قال شاهد الإثبات الأول الجاويش أحمد الطيب حسن إنه كان في أول سيارة شرطة تدخل ميدان كتشنر فنزل ومعه أربعة من أفراد الشرطة على مقربة من البوابة الغربية للقصر وظلوا هناك حتى هجم الأنصار وقتلوا الجاويش ميرغني. ومضي للقول إنه عندما اشتد الضغط على رجال الشرطة وعلى القصر أمر رجاله الأربعة بإطلاق النار على جماهير الأنصار حتى انسحبوا من الميدان وحدد الشاهد عدد الطلقات التي استخدمت بعشرين طلقة. وعندما واجهه محامي الدفاع محمد احمد محجوب بحقيقة أن التقرير الطبي قد حدد الطلقات التي استخدمت بمائة طلقة، أجاب الشاهد بأن الطلقات التي أخذت من المخزن كانت خمسين طلقة. ورداً على سؤال من المحجوب عما إذا كان قد تلقى الأمر باستخدام الرصاص من شخص مسؤول، قال الشاهد إنه لم يكن هناك شــخص مســـؤول ولــــذلك فقـــد أعطى هو الأمر للشرطة بإطلاق النار.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حوادث أول مارس 1954 (1)/ فيصل عبدالرحمن علي طه (Re: فيصل عبدالرحمن علي طه)
|
التحية للاستاذ والعلامة فيصل عبد الرحمن علي طه وقبل ذلك العم علم علي علم وبحر فوق بحر حالنا في السودان كحال عيث الشاعر يقتلها الظما والمال فوق ظهورها محمول اعجب لحزب يفقد العلماء وكنوز المعرفة ويفضل ال..... انه امر مؤسف جدا
خسر حزب الامة البروف فيصل وكسب صفرا كبيرا
نحن احوج ما نكون لامثال البروف العلماء والفلاسفة لا العسكر واصحاب العاهات
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حوادث أول مارس 1954 (1)/ فيصل عبدالرحمن علي طه (Re: محمد حسن العمدة)
|
كنت أود كتابة موضوع بعنوان "أول مارس في التاريخ" ؛ ولكن افتقادي نسختي الخاصة من كتاب ذكؤيات ومواقف للعزيز الراحل أمين التوم عليه السلام، وهو من أبطال ذلك اليوم التاريخي ، أقعدني عن هذا الأمر ؛ إذ لابد لمن يود الكتابة في هذا الشأن، أن يستعين بذلك الكتاب لما يحويه من تفاصيل توثيقية لا غنى عنها. يحق لنا ، نحن السودانيين ، الاحتفال بذلك اليوم كيوم من الأيام الخالدة في تاريخ بلادنا الحديث , وكمعلم بارز من معالمه لاتخطئه العين. ففي ذلك اليوم حضر نجيب ، لآادري ما الذي حبب بعض السودانيين فيه ، حضر لكي يبارك للاتحاديين فوزهم بالنصر الانتخابي الذي ظن أنه كان سيضع السودان وشعبه تحت السيطرة المصرية ، آملاً أن يعود ليبشر المصريين بالسيادة على السودان. في ذلك اليوم خرجت حموع الأنصار والاستقلاليين لتعبر ، تعبيراً سلمياً ، عن رغبتهم في الاستقلال ورفضهم الاتحاد مع مصر, ولكن القيادة السياسية ، الفرحة بانتصارها المشبوه ، وليد الأموال المصرية ، حرضت الشرطةبقيادة الضابط ذي الأصول المصرية، بابكر الديب ، على استفزاز الموكب ، بمنع الاستقلاليين من التعبير عن رأيهم وإسماع أصواتهم للقيادة المصرية ؛ فكان ما هو معروف من أحداث ذلك اليوم . فعاد نجيب إلى بلاده يجرجر أذيال الخيبة وقد تلقى الرسالة صريحة بأن الوحدة مع مصر لن تكون إلا على جثث أبناء السودان , وقد كان ، كانت أحداث ذلك اليوم التاريخي هي التي دقت ناقوس الخطر للمصريين ولأذيالهم الاتحاديين ، وهي التي شكلت نقطة هامة من نقاط تحول المسار السياسي لبلادنا.وأعتقد أنها كانت من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تراجع الاتحاديين عن فكرة الوحدة مع مصر. هذا هو ................"أول مارس في التاريخ"
تحياتي
| |
|
|
|
|
|
تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook
|
|