|
لم أتجنَّ يا الزبير لكن أقول: أين عازف العود السوداني الصوليست؟ بقلم د. محمد بدوي مصطفى
|
تجليات:
[email protected]
اتصلت اليوم في مكالمة تلفونية شيقة بصديقي قسم السيد بصحيفة الخرطوم فكان أول كلمة تنفجر من فيه هي:
- ده كلام يا دكتور؟ السودان ما فيهو عازفين عود؟!
- والله يا قسم السيد كلامي جماعتك ديل ما ختوهو في سياق الحوار العملتو معاهم!
- يا اخي في زول ينسى الأستاذ محمد الأمين وأدروب وعوض احمودي؟
- داير الحقيقة يا قسم السيد، والله في حديثي القطعوه ذاكر أبداع محمد الأمين على الآلة
- خلاص يبقى في وصلات للكلام
- أبشر يا قسم السيد، جماعتك ديل ما بخليهم، الأستاذين رامي والرشيد جاهم بلا (ثم ضحكة مجلجلة منه).
فوجئت بالأمس – عندما أرسل لي صديقنا العزيز بالصحيفة محمد أمبلي الملف – أن وجدت به مقال: ليه التجني يا دكتور بدوي، بريشة الزميل الرشيد. فتحت عينيّ وقلت في نفسي: الكلام ليك يا المفتح عينك!
الحقيقة الحوار الذي نشره رامي معي في يوم and#1634;and#1639; في هذا الشهر تضمن أشياء عدة عن عملي هنا في ألمانيا فله الشكر الجزيل على هذا الجهد والعمل الجميل– بيد أنني وجدت في طيات المقال أن البقر تشابه عليه في كثير من الأمور – لا سيما مكان عملي ومداخلاتي (ذكر ثلاثة بلدان مرّة واحدة: بريطانيا، فرنسا وألمانيا ... عاد ده كلام يا رامي؟). لم يغب عني أنهما الأثنين على حد سواء لم يذكرا اسمي كما ينبغي: فلست محمد البدوي ولا أحس بأنني معني بالأمر ... لكن مشيناها ليهم!
ذكر لي الأخ قسم السيد وكما جاء في مقال الأخ الرشيد أن كثير من أعضاء الوسط الفني قد تأزموا لقولتي – التي لم أقلها حافية هكذا دون سياق – واتصلوا عليه لينددوا بمن هو جاهل بأمر ومكانة عازف العود السوداني المرموقة. بكل صدق وأمانة أحسست حينئذ بالبعد الزمني والمكاني بيني وبينهم، لأنهم لم يعوا قصدي كما ينبغي. على كل، وأعيد الكرّة ها هنا لكي يفهم القارئ قصدي وأنني لم أقصد البتة التقليل من شأن زملائي الفنانين ولا أن أترفع عليهم لأني واحد منهم، فهانذا قد سلكت طريقي لأتعلم وأعلّم. فلهم العتبي إن غضبوا. أقول لهم، نعم، السودان به خيرة العازفين لكن – وهنا كلمة "لكن" مهمة - بالنظر إلى محاور القياس التقني نجد الفرق بين العازف المصاحب لفرقة (كعوض أحمودي أو محمد الأمين) يختلف عنه للعازف الذي تصاحبه الفرقة أقصد ها هنا الصولست. هل يوجد في السودان صولست عوّاد بمقاييس المقطوعات العالمية المعروفة كعازف الكمان يهودي منوين أو كعازف الجيتار جيمي هندركس؟ يجب أن نعلم بأنه يوجد للعود كونشرتوهات (مقطوعات سمفونية) والبيانو مثلا وهذه تتطلب مهارات صولية عالية أو قل خارقة للعادة. فلآلة العود مدارس كما كانت للنحو والقواعد مدارس في قديم الزمان بالكوفة والبصرة وبغداد. ومن مدارس العود نجد أهمها المدرسة العراقية، فهي تتسم أولا بأن العود العراقي يختلف في شكله العام عن العود الشرقي وأيضا في دوزنته عن العود السوداني مثلا. ثانيا نجد تمارين العود في مدارس الموسيقى العراقية تعتمد على ألوان عدة منها الشرقيات (المقامات العربية المعروفة وطريقة دراستها مثلا البيات والسيكا والنهوند والعجم والحجاز؛ كما نجد فيها الألوان الغربية التي تشابه عزف الجيتار وأيضا نرى ألوان الأربيجديو أو قل العزف بالأكورد – يعنى أربعة نغمات متجانسة؛ ومن ثم نجد لون الباروك الذي انتشر في القرن السابع عشر بأروبا والأندلس وكل ذلك على سبيل المثال لا الحصر.
فالسؤال الذي يطرح نفسه هل عواديّ السودان الذين نعرفهم ونقدرهم ونكن لهم كل الاحترام بلغوا درجة تجعلنا نطلق عليهم لفظ عوّاد "صولست". أنا أعتقد إجمالا لا وأكرر إجمالا هنا لأن الغالبية تعزف العود بطريقته التقليدية يعني في ضرب الوتر بالريشة وفي تسلسل العزف وتحويل النغمات صعودا ونزولا يعني من الجواب إلى القرار الخ. لكن يجب علينا أن نقول بأن الوحيدين من الذين يمكن أن نذكّر بموهبتهما الرائعة في العزف الصولو هما الأستاذ البديع محمد الأمين والأستاذ عوض احمودي. لكنهما أيضا لم يخرجا من سياق الأغنية السودانية التقليدية أو المعاصرة إلى آفاق مقطوعات العود الانفرادية كعازفي المدرسة العراقية كمنير بشير ونصير شمة ورائد خشابة وآخرون. نجد في الوقت الحالي آلة العود تدرس وتلقن بمعاهد أصبحت متخصصة لهذا الغرض منها بيت العود بالقاهرة ودبي والبحرين، وسمعت عن محاولات لفتح بيت العود في السودان، ونحن في الانتظار. وهنا مسألة في غاية الأهمية – كما هي الحال في موسيقى الألمان – أن ينشأ الطفل مع الآلة بدروس منتظمة في مدارس الموسيقى وينشأ على اتقان الآلة في الصبا إلى أن يبلغ درجات فائقة من التفرد والاحتراف، والمعروف أن دخول مدارس الموسيقى في ألمانيا يتطلب مهارات عالية ويخضع الطلاب فيها لامتحانات كثيرة تثبت مهارتهم وتمكنهم من الآلة. في هذا السياق ينبغي علينا متابعة الفرق السمفونية بالنت مثلا، وحتى بين هذه الفرق نجد الفرق درجة أولى وأخرى درجة خامسة وليس كلهم في الهواء سواء يا أستاذ الزبير.
خلاصة القول لإخوتي الأعزاء بصحيفة الخرطوم ولمن اتصل عليهم منددا بما قلته أن يرجعوا إلى مرجعيات علمية لمعرفة كيفية قياس مهارات العازف فلا يكفي أن يعزف أدروب "أمي الله يسلمك" بأن نطلق عليه بعد ذلك عازف خارق للعادة. طبعا الأخ الزبير أراه غالى في كلمة التجني التي أطلقها في حقي رغم أنني سعيد بالنقد لأنه طرح المشكلة للنقاش بيد أنه تجنّى عليّ عندما قال: عليهو العوض ومنو العوض ... ده كلام يا زميل؟! فكان يكفيه التجني وألا يذهب إلى أبعد من ذلك، فخيرها بغيرها يا صديقي. ولنا عودة في التجليات مع عوض احمودي ومحمدية وآخرين لكي نتطرق بصورة علمية لمشكلة الموسيقى السودانية التي لم تستطع إلى الآن بلوغ آفاق العالمية. إذا أين بيت القصيد يا زملائي؟
(صحيفة الخرطوم)
--
www.mohamed-badawi.com Dr. Mohamed Badawi
|
|
|
|
|
|