|
دول تعبانة ودول تغيانة/شوقي بدرى
|
دول تعبانة ودول تغيانة
انا اتبع اسمي بحرفي عين سين . وهذا اشارة لمهنة احترمتها واهلها في السودان . ومارستها لسنين في مواني اوربا . والسفن التي تأتي الي المواني هي عبارة عن قطعة مبحرة تعكس حالة وطنها . وبالنظرة الاولي الي السفينة وبحارتها يمكن تحديدمستوي القطر الذي اتت منه .
عندما يبدا العتالي بالعمل يعطونه اسوأ العمل واصعبه ،مثل الفحم او طحين السمك الذي يأتي مثل الرمل يقوم العتاله بجرفه الي الوسط حتي تطبق عليه الجرافات العملاقة . و البن التي في شكل عشرات الآلاف من الاطنان في جوالات الخيش ن وبعد عمل عدة ايام لا يستطيع الانسان ان يضع اذنه علي الوسادة . واذا لم يهرب العتالي يتحصل علي عمل اسهل نسبيا . وهنالك بالات القطن التي تزن 200 كيلو جرام ، وكتل المطاط التي هي متر مكعب يصعب الامساك بها ورفعها ووضعها فوق بعضها . ولعنة اسمها سفن المجمدات والتي تكون درجة البرودة داخلها 25 درجة تحت الصفر حتي في عز الصيف . والعمل فيها ياخذ اياما . ولكن العتالي يتعلم بالممارسة او من الاخرين ، ويطور اسلوبه .
في ميناء مالمو في السويد كانت تأتي سفينتان من الحجم الصغير بصورة يومية . والسفينتان بعد اكثر من 40 عاما لايزال اسمهما راسخا في ذهني وهما انقيلا يونقمان ومونا ماتيسون . وحمولتهما كانت حوالي 2000 طن لكل سفينة . وهما متشابهتان في اللون والشكل مما رجح لدي ان المالك واحد .
السفن بهذا الحكم ليست مصممة للمسافات الطويلة، وتعرف ب ,,فيدرز ,, او مغذية . فهي تأخذ البضائع من ميناء هامبورق في المانيا وتوصلها الي مالمو في جنوب السويد .وترجع في المساء وتغيب يوما كاملا وتتبادل الرحلة مع شقيقتها . والبضائع تاتي من كل العالم الي المواني الضخمة وبعضها تفوق حمولتها ال 100 الف طن ولا يصح تسكعها في المواني الصغيرة ، فتجاريا تخسر الشركات بهذه الطريقة .
ِالعمال . رقمي كان 1436 ، وهاذا ما نتعامل بة وليس هنالك اسماء . وينادي الفورمان علي الارقام المطلوبة ويسجلها في ورقة ويذكر اسم السفينة واسم الميناء ورقم الرصيف . ويعطي الورقة الي احد العمال او ما يعرف برجل الاشارة . وهذا من العادة بحار عجوز او عتالي فقد اصابعه او تقدم في السن . ومهمتة مثل مؤشر الطيارات يعطي الاشارة لسائق الرافعة الذي لايستطيع ان يشاهد ما بداخل العنبر . وهذه الاشارات لغة عالمية . وللسفن المغذية مربط معروف . وللشقيقتين الالمانيتين مربط دائم في الميناء الحر المرسي الشمالي . والفورمان يعرف كيف يجاوز بين العمال ليعتصر اكبر قدر من العمل . ولهم فراسة فبعض العمل يحتاج الي القوة فقط . وبعض العمل تحتاج لمقدرة علي التصرف . والصناعي فورد قال انه يختار العامل الكسول الذكي ليقوم بعمل جديد صعب . وسرعان ما يكتشف ذالك العامل حيلة عملية للقيام بذالك العمل ، فيقوم فورد بتعميمها بين العمال .
وعندما نصل السفينة يكون العنبر الاول مفتوحا . ويقف البحار الالماني وكانه تمثال ، وملابسه منتظمة وحذاء خاص لايسمح بالانزلاق . ويتابعنا بنظراته ويتابع كل صغيرة وكبيرة . وعندما نكاد ان نفرغ من العنبر يقوم بفتح العنبر الثاني . عندما نرجع من الافطار ، يكون البحار الشاب قد تغير واتي تمثال جديد . كل طاقم السفينة كان بحاران وكابتن . والكابتن يكون نائما طيلة اليوم . ولم اشاهده سوي مرة واحدة ن لان الشحنة كانت تحوي التبغ .والسجاير وقا م البعض بكسر احد الكراتين ، وبلغه احد التماثيل . فخرج غاضبا . لكن بحارة وكباتن السفن الاخري لايهتمون .
عندما اسمع رقمي واسم احد السفينتين كنت اكون متأكدا من ان العمل سينتهي في الرابعة بدون اي احتمال لوقت اضافي . والوقت الاضافي هو ما يعشقه العتالي فبعد الرابعة تضاف 50 % الي الاجر وبعد السادسة يتضاعف الاجر . ويوم السبت يكون الاجر مضاعفا وبعد الرابعة في يوم السبت وطيلة يوم الاحد يكون الاجرثلاثة اضعاف . وتتفادي شركات الشحن العمل في نهاية الاسبوع ، الا في الحالات الاثتثنائية . وقد يتكاسل العمال في الساعة الاخيرة. فبعد ربع ساعة اضافية بعد الرابعة تعتبرالمدة ساعة كاملة . ولكن الالمان كانوا يراقبونا ويتصلون بالفورمان مباشرة .
قبل قفل العنبر الرابع والاخيرتكون ماكينة الالمان في حالة عمل . ومع خروج آخر عتالي تتهادي السفينة كعروس وليس هنلك بقعة في طلائها . وممراتها تلمع باستمرار و لا تفوح اي روائح كريهة من حماماتها .
من السفن المغذية كانت هنالك سفية بولندية صغيرة تتراوح حمولتها بين 700 و800 طن . وكانت تقف عادة بالقرب من الشقيقتين الالمانيتين . ما ان ترسوا حتي يخرج البولنديون راكضيت الي المدينة لشراء اشياء سيبيعونها باسعار مضاعفة في بلادهم . وحسبت في احد الايام سبعة وعشرين شخصا في تلك السفينة ، بعضهم كان اطفالا ونساء . وكانت حبال الغسيل تمتد علي ظهر السفينة و رائحة المرحاض تفوح ، ورائحة المطبخ ليست بكريمة . ويتسائل الانسان اين ينامون ؟ وكيف تسمح سلطات بلادهم بهذه الفوضي .
اسم المركب كان سيرنكا . وكانوا يبيعون كل شيء خاصة الفودكا والسجاير والكحول المركز 90% وحتي الجبن . والغريبة ان سير تعني جبن بالبولندية . عندما يأتي الالمان يتضاعف عدد رجال الجمارك ولا تتوقف الحركة دخولا وخروجا من المركب. وبما ان بعض العتالة يحبون الخمر ، فانهم يسعدون بالخمر الرخيص . والخمر في السويد يباع باسعار عالية وفي متاجر تابعة للدولة . واذكر العتالي بن يقضي يومين في الميناء وهو يعاقر الفودكا البولندية الرخيصة وينام في حمامات صالة تغيير الملابس . كنت احاول ان اقرأ تعابير وجه الالمان وهم يشاهدون جيرانهم البولنديين . واتذكر ان الالمان كانوا يصفون البولنديين بسوبمنش في ايام الحرب . او اشباة البشر . وهذا وصف عنصري نازي مرفوض ، لا يقبله انسان عاقل. ولكن تصرف بعض الدول يجعل جيرانهم يحسون بانهم شيء خاص .
في اول الثمانينات اتت السفينة امدرمان الي ميناء مالمو وكان كابتنها الرجل الرائع الفنان كابتن قاسم رحمة الله عليه . وكانت السفينة مشرفة وكان الطاقم السوداني مشرفا . ولعدة ايام كنا نذهب اليها لكي ,, نتكرف ,, ريحة السودان . وشاهدت السفن السودانية في كوبنهاجن وفي ميناء اوسكارشهامن في الساحل السويدي الشرقي وفي انتويربن وروتردام التي هي اكبر ميناء في العالم . ومثل الخطوط الجويه السودانية قديما كانت الخطوط البحرية السودانية فخرا للسودان وتثير الحسد . والسفن الاخيرة التي بنيت في الدنمارك كانت نصف اوتوماتيكية ، يستطيع الانسان ان يأكل من ارضيتها . لماذا نتراجع ؟
في1973 قمت بشحن ماكينات سيارات مستعملة واطارات مستعملة من هامبورق وكنت اسوق شاحنة بدفورد قمت بارسالها الي السودان . وعند السؤال عن ماكينات شاحنات بدفورد التي تعني لنا الجودة في السودان ، كان الالمان يضحكون . ويقولون ان التقنية البريطانية تنسب الي العصر الحجري . وعندما دافعت عن فهمي القديم ، وان البضاعة الانجليزية هي الاحسن ينظر الي الالمان مشفقين . واحد الالمان قال لي نحن لم نخسر الحرب . انظر الي اقتصادنا واقتصاد الفرنسيين والانجليز نحن الاحسن . لقد تحطمت بلادنا بالكامل ولاكنا بنيناها بسرعة واحسن من السابق .وفي التسعينات ابتلع الالمان شركات السيارات البريطانية ، بعد ان هلكت . وتذكرت كلام الالمان فالبضائع والمتاجر الالمانية في كل ركن في اوربا.
المانيا دمرت وفرضت عليها عقوبات ثقيلة . ونحن في السودان تحصلنا علي تعويضات حرب ذهب جزء منها لمزارع ومصنع النسيج في انزارا . ودفع الالمان لليهود والغجروكل العالم. والآن يحتلون اوربا اقتصاديا . لماذا؟ واليابا حطمت وضربت بالقنابل النووية واليابان اليوم المسيطرة علي آسيا اقتصاديا .
في الزلزال الاخير بني اليابانيون طريقا سريعا في ستة ايام . ووقف اليابانيون في طوابير ونظام لتلقي المساعدات والطعام وكانوا يقدمون الآخرين لتلقي المساعدات . وفي اقل من سنة اعادوا بناء كل شيء .
لم اصدق اذني في البداية عندما كان الاسكندنافيون يصفون الانجليبز بأنهم شعب لا يحترم المواعيد ويكذبون . ونحن في السودان كنا نقول مواعيد انجليز وكلام انجليز . وعرفت ان الالمان والاسكندنافيين لايوظفون الانجليز في المصانع لاتهم غير منضبطين وليسوا في قوه الالمان الجسدية .
اذكر ان انني شاهدت برنامجا انجليزيا ، والقصة ان مصنع كلورايد للبطاريات له فرع في كوبنهاجن . وهذا الفرع نسخة من فرع في انجلترة ولكن الانتاج في كوبنهاجن اعلي بكثير من الانتاج الدنماركي . واذكر ان مجموعة من السودانيين عملوا في هذا المصنع منهم العم خالد رحمة الله عليه ، وتوقفوا من صعوبة العمل . وبعد دراسة لشهر كامل ، اوضح الفيلم ان الدنماركي يتحرك قبل نهاية فسحة الاكل او القهوة ، وعندما تتحرك الماكينات يكون جاهزا . ولكن الانجليزي يتحرك نحو موقع العمل بعد انتهاء الفسحة . ويقسم العمل لعدة خطوات فهو يحمل الواح الرصاص ويضعها علي الطاولة ,, وياخد نفس ,, ثم يقوم برصها في الصندوق البلاستيكي وياخذ نفسا . ثم يتحرك لالتقاط الالواح الرصاصية من جديد . الدنماركي كان يكمل الماكينة ، لايقسم العمل ، كل شئ يحدث في حركة واحدة . وبسرعة يهجم كل الرصاص .
جورج واشنطون استفاد من الجنود الالمان والجنرالات الالمان في حرب التحرير وهم من علم الامريكان الانضباط وحشو البنادق القديمة في نصف الزمن العادي . ولم يحدث طيلة الشهر ان ذهب دنماركي الي الحمام في اثناء ساعات العمل . والغريب ان السويديين يقولون ان الدنمارمكيين متساهلين في العمل . ويصف الدنماركيون السويديين بانهم ماكينات .
عندما كنا نذهب الي برلين من شرق اوربا للعمل في الصيف ، كان الالمان يقولون لنا ,, انتم الاجانب تعملون لتعيشوا نحن الالمان نعيش لكي نعمل,,
ابني عثمان في الخامسة عشر من عمره بدا المدرسة الثانوية وهي يدرس كمبيوتر . وكنت اعرف انه لايحب اكل المدرسة والذي هو بوفيه رائع . والسويد ليس بها مدارس خاصة والاكل وكل شئ بدون مقابل . ولكن مدرسته الثانوية تعطي الطالب حوالي العشرة دولارت يوميا في شكل بونات ، ويستطيع الطالب ان يأكل في مكدونالت او بيرقر كنق او من محلات البتسا او الكباب . واذا اراد ان يشتري اي زيادة فيجب ان يدفع . وطالب الثانوي يتلقي 150 دولار شهريا وكرت لكي يركب البص طيلة اليوم الي التاسعة مساء . والناس يشتكون من تقصير الدولة . والبشير وزمرته .. يتبنوا ,, علي الناس بوجود الكلاب الساخنة والبيتزا .
عندما توظف السويد عمالا جدد وتستثمر في مشاريع جديدة . تعاني بعض الدول في جنوب اوربا من الانهيار . الانجليز كانوا يصفون هذه الدول بكلاب اوربا . وهذا اجحاف واسفاف . ولقد قال الرئيس الفرنسي ديقول ان اوربا تنتهي عند جبال البرنيز . وجبال البرنيز هي الجبال التي تفصل فرنسا
عن شبه جزيرة آيبيريا ، البرتقال واسبانيا .
قرات في مجلة النيوز ويك في السبعينات ان اليابانيين قد بنو مصنعا حديثا يصنع السوستة للملابس والحقائب والاحذية ... الخ وايطاليا مشهورة بصناعة الملبوسات . وبعد افتتاح المصنع بمدة قصيرة اضرب 45 عاملا ايطاليا وطالبوا بزيادة العمال ، لعدم مقدرتهم علي الوصول الي سقف الانتاج المطلوب. قام 15 فنيا يابانيا بادارة المصنع ، وذادوا من الانتاج . وعندما تناول الاعلام فضيحة العمال الايطاليين . استصدرت النقابة امرا قانونيا يمنع اليابانييت من العمل . لان اليابانيين ليس عندهم اذن عمل او تسجيل في النقابة .ورجعوا الي العمل يغطيهم الخجل .
عندما تخسر الشركة اليابانية . يتوقف المديرون من اخذ مرتباتهم . وينتحر المدير اذا افلست الشركة . في الثمانينات عندما لم تستطع شركات السيارات الامريكية من منافسة اليابان زعموا ان اليابان تدعم شركاتها وهذا ممنوع . الرد كان ان المدير الامريكي يتقاضي نصف مليون دولار كمرتب شهري وشركته تعاني من مشاكل مالية . وقبل خمسة سنوات وفي بداية حكم اباما حضر مديري شركات السيارات بطائراتهم الخاصة ، وهمويطلبون الدعم من الحكومة .
احد الاخوة العرب قال لي ان اي عربي يشتري هوتيل يحضر وخلفه جيش من الموظفين ويتقدمهم متبخترا . والياباني يمتلك عشرات الشركات الضخمة لا تميزه من سائقه . يعقد اكبر الصفقات . ويختفي عن الاضواء . والعربي يستأجر الصحفيين لكي يغطوا شراء الفندق . السيدة الينور روزفلت زوجة الرئيس الامريكي التي كانت خلف وثيقة حقوق الانسان ، لم تجد التكريم الذي وجدته زوجة البشير وزوجة رئيس زبانيته .
يتحدث الناس عن اربعة امم تسمي بالامم الشبه عسكرية بسبب انضباطها ومقدرة شعوبها علي العمل والاجتهاد ، وانها بالرغم من النكبات تقف علي قدميها بسرعة . وهذه الدول هي كوريا واليابان والسويد والمانيا والنمسا تضاف الي المانيا .
في نهاية الاربعينات كانت حالة السويد بائسة جدا وكان ما عرف ببروليتارية الارض يعيشون في اوضاع شبه عبودية . وفي عشرين سنة انتقلت السويد من العبودية الي الرفاهية . وسنكتب عن العبودية في السويد
ع . س . شوقي
|
|
|
|
|
|