كان عنوان ورشة امانة الفكر بالمؤتمر الوطني هو (الانحراف الفكري..الالحاد نموذجا) طبعا هذا العنوان يشي -بسهولة- بضعف خبرات من اقاموا هذه الورشة ، لأن العنوان وضع حكما مباشرا بأن الالحاد انحراف فكري ، وبالتالي كان من الأوفق ان يكون العنوان مباشرة هو ظاهرة الالحاد وليس الانحراف الفكري..خاصة أن عنوان الانحراف الفكري يضعهم -اي اصحاب الورشة-أمام اشكاليات كثيرة وشديدة التعقيد ، فأولا هل هناك ما يسمى بفكر منحرف ، ومنحرف عن ماذا، وماهو المقياس القياسي standard scale لقياس الانحراف ؟ وما هو الدليل على معيارية هذا المقياس القياسي ...الخ؟ لكن بالتأكيد مثل هذه الورش الدعائية لا تخضع لأي معايير مع ضعف الخبرات الواضحة حتى في ما طرحه الحاضرون في هذه الورشة من مواضيع اقرب الى الانشائية تلطفولية منها الى الموضوعية وبدون اسانيد احصائية صادرة عن جهات معتمدة قانونا في اصدارها.. (أهو كلام والسلام) ليقول مقيموا الورشة بأنهم (شغالين) ولا بأس من بعض الفتات الذي يحصل عليه المنظمون للورشة من ميزانية الدولة عبر خزينة الحزب الحاكم والمندمجة ذمتها المالية بذمة الدولة.. فهي تنفق على (الهايف) انفاق من لا يخشى الفقر. على أية حال نعود الى الأسئلة الرئيسية ، ومن أهمها ما هو الفكر .. الفكر ما ينتجه العقل من معالجات لاشكاليات قائمة أو ستقوم في المستقبل . مع ذلك نجد تفسيرا مقتضبا في قاموس اوكسفورد لكلمة فكر :(The formation of opinions, especially as a philosophy or system of ideas, or the opinions so formed.) إذن ؛ فكلمة فكر ليس مقطوعا بمفهومها لكنها باعتبارها عملية -ابستمولوجيا- مصدرها تفاعلات الدماغ في الانسان مع بيئته فإنها تشمل العديد من انواع الفكر ، ومن ثم فإن كلمة فكر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نخترع لها جهازا لقياسها بحيث يمثل مقياسا قياسيا . فضلا عن ذلك فإن من المستحيل الحديث عن فكر منحرف الا إن وضعنا فكرا آخر -كمسلمة- باستقامته وكل ما زاغ عنه صار منحرفا ؛ فما هو هذا الفكر القياسي الذي وضعه اصحاب الورشة وقد بلغهم وحي بأنه فكر مستقيم لا اعوجاج فيه؟ بالتأكيد هم يقصدون الفكر الإسلامي وليس الاسلام ، وبما أنهم يتحدثون عن فكر اسلامي فدعنا نسألهم أي فكر اسلامي تقصدون؟ هل فكر الشيعة ، أم السنة، وهل هو فكر التصوف ام المعتزلة ام الاشعرية ام الاسماعيلية ام أنصار السنة أم الاخوان المسلمين أم الداعشيين أم الوهابيين أم السروريين...الخ ؟؟؟؟ ابحثوا عن أي فكر اسلامي يدعي انه يمتلك الحقيقة المطلقة باستقامة لا اعوجاج فيها واسألوا اصحاب هذا الفكر: هل جاءكم وحي ام تنزل عليكم كتاب مبين ؟ أم خرقتم الحجب فنفذتم الى علم أم الكتاب بسلطان بين؟ أم عندكم برهان فتحاجوننا به؟ أم انتم تطلقون الكلام على عواهنه فلستم موقنون؟. واذ اسقط في ايديهم فلنعد الى أصل التساؤل في المقال: هل الالحاد فكر منحرف ؟ ومنحرف من ماذا؟ أولا كما قلت لا يمكن أن نقول بأن الالحاد فكر منحرف لأنه لا يوجد ما ينحرف عنه ، وانما هو فكر يمكن أن نقول مخالف لفكر آخر ، سواء كان هذا الفكر الآخر فكرا اسلاميا أم بوذيا أم شنتويا أم جينيا أم طاويا ام هندوسيا...الخ ... وعليه فإن بداية عنوان الورشة خاطئة تماما... او على الاقل محل نظر. أما تقييم الالحاد نفسه فكما سبق أن قلت أن الالحاد ينبع منذ تخصيب الحيوان المنوي للبويضة وتشكل الخلية المخصبة كجنين ومنذ أن يطلق الوليد صرخة مخاضه الأولى. في كل هذه المراحل وخاصة منذ الميلاد لا يحمل الطفل أي مفاهيم دينية كما أثبتت ذلك حالات ميلاد الكثير من الأطفال خارج الدائرة البشرية حيث يكبرون بدون أي مكتسبات دينية . انما يكتسب الطفل دينه بعد ميلاده من مجتمعه الأصغر وهو الاسرة او مجتمعه الأكبر اي القبيلة أو الدولة . تذكرت أنني عندما قلت ذلك ذهب أحدهم وأتاني بقصة حي بن يقظان وهي مجرد قصة كتبت قبل مئات السنين ولا يمكن الاعتداد بها علميا . على أية حال فكما قلت فالالحاد فطرة ، ومن ثم فهو ليس فكرا ، وعليه يكون الجزء الثاني من عنوان الورشة خاطئا... ولكن ليس خاطئا تماما اذا كانوا يقصدون الالحاد باعتباره ارتدادا عن عقيدة دينية ما ، حيث يقوم الفكر بتقييم لمدى حقيقة هذه العقيدة ليتوصل بعدها الى نتيجة بزيفها ، في هذه الحالة يمكن أن نعتبر حالة الوصول الى زيف العقيدة فكرا الحاديا معتمدين في ذلك على آلية الدماغ في انتاج حل لمشكلة ما. إن الفكر الالحادي في هذه اللحظة يعتبر تقييما ونقدا لعقيدة ما ، ولكنه ليس بالضرورة تقييما ونقدا لكل العقائد ، ولذلك فهو فكر يجد في الفطرة الأولى سندا كافيا لعدم البحث أو الخوض في باقي العقائد . ولذلك فحينما يتجادل الملحد حول قضايا طرحها دين معين نعرف مباشرة الخلفية العقائدية التي جاء منها . ندرك بسهولة أن محمولاته النقدية كلها تتكثف حول عقيدة واحدة محددة... وهناك مرحلة أبعد وهي حين يناقش الملحد الكليات من باب تأكيد نقده للعقيدة الواحدة فيتحول الى ملحد كوني ، فهو يجادل بانعدام كل الآلهة وبشرية كل الأديان عبر طرقه للتساؤلات الكلية العظيمة كخلق الكون أو أزليته أو أصل الانسان وخلاف ذلك من قضايا. لكنه في الواقع لا يحتاج لكل ذلك ، فهو في الحقيقة يمكن أن يكتفي بالمحجة الأولى أي الالحاد كفطرة.
اتفق معك تماما .ً.. فالهدف من هذه الندوات يفترض ان يكون الهدف منه تنوير الحضور والناس عموماً بمفاهيم محددة ولكن عندما تقوم بتناول هذه الموضوعات الحساسة بصورة خاطئة "ربما ظهرت من عنوان او شعار الندوة" فان ذلك، سوف يقود الى مزيد من التجهيل وايصال معلومات خاطئة.. فالاحرى ترك ما لا نعلم جيداً بدل الخوض فيه. فالعلم رسالة يجب ان توصل إلى الاخرين بكل امانة وشفافية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست