|
يا وردي، لماذا هذه الظاظا للأحزاب؟ بقلم عبد الله علي إبراهيم
|
10:36 AM May, 19 2015 سودانيز اون لاين عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA مكتبتى فى سودانيزاونلاين
(كنت كتبت عن سوء أدبنا مع الشاعر الفيتوري وهو على فراش الرحيل. فأزعجناه بالضوضاء بدلاً عن الحب. وقلت إن توحشنا مع المبدعين هو ما كتبت عنه منذ نحو أربعين عاماً في وثيقة "نحو حساسية شيوعية تجاه الإبداع والمبدعين". وطرأت لي المذكرة خلال قيادتي للعمل الثقافي بالحزب الشيوعي حين رأيت الرفاق كشروا أنيابهم بوجه مبدعين عليهم القيمة تلابسوا مع نظام نميري الطاغية. وهي ورقة تربوية من نوع "إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير" (1963) التي خطها أستاذنا عبد الخالق محجوب . وهدفت مثلها إلى تشذيب الطبع الشيوعي من عكر البرجوازية الصغيرة الغالبة في عضوية الحزب وقلة حيلتها ونفاد صبرها وضوضائها. وأردت منها صون هذه الجواهر السودانية المبدعة (وليس كل عديم الموهبة من سمسارة الكاتبين) المؤسسة للوجدان السوداني من لغو هذه الطبقة وشراستها. وكان الزمان زمان شيوع أخبار اضطهاد الاتحاد السوفيتي للمبدعين تآكلت معه جاذبية الاشتراكية حتى تفرقت أيدي سبأ. وغير خاف أن الجسد الشيوعي موصل رديء للدماثة. وجاء الدور على وردي في نحو 2007 حين انتشرت صورته مجالساً وجوه إنقاذية. فسلقوه بألسنة شيوعية حداد. وبدا لي أنه تحرج من حملتهم عليهم فقصد إلى استرضائهم بالتبرع بداره بالكلاكلة مركزاً لحزبهم بتلك الجهات. كما لم ينس أن يجاهر بإنتماء جديد للحركة الشعبية: كرت الأتو الذي لا يعقب معارض على من دخل بيتها آمناً. واستنكرت ذلك كله من وردي والشيوعيين في مقالة نشرتها في ذلك الوقت تجدها أدناه. وسأنشر لاحقاً نص وثيقة "نحو حساسية شيوعية تجاه الإبداع والمبدعين" طالما كنا آخذين الحديث عن ذيولها). حكى لي السيد الحساني ملابسات قصيدة نظمها في امرأة أحسنت إليه. والحساني رباطابي وشاعر وطَيَّان: أي أنه بناء طين وجمعها طَيّانة. فقد بنى الحساني وزملاؤه للمرأة منزلاً سعدت ببهائه ورونقه. فدعتهم إلى وليمة عرفاناً بصنيعهم. وجاءت امرأة أخرى زائرة وعرفت جلية الوليمة فقالت مستخفة بالأمر كله: "إنتو يا بنات أمي الظاظا دي كلها للطيانه". فأنشأ الحساني القصيدة يشكر المرأة التي أولمت وظاظت لهم ويبخس الأخرى التي استنكرت أن تقام للطيانة كل تلك الظيطة والظمبريته. كان ينشدني إياها وهو يغالب ربو التدخين الذي استبد به في 1984 بجزيرة كرقس المحروسة. خطرت لي كلمة المرأة التي استنكرت ظاظة الطيانة وأنا أتابع بعض خبر الأستاذ محمد وردي والأحزاب. فقد قرأت على "سودانيزأونلاين" على الشبكة أنه قد تبرع بداره الغناء بالكلاكلة للحزب الشيوعي ليجعل منها مركزاً لنشاطه في كل الخرطوم جنوب. ثم قرأت بعد ذلك عن حضوره على رأس الجماعة النوبية اجتماعاً مع مسؤول للحركة الشعبية عن قطاع الشمال. وقلت مستفيداً من سابقة المرأة الرباطابية: " إنتو يا هوي الظاظا دي كلها للأحزاب". سبق أن كتبت عن فساد العلاقة ما بين الشيوعيين ووردي منذ اقتربت منه دولة الإنقاذ في سياق العاطفة الوطنية العارمة التي حفت بالفنان خلال محنته الصحية. وبلغ من فساد العلاقة أن الشيوعيين حظروا إذاعة أناشيده في أول ليلة سياسية لهم في الخرطوم. وقد استنكرت هذا الجفاء لفن وردي الجلل لرجل بارز منهم. وأصبح لا يُذكر وردي عند بعض الشيوعيين وشيعتهم في منابر الشبكة العولمية إلا بإيراد صورة أٌخذت له محفوفاً بدهاقنة الإنقاذ. وقد بلغ الأمر بالأستاذة سعاد إبراهيم أحمد، بمنزلتها المعروفة في الحزب الشيوعي، أن خلعت عنه وشاح "فنان الشعب" الذي سبق للشيوعيين إلباسهم إياه. ليس خافياً أن وردي اختار أن يتحول عن الحزب الشيوعي إلى الحركة الشعبية. وقرأت يوماً أنه بصدد إعلان هذا التحول في محفل. وربما كانت لوفاة الدكتور جون قرنق المفاجئة دخل في انضمامه عن سكات لها. وقد فضفض وردي بعض الشيء عن دخيلة تحولانه السياسية في حديث مع الأستاذ طاهر محمد على بجريدة الصحافة (22 يوليو 2005). وهو حديث أستدبر فيه الشيوعيين واستقبل عهداً يطلب فيه حق الاجتهاد الحر الناضج الموزون في متغيرات الوطن بلا وصاية. قال وردي، القادم من هامش النوبة، إنه قريب من روح الحركة الشعبية لأنها ألحت على مواطنة الجنوبيين المبخوسة. وقد بدأ وردي صلته بالحركة في عز المعارك بالجنوب عام 1990 حين غنى لمقاتليها في الغابة. وقال إنه أدى بزيارته واجب المواطنة إلى جماعة ظلوا في الدرجة الثالثة منها. وأضاف أنه صديق قوي لقرنق "باعتباره مواطناً حراً يعشق الحرية". وقد اختاره أعضاء اللجنة القومية لاستقبال قرنق رئيساً لهم بالنظر إلى علو كعبه في الإبداع وقبول كافة الأطراف له. وقال إن استقبال الدكتور الجماهيري فاق كل تصور فأحال كل الأناشيد السابقة إلى الاستيداع لقصورها عن جلال ذلك الاستقبال التلقائي ومغازيه. وقال إنه شديد العداوة للإنقاذ ولكنه لن يقطع شعرة معاوية معها. وهو يرى أن البلد مقبلة على تطور جديد سننبذ فيه الاستعلاء العرقي ونقبل الآخر مواطناً ذا حقوق وواجبات. ويستوجب هذا إعادة التفكير من الفنان الإنسان ينسى (ولا يغفر) ما فعلته الإنقاذ من اجل أمل جديد ووطن جديد. وقال إنه لم يغن طول حياته بإملاء من أحد. فحتى أناشيده لمقدم حركة الفريق عبود في 1958 وحركة نميري في 1969 كانت من وحي قناعته. ولا يرغب هو في أن ينحاز لفئة دون الأخرى لأنه فنان قومي يعترف بفضل أهل السودان قاطبة عليه خلال محن السجن والمرض. وقال إن هناك فئة متشجنة في اليمين واليسار تعتقد أنه ملك لفكر ما أو حزب ما. وهو يرفض هذا الزعم باحتكاره فهو مواطن وفنان يؤدي دوره في الحياة بتوازن وبعقيدة في حرية الإنسان وحرية الفنان. ويطلب من الناس أن يعطوه حريته في الحركة الإبداعية والفكرية حراً بلا قيد حزبي أو التزام به. فمبتغاه رضى الشعب وهو الجمهور والحكم. لا يخفى على القارئ استدبار وردي للشيوعيين، وهم رهطه القديم، واستقباله الحركة الشعبية. ووردي بالطبع حر في أن يختار من يهجر من الأحزاب وإلى من ينتمي من بينها. ولكن سيصعب عليه في المقابل أن "يوزن" (أو يدوزن) عضويته بالحركة الشعبية (وهي حزب بلائحة وبرنامج) مع مطلبه أن يكون حراً بلا قيود والتزامات حزبية. ويزيد الطين بلة أن هذه ليست المرة الأولي التي تطلع فيها وردي ليكون الفنان فوق الأحزاب ثم سرعان ما يعرج إلى حزب أو آخر يلتمس عضويته. فقد فضفض وردي عن مسألته هذه في حديث لجريدة الميثاق الإسلامي (19-5-1965). فاستغرب وردي لطلب محرر الجريدة الحديث إليه عن الفن لأنه لم يكن يعتقد أن الجريدة تهتم بالغناء. وسأله المحرر عن علاقته بجريدة الميدان الشيوعية فنفى وردي أن تكون له صلة بها وإنما هي أراء ترد عنه فيها ولا يرغب أن يحملها الناس اكثر من ذلك. وعبر عن قناعته عن أن الفنان يجب أن يبتعد عن "التيارات السياسية لأن الفنان مثل ضابط الجيش ملك للجميع فيجب أن يتصف بالحيدة وإذا كانت له ميول أو عواطف خاصة نحو حزب من الأحزاب يجب أن لا يجاهر بها لأنه سيفقد الكثير من محبيه. وبهذه المناسبة قال إنه يؤسفه أن بعض الزملاء قد عملوا عملاً سافراً في السياسة ولا يريد ان يعقب على ذلك سوى أن يقول إن الذي ارتضى العمل بالسياسة لا يضر إلا نفسه. ثبت وردي في حديثه القديم هذا عند حقه في التعبير عن نفسه وانتمائه لكل أناشيده. فقال إنه غني لانقلاب 17 نوفمبر الذي استبشر به الجميع وبايعه السادة الميرغني والمهدي. ولكن لما زاغ النظام عن الحق غنى عليه واستعدى عليه الوطن بنشيده عن الاستقلال حتى أن سدنة النظام أنزلوه من المسرح مرة عندما غناه. ونفى أن يكون نشيد "أصبح الصبح" كان جاهزاً قبل الثورة في 21 أكتوبر 1964 كما يزعم البعض. وقال إنه لحنه يوم 24 أكتوبر. ومن أخباره تلك الأيام على جريدة الميثاق الإسلامي أنه بصدد القيام برحلة فنية لكردفان ودارفور متعاقداً مع نادي المريخ الرياضي بنيالا وأنه فرغ من تلحين أغنية "نار الهوى" للشاعر الجيلي عبد المنعم ومشغول بتلحين أوبريت حلفا الذي وضع كلماته الأستاذ جعفر عثمان. أما اقرب فقرات الحديث القديم في جريدة الميثاق الإسلامي إلى حديث الصحافة الجديد فهو تلك التي أشاد فيها بالدكتور حسن الترابي زعيم جبهة الميثاق الإسلامي. فقد رحب وردي بكل جهد تبذله الجبهة لتنمية الفن وسأل المحرر أن يبعثوا بنشراتها وكتبها لدار نقابة الفنانين حتى تلم عضويتها بمواقفها بالمسائل وبخاصة الفنية. وأردف قائلاً "إنه معجب بشخصية الترابي وقد التقى به في فرنسا عندما كان يحضر للدكتوارة بفرنسا وقد زاد إعجابه عندما رآه يقود ثورة أكتوبر". فهذا قريب من كلمته عن الدكتور قرنق. قصدت من هذا العرض التاريخي لعلاقة وردي بالأحزاب (ولم يشتمل عرضي علاقته بالحزب الشيوعي فقد سبق وكتبت عن تحذير الأستاذ عبد الخالق محجوب المشفق له من الانضمام لحزبه قائلاً يا زول أبعد دمك من حزبي) أن أتحسر على قبضة الأحزاب علينا حتى أن إنساناً موهوباً جداً جداً جداً مثل وردي يضطر إلى التقلب في جنباتها برغم وعيه الحاذق أنه مشروع وطني حر طليق مبدع. فمن له قامة وردي خليق أن يرينا كيف نعشق هذا الوطن ونهبه العافية بمداخل شفيفة عديدة ليست الأحزاب إلا أكثر تلك الأبواب جلبة وضوضاء . . . وعلاقات عامة. يا وردي لماذا هذه الظاظا للأحزاب؟
أحدث المقالات
- عمر البشير واعطاء الكرسى حقه بقلم سعيد ابو كمبال 05-19-15, 02:53 AM, سعيد أبو كمبال
- مشاكل تُواجه المُغتربِينَ وأبنائِهم فى وزارة التعليم العالي بقلم إبراهيم عبدالله احمد أبكر 05-19-15, 02:50 AM, إبراهيم عبد الله أحمد أبكر
- محطة الباشا ! بقلم عماد البليك 05-19-15, 02:46 AM, عماد البليك
- عذاب !!! بقلم صلاح الدين عووضة 05-19-15, 02:44 AM, صلاح الدين عووضة
- هؤلاء الأشرار ليسوا هم البديل بقلم الطيب مصطفى 05-19-15, 02:43 AM, الطيب مصطفى
- مشروع وطن ..!! بقلم الطاهر ساتي 05-19-15, 02:41 AM, الطاهر ساتي
|
|
|
|
|
|