|
مفاجاءة الرئيس .. أو "فخ التغيير الناعم" الخرطوم: علاء الدين محمود
|
مفاجاءة البشير التي يريد ان يلقيها مقبل الايام تلقى حظا كبيرا من التناول الاعلامي على مستوياته كافة ، والمؤتمر الوطني ينجح في كل مرة في إشغال الناس ببلوناته ، وجبل الانقاذ يتمخض فلا يلد غير فأر صغير ، ليفيق الناس من غفلتهم ولتنطوي في القلب حسرة ، وقد برع الحزب الحاكم ورئيسه وجهاز امنه في مثل هذه الالاعيب التي تزيد المشهد السياسي عبثا ولكنها الالاعيب التي تحمل في لجوء الحكومة الى مارستها اعترافا واضحا بالفشل في إدارة البلاد والتعامل مع أزماتها المزمنة فتلجأ بالتالي الى مثل هذا التخدير مستغلين توق الناس الى التغيير وهزال من يعارضونهم خاصة من يحملون صفة المعارضة الرسمية "الاحزاب المسجلة" فالحكومة ظلت تصنع معارضيها من احزاب وافراد صنعا مثلما تصنع كتابها في صحف صارت في معظمها تابعة لها ولجهاز امنها ، وهذه الصحف تتكفل بنشر رسالة النظام الى الناس وتبشر ببرنامجه الجديد في اعقاب اقصاء قيادات سياسية كبيرة مثل النائب الاول علي عثمان محمد طه ، ودكتور نافع علي نافع ، وعوض الجاز . هي الصحف التي ذهبت بعض من اسهمها الى جهاز الامن يريد بعضا منها اعادة انتاج البشير في ثوب جديد لتخلق صورة ذهنية في غاية الروعة حول شخص الرجل والكتاب الصحفيين يعملون في تناغم كبير ويبشرون بالعهد الجديد عهد التوافق والتراضي والاجماع الوطني ويتصدون ببراعة يحسدون عليها لممارسة مهمة تغبيش الوعي عندما يروجون ان البشير قد انجز التغيير المطلوب بابعاده لعلي عثمان وعوض الجاز ونافع وبقية الجوقة ، بل يذهبون الى ابعد من ذلك عندما يطالبون البشير بأن يكمل جميله على غرار الحملة التي انطلقت في مصر "كمل جميلك" والتي تطالب السيسي بترشيح نفسه للرئاسه ليكمل جميله بعد ان ازاح الاخوان عن السلطة وعندما قال البشير قولته الشهيرة "انتهى عهد التمكين" تبارى هولاء الكتاب في التناول والتعليق بعضهم مثمنا وبعضهم يسدي النصح باتباع القول بالفعل بالتالي يوهمون القراء ان عهدا جديدا تم تدشينه بقيادة البشير "البطل" الذي انقلب على مجموعة "الخونة" كما في الدراما الهندية تماما والمفاجاءة التي همس بها الرئيس في اذن الرئيس الامريكي السابق جيمي كارتر قبل ان يلوح بها ، تجد اهتماما كبيرا في الصحف ووسائل الاعلام المختلفة ويذهب الكثير من الكتاب المبشرين بالعهد الجديد من الذين فقدوا مهنيتهم وقبلها اخلاقهم الى ان البشير سيدشن مرحلة تحولات كبيرة بالبلاد تقود نحو التغيير وربما الى حكومة اجماع وطني هولاء ينسون ـ عن عمد ـ ان البشير الذي خلق هذه الازمات لا يصلح ـ الا بصعوبة وبتضحيات لن يقدمها ـ ان يكون جزءاً من الحل ، وينسون كذلك ان التغيير الذي يبشرون به لن يكون حقيقيا طالما انه يحافظ على السياسات السائدة وعلى بنية النظام السائدة وشكل الدولة القديم ولئن كانت الحكومة قد اقرت بفشلها في ادارة البلاد وبالتالي تسعى نحو تغيير شكلي لا ينفي وجودها ويحافظ على جذر الازمة فإن احزاب المعارضة الرسمية تقر بفشلها هي الاخرى وهي تقبل بالغزل المعطر باغراء السلطة ومشاركة نظام قاد الى تشرزم البلاد ونهب ثرواتها مما يعني عمليا استمرار ذات النهج السائد وبالتالي اعادة انتاج الازمة من جديد بينما المطلوب هو اسقاط هذا النظام وتفكيكه النظام يعي جيدا ان التغيير قادم وحتمي وان السير بذات المنهج المنتج للازمات لم يعد ممكنا خاصة وان البلاد تشهد انهيارات في شتى الصعد ، والنظام استنفذ كل "حيل" البقاء بالتالي فهو يستعد الان للتلويح باخر ورقة في جعبته "ورقة التغيير" بالتالي يريد منه النظام تغييرا شكليا ناعما لا ينفيه بالمرة فاستبق تلك العملية بمسرحية اقالات اركانه الكبار والاعلان عن انتهاء "عهد التمكين" وهي العملية المدعومة من قبل الولايات المتحدة ومبعوثها الرئيس الاسبق جيمي كارتر والذي اعلن بعد لقاءه بالبشير عن عزم الاخير احداث تغييرات كبيرة ، ومفاجاءة البشير لن تخرج عن ما اعلنه كارتر وعن رغبة الولايات المتحدة التي دعمت وظلت تدعم نظام البشير . غير ان هذه مسرحية التغيير هذه لا يمكن ان تنطلي الاعلى خفيفي العقول . فالتغيير الحقيقي يكون بنفي هذا النظام المنتج للأزمات وتفكيكه والا فإن البديل لن يكون شيئا سوى اعادة انتاج الازمة
|
|
|
|
|
|