|
لا يلام المنشقون عن الثورة كما لا شكرٌ للحقين بها
|
لا يلام المنشقون عن الثورة كما لا شكرٌ للحقين بها الثاني من رجب 1437 من ب. الموافق 18/ أوت 2004
إن الثورات في كل زمان ومكان أشبه ما تكون بقطار سريع عابر للفيافي والقفار ،حاملا صنوف متباينة من الركاب: أجيالا وألوانا وأعراقا . يحدهم هدف واحد هو الوصول إلى غاية قد تختلف أمدها ومدتها باختلاف تكوينات الراكبين فهما وصبرا. ومن سنن الثورات الفاضلة أن بدروبها المسلوكه قائدتان أساسيتان: لا تراجع عن المسير ولا انحراف عن المسار أبدا . ربما اعترض السير عقبات شتى : سؤ فهم ، قلة خبرة ، بعض جهل في التصرف . وربما أعاق السير مصاعب جمة : نصب وظمأ ومخمصة .أو نقص من الأموال والأنفس والثمرات .أو ربما ضرب بعض جوانبها نفاقا أو خيانة أو خدعة يشعر العابرين دوما جحيما لا يطاق وثقل لا يحتمل ، حتي يلم بالغالب فيهم ظن أنهم قد كُذبوا ،أو فشل أمرهم . لكن سرعان ما تزول تلك العقبات المعترضة وتنحصر المصاعب العائقة . لتخرج من أكمامها الثورة من جديد أكثر قوة مما مضى، وأكثر جلدا. إن المصاعب والعقبات أبدا تعطى الثورات علقا جديدا . يزيدها بريقا ولمعانا لبريقها. ويربط من جأشها ويعزز من شكيمتها وعزيمتها ويحفّظها لمواصلة المسيرة . وكسح التحديات. وأيّما ثورة عظيمة إلا وعظمت تحدياتها وعقباتها ليدرك معتنقي فكرتها وأتباعها صحة المسار كلما شق عليهم السير . والقادة في كل حال وظرف أكثر الناس صبرا وتجلدا وتحملا للعقبات وتعاملا مع التحديات. كما أنهم أكثر العناصر فهما وإدراكا لجوانب القضية . وأكثرهم قدرة على قراءة ميدان المعركة سياسيا وعسكريا واجتماعيا وثقافيا. وأبصرهم بالرؤى لأبعد المدى في مستقبل الثورة المنظور تكتيكها وإستراتيجيتها. حركة العدل والمساواة السودانية ثورة المهشمين السودانيين. وصوت الغالبية المضطهدة اجتماعيا من الشعب. ورؤية الأكثرية المقهورة سياسيا. ويد السواد الأعظم المستغل اقتصاديا في السودان البلد القارة لقرن من الزمان . من قٍبل الجاركية شمال السودان لم تكون بدعا عن تلك الثورات العالمية الفاضلة من يوم خلق الله العدل والظلم متجاورين في أرضه. ولطالما آمنت بمبادئ الثورة الفاضلة انطلاقا وأداء فإنها أي -حركة العدل والمساواة- والحالة هذى لا تتأثر بأي عقبة اعترضتها أو أي جماعة صغيرة انشقت عنها أو غادرتها إلى الجهة المعاكسة لها . ولن تتأثر أو تبديء اهتمام اكبر قدر لمثل ذلك الحدث يومها وغداها. وإنما الثورة محطات كما سلف وقد بلغ هؤلاء الركب المسافر من الثوار المستسلمين إلى نظام الخرطوم محطتهم الأخيرة وانتهت رصيدهم الثوري من الفهم والصبر الأخلاق ، فلزم عليهم النزول عن المركبة ومغادرة المسافريين إلى الغايات العلى. لا لوم على النازلين عن القطار مثلما لا شكر أو تثريب على الصاعدين إليه. ولان الانشقاق عن الثورة أو النكوص عنها كما الالتحاق بها يحكمه عدة محددات أخلاقية وفكرية وإنسانية وروحية.، فمن قصرت فيه تلك المحددات لا تثريب على نكوصه أو غزلانه لإخوانه في القدر. ومن توفرت فيه الشروط التحق بالثورة أنّى بلغت. وفق ذلك المفهوم فانه من غير الموفق أن يوصفوا المنشقين بالجبناء. والحق أنهم صمدوا بالثورة مدة تزيد على العام ، وذالك تجلد انعدم توفره في الكثير من أبناء البيئة المهشمة والأقاليم المظلومة في السودان من الذين اثروا الظل الظليل والكذب والتطبيل خوفا للخروج ،وطمعا في السلطان في شعاب نظام الخرطوم. كالذين تٌمزوروا ديكورات (وزير دولة) بالخرطوم .والذين صٌنموا في وزارات الهامش ( وزارات الحيوانات والنباتات والمحركات). والذين تحلقوا في الإدارات الهلامية(مؤتمر وطني أو دائرة دارفور الكبرى) . والمسئوليات اللامسئولة (ولآت أو معتمدين). وهم يعلمون أولا يعلمون أنهم صورا وأقنعة للنظام الشمالي في السودان. ويدرون أو لا يدرون أنهم دمي يصنع منهم نظام الخرطوم أشكالا وأحجاما لمحاربي وتماثيل وجفان وقدور راسيات. كطفل يصور من الطين ا شباها لإنسان. ولا يعلم الطين ما صنع الطفل به. كان يمكن لأولئك الإخوة من أبناء إقليم دارفور في نظام الإنقاذ - تجاوزا- أن يصنعوا ما فيه خير لمواطنيهم وشعبهم في إقليم دارفور - المأساة - بعزة وكرامة . بدل الانزلاق والتكالب على فتات الأطعمة من موائد الملوك من حكام الشمال السوداني من (الجلابة ). اليوم يلحق بهم جماعة أخرى من المهمشين ومن إقليم دارفور الجرح النازف والقضية - من المنتكسين عن الثورة. وان وجد خلاف يذكر بين الفريقين المهمشين في بيت (الجلابة) فان لهؤلاء المتراجعين عن الثورة والملتحقين حديثا بالنظام رصيد عام من النضال وهو شرف لهم لا ينكره إلا جهود . وكنا نأمل أن تستمر بهم المسيرة وان لا تنحرف بهم الأهداف الضيقة وينتهي بهم الطريق إلى هذا الختام السيئ .إن نكوصهم إلى نظام الشمال يمكن ان توصف في كلمة واحدة أنها مأساة . حالة تترجم مأساة المحاربين حينما ينزلون عن قدرهم ومكانتهم في منتصف الطريق فتنعدم بهم السبل. وحتما ستلتقي الخطى من جديد إن كانوا حقا عادوا ليعملوا من الداخل بذات الصدق الأول الذي التحقوا به إلى الثورة يوم ما. وإلا فراق. لكن علينا جميعا في البيئة المهمشة أن نراجع حقائق مهمة للغاية . وان نقف أمامها ثورة وشعب قادتها وقواعد. لم يكن الخليل إبراهيم أو احد من قادته السامرين في أوربا يحيون في طرف ونعيم ورغد من العيش. مقابل أن يشقى جندهم في شعاب الجبال و فيافي الصحراء مواجهون عنت القتال وهجيره- كما ذكر المنشقون تشفيا– وتمناه المغرضون – وانفرج له أسارير النظام. وما نوع النعيم الذي يعيشه رجل أو رجال يقودون ثورة يموت في سبيلها وبأثرها قريبا أو بعيدا الآلاف من الأنفس البريئة : شيخ وصبي امراءة ومجاهد. ومئات الطاهرات العفيفات يغتصبن في وضح النهار ولا خشية من الله في أرضه وعباده. وملايين المشردين اللاجئين في الفلوات والغرباء؟ وما الراحة التي يلقاه رجل أيما ثوري - يراه النظام الدكتاتوري انه يحمل اخطر فكرة في تاريخ السودان الحديث وسيقلب بها حتما موازين القوة والأحداث في سودان اليوم والغد؟ . وأي سعادة يشعر بها الخليل إبراهيم وقادته وهم مهددون بالموت والاغتيالات في كل ارض وزمان . ويجتهد النظام لذالك ليلا ونهارا وينفق في سبيل ذالك ملايين الأموال من قوت المهمشين؟. لا راحة أو نعيم نراها لرجل ينتظره الموت في كل شبر وثانية. وما الرجل في الحياة إلا ميت أو شهيد .واي ظل ظليل - يراه أي ذي بصر- لمن يضع روحه فوق كفه ليلقي بها في مهاوي الردى, وذلك يوم أن يتصدر ثورة بحجم ثورة المهمشين المضطهدين في السودان وبقدر فكرة طلاب العدل والمساواة . ويقف متحديا أمام عدو خبيث بالغ اللؤم والخباثة بقامة نظام السودان العنصري الجهوي المتعطش للدماء . و الدليل على الخطر المحدق وعدم الراحة التي يعيشها الثورة في دارفور- والعدل والمساواة بالتحديد -هو العنف ألانهائي الذي ينتهجه النظام في مواجهتها . وما كان نظام - أي نظام أو حكومة- يقلق ويهرع صارخ ضارب بكلتا يديه وأرجله الة هذا الحد من ، فقط إن كانت الثورة مجرد قطاع طرق أو خارجين عن القانون كما تدعي حينا وقادتهم عملاء تحت حضانة الأجانب. كان يمكن أن يجد الراحة أي من الثوار في دارفور – وتحديدا العدل والمساواة قادتها وجيشها الثابت شموخا وفلول الشاردين - تحت ظل شجرة -أي - من الأشجار الظليلة التي تنتشر في ربوع دارفور ويوسد حجرا ويربط حجرا في البطن ، بدل أن يجهد احدهم نفسه عناء كشف خبيئة نظام الشمال السوداني ويتحمل عنت عواقبه ومر تبعاته. لكن الأقدار تقتضي أن تكون للثورات قادة وقواعد ،وأدوارا موزعة لكل في كل منهما . قيادة يفكرون للثورة، ويخططون مسيرتها، ويعملون على حفظها وتسييرها في أي ارض يرونها مناسبة وتخدم القضية وبالطرق المناسبة للأحوال والظروف. قواعد يشعلون فتيل الثورة ويسعون بها، وينفذون خططتها وأفكارها ويدافعون عنها في أي ارض يرونها مناسبة و تخدم القضية وبالطرق المناسبة للأحوال والظروف. وتتبدل الأدوار وفق الكفاءة والقدرة والقوانين الضابطة.فلا قادة دائمون أو قاعدة ثابتة ولكنما الثبات لمبدأ المؤسسة الثورية. وحكمة توزيع الأدوار لا تعني بأي تفسير لها الراحة والنعيم لأحد دون غيره. أو تعني عنجهية القيادة الراعية وتسلطها على الرعية القاعدة. أو تعني فوقية المخططين طغيانا على المنفذين. أو تعني تغول الساسة فرعنة على العسكر والعكس. كما ولا تعني الحكمة تمرد القاعدة الحية على قيادتها الساهرة . او تهافت الجميع على الرياسة والمناصب. أو شعور الضعيف بالغبن والظلم من القوي. وذلك صفات مندرجة في شكل المؤسسات غير الفاضلة من شاكلة نظام الخرطوم في السودان. والذي اقتضى من كل حر نبذه واستئصاله. لكن حكمة توزيع الأدوار أفضل ما تعنيها اقتضاء التعاون والتفاهم والإخلاص في عمقه لتسير سفينة الثورة. وتعني أن الثورة لا تقاد بالجيش والعمل العسكري وحده لكن بكل الجوانب الحياتية السياسية والاقتصادية والإعلامية حسبما تقتضيها الضرورة والواقع زمانا ومكانا و إمكانية. وبقاعدة توزيع الأدوار تلك ،والإخلاص في الأداء والجد في العمل، والصدق في القصد، تحقق الثورات الفاضلة أهدافها ، وتصل غاياتها المنشودة. لكن الرجال هم الذين يعملون بإخلاص وجد وصبر وإيمان في سبيل هدف خير يؤمنون به في الحياة الدنيا والآخرة و أولائك هم الذين يصنعون التاريخ .ويستعدلون منقلبات الحياة عن الظالمين. تنطوي الحياة مهما عمرها احدنا في النعيم والراحة أو في الخطر والضنك والعذاب .الراحة والنعيم أدامها الله لشهداء القضية والنضال الفاضلين الراحلين عنا صباحا مساء في دارفور الثورة . والتحية للثوار القابضين ثباتا على جمر القضية والنضال لصناعة سودان الغد.
عبد المنعم سليمان
[email protected]
[email protected]
|
|
|
|
|
|