|
ياحليلنا يا من تبقى من الصحاب! بقلم هاشم كرار
|
صديقي نجيب نورالدين، مفعم بفرح الدنيا والعالمين، لكن صوته البارحة، هزني وأبكاني.
كان يتحدث من بين عبرتين، عن أحبابنا الذين رحلوا عنا، إلى الضفة الأخرى، العام الماضي.
كلما تقدم العمر، زادت الوحشة. حين يتقدم، نُصبح قليلا بالأنداد والصحاب، وخطاوينا تقودنا- مثلما قادتهم- إلى الرحيل!
متاعُ الدنيا قليل.. والعارفون يقولون إن من متاعها هذا العمرُ، الذي مايمر عليه يومُ، إلا وينتقص منه يومُ!
نقصانٌ في الصحاب.. ونقصانٌ في المروءة، والعافية، والحيلة، والقدرة على المرح والإبتسام، فما أعظم وحشتنا نحنُ العواجيزُ، وما أعظم الحسرة، يامن تبقى من الصحاب!
هزني صوتُ نجيب- وهو يأتيني بين كل حسرة ودمعة- أبكاني و... نبهني: أيهذا العمر: كذب من قال إن فيك، متسع!
لا متسع، ومن لم يمت بالسيف مات بقهر الحكام الفسدة، وبالغبن، والظلم، ورحيل الصحاب، وارتعاشة كف الحبيبة بالفراق.
فراق من بعد فراق، يعقبه فراق. ينهنه الرجال بالبكاء، وتنوح النائحات، ويصرخ الاطفال ونقيم المآتم: مأتما من بعد ماتم، لكأنما هم ونحن، لم يختبرنا الموت في كل مرة، ولم نختبره.. هذا الفراّق!
اختبارنا للموت، ليس اختبار العارفين حقا. ما من أحد منا، انشق عنه قبره، وجاءنا في كفن، ورائحته حنوط، ليحدثنا عن الموت، فما بالنا نبكي ونستبكي، ونقضي العمر حسرات، ونحن نموت كل ليل بالنوم، ويحيينا الحى الذي لا يموت، من بعد موتنا؟
يمضي الأقارب والصحاب، وضحكاتنا معهم لم تكتمل، ولا مشاورينا، ولا أحاديثنا.. أولم أقل لكم ان كل شئ هو ناقص بالفعل، وإلى نقصان، فتعالى الذي من أسمائه الكامل.. والذي من أسمائه الحى.
موتٌ من وراء موت.. ويبقى الموت مابقى حىٌ، مثلما كان مع أول روح.. نتحايل عليه، وهو الاوسع حيلة، ويأتينا.. فما أعظم غفلتنا، في هذه الحياة.. والحياة متاع إلى حين!
نسمع عن متاح الحياة القليل، ونقرأ.. ولا نستبين ذلك، إلا ونحن وراء عزيز في " آلة حدباء محمول" أو أمام قبر، تحته قبر، فوقه قبر ر، من تحت قبر، من فوق قبور.. ولا نخفف الوطء إذ نحن نمشي ياصحاب، ولا تورثنا القبور إلا من انتباهة قصيرة.
صديقي نجيب نور الدين، كان على خط الهاتف، تخنقه عبرة من وراء عبرة.. وأنا تخنقني عبرات... يآآآآآآآآه من هذا المصير الذي ينتظر كل أبن آدم وحواء.. وكل حى في هذا الوجود!
كل حى.. يبكي مماته هو..
أمي - يرحمها الله- كانت بين وقت وآخر، تقول : يااااحليلنا.. وياحليل كل حى وراهو الموت.. وتبكي..
ياااااحليلك يا أمي.. ويااااحليلنا يانجيب!
منصات حرة مكتبة بقلم نور الدين محمد عثمان نور الدين
|
|
|
|
|
|