|
ماذا لو كان لدينا خمسة وزراء من مثل هذا الوزير؟! محمد وقيع الله
|
ماذا لو كان لدينا خمسة وزراء من مثل هذا الوزير؟! محمد وقيع الله
اتفق الناس على أن الوزير الراحل عبد الوهاب عثمان كان من أشرف خلق الله السودانيين وأبعد الوزراء الإنقاذيين عن الأوزار. وحسب إنسان من الخير أن يوصف في زماننا هذه بالبعد عن الأوزار. لاسيما إن كان وزيرا أو مديرا أو صحافيا شهيرا. ولم يكن الوزير الراحل سلبيا في هذا المنحى بمعنى مجانبة الفساد وحسب وإنما كان إيجابيا من فحول الأتقياء المحسنين المغرمين بفعل المكرمات. فقد قام بدعم التعليم القرآني في مهاد الجزيرة وفي بلاد كثيرة. وإليه يعزى تشييد الجسور التي تزين العاصمة المثلثة وتيسر للناس مساراتهم فيها. وهذه الجسور بلا ريب أحد أبرز إنجازات الإنقاذ خلال سنينها الطوال. وقد قام الرجل بذلك عندما كان وزيرا للتخطيط العمراني. وقام كذلك بتنفيذ الخطة الإسكانية بأمانة متحرجة غير متجانف لإثم. ومعرفتي بهذا الوزير عابرة حيث التقيته في مناسبة اجتماعية وحكيت له حكاية شخصية تتلخص في أني لم أستلم قطعة أرض سكنية مستحقة باسمي ضمن الخطة الإسكانية العامة في البلاد. وكان اسمي قد سقط سهوا أو عمدا لا أدري ثم طولبت بأن أحضره مدرجا في السجل الرسمي الصادر عن مصلحة الأراضي لأن سلطات الأراضي زعمت أنها فقدت ذاك السجل. فزهدت حينئذ في الأمر بكلياته بسبب من هذا التعنت الإداري غير المعقول. ولم أشأ أن ألاحق حقي لسنين عددا وذلك إلى أن عثر بعض الإخوة الكرام وهو فضيلة الدكتور عبد الرحمن عبد الله على اسمي مدرجا في السجل الخاص به، وهو ملزمة أو قطعة من كراسة مطبوعة أو شيئ من مثل هذا، وتكرم فقدمه إلى أهلي بضاحية الصحافة، فأعلموني بالعثور على طرف الخيط. كان ذلك في حوالي 2007م وكان الفقيد الراحل وزيرا وقتها للإسكان. ولأني سمعت أن الخطة الإسكانية قد بلغت غايتها القصوى ولا سبيل لي للحصول على قطعة أرض فيها ولا فيما بعدها فقد فاتحت الوزير بهذا الشأن عسى أن ييسره لي. فطمأنني بلهجة البشر الصالحين الصادقين غير المتورطين في فساد أو مجاملة ولو للأقربين دعك من الأبعدين، وأنا منهم، وقال لي بلفظ ليس فيه مصانعة أو تلجلج: إن كنت مستحقا فعلا أرضا فهنالك بقايا باقية للخطة الإسكانية وستنال نصيبك منها في أرض تسمى الوادي الأخضر أو الوادي الجديد. لست أذكر إسم المنطقة بالضبط ولكن قيل لي إنها أرض قاحلة خارج نطاق الخرطوم. وقيل لي على سبيل التزهيد إن قيمة القطعة فيها أقل من قيمة الرسوم التي تدفعها فيها. وعندما رأى الوزير اسمى على الكشف الرسمي كتب بقلم أخضر على الدفتر قبالة اسمي موجها بمنحي قطعة أرض في الوادي الأخضر أو الأغبر إياه. وقد قمت بتسجيل تلك الأرض باسمي من غير أن أراها أو أعرف دربها وما أظني سأراها حتى أموت. وهذا ما أعجبني من تصرف الوزير إزائي: إرادة الصدق في بذل العون، وفي الوقت نفسه الحزم الجازم بعدم المجاوزة في مجاملة شخص، أو التخطي للتعدي على حقوق شخص. ومن سيرة مقتضبة سجلها الأستاذ سامي عبد الرحمن عنه عرفنا أن الوزير الراحل امتنع عن منح قطعة من أراضي الخطة الإسكانية لواحد من الأكابر، لأنه عرف أن لذلك الشخص من الأكابر، وهو صديق له، بيت يملكه ويسكنه. وعرفنا أن الفقيد الراحل كان يملك بيتا واحدا متواضعا تشبه بيوت المواطنين السودانيين متوسطي الحال، وأن موقعه ومستوى عمارته بعيد عن مواقع ومستويات بيوت الأكابر في المنشية وما جاورها. ومن خلال المادة التي كتبها الأستاذ سامي عبد الرحمن بعنوان (من داخل سرادق عزاء وزير الصناعة) عرفنا أن الأمة السودانية بمختلف طوائفها وأحزابها قد تجمعت للعزاء في الفقيد الراحل والشهادة له بالحسنى. وقد روى الأستاذ سامي عن السيد معتمد الكاملين أنه قال:" الصالحون يظهرون عند جنائزهم". وهذا قول صحيح حسن. ولكن فيه نظر إلى قول قديم لسيدنا أبي عبد الله أحمد بن أحمد ابن حنبل، ولعله ترجمة سودانية له. قال الدارقطني: سمعت أبا سهل بن زياد سمعت عبد الله بن أحمد يقول: سمعت أبي يقول: قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز حين تمرُّ. وقد صدَّق اللهُ قولَ أحمد في هذا، فإنه كان إمام السنة في زمانه، وعيون مخالفيه أحمد بن أبي داؤد، وهو قاضي قضاة الدنيا، لم يحتفل أحد بموته ولم يلتفت إليه. ولما مات ابن أبي داؤد ما شيعه إلا قليل من أعوان السلطان. وكذلك الحارث بن أسد المحاسبي مع زهده وورعه وتنقيره ومحاسبته نفسه في خطراته وحركاته لم يُصلِّ عليه إلا ثلاثة أو أربعة من الناس. وكذلك بشر بن غياث المريسي لم يصل عليه إلا طائفة يسيرة جدا. وجاء في تاريخ دمشق أن الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر بعث عشرين رجلا فحزروا كم صلى على أحمد بن حنبل، فحزروا فبلغ ألف ألف وثمانين ألفا، سوى من كان في السفن في الماء! وقال ابن كثير: ولا شك أن جنازة أحمد بن حنبل كانت هائلة عظيمة بسبب كثرة أهل بلده واجتماعهم لذلك وتعظيمهم له. والشيخ تقي الدين ابن تيمية، رحمه الله، توفي ببلدة دمشق وأهلها لا يعشرون أهل بغداد حينئذ كثرة. ولكنهم اجتمعوا لجنازته اجتماعا لو جمعهم سلطان قاهر وديوان حاصر لما بلغوا هذه الكثرة التي اجتمعوها في جنازته وانتهوا إليها. هذا مع أن الرجل مات بالقلعة محبوسا من جهة السلطان. وكثير من الفقهاء والفقراء يذكرون عنه للناس أشياء كثيرة مما ينفر منها طباع أهل الأديان فضلا عن أهل الإسلام وهذه كانت جنازته. فهذا استطراد على كلام معتمد الكاملين. وبه يكمل الاعتبار بهذا الوزير الصالح عثمان عبد الوهاب. نسأل الله تعالى أن يُعليَ مقامه في عليين. وأن يرزقنا بخمسة وزراء من أمثاله في التعديل الوزاري القادم. حتى يغطوا على أوزار الوزراء السابقين.
|
|
|
|
|
|